Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
أنفذ زكرويه بن مهرويه، بعد قتل صاحب الشامة الحسين بن زكرويه، رجلا كان يعلم الصبيان بالرافوفة من الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فسمي نصرا, وقيل كان المنفذ ابن زكرويه، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه، فلم يقبله منهم أحد، إلا رجلا من بني زياد يسمى مقدام بن الكيال، واستقوى بطوائف من الأصبغيين المنتمين إلى الفواطم، وغيرهم من العليصيين، وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشام، والعامل بدمشق والأردن أحمد بن كيغلغ، وهو بمصر يحارب الخلنجي، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد، وسار إلى بصرى وأذرعات والبثينة، فحارب أهلها ثم أمنهم، فلما استسلموا إليه قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم، ثم قصد دمشق، فخرج إليهم نائب ابن كيغلغ، وهو صالح بن الفضل، فهزمه القرامطة، وأثخنوا فيهم، ثم أمنوهم وغدروهم بالأمان، وقتلوا صالحا وفضوا عسكره، وساروا إلى دمشق، فمنعهم أهلها فقصدوا طبرية، وانضاف إليه جماعة من جند دمشق افتتنوا به، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي، وهو خليفة أحمد بن كيغلغ بالأردن، فهزموه، وبذلوا له الأمان، وغدروا به، وقتلوه، ونهبوا طبرية، وقتلوا خلقا كثيرا من أهلها وسبوا النساء، فأنفذ الخليفة الحسين بن حمدان وجماعة من القواد في طلبهم، فوردوا دمشق، فلما علم بهم القرامطة رجعوا نحو السماوة، وتبعهم الحسين في السماوة، وبلغ الخبر إلى المكتفي فسير محمد بن إسحاق بن كنداج، فلم يقيموا لمحمد.
وكتب إلى ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرحبة ليجتمع هو ومحمد على الإيقاع بهم، ففعل ذلك، فلما أحس الكلبيون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر عبد الله بن سعيد فقتلوه، قتله رجل منهم يقال له الذئب بن القائم، وسار برأسه إلى المكتفي متقربا بذلك، مستأمنا، فأجيب إلى ذلك، واقتتلت القرامطة بعد نصر حتى صارت بينهم الدماء، فكتب الخليفة إلى ابن حمدان يأمره بمعاودتهم، واجتثاث أصلهم، فأرسل إليهم زكرويه بن مهرويه داعية له يسمى القاسم بن أحمد، ويعرف بأبي محمد، وأعلمهم أن فعل الذئب قد نفره منهم، وأنهم قد ارتدوا عن الدين وأن وقت ظهورهم قد حضر، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفا، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في شأن موسى صلى الله عليه وسلم، وعدوه فرعون؛ إذ {قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى} ويأمرهم أن يخفوا أمرهم، وأن يسيروا حتى يصبحوا الكوفة يوم النحر سنة 293، فإنهم لا يمنعون منها وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي يعدهم إياه، وأن يحملوا إليه القاسم بن أحمد، فامتثلوا رأيه، ووافوا باب الكوفة وقد انصرف الناس عن مصلاهم، وعاملهم إسحاق بن عمران، ووصلوها في ثمانمائة فارس عليهم الدروع، والجواشن، والآلات الحسنة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد قبة، وقالوا هذا أثر رسول الله.
