Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأب النفاق، وعظم الخطب واشتدت الحال، وأنفذ الصديق جيش أسامة، فقل الجند عند الصديق، فطمعت كثير من الأعراب في المدينة، وراموا أن يهجموا عليها، فجعل الصديق على أنقاب المدينة حراسا يبيتون بالجيوش حولها، وجعلت وفود العرب تقدم المدينة يقرون بالصلاة ويمتنعون من أداء الزكاة، ومنهم من امتنع من دفعها إلى الصديق، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم، ثم هم بعد ذلك يزكون، فامتنع الصديق من ذلك وأباه، فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: علام تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها؟ فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا -وفي رواية: عقالا- كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأقاتلنهم على منعها؛ إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق، وقاتلهم الصديق رضي الله عنه حتى لم يبق بجزيرة العرب إلا أهل طاعة لله ولرسوله، وأهل ذمة من الصديق، كأهل نجران وما جرى مجراهم، وعامة ما وقع من هذه الحروب كان في أواخر سنة إحدى عشرة وأوائل سنة اثنتي عشرة.


لما انتهى خالد بن الوليد رضي الله عنه من اليمامة جاء الأمر بالتوجه للعراق لدعم المثنى بن حارثة، فسار خالد إلى الحيرة والتقى بجيش المثنى وجيش عياض بن غنم بهرمز في الأبلة، وقد حدثت عدة معارك في تلك المناطق التي تعرف بالمنطقة الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفرس، وفتحت عدة مناطق كالحيرة والأنبار ودومة الجندل والفراض وغيرها من المناطق العراقية، كما انتصر خالد في عدد من المعارك على الفرس وحلفائهم من متنصرة العرب.


بعد ما جم جيش أسامة واستراحوا، ركب الصديق في المسلمين شاهرا سيفه مسلولا، من المدينة إلى ذي القصة، وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق رضي الله عنهما، فسأله الصحابة، وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية لأحد عشر أميرا، وذلك لقتال طليحة بن خويلد، ومالك بن نويرة ومسيلمة الكذاب، والعنسي وعيينة بن حصن وغيرهم من المرتدين، وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته، ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة، ورجع الصديق إلى المدينة.


كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة؛ فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة، ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، ثم قصدت بجنودها اليمامة؛ لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب، فهابه قومها، وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه، فركب إليها في أربعين من قومه، وجاء إليها فاجتمعا في خيمة، فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض، وقبلت ذلك، ثم انثنت راجعة إلى بلادها، وذلك حين بلغها دنو خالد من أرض اليمامة، فكرت راجعة إلى الجزيرة بعدما قبضت من مسيلمة نصف خراج أرضه.


لما توجه خالد من ذي القصة وفارقه الصديق، واعده أنه سيلقاه من ناحية خيبر بمن معه من الأمراء، وأظهروا ذلك ليرعبوا الأعراب، وأمره أن يذهب أولا إلى طليحة الأسدي، ثم يذهب بعده إلى بني تميم، وكان طليحة بن خويلد في قومه بني أسد، وفي غطفان، وانضم إليهم بنو عبس وذبيان، وبعث إلى بني جديلة والغوث وطيئ يستدعيهم إليه، وجعل خالد بن الوليد يتأتى بطليحة ويرسل إليه الرسل ويحذره سفك دماء أصحابه، وطليحة يأبى ذلك وولج في طغيانه، فعندها عزم خالد على حربه، ووقفت أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم، وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام، وتفرق جمعه، وقد قتل الله طائفة ممن كان معه، وقد كان طليحة الأسدي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمؤازرته عيينة بن حصن بعد أن ارتد عن الإسلام، وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك، فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو الله، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: والله ما كنت آمنت قط! فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيا أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلى خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره.


كان من خبر أهل البحرين -وتطلق على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملكها؛ المنذر بن ساوى العبدي، وأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي المنذر بعده بقليل، فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم الغرور، وهو المنذر بن النعمان بن المنذر.

وقال قائلهم: لو كان محمد نبيا ما مات.

ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها جواثا، كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة وبعث الصديق رضي الله عنه إليهم العلاء بن الحضرمي، فلما دنا من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير، وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي ثم لما اقترب من جيوش المرتدة -وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما- نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتا عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون؛ من الشراب، فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فوره والجيش معه، فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلا عظيما، وقل من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة جسيمة، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك


كان مالك بن نويرة قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة، فلما اتصلت بمسيلمة الكذاب، ثم ترحلت إلى بلادها، ندم مالك على ما كان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له: البطاح، فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا: إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق، فقال لهم خالد: إن هذا أمر لا بد من فعله، وإنه لم يأتني فيها كتاب، وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح، فسار يومين ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة، بث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ما كان من مالك بن نويرة؛ فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم؛ فشهد أبو قتادة -الحارث بن ربعي الأنصاري- أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون: إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا، فيقال: إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمرا أصابه، ودخل خالد على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه ما كان منه في ذلك، وودى مالك بن نويرة.


نبغ في أهل عمان رجل يقال له: ذو التاج؛ لقيط بن مالك الأزدي، وكان يسمى في الجاهلية الجلندي، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عمان، فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا وألجأهما إلى أطرافها من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق فأخبره الخبر واستجاشه، فبعث إليه الصديق بأميرين، وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد، حذيفة إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعمان، وحذيفة هو الأمير، فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.

