كان سبب ذلك أن المأمون جعل علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، ولقبه الرضا من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر، وكتب بذلك إلى الآفاق، وكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد بعد عوده إلى بغداد يعلمه أن المأمون قد جعل علي بن موسى ولي عهده من بعده.

وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأمر عيسى بن محمد أن يأمر من عنده من أصحابه، والجند، والقواد، وبني هاشم بالبيعة له، ولبس الخضرة، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فثار العباسيون وقالوا: إنما يريد أن يأخذ الخلافة من ولد العباس، وإنما هذا من الفضل بن سهل، فمكثوا كذلك أياما وتكلم بعضهم وقالوا: نولي بعضنا ونخلع المأمون، فكان أشدهم فيه منصور وإبراهيم ابنا المهدي.


لما جاء الخبر أن المأمون بايع لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن الحسين بالولاية من بعده؛ وذلك أن المأمون رأى أن عليا الرضا خير أهل البيت، وليس في بني العباس مثله في علمه ودينه، فجعله ولي عهده من بعده- اختلفوا فيما بينهم، فمن مجيب مبايع، ومن آب ممانع، وجمهور العباسيين على الامتناع من ذلك، وقام في ذلك ابنا المهدي إبراهيم ومنصور، فلما كان يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة فأظهر العباسيون البيعة لإبراهيم بن المهدي، ولقبوه بالمبارك- وكان أسود اللون- ومن بعده لابن أخيه إسحاق بن موسى بن المهدي، وخلعوا المأمون.

فلما كان يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة أرادوا أن يدعوا للمأمون ثم من بعده لإبراهيم فقالت العامة: لا تدعوا إلا إلى إبراهيم فقط، واختلفوا واضطربوا فيما بينهم، ولم يصلوا الجمعة، وصلى الناس فرادى أربع ركعات.


أبو العباس عبد الله الأول بن إبراهيم أحد حكام الأغالبة، تولى بعد وفاة والده إبراهيم بن الأغلب سنة 196هـ.

وكان أبو العباس يلي طرابلس لأبيه، فأخذ أخوه زيادة الله البيعة له من رؤساء الجند، ثم دخل القيروان سنة 197هـ, وأقره الخليفة المأمون على ما بيده من إفريقية.

عامل أبو العباس سكان البلاد معاملة تنطوي على الكثير من العنت والجور، ولم يصغ إلى نصائح أهل الرأي فيها.

وعدل نظام الضرائب فجعل العشر ضريبة مالية ثابتة، حتى لا يتأثر الدخل السنوي بالخصب والجدب، فسخط الناس عليه، وطالبوا بإلغائها والعودة إلى نظام العشر الذي اعتادوه، كما عامل أخاه زيادة الله ولي عهده معاملة سيئة، وكذلك فعل مع أهل بيته.

وكان أبو العباس أفصح أهل بيته لسانا وأكثرهم أدبا، وكان يقول الشعر، ويرعى الشعراء.

وكانت إمارته خمس سنين ونحو شهرين.


لما توفي أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، ولي بعده أخوه محمد زيادة الله بن إبراهيم، وبقي أميرا رخي البال وادعا والدنيا عنده آمنة.

ثم جهز جيشا في أسطول البحر إلى مدينة سردانية، وهي للروم، فعطب بعضها بعد أن غنموا من الروم، وقتلوا كثيرا، فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم.


بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة، ولقبوه المبارك، وخلعوا المأمون، وبايعه سائر بني هاشم، فكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبدالله بن مالك، فكان الذي سعى في هذا الأمر السندي، وصالحا صاحب المصلى، ونصيرا الوصيف، وغيرهم؛ غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس، ولتركه لباس آبائه من السواد.

فلما فرغ من البيعة وعد الجند رزق ستة أشهر، ودافعهم بها فشغبوا عليه، فأعطاهم لكل رجل مائتي درهم، وكتب لبعضهم إلى السواد بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميع، وأخذوا نصيب السلطان وأهل السواد، واستولى إبراهيم على الكوفة والسواد جميعه، وعسكر بالمدائن، واستعمل على الجانب الغربي من بغداد العباس بن موسى الهادي، وعلى الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي.