فتح المسلمون مدينة قصريانة، وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية، وكان الملك قبلها يسكن سرقوسة، فلما ملك المسلمون بعض الجزيرة نقل دار الملك إلى قصريانة لحصانتها.

وسبب فتحها أن العباس بن الفضل- أمير صقلية- سار في جيوش المسلمين إلى مدينة قصريانة، وسرقوسة، وسير جيشا في البحر، فلقيهم أربعون شلندي للروم، فاقتتلوا أشد قتال، فانهزم الروم، وأخذ منهم المسلمون عشر شلنديات برجالها، وعاد العباس بن الفضل إلى مدينته.

فلما كان الشتاء سير سرية، فبلغت قصريانة، فنهبوا وخربوا، وعادوا ومعهم رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة، فأمر العباس بقتله، فقال: استبقني، ولك عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: أملكك قصريانة، والطريق في ذلك أن القوم في هذا الشتاء وهذه الثلوج آمنون من قصدكم إليهم، فهم غير محترسين، ترسل معي طائفة من عسكركم حتى أدخلكم المدينة.

فانتخب العباس ألفي فارس أنجاد أبطال، وسار إلى أن قاربها، وكمن هناك مستترا وسير عمه رباحا في شجعانهم، فساروا مستخفين في الليل، فنصبوا السلاليم، وصعدوا الجبل، ثم وصلوا إلى سور المدينة، قريبا من الصبح، والحرس نيام، فدخلوا من نحو باب صغير فيه، فدخل المسلمون كلهم، فوضعوا السيف في الروم، وفتحوا الأبواب.

وجاء العباس في باقي العسكر، فدخلوا المدينة وصلوا الصبح يوم الخميس منتصف شوال، وبنى فيها في الحال مسجدا ونصب فيه منبرا وخطب فيه يوم الجمعة، وقتل من وجد فيها من المقاتلة، وأخذوا ما فيها من بنات البطارقة بحليهن، وأبناء الملوك، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه، وذل الشرك يومئذ بصقلية ذلا عظيما.

ولما سمع الروم أرسل ملكهم بطريقا من القسطنطينية في ثلاثمائة شلندي وعسكر كثير، فوصلوا إلى سرقوسة، فخرج إليهم العباس من المدينة، ولقي الروم وقاتلهم، فهزمهم، فركبوا في مراكبهم هاربين، وغنم المسلمون منهم مائة شلندي، وكثر القتل فيهم، ولم يصب من المسلمين ذلك اليوم غير ثلاثة نفر بالنشاب.


بعث ملك الروم بأسرى من المسلمين، ويسأل المفاداة بمن عنده وكان الذي قدم من قبل صاحب الروم رسولا إلى المتوكل شيخا يدعى أطرو بيليس، معه سبعة وسبعون رجلا من أسرى المسلمين أهداهم ميخائيل بن توفيل ملك الروم إلى المتوكل، فأنزل على شنيف الخادم، ثم وجه المتوكل نصر بن الأزهر مع رسول صاحب الروم، فشخص في هذه السنة ولم يقع الفداء إلا في سنة ست وأربعين.


خرج المجوس (النورماند) إلى ساحل البحر بالغرب، في اثني وستين مركبا، فوجدوا البحر محروسا، ومراكب المسلمين معدة، تجري من حائط إفرنجة إلى حائط جليقية في الغرب الأقصى، فتقدم مركبان من مراكب المجوس، فتلاقت بهم المراكب المعدة، فوافوا هذين المركبين في بعض كسور باجة؛ فأخذوهما بما كان فيهما من الذهب والفضة والسبي والعدة.

ومرت سائر مراكب المجوس في الريف حتى انتهت إلى مصب نهر إشبيلية في البحر، فأخرج الأمير الجيوش، ونفر الناس من كل أوب، وكان قائدهم عيسى بن الحسن الحاجب.

وتقدمت المراكب من مصب نهر إشبيلية حتى حلت بالجزيرة الخضراء، فتغلبوا عليها، وأحرقوا المسجد الجامع بها، ثم جازوا إلى العدوة فاستباحوا أريافها، ثم عادوا إلى ريف الأندلس، وتوافوا بساحل تدمير، ثم انتهوا إلى حصن أوربولة، ثم تقدموا إلى إفرنجة فشتوا بها، وأصابوا بها الذراري والأموال، وتغلبوا بها على مدينة سكنوها، فهي منسوبة إليهم إلى اليوم، حتى انصرفوا إلى ريف بحر الأندلس، وقد ذهب من مراكبهم أكثر من أربعين مركبا، ولقيهم مراكب الأمير محمد، فأصابوا منها مركبين بريف شذونة، فيها الأموال العظيمة.

ومضت بقية مراكب المجوس.


وقعت بين البربر وعسكر أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقعة عظيمة، وسببها أن بربر لهان امتنعوا على عامل طرابلس من أداء عشورهم وصدقاتهم، وحاربوه فهزموه، فقصد لبدة فحصنها وسار إلى طرابلس، فسير إليه أحمد بن محمد الأمير جيشا مع أخيه زيادة الله، فانهزم البربر، وقتل منهم خلق كثير، وسير زيادة الله الخيل في آثارهم، فقتل من أدرك منهم، وأسر جماعة، فضربت أعناقهم، وأحرق ما كان في عسكرهم، فأذعن البربر بعدها وأعطوا الرهن، وأدوا طاعتهم.


يعتبر مسجد القرويين بفاس من أعرق المساجد المغربية وأقدمها.

وتكاد تجمع الدراسات التاريخية على أن هذا المسجد بنته فاطمة الفهرية (أم البنين) في عهد دولة الأدارسة، أما بداية بناء مسجد القرويين فشرع في حفر أساس مسجد القرويين والأخذ في أمر بنائه هذه السنة بمطالعة الإدريسي يحيى الأول، وأم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكرا لله، علما أنه وجد لوحة منقوشة عثر عليها- عند أعمال الترميم- في البلاط الأوسط، فوق قوس المحراب القديم الذي كان للقرويين قبل قيام المرابطين بتوسعة المسجد، لقد اكتشفت مدفونة تحت الجبس، وقد كتب عليها- في جملة ما كتب- بخط كوفي إفريقي عتيق: بني هذا المسجد في شهر ذي القعدة من سنة ثلاث وستين ومائتين، مما أمر به الإمام- أعزه الله- داود بن إدريس، أبقاه الله.
.
.

ونصره نصرا عزيزا.