خرج حسان بن مجالد بن يحيى بن مالك بن الأجدع الهمداني، وكان خروجه بنواحي الموصل بقرية تسمى بافخارى، قريب من الموصل على دجلة، فخرج إليه عسكر الموصل، وعليها الصقر بن نجدة، فالتقوا واقتتلوا وانهزم عسكر الموصل على الجسر، وأحرق الخوارج أصحاب حسان السوق هناك ونهبوه.

ثم إن حسان سار إلى الرقة ومنها إلى البحر ودخل إلى بلد السند، وكانت الخوارج من أهل عمان يدخلونهم ويدعونهم، فاستأذنهم في المصير إليهم، فلم يجيبوه، فعاد إلى الموصل، فخرج إليه الصقر أيضا والحسن بن صالح بن حسان الهمداني وبلال القيسي، فالتقوا فانهزم الصقر وأسر الحسن بن صالح وبلال، فقتل حسان بلالا واستبقى الحسن؛ لأنه من همدان، ففارقه بعض أصحابه لهذا، وكان حسان قد أخذ رأي الخوارج عن خاله حفص بن أشيم، وكان من علماء الخوارج وفقهائهم، ولما بلغ المنصور خروج حسان، قال: خارجي من همدان؟ قالوا: إنه ابن أخت حفص بن أشيم.

فقال: فمن هناك؟ وإنما أنكر المنصور ذلك؛ لأن عامة همدان شيعة لعلي، وعزم المنصور على إنفاذ الجيوش إلى الموصل والفتك بأهلها، فأحضر أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وقال لهم: إن أهل الموصل شرطوا إلي أنهم لا يخرجون علي، فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم، وقد خرجوا.

فسكت أبو حنيفة وتكلم الرجلان وقالا: رعيتك، فإن عفوت فأهل ذلك أنت، وإن عاقبت فبما يستحقون.

فقال لأبي حنيفة: أراك سكت يا شيخ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أباحوك ما لا يملكون، أرأيت لو أن امرأة أباحت فرجها بغير عقد نكاح وملك يمين، أكان يجوز أن توطأ؟! قال: لا! وكف عن أهل الموصل، وأمر أبا حنيفة وصاحبيه بالعودة إلى الكوفة.


نكث أصبهبذ طبرستان العهد الذي كان بينه وبين المسلمين، وقتل طائفة ممن كان بطبرستان، فجهز إليه المنصور جيشا بقيادة خازم بن خزيمة، وروح بن حاتم، ومعهم مرزوق أبو الخصيب، مولى المنصور، فحاصروه مدة طويلة، فلما أعياهم فتح الحصن احتالوا عليه، وذلك أن أبا الخصيب قال: اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي، ففعلوا ذلك، فذهب إليه كأنه مغاضب للمسلمين قد ضربوه وحلقوا لحيته، فدخل الحصن، وقال للأصبهبذ: إنما فعلوا ذلك بي تهمة منهم لي أن يكون هواي معك, ففرح به الأصبهبذ وأكرمه وقربه، وجعل أبو الخصيب يظهر له النصح والخدمة حتى خدعه، وحظي عنده جدا وجعله من جملة من يتولى فتح الحصن وغلقه، فلما تمكن من ذلك كاتب المسلمين وأعلمهم أنه سيفتح لهم الباب في ليلة محددة، فلما كانت تلك الليلة فتح لهم باب الحصن فدخلوا فقتلوا من فيه من المقاتلة وسبوا الذرية، وامتص الأصبهبذ خاتما مسموما فمات.

وكان فيمن أسروا يومئذ أم منصور بن المهدي، وأم إبراهيم بن المهدي، وكانتا من بنات الملوك الحسان.


لما بلغ المنصور خروج محمد بن الأشعث من إفريقية بعث إلى الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمي عهدا بولاية إفريقية، وكان هذا الأغلب ممن قام مع أبي مسلم الخراساني وقدم إفريقية مع محمد بن الأشعث، فلما أتاه العهد قدم القيروان وأخرج جماعة من قواد المضرية، وسكن الناس.

ثم خرج عليه أبو قرة في جمع كثير من البربر، فسار إليه الأغلب، فهرب أبو قرة من غير قتال، ثم خرج عليه الحسن بن حرب الكندي، وكاتب جند القيروان ودعاهم إلى نفسه فأجابوه، فسار حتى دخل القيروان من غير مانع, فسار الأغلب إلى الحسن بن حرب، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم الحسن وقتل من أصحابه جمع كثير، ودخل الأغلب القيروان.


هو الإمام، الصادق، شيخ بني هاشم، أبو عبدالله جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، القرشي، الهاشمي، العلوي، النبوي، المدني، أحد الأعلام من التابعين, وكان يلقب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق، ولد سنة 80, وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, وأمها: هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين.

قال الذهبي: "كان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا, ثم قال: هذا لا ريب فيه، ولكن الرافضة قوم جهلة، قد هوى بهم الهوى في الهاوية، فبعدا لهم" وقال: "أن الصادق رأى بعض الصحابة، أحسبه رأى: أنس بن مالك، وسهل بن سعد".
حاول المنصور أن يظفر به، لكنه لم يقدر عليه وانثنى عن ذلك، كان من أجلاء التابعين؛ فقيها عالما جوادا كريما زاهدا عابدا، قال ابن خلكان: " أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وكان من سادات أهل البيت ولقب بالصادق لصدقه في مقالته وفضله أشهر من أن يذكر، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل".

أورد الذهبي بإسناد قال إنه صحيح، عن سالم بن أبي حفصة قال: "سألت أبا جعفر محمد بن علي وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر، فقالا: يا سالم، تولهما وابرأ من عدوهما؛ فإنهما كانا إمامي هدى.

وقال لي جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده؟! أبو بكر جدي، فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما!" توفي في المدينة ودفن في البقيع.