كان سبب ذلك أن إبراهيم قبض على عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسه، وأخذ عدة من قواده وأهله، فحبسهم ونجا بعضهم، وفيمن نجا أخو عيسى العباس بن محمد، ومشى بعض أهله إلى بعض، وحرضوا الناس على إبراهيم، وكان أشدهم العباس بن محمد، وكان هو رأسهم، فاجتمعوا وطردوا عامل إبراهيم على الجسر، والكرخ وغيره، وظهر الفساق والشطار، وكتب العباس إلى حميد بن عبد الحميد يسأله أن يقدم عليهم حتى يسلموا إليه بغداد، فقدم عليهم، وسار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده.

وخرج إليه العباس وقواد أهل بغداد، فلقوه، ووعدهم أن يصنع لهم العطاء يوم السبت في الياسرية على أن يدعوا للمأمون بالخلافة يوم الجمعة، ويخلعوا إبراهيم، فأجابوه إلى ذلك.

ولما بلغ إبراهيم الخبر أخرج عيسى ومن معه من إخوته من الحبس، وسأله أن يرجع إلى منزله، ويكفيه أمر هذا الجانب، فأبى عليه.

ثم بعد ذلك رضي فخلى سبيله، وأخذ منه كفلاء، وكلم عيسى الجند، ووعدهم أن يعطيهم مثل ما أعطاهم حميد بن عبد الحميد، فأبوا ذلك، وشتموه وأصحابه، وقالوا: لا نريد إبراهيم، فقاتلهم ساعة، ثم ألقى نفسه في وسطهم، حتى أخذوه شبه الأسير، فأخذه بعض قواده، فأتى به منزله، ورجع الباقون إلى إبراهيم، فأخبروه الخبر، فاغتم لذلك.

ثم اختفى إبراهيم بن المهدي؛ وكان سبب ذلك أن أصحاب إبراهيم وقواده تسللوا إلى حميد بن عبد الحميد فصار عامتهم عنده، وأخذوا له المدائن.

فلما رأى إبراهيم فعلهم أخرج جميع من بقي عنده حتى يقاتلوا فالتقوا على جسر نهر ديالى، فاقتتلوا فهزمهم حميد وتبعهم أصحابه، حتى دخلوا بغداد، وذلك نهاية ذي العقدة.

فلما كان الأضحى اختفى الفضل بن الربيع، ثم تحول إلى حميد بن عبد الحميد، وجعل الهاشميون والقواد يأتون حميدا واحدا بعد واحد، فلما رأى ذلك إبراهيم سقط في يديه، وشق عليه، اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة.

وكانت أيام إبراهيم سنة وأحد عشر شهرا واثني عشر يوما.


كان شخص من بني زياد بن أبيه، اسمه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد، مع جماعة من بني أمية، قد سلمهم المأمون إلى الفضل بن سهل ذي الرياستين، وقيل إلى أخيه الحسن، وبلغ المأمون اختلال أمر اليمن، فأثنى ابن سهل على محمد بن زياد الأموي، وأشار بإرساله أميرا على اليمن، فأرسل المأمون محمد بن زياد، ومعه جماعة، فحج ابن زياد في سنة ثلاث ومائتين، وسار إلى اليمن، وفتح تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب، واستقرت قدم ابن زياد باليمن، وبنى مدينة زبيد، واختطها في سنة أربع ومائتين، وأرسل ابن زياد مولاه جعفرا بهدايا جليلة إلى المأمون، فسار جعفر بها إلى العراق، وقدمها إلى المأمون في سنة خمس ومائتين، وعاد جعفر إلى اليمن في سنة ست ومائتين، ومعه عسكر من جهة المأمون، بمقدار ألفي فارس، فعظم أمر ابن زياد، وملك إقليم اليمن بأسره وتقلد جعفر الجبال، واختط بها مدينة يقال لها المديحرة، والبلاد التي كانت لجعفر تسمى إلى اليوم مخلاف جعفر، والمخلاف عبارة عن قطر واسع، وكان جعفر هذا من الكفاة الدهاة، وبه تمت دولة بني زياد، حتى قتل ابن زياد بجعفرة، وبقي محمد بن زياد كذلك حتى توفي.

فكان ذلك أول قيام الدولة الزيادية باليمن.


لما خلع إبراهيم بن المهدي واختفى وانقطعت الفتن، قدم المأمون بغداد، وكان قد أقام بجرجان شهرا وجعل يقيم بالمنزل اليوم واليومين والثلاثة، وأقام بالنهروان ثمانية أيام، فخرج إليه أهل بيته والقواد، ووجوه الناس، وسلموا عليه.

وكان قد كتب إلى طاهر بن الحسين، وهو بالرقة، ليوافيه بالنهروان، فأتاه بها ودخل بغداد منتصف صفر، ولباسه ولباس أصحابه الخضرة، فلما قدم بغداد نزل الرصافة، ثم تحول ونزل قصره على شاطئ دجلة، وأمر القواد أن يقيموا في معسكرهم.

وكان الناس يدخلون عليه في الثياب الخضر، وكانوا يخرقون كل ملبوس يرونه من السواد على إنسان، فمكثوا بذلك ثمانية أيام، فتكلم بنو العباس وقواد أهل خراسان، وقيل: إنه أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أول حاجة سأله أن يلبس السواد، فأجابه إلى ذلك، وجلس للناس، وأحضر سوادا فلبسه، ودعا بخلعة سوداء فألبسها طاهرا، وخلع على قواده السواد، فعاد الناس إليه.