خرج حمزة بن أترك السجستاني الخارجي في خراسان، فجاء إلى بوشنج، فخرج إليه عمرويه بن يزيد الأزدي، وكان على هراة، في ستة آلاف، فقاتله فهزمه حمزة، وقتل من أصحابه جماعة، ومات عمرويه في الزحام، فوجه علي بن عيسى- وهو أمير خراسان- ابنه الحسين في عشرة آلاف، فلم يحارب حمزة، فعزله وسير عوضه ابنه عيسى بن علي، فقاتل حمزة، فهزمه حمزة، فرده أبوه إليه أيضا فقاتله بباخرز، وكان حمزة بنيسابور، فانهزم حمزة، وبقي أصحابه، وبقي في أربعين رجلا فقصد قهستان.

وأرسل عيسى أصحابه إلى أوق وجوين، فقتلوا من بها من الخوارج، وقصد القرى التي كان أهلها يعينون حمزة، فأحرقها وقتل من فيها حتى وصل إلى زرنج، فقتل ثلاثين ألفا ورجع عيسى بن علي، وخلف بزرنج عبد الله بن العباس النسفي، فجبى الأموال وسار بها، فلقيه حمزة بن أترك بأسفزار، فقاتله، فصبر له عبد الله ومن معه من الصغد، فانهزم حمزة، وقتل كثير من أصحابه، وجرح في وجهه، واختفى هو ومن سلم من أصحابه في الكروم، ثم خرج وسار في القرى يقتل ولا يبقي على أحد.

وكان علي بن عيسى قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج، فسار إليه حمزة، وانتهى إلى مكتب فيه ثلاثون غلاما فقتلهم وقتل معلمهم، وبلغ طاهرا الخبر، فأتى قرية فيها قعد الخوارج- وهم الذين لا يقاتلون، ولا ديوان لهم- فقتلهم طاهر وأخذ أموالهم، وكان يشد الرجل منهم في شجرتين، ثم يجمعهما ثم يرسلهما، فتأخذ كل شجرة نصفه، فكتب القعد إلى حمزة بالكف، فكف وواعدهم، وأمن الناس مدة، وكانت بينه وبين أصحاب علي بن عيسى حروب كثيرة، حتى غلب وفر إلى كابل.


هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب، قيل: مولى الربيع بن زياد الحارثي البصري، ولقب سيبويه لجماله وحمرة وجنتيه، حتى كانتا كالتفاحتين، وسيبويه في لغة فارس (رائحة التفاح)، وهو الإمام العلامة العلم، شيخ النحاة من لدن زمانه إلى زماننا هذا، والناس عيال على كتابه المشهور في هذا الفن المعروف باسم "كتاب سيبويه"، وقد شرح شروحا كثيرة، وقل من يحيط علما به، أخذ سيبويه العلم عن الخليل بن أحمد الفراهيدي ولازمه، و كان الخليل إذا جاءه سيبويه يقول: مرحبا بزائر لا يمل"، وأخذ أيضا عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، وغيرهم، قدم من البصرة إلى بغداد أيام كان الكسائي يؤدب الأمين بن الرشيد، وحصلت بينهم وحشة، فانصرف وعاد إلى بلاد شيراز.


بعد أن هدم الرشيد سور الموصل بسبب العطاف بن سفيان الأزدي، مضى إلى الرقة فاتخذها وطنا، واستناب على بغداد ابنه الأمين محمدا، وولاه العراقين.


سير الحكم بن هشام صاحب الأندلس جيشا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج، فدخل البلاد، وبث السرايا فجازوا خليجا من البحر كان الماء قد جزر عنه، وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهليهم وراء الخليج؛ ظنا منهم أن أحدا لا يقدر أن يعبر إليهم، فجاءهم ما لم يكن في حسابهم، فغنم المسلمون جميع مالهم، وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروا، وسبوا الحريم، وعادوا سالمين إلى عبد الكريم.

وسير طائفة أخرى، فخربوا كثيرا من بلاد فرنسية، وغنم أموال أهلها، وأسروا الرجال، فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد سبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم، فجمع عبد الكريم عساكره، وسار على تعبئة، وجد السير، فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون، فوضعوا السيف فيهم فانهزموا، وغنم ما معهم وعاد سالما هو ومن معه.


هو هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، صاحب الأندلس، توفي في صفر، وكانت إمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام، وقيل: تسعة أشهر، وقيل: سبعة أشهر، وكان عمره تسعا وثلاثين سنة وأربعة أشهر، كان ذا رأي وشجاعة وعدل، محبا لأهل الخير والصلاح، شديدا على الأعداء، راغبا في الجهاد، وهو الذي تمم بناء جامع قرطبة، وكان أبوه قد مات قبل فراغه منه، وبنى عدة مساجد معه، وبلغ من عز الإسلام في أيامه وذل الكفر أن رجلا مات في أيامه، فأوصى أن يفك أسير من المسلمين من تركته، فطلب ذلك، فلم يوجد في دار الكفار أسير يشترى ويفك؛ لضعف العدو وقوة المسلمين!