قدم يعقوب بن الليث في جحافل فدخل واسط قهرا، فخرج الخليفة المعتمد بنفسه من سامرا لقتاله، فتوسط بين بغداد وواسط، فانتدب له أبو أحمد الموفق بالله- أخو الخليفة- في جيش عظيم على ميمنته موسى بن بغا، وعلى ميسرته مسرور البلخي، فتقاتلوا قتالا شديدا، وقد ظهر من أصحاب يعقوب كراهة للقتال معه؛ إذ رأوا الخليفة يقاتله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه، حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب، وتبعهم أصحاب الموفق، فغنموا ما في عسكرهم، وكان فيه من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف، ومن الأموال ما يكل عن حمله، ومن جرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر من الأسر، وكان مثقلا بالحديد، وخلع عليه الموفق، وولاه الشرطة ببغداد بعد ذلك.


ولى المعتمد على الله ولده جعفرا العهد من بعده، وسماه المفوض إلى الله، وولاه المغرب، وضم إليه موسى بن بغا ولاية إفريقية ومصر والشام والجزيرة والموصل وأرمينية وطريق خراسان وغير ذلك، وجعل الأمر من بعد ولده لأبي أحمد المتوكل، ولقبه الموفق بالله، وولاه المشرق وضم إليه مسرورا البلخي وولاه بغداد والسواد والكوفة وطريق مكة والمدينة واليمن وكسكر وكور دجلة والأهواز وفارس وأصبهان والكرخ والدينور والري وزنجان والسند، وكتب بذلك مكاتبات وقرئت بالآفاق، وعلق منها نسخة بالكعبة.


كان سبب ذلك أن أحمد بن طولون قد أدمن الغزو بطرسوس قبل أن يلي مصر، فلما ولي مصر كان يؤثر أن يلي طرسوس ليغزو منها أميرا، فكتب إلى أبي أحمد الموفق يطلب ولايتها، فلم يجبه إلى ذلك، واستعمل عليها محمد بن هارون التغلبي، فركب في سفينة في دجلة فألقتها الريح إلى الشاطئ، فأخذه أصحاب مساور الشاري فقتلوه، واستعمل عوضه محمد بن علي الأرمني، وأضيف إليه أنطاكية، فوثب به أهل طرسوس فقتلوه، فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليها وكان غرا جاهلا فأساء السيرة، وأخر عن أهل لؤلؤة أرزاقهم وميرتهم، فضجوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكون منه ويقولون: إن لم ترسلوا إلينا أرزاقنا وميرتنا وإلا سلمنا القلعة إلى الروم.

فأعظم ذلك أهل طرسوس وجمعوا من بينهم خمسة عشر ألف دينار ليحملوها إليهم، فأخذها أرخوز ليحملها إلى أهل لؤلؤة، فأخذها لنفسه، فلما أبطأ عليهم المال سلموا القلعة إلى الروم، فقامت على أهل طرسوس القيامة؛ لأنها كانت شبحا في حلق العدو، ولم يكن يخرج للروم في بر أو بحر إلا رأوه وأنذروا به؛ واتصل الخبر بالمعتمد، فقلدها أحمد بن طولون، واستعمل عليها من يقوم بغزو الروم ويحفظ ذلك الثغر.


أقام أحمد بن طولون مسجدا ضخما أنفق في بنائه 120 ألف دينار، وقد اهتم بالأمور الهندسية في بنائه، ويعد مسجد ابن طولون المسجد الوحيد بمصر الذي غلب عليه طراز سامراء؛ حيث المئذنة الملوية المدرجة.

وقام السلطان لاجين بإدخال بعض الإصلاحات فيه، وعين لذلك مجموعة من الصناع، كما أمر بصناعة ساعة فيه، فجعلت قبة فيها طيقان صغيرة على عدد ساعات الليل والنهار وفتحة، فإذا مرت ساعة انغلقت الطاقة التي هي لتلك الساعة وهكذا، ثم تعود كل مرة ثانية.

وفي عهد الأيوبيين أصبح جامع ابن طولون جامعة تدرس فيه المذاهب الفقهية الأربعة، وكذلك الحديث والطب، إلى جانب تعليم الأيتام, وكان أحمد بن طولون قد بنى قصره عند سفح المقطم، وأنشأ الميدان أمامه، وبعد أن انتهى من تأسيس مدينة القطائع، شيد جامعه على جبل يشكر, وتم بناؤه سنة 265ه، وهذا التاريخ مدون على لوح رخامي مثبت على أحد أكتاف رواق القبلة, والجامع وإن كان ثالث الجوامع التي أنشئت بمصر، يعد أقدم جامع احتفظ بتخطيطه وكثير من تفاصيله المعمارية الأصلية.