ونادوا "يا لثارات الحسين"، يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب ببغداد، وشعارهم "يا أحمد، يا محمد"، يعنون ابني زكرويه المقتولين، فأظهروا الأعلام البيض، وأرادوا استمالة رعاع الناس بالكوفة بذلك، فلم يمل إليهم أحد، فأوقع القرامطة بمن لحقوه من أهل الكوفة، وقتلوا نحوا من عشرين نفسا، وبادر الناس الكوفة، وأخذوا السلاح، ونهض بهم إسحاق، ودخل مدينة الكوفة من القرامطة مائة فارس، فقتل منهم عشرون نفسا وأخرجوا عنها، وظهر إسحاق وحاربهم إلى العصر، ثم انصرفوا نحو القادسية، وكتب إسحاق إلى الخليفة يستمده، فأمده بجماعة من قواده، فساروا منتصف ذي الحجة حتى قاربوا القادسية فنزلوا بالصوان، فلقيهم زكرويه، وأما القرامطة فإنهم أنفذوا واستخرجوا زكرويه من جب في الأرض كان منقطعا فيه سنين كثيرة، بقرية الدرية، وكان على الجب باب حديد محكم العمل، فلما استخرجوه حملوه على أيديهم، وسموه ولي الله، ولما رأوه سجدوا له، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد من أعظم الناس عليهم ذمة ومنة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم عنه، وأنهم إن امتثلوا أوامره أنجز موعدهم وبلغوا آمالهم، ورمز لهم رموزا ذكر فيها آيات من القرآن، نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، فاعترف له من رسخ حب الكفر في قلبه أنه رئيسهم وكهفهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل، وسار بهم وهو محجوب يدعونه ولا يبرزونه، والقاسم يتولى الأمور، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام بسقي الفرات عدة أيام، فلم يصل إليه منهم إلا خمسمائة رجل، ثم وافته الجنود المذكورة من عند الخليفة، فلقيهم زكرويه بالصوان، وقاتلهم واشتدت الحرب بينهم، وكانت الهزيمة أول النهار على القرامطة، وكان زكرويه قد كمن لهم كمينا من خلفهم، فلم يشعر أصحاب الخليفة إلا والسيف فيهم من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرامطة السيف فيهم، فقتلوهم كيف شاؤوا وغنموا سوادهم، ولم يسلم من أصحاب الخليفة إلا من دابته قوية، أو من أثخن بالجراح، فوضع نفسه بين القتلى، فتحاملوا بعد ذلك، وقوي القرامطة بما غنموا، ولما ورد خبر هذه الوقعة إلى بغداد أعظمها الخليفة والناس، وندب إلى القرامطة محمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه من الأعراب بني شيبان وغيرهم أكثر من ألفي رجل، وأعطاهم الأرزاق، ورحل زكرويه من مكانه إلى نهر المثنية لنتن القتلى.
ظهر بمصر رجل يعرف بالخلنجي، من القادة, وهو أبو عبد الله محمد بن علي الخلنجي المصري الطولوني، كان قد تخلف عن محمد بن سليمان، فاستمال جماعة، وخالف على السلطان، فتملك الديار المصرية بالسيف، واستولى عليها عنوة من عيسى بن محمد النوشري.
فلما ملك الخلنجي الديار المصرية ومهد البلاد ووطن الناس ووضع العطاء وفرض الفروض.
كتب النوشري إلى المكتفي بالخبر، فجهز الخليفة جيشا لقتاله وعليهم أبو الأغر، وفي الجيش الأمير أحمد بن كيغلغ وغيره، فخرج إليهم الخلنجي وقاتلهم فهزمهم أقبح هزيمة وأسر من جماعة أبي الأغر خلقا كثيرا، وعاد أبو الأغر حتى وصل إلى العراق.
وفي اليمن نبغ رجل يدعو إلى القرامطة يدعى بالداعية الذي سار إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلها فظفر بهم وقتلهم، فلم يفلت إلا اليسير، وتغلب على سائر مدن اليمن، ثم اجتمع أهل صنعاء وغيرها فحاربوا الداعية فهزموه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، وبلغ الخبر الخليفة، فخلع على المظفر بن حاج في شوال، وسيره إلى عمله باليمن، وأقام بها إلى أن مات.
عظم على الخليفة المكتفي ما أصاب جيشه بقيادة أبي الأغر في مصر على يد الخلنجي، فجهز إليه العساكر ثانيا بصحبة فاتك مولى المعتضد في البر، وجهز دميانة غلام بازمان في البحر، فقدم فاتك بجيوشه حتى نزل بالنويرة, وقد عظم أمر الخلنجي وأخرج عيسى النوشري عن مصر وأعمالها, ولما بلغ الخلنجي مجيء عسكر العراق بصحبة فاتك، جمع عسكره وخرج إلى باب المدينة وعسكر به، وقام بالليل بأربعة آلاف من أصحابه ليبيت فاتكا وأصحابه، فضل الخلنجي وجيشه الطريق وأصبحوا قبل أن يصلوا إلى النويرة، فعلم بهم فاتك فنهض بأصحابه والتقى مع الخلنجي قبل أن يصلوا إلى النويرة، فتقاتلا قتالا شديدا, فانهزم الخلنجي بعد أن ثبت ساعة بعد فرار أصحابه عنه، ودخل إلى مصر واستتر بها لثلاث خلون من شهر رجب، ثم قبض عليه وحبس, فكتب المكتفي إلى فاتك في حمل الخلنجي ومن معه إلى بغداد، فوجه فاتك مولى المعتضد الخلنجي إلى بغداد، فدخلها هو ومن معه في شهر رمضان، فأمر المكتفي بحبسهم.
أغارت الروم على قورس، من أعمال حلب، فقاتلهم أهلها قتالا شديدا، ثم انهزموا وقتل أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخل الروم قورس فأحرقوا جامعها وساقوا من بقي من أهلها.
