ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة، وذلك أنه أصبح يوما وقد لبس البياض وجلس في المسجد النبوي، وجاء الناس إلى الصلاة، فلما رأوه ولوا راجعين، والتف عليه جماعة فبايعوه على الكتاب والسنة والرضا من أهل البيت, وكان سبب خروجه أن متولي المدينة خرج منها إلى بغداد ليهنئ الخليفة الهادي بالولاية ويعزيه في أبيه.

ثم جرت أمور اقتضت خروجه، والتف عليه جماعة وجعلوا مأواهم المسجد النبوي، ومنعوا الناس من الصلاة فيه، ولم يجبه أهل المدينة إلى ما أراده، بل جعلوا يدعون عليه لانتهاكه المسجد، حتى ذكر أنهم كانوا يقذرون في جنبات المسجد، وقد اقتتلوا مع المسودة مرات، فقتل من هؤلاء وهؤلاء.

ثم ارتحل إلى مكة فأقام بها إلى زمن الحج، فبعث إليه الهادي جيشا فقاتلوه بعد فراغ الناس من الموسم، فقتلوه وقتلوا طائفة من أصحابه، وهرب بقيتهم وتفرقوا شذر مذر, منهم إدريس بن عبدالله الذي أسس دولة الأدارسة العلوية بالمغرب, وكان موقع المعركة يسمى فخ بمكة عبارة عن فج من فجاجها.


هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن: من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، إمام اللغة المعروف، ولد سنة 100هـ ونشأ بالبصرة، وأخذ النحو والقراءة والحديث عن أئمة العربية وكبار الرواة، رحل إلى البادية فسمع الفصيح وجمع الغريب، حتى نبغ في اللغة فأصبح علمها المشهور، وعنه أخذ سيبويه، انكب على العلم يستنبط ويعلم ويؤلف، مع تقشف في المعيشة وزهد، قيل: كان أولا على مذهب الخوارج الإباضية، ثم رجع إلى مذهب أهل السنة، وهو أول من ابتكر علم العروض، وابتكر المعجمات ووضع الخط على الشكل المستعمل، ألف في العروض والخط والشكل والنقط والإيقاع، وأما أهم مؤلفاته فهو كتاب "العين" وهو معجم مرتب على حسب مخارج الحروف، مبتدئا بحرف العين، فسمي بذلك، لكنه لم يتمه، وكان سبب موته أنه اصطدم رأسه بسارية في المسجد ارتج منها دماغه، فكانت سبب موته.


لما توفي يزيد بن حاتم المهلبي، والي إفريقية، وكان قد استخلف عليها ابنه داود، فانتقضت جبال باجة، وخرج فيها الإباضية، فسير إليهم داود جيشا فظفر بهم الإباضية، وهزموهم، فجهز إليهم جيشا آخر، فهزمت الإباضية، فتبعهم الجيش، فقتلوا منهم فأكثروا، وبقي داود أميرا إلى أن استعمل الرشيد عمه روح بن حاتم المهلبي أميرا على إفريقية.


كان أول الأمر في قرطبة عندما فتحها المسلمون أن بنوا المسجد فيها بجانب الكنيسة العظيمة فيها، ثم لما ازداد عدد المسلمين وضاق عليهم المسجد، نظر عبدالرحمن الداخل في أن يوسعه فاشترى من النصارى كنيستهم بعد أن دفع لهم ما أرادوه من المال، وأوسع في ذلك، فأمر بتحويله إلى مسجد وضمه للقديم، وكان ذلك في عام كامل.


هو موسى الهادي بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو محمد ولي الخلافة في محرم سنة تسع وستين ومائة.

مات وله من العمر ثلاث وعشرون سنة، ويقال: إنه لم يل الخلافة أحد قبله في سنه، وكان حسنا جميلا طويلا، أبيض، وكان قويا شهما خبيرا بالملك كريما، ومن كلامه: "ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات، ليقل الطمع عن الملك".

سار على طريقة أبيه المهدي في تتبع الزنادقة واستئصالهم.

واختلف في سبب وفاته، فقيل: كان سببها قرحة كانت في جوفه، وقيل: مرض وهو بحديثة الموصل، وعاد منها مريضا فتوفي، وقيل: إن وفاته كانت من قبل جوار لأمه الخيزران كانت أمرتهن بقتله، وكان سبب أمرها بذلك أنه لما ولي الخلافة منعها من أن تتصرف بأي شيء في أمور الخلافة أو الشفاعات وغيرها, وصلى عليه الرشيد، ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه، فكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر.


أراد الهادي أن يعهد لابنه جعفر بدلا من أخيه هارون الرشيد الذي عينه والده المهدي واليا ثانيا للعهد.

وألح الهادي على ذلك وشجعه جماعة من ولاته, لكن خالد بن يحيى البرمكي نبهه أن جعفر ما زال صغيرا لم يبلغ الحنث، ثم إن هذا سيجعل الناس تستخف بأيمانها، فرجع الهادي عن رأيه في عزل الرشيد, والعجيب أن الرشيد كان مسالما لأخيه الهادي في هذا الأمر دون أن يبدي أي اعتراض, حتى جاءه الرشيد يوما فجلس عن يمينه بعيدا عنه، فجعل الهادي ينظر إليه مليا، ثم قال: يا هارون، تطمع أن تكون وليا للعهد حقا؟ فقال: إي والله، ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت، ولأنصفن من ظلمت، ولأزوجن بنيك من بناتي.

فقال: ذاك الظن بك.

فقام إليه هارون ليقبل يده، فحلف الهادي ليجلس معه على السرير فجلس معه، ثم أمر له بألف ألف دينار، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد، وإذا جاء الخراج دفع إليه نصفه.

ففعل ذلك كله ورضي الهادي عن الرشيد, فاستلم هارون الرشيد زمام الخلافة في اليوم التالي لوفاة أخيه الهادي.