هو المبتدع الضال شيخ الكرامية: محمد بن كرام بن عراف النيسابوري، الذي إليه تنسب الفرقة الكرامية, ولد بقرية من قرى زرنج بسجستان، ثم دخل خراسان, وأكثر الاختلاف إلى أحمد بن حرب الزاهد، كان زاهدا عابدا بعيد الصيت, كثير الأصحاب، ولكنه يروي الواهيات, خذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها, ثم جالس الجويباري، وابن تميم, ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وأخذ التقشف عن أحمد بن حرب، كان يقول بالتجسيم والتشبيه وأن الله محل للحوادث، وأن صفاته هي عوارض حادثة- تعالى الله عن ذلك- والإيمان عنده مجرد قول، وكان يجلس للوعظ في بيت المقدس عند العمود الذي عند مشهد عيسى عليه السلام، واجتمع عليه خلق كثير، ثم تبين لهم أنه يقول: إن الإيمان قول بلا عمل، فتركه أهلها ونفاه متوليها إلى غورزغر فمات بها، ونقل إلى بيت المقدس.

قال فيه الذهبي: "ونظيره في زهده وضلاله عمرو بن عبيد- نسأل الله السلامة- وأخبث مقالاته أن الإيمان قول بلا معرفة قلب"


كان سبب ذلك أن الأتراك ساروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم، وقالوا: أعطنا أرزاقنا حتى نقبل صالح بن وصيف، فلم يكن عنده ما يعطيهم، فنزلوا معه إلى خمسين ألف دينار، فأرسل المعتز إلى أمه يسألها أن تعطيه مالا ليعطيهم، فأرسلت إليه: ما عندي شيء, فلما رأى الأتراك أنهم لا يحصل لهم من المعتز شيء، ولا من أمه، وليس في بيت المال شيء، اتفقت كلمتهم وكلمة المغاربة والفراغنة، على خلع المعتز، فساروا إليه وصاحوا به فدخل إليه صالح بن وصيف، ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر، وبابكيال في السلاح، فجلسوا على بابه، فدخل إليه جماعة منهم، فجروه برجله إلى باب الحجرة، وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه، وكان بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده، وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه، ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، إلى أن مات.


هو أبو محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بيعته بعد خلع المعتز نفسه بين يديه وإشهاده عليه، فأول من بايعه المعتز ثم بايعه الخاصة، ثم كانت بيعة العامة على المنبر.


هو خفاجة بن سفيان أمير صقلية، وكان من الشجعان الغزاة المدبرين، تولى إمرة صقلية عام 248هـ وكانت عاصمته بلرم،  اغتاله رجل من عسكره وهو عائد من غزو سرقوسه قاصدا بلرم، فطعنه طعنة فقتله، ثم هرب القاتل إلى سرقوسة، وحمل خفاجة إلى بلرم، فدفن بها وولى الناس عليهم بعده ابنه محمدا، وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد، أمير إفريقية، فأقره على الولاية، وسير له العهد والخلع.


بعث المهتدي بكتاب إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر نائب الخليفة في بغداد يأمره بأخذ البيعة له، وكان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد، وكان المعتز قد سيره إليها، فأرسل سليمان إليه، فأخذه إلى داره،  فاجتمع العامة إلى باب دار سليمان، فقاتلهم أصحابه، وقيل لهم: ما يرد علينا من سامراء خبر، فانصرفوا ورجعوا الغد، وهو يوم الجمعة على ذلك، وخطب للمعتز ببغداد، فانصرفوا وبكروا يوم السبت، فهجموا على دار سليمان، ونادوا باسم أبي أحمد، ودعوا إلى بيعته، وسألوا سليمان أن يريهم أبا أحمد، فأظهره لهم، ووعدهم أن يصير إلى محبتهم إن تأخر عنهم ما يحبون، فانصرفوا بعد أن أكدوا عليه في حفظ أبي أحمد، وذلك قبل أن يعلم أهل بغداد بما وقع بسامرا من بيعة المهتدي، فقتل من أهل بغداد وغرق منهم خلق كثير، ثم لما بلغهم بيعة المهتدي سكنوا, ثم أرسل إليهم من سامراء مال ففرق فيهم، فرضوا وبايعوا للمهتدي لسبع خلون من شعبان، وسكنت الفتنة، فاستقرت الأمور واستقر المهتدي في الخلافة.


هو أبو عبد الله، الزبير بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي العباسي.

ولد سنة 233ه, وأمه أم ولد رومية تسمى قبيحة, وما رئي في زمانه أصبح وجها منه ولا من أمه قبيحة، تولى الخلافة بعد أن عزل الأتراك المستعين بالله وأخذوا البيعة له، ثم دبر من يقتل المستعين بعد عزله من الخلافة، وكان المعتز أمرد حين ولي الخلافة, وهو ابن عشرين سنة أو دونها, وجلس جلوسا عاما للناس, فلما كان بعد أشهر من ولايته، خلع أخاه المؤيد بالله إبراهيم من العهد، فما بقي إبراهيم حتى مات، وخاف المعتز من أن يتحدث الناس أنه سمه، فأحضر القضاة حتى شاهدوه، وما به أثر، كانت دولة المعتز مستضعفة مع الأتراك، اتفق القواد منهم، وقالوا له: أعطنا أرزاقنا, فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم، فشحت عليه، فتجمع الأتراك لخلعه، وأتوا الدار, وبعثوا إلى المعتز ليخرج إليهم, فقال: قد شربت دواء، وأنا ضعيف، فهجم جماعة منهم عليه، فجروه وضربوه، وأقاموه في الحر، فبقي يتضور وهم يلطمونه، ويقولون: اخلع نفسك, ثم أحضروا القاضي والعدول، وخلعوه، وأقدموا من بغداد إلى سامرا محمد بن الواثق، وكان المعتز قد أبعده، فسلم المعتز إليه الخلافة، وبايعوه، ولقب بالمهتدي بالله.

ثم أخذ الأتراك المعتز بعد خمسة أيام فعذبوه ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سردابا فيه جص جير فدسوه فيه فأصبح ميتا، فاستلوه من الجص سليم الجسد وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر.

مات عن عمر ثلاث وعشرين سنة, وصلى عليه المهتدي بالله، ودفن مع أخيه المنتصر، فكانت مدة خلافته أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما، ولما قتل المعتز وجدوا عند أمه قبيحة أموالا عظيمة، وجواهر نفيسة، كان من جملة ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار، ومن الزمرد والياقوت الأحمر الذي لم ير مثله.


وقعت فتنة ببغداد بين محمد بن أوس البلخي ومن تبعه وبين الشاكرية والجند وغيرهم من العامة والرعاع، فوثبت الشاكرية ببغداد بمحمد بن أوس، والسبب في ذلك أن محمد بن أوس قدم بغداد مع سليمان بن عبد الله بن طاهر، وهو على الجيش القادم من خراسان، ومع سليمان الصعاليك الذين تألفهم سليمان بالري، ولم تكن أسماؤهم في ديوان السلطان بالعراق، والجند والشاكرية يصيحون في طلب مال البيعة, وكان الحسين بن إسماعيل يحرض العامة على محمد بن أوس ومن قدم مع سليمان أنهم يقصدون أخذ أموالهم والفوز بها دونهم، حتى امتلأت قلوبهم غيظا, فاجتمع من العامة نحو مائة ألف، وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسوط، فقتل خلق كثير، ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابه، فنهبت العامة ما وجدوا من أمواله، وهو ما يعادل ألفي ألف أو نحو ذلك، ثم اتفق الحال على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد، فخرج منها خائفا طريدا؛ وذلك لأنه لم يكن عند الناس مرضي السيرة.


كان أول ظهور لثورة صاحب الزنج  الدعي علي بن محمد عام 255هـ وبدأ يستفحل أمره وتوالت الحروب بينه وبين جيوش الخلافة مرة تلو الأخرى، وكل ذلك لم يظفروا به، فدخل البصرة والسبخة والأبلة وعبادان والأهواز، حتى خافه كثير من أهل البصرة وفروا خارج البصرة، فكان هذا بداية لدولتهم الجديدة المؤسسة أصلا على الزنج من العبيد الفارين والمتمردين على أسيادهم، ومن أسر من العبيد في حروبه.


ظهر بمصر إنسان علوي ذكر أنه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن طباطبا، وكان ظهوره بين الرقة والإسكندرية، وسار إلى الصعيد، وكثر أتباعه، وادعى الخلافة، فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فقاتلوه، وانهزم أصحابه عنه، وثبت هو فقتل، وحمل رأسه إلى مصر.


لما ولي أحمد بن طولون مصر سكن مدينة العسكر على عادة أمراء مصر من قبله، ثم أحب أن يبني له قصرا، فبنى القطائع.

والقطائع قد زالت آثارها الآن من مصر، ولم يبق لها رسم يعرف، وكان موضعها من قبة الهواء، التي صار مكانها الآن قلعة الجبل، إلى جامع ابن طولون، وهو طول القطائع، وأما عرضها فإنه كان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف الآن بالأرض الصفراء, وكانت مساحة القطائع ميلا في ميل, وقبة الهواء كانت في السطح الذي عليه قلعة الجبل.

وتحت قبة الهواء كان قصر ابن طولون.

وموضع هذا القصر الميدان السلطاني الآن الذي تحت قلعة الجبل بالرميلة, وكان موضع سوق الخيل والحمير والبغال والجمال بستانا.

يجاورها الميدان الذي يعرف اليوم بالقبيبات؟ فيصير الميدان فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون المعروف به.

وبجوار الجامع دار الإمارة في جهته القبلية، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة المحيطة بمصلى الأمير إلى جوار المحراب، وهناك دار الحرم.

والقطائع عدة قطع يسكن فيها عبيد الأمير أحمد بن طولون وعساكره وغلمانه.

وسبب بناء ابن طولون القصر والقطائع كثرة مماليكه وعبيده، فضاقت دار الإمارة عليهم، فركب إلى سفح الجبل وأمر بحرث قبور اليهود والنصارى، واختط موضعهما وبنى القصر والميدان، ثم أمر أصحابه وغلمانه أن يختطوا لأنفسهم حول قصره وميدانه بيوتا فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط- مصر القديمة- ثم بنيت القطائع، وسميت كل قطيعة باسم من سكنها.

فكان للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم، وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم، وللفراشين قطيعة مفردة تعرف بهم، ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم، وبنى القواد مواضع متفرقة، وعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والأزقة، وعمرت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات، والأفران والحوانيت والشوارع, ولما بنى ابن طولون القصر والميدان، وعظم أمره زادت صدقاته ورواتبه حتى بلغت صدقاته المرتبة في الشهر ألفي دينار، سوى ما كان يطرأ عليه من مصاريف أخرى، وكان يقول: هذه صدقات الشكر على تجديد النعم، ثم جعل مطابخ للفقراء والمساكين في كل يوم، فكان يذبح فيها البقر والغنم ويفرق للناس في القدور الفخار والقصع، ولكل قصعة أو قدر أربعة أرغفة: في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القدر أو القصعة، وكان في الغالب يعمل سماط عظيم وينادى في مصر: من أحب أن يحضر سماط الأمير فليحضر، ويجلس هو بأعلى القصر ينظر ذلك ويأمر بفتح جميع أبواب الميدان ينظرهم وهم يأكلون ويحملون فيسره ذلك، ويحمد الله على نعمته.

وجعل بالقرب من قصره حجرة فيها رجال سماهم بالمكبرين عدتهم اثنا عشر رجلا، يبيت في كل ليلة منهم أربعة يتعاقبون بالليل نوبا، يكبرون ويهللون ويسبحون ويقرؤون القرآن بطيب الألحان ويترسلون بقصائد زهدية ويؤذنون أوقات الأذان.


ظهر بصعيد مصر إنسان ذكر أنه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب العلوي، ويعرف بابن الصوفي، وملك مدينة أسنا ونهبها وعم شره البلاد.

فسير إليه أحمد بن طولون جيشا فهزمه العلوي، وأسر المقدم على الجيش، فقطع يديه ورجليه وصلبه؛ فسير إليه ابن طولون جيشا آخر فالتقوا بنواحي إخميم، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم العلوي، وقتل كثير من رجاله، وسار هو حتى دخل الواحات.