عمل أبو عبد الله الشيعي على تنظيم جماعته، حتى التزموا طاعته، ثم بدأ في سنة (289هـ - 901م) في مهاجمة دولة الأغالبة، التي دب فيها الضعف؛ بسبب سوء وضع آخر حكامها زيادة الله الثالث الذي قتل والده وقرابته، مع انهماكه في اللهو، ودخل معها في عدة معارك وتوالت انتصارات أبي عبدالله الشيعي على دولة الأغالبة خاصة بعد هرب زيادة الله إلى مصر، فسقطت في يد أبي عبدالله الشيعي قرطاجنة، وقسنطينة، وقفصة، ودخل رقادة عاصمة الأغالبة عام 296هـ - 26 من مارس 909م).
وبذلك انتهت دولة الأغالبة بشمال أفريقيا وتهيئت البلاد لقيام دولة الفاطميين.
لم تنته الفتنة بين أبناء فيصل بموت سعود، بل استمرت إلى أبعد من ذلك؛ ففي عام 1291 هـ تولى عبد الرحمن بن فيصل إمامة نجد بعد وفاة أخيه سعود، ومضى في حكمه على أتم وجه حوالي السنة، وبعدها اضطربت الأوضاع بالنسبة لعبد الرحمن؛ إذ جاء أخوه عبد الله الإمام الشرعي ومعه أخوه محمد من بادية العجمان -حيث كانا لاجئين سياسيين هناك- إلى الرياض ومعهما قوات من بدو عتيبة ومن حضر الوشم، والتقيا بقوات عبد الرحمن الذي رفض التنازل لأخيه الكبير في بلدة ثرمدا، ونشبت الحرب بين الطرفين لم يصل أحدهما إلى نصر حاسم، فتفاوضا ونتج عن هذا التفاوض صلح مؤقت تمركزت فيه قوات عبد الله في الشمال، وظلت قوات عبد الرحمن تسيطر على الرياض والجنوب.
أما بالنسبة لأولاد سعود فقد وقفوا بجانب عمهم عبد الرحمن؛ لأنه كان يؤيد والدهم سعودا في آخر أيامه، ومع هذا فلم يهدأ الوضع المتأزم؛ إذ ثار أبناء سعود ضد عمهم عبد الرحمن وأخذوا يطالبونه بالحكم، وانقلبوا عليه بعد أن كانوا يؤيدونه.
ولم يستطع عبد الرحمن الصمود أمام ثورتهم، بل اضطر تحت ضغطهم أن يخرج من الرياض ويلتجئ عند أخيه عبد الله في بادية عتيبة، وعاهده أن يتعاون معه ضد أولاد سعود!! وهكذا انعكس الوضع السياسي في نجد، فأصبح الحكم بيد أولاد سعود بدلا من عميهم الشرعيين، وكان لا بد للعمين أن يقاوما أولاد أخيهما حتى يستردا السلطة، فجمع عبد الله قوات اتجهت من الشمال نحو الرياض، إلا أن أولاد سعود لما رأوا تصميم عميهم على الحرب، وضعف قوتهم، تركوا الرياض واتجهوا إلى مركزهم الأول الخرج، وهكذا استطاع عبد الله وأخوه دخول الرياض بدون قتال عام 1293ه / 1876م.
تولى الخديوي إسماعيل الحكم، وكانت الحركة الاستعمارية في عنفوانها، فخاف أن يقع السودان فريسة احتلال أوروبي، فوضع خطة واسعة المدى لاستكشاف منابع النيل وحماية الوطن السوداني، ولكنه ارتكب خطأ فادحا؛ إذ عين رجلا إنجليزيا هو السير «صمويل بيكر» حاكما عاما على السودان؛ ذلك لأن صمويل بيكر هذا كان شخصية استعمارية صليبية شديدة الحقد على المسلمين، اتبع سياسة خبيثة ترمي لهدفين: الأول هو اقتطاع منطقة منابع النيل وجعلها مستعمرة إنجليزية، والثاني الإساءة إلى أهل السودان وتأليبهم على المصريين؛ وذلك للحد من انتشار الإسلام في جنوب السودان بعدما أصبح الشمال كله مسلما خالصا، بعد انتهاء ولاية صمويل بيكر خلفه رجل لا يقل حقدا وصليبية هو «تشارل جورج جوردون».
سار جوردون على نفس السياسة؛ مما أدى لظهور الحركة المهدية بقيادة محمد بن عبد الله المهدي، وذلك سنة 1293هـ، وبدأت الثورة المهدية تكسب أنصارا يوما بعد يوم حتى قويت شوكتها وبدأت في العمل والكفاح المسلح، وفي هذه الفترة احتلت إنجلترا مصر سنة 1299هـ فازدادت الحركة المهدية قوة، خاصة بعدما طلب الإنجليز من الجيش المصري الخروج من السودان سنة 1301هـ، وحقق المهديون عدة انتصارات باهرة حتى دانت لهم معظم الولايات السودانية.
يرجع تأسيس إمارة آل رشيد في جبل شمر إلى عبد الله بن علي بن رشيد، الذي كان صديقا حميما لفيصل بن تركي؛ حيث قام بدور كبير في استعادة فيصل للحكم بعد مقتل والده تركي، فكافأه بأن عينه عام 1251 ه أميرا على حائل وجبل شمر، على أن يكون الحكم فيها وراثيا في أسرته من بعده، مستقلا إداريا تحت حكم آل سعود.
حكم عبد الله بن رشيد 12 سنة، واستمر حكم أسرته لجبل شمر 90 سنة، وقد قام آل رشيد بدور خطير في أحداث نجد خلال فترة الحرب بين أبناء فيصل بن تركي، خاصة أثناء حكم محمد بن عبد الله بن رشيد، الذي حكم 25 سنة، وهو من أشهر أمراء حائل من آل رشيد، وتوسعت إمارة ابن رشيد في عهده فشملت الجوف، وتدخل في شؤون القصيم مستغلا الخلاف بين أمرائها من جهة، وتدخل عبد الله بن فيصل من جهة أخرى، لصالحه، حتى تمكن من السيطرة على القصيم والمجمعة وسدير، وأخيرا دخل الرياض واحتلها بحجة مساعدة الإمام الشرعي عبد الله بن فيصل زوج أخته.
قامت ثورة البلغار في نفس الوقت الذي قام فيه نصارى البوسنة والهرسك بثورتهم بدعم من النمسا والدول الأوروبية وخاصة روسيا، فقد تأسست جمعيات في بلاد البلغار؛ لنشر النفوذ الروسي بين النصارى الأرثوذكس والصقالبة، وكانت تدعمها روسيا وتمدها بالسلاح، وتبذل هذه الجمعيات بدورها جهدها لإثارة سكان الصرب والبوسنة والهرسك، وتحرضهم على الثورة ضد العثمانيين.
وعندما أنزلت الدولة العثمانية بعض الأسر الشركسية احتج البلغار على ذلك، فقاموا بثورة وساعدتهم روسيا والنمسا بالسلاح والأموال، فتمكنت الدولة العثمانية من القضاء على الثورة، فأخذت الدول الأوروبية تثير الشائعات عن المجازر التي ارتكبها العثمانيون ضد النصارى، والعكس هو الصحيح، وبهذه الشائعات أثير الرأي العام الأوروبي ضد الدولة العثمانية، وطالبت الحكومات الأوروبية باتخاذ إجراءات صارمة ضد العثمانيين، ومنها حصول البلغار على استقلال ذاتي، وتعيين حاكم نصراني لهم، وقام الروس والألمان والنمساويون بدفع الصرب والجبل الأسود للقيام بحرب ضد العثمانيين، وكانت روسيا ترغب في توسيع حدودها من جهة بلغاريا، والنمسا تريد توسعة حدودها من جهة البوسنة والهرسك، ووعدت هذه الدول أمير الصرب والجبل الأسود بالدعم.
وشرع الجنود الروس بالتدفق سرا على بلاد الصرب، والجبل الأسود، وتمكنت الدولة العثمانية من الانتصار على الصرب وحلفائهم، فتدخلت الدول الأوروبية وطلبت وقف القتال، وإلا فالحرب الواسعة، واجتمع مندوبو الدول الأوروبية في استانبول وقدموا اقتراحات للدولة، من أهمها: تقسيم بلاد البلغار إلى ولايتين، ويكون ولاتها من النصارى، وأن تشكل لجنة دولية لتنفيذ القرارات، وأن تعطى هذه الامتيازات لإماراتي البوسنة والهرسك أيضا، وأن تتنازل الدولة عن بعض الأراضي للصرب والجبل الأسود.
ولكن الدولة العثمانية رفضت هذه القرارات، وعقدت صلحا منفردا مع الصرب سحبت نتيجته جيوشها من بلاد الصرب، وأن يرفع العلم العثماني والصربي دليلا على السيادة العثمانية.
وطالب البعض -مثل جلادستون زعيم المعارضة في البرلمان الإنجليزي- بطرد الدولة العثمانية من أوربا بحرب صليبية عامة، لقد أدرك السلطان عبد الحميد الثاني لاحقا أن هدف الدول الغربية من هذه الإثارة هو السعي لإسقاط الدولة العثمانية.
ظن السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني أنه إذا تقرب إلى الروس فإن ذلك سيؤثر على الدول الأوربية الغربية لتقديم تساهلات أكثر للدولة العثمانية، فخافت الدول الأوربية فأشاعت عنه التبذير والإسراف، وتولى رئيس مجلس الشورى أحمد مدحت باشا فكرة عزله، كما تواطأ معه شيخ الإسلام حسن خير الله أفندي -المنتمي لحركة تركيا الفتاة- فأصدر فتوى شرعية تفيد بعزله, فعزل السلطان عبد العزيز في هذا العام بعد أن أمضى في الحكم ست عشرة سنة وأربعة أشهر كان يسعى خلالها إلى تقوية الدولة، ثم قتل بعد ذلك وأشيع أنه انتحر، وتولى الخلافة بعده ابن أخيه مراد الخامس بن عبد المجيد في اليوم السابع من هذا الشهر في هذه السنة.
لم يلبث السلطان مراد الخامس بن عبد المجيد إلا ثلاثة وتسعين يوما في الخلافة حتى قيل إن جنون السلطان ظهر للناس بشكل واضح، فكان لا بد من خلعه، وأعلن ذلك من قبل شيخ الإسلام عام 1876م وكان نص الفتوى: "إذا جن إمام المسلمين جنونا مطبقا ففات المقصود من الإمامة، فهل يصح حل الإمامة من عهدته؟ الجواب: يصح، والله أعلم.
كتبه الفقير حسن خير الله أفندي، فتم عزله في العاشر من هذا الشهر وتم تولية أخيه عبد الحميد الثاني.
اشتعلت الثورات في الهرسك بتحريض من الجبل الأسود ومن الصرب، ولكن سرعان ما استطاعت الدولة العثمانية إخماد الثورة، ولما رغب السلطان عبد الحميد الثاني في منع الدول الأوربية من التدخل، أصدر مرسوما بفصل القضاء عن السلطة التنفيذية، ويتم انتخاب القضاة عن طريق الأهالي، والمساواة في الضرائب بين المسلمين والنصارى، وكانت النمسا التي تريد ضم البوسنة والهرسك إليها عادت لتحرض السكان من جديد، فاندلعت الثورة مجددا، لكنها أخمدت أيضا، فتدخلت الدول الأوربية: النمسا، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا، وإنكلترا، وطلبت من السلطان إجراء إصلاحات، فقام بذلك لكن سكان الهرسك رفضوها بتحريض من الدول النصرانية لهم بذلك؛ من أجل التدخل في الدولة العثمانية وشؤونها الداخلية، وكانت روسيا وألمانيا والنمسا قد شجعت الصرب والجبل الأسود على إعلان الحرب على الدولة العثمانية على أن يمدوهم بالسلاح، وبدأت القوات الروسية تتسلل سرا إلى الصرب والجبل الأسود، وأعلنت الحرب بقيادة الأمير ميلاك، وكانت المعركة في الجبل الأسود لصالحهم، أما في الصرب فقد استطاع العثمانيون أن يقمعوهم ثم قمعوا حلفاءهم أيضا، فتدخلت الدول الأوربية وفرضت إما وقف القتال وإلا فالحرب العامة.
كان رئيس الوزراء العثماني الشهير مدحت باشا قد أعلن المشروطية الأولى في أيلول عام 1876م بعد تسلم السلطان عبد الحميد الثاني الحكم مباشرة، ويعتبر مدحت باشا من أشهر الإصلاحيين العثمانيين الذين ارتبطوا بالحركة الماسونية، والذين تبنوا فكرة الإصلاح على الطريقة الأوروبية، ولقب مدحت باشا بـ "أبي الدستور" و"أبي الأحرار" وتعني المشروطية الأولى: القانون الأساسي للدولة العثمانية، أي -الدستور العثماني- وقد تضمن إنشاء الدستور الحصانة النيابية، والتشريع، والميزانية، والمحكمة العليا، ونظام اللامركزية الإدارية، وهو ينقسم إلى 12 قسما، ضم 119 مادة.
ولم يتم تنفيذ المشروطية الأولى فعليا، بل كانت جنينا "مات قبل ولادته" كما يقال، فقد أقيل أبو المشروطية مدحت باشا من منصبه في 5 شباط 1877م أي: بعد خمسة أشهر من إعلان المشروطية!