ثم كتب الصديق لخالد بن الوليد بعد أن قهر مسيلمة: لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء، وأمره أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عمان، وكل منكم أمير على جيشه، وحذيفة ما دمتم بعمان فهو أمير الناس، فإذا فرغتم فاذهبوا إلى مهرة، فإذا فرغتم منها فاذهب إلى اليمن وحضرموت، فكن مع المهاجر بن أبي أمية، ومن لقيته من المرتدة بين عمان إلى حضرموت واليمن، فنكل به، فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر، فولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم، فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصديق -رضي الله عنه.


بعث الصديق خالد بن الوليد إلى قتال مسيلمة الكذاب وقومه من بني حنيفة باليمامة، وأوعب معه المسلمون، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدا بسرية لتكون ردءا له من ورائه، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له عقربا في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، فاصطدم المسلمون والكفار، فكانت جولة عظيمة وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بطل السحر اليوم، ودارت رحى المسلمين، وقد ميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وكل بني أب على رايتهم، يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبرا لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة، حتى خلصوا إلى مسيلمة، فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم، فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، فضربه بالسيف فسقط، فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل.

وقيل: أحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة، وقيل: خمسمائة.


اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع، حتى اشتد وجعه وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».

واستغرق مرضه عشرة أيام، قال ابن حجر: (واختلف في مدة مرضه، فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يوما، وقيل بزيادة يوم، وقيل بنقصه، وقيل: عشرة أيام.

وبه جزم سليمان التيمي في مغازيه، وأخرجه البيهقي بإسناد صحيح)
.

ثم توفاه الله تعالى يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد تم له من العمر 63 سنة، وكفن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى الناس عليه أرسالا، ودفن في مكان موته في حجرة عائشة رضي الله عنها، وجزاه الله تعالى عن المسلمين خير ما جزى نبيا عن أمته.


توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينص على الخليفة من بعده صراحة - وإن كانت هناك إشارات ودلالات من النبي صلى الله عليه وسلم على تولية أبي بكر -والله أعلم- ثم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا رجلا منهم، وهو سعد بن عبادة، فحضر المهاجرون إليهم، وأخبرهم أبو بكر أن هذا الأمر يجب أن يكون في قريش، فهم أوسط العرب نسبا ودارا، ثم رشح عمر، أو أبا عبيدة للخلافة؛ ولكن عمر أبى إلا أن يبايع لأبي بكر، مبينا فضله وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم.

فبايعه عمر، ثم بايعه أهل السقيفة، ثم بايعه الناس في اليوم الثاني البيعة العامة، أما تخلف علي عن البيعة في السقيفة فكان لانشغاله بتجهيز وتكفين النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما يقال من أنه تأخر عن البيعة حتى وفاة فاطمة رضي الله عنها فليس له مستند صحيح، ويبعد أن يبقى ستة أشهر غير مبايع له وهو الذي أعانه وكان تحت إمرته كل تلك الفترة، وخاصة في حروب الردة، بل إن البيعة الثانية من علي لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنهم كانت تأكيدا للبيعة الأولى وحسما لمادة الفتنة.


كان زيد بن حارثة قد استشهد في مؤتة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو تلك الجهات جهز جيشا وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يصل إلى البلقاء، فتجهز الجيش وتعبأ، ولكن هذا الجيش لم ينفذ بسبب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما تولى أبو بكر الخلافة كان أول شيء فعله هو إنفاذ جيش أسامة وإرساله كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أن أبا بكر قد أشاروا عليه بعدم إرساله لكنه أبى إلا إنفاذ ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه، وشيعهم أبو بكر بنفسه ماشيا، وأوصى الجيش، وكان من آثار هذا الفعل من أبي بكر دلالة على بقاء قوة المسلمين وارتفاع معنوياتهم.


لم يلبث المسلمون بعد تحذير أبي بكر الصديق لهم من الأعراب المرتدين إلا ثلاثا، حتى طرقوا المدينة غارة، وخلفوا نصفهم بذي حسى ليكونوا ردءا لهم، فأرسل الحرس إلى أبي بكر يخبرونه بالغارة، فبعث إليهم: أن الزموا مكانكم، ثم ركب الصديق في أهل المدينة وأمراء الأنقاب، إلى من حول المدينة من الأعراب الذين أغاروا عليها، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسا ولا همسا، حتى وضعوا فيهم السيوف، فما طلعت الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، وكان أول الفتح، وذل بها المشركون، وعز بها المسلمون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، وفعل من وراءهم كفعلهم، فحلف أبو بكر ليقتلن من كل قبيلة بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، فكانت هذه الوقعة من أكبر العون على نصر الإسلام وأهله، وذلك أنه عز المسلمون في كل قبيلة، وذل الكفار في كل قبيلة، ورجع أبو بكر إلى المدينة مؤيدا منصورا، سالما غانما.


لما قدم أسامة بن زيد من بعثه للروم استخلفه أبو بكر على المدينة، وأمره ومن معه أن يريحوا ظهرهم، ثم ركب أبو بكر في الذين كانوا معه من المسلمين، فقالوا له: لو رجعت إلى المدينة وأرسلت رجلا، فقال: والله لا أفعل، ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبئته النعمان وعبد الله وسويد بنو مقرن على ما كانوا عليه في الوقعة السابقة، حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق، وهناك جماعة من بني عبس وذبيان، وطائفة من بني كنانة، فاقتتلوا، فهزم الله الحارث وعوفا، وأخذ الحطيئة أسيرا، فطارت بنو عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر على الأبرق أياما، وقد غلب بني ذبيان على البلاد، وقال: حرام على بني ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد؛ إذ غنمناها الله، وحمى الأبرق بخيول المسلمين، وأرعى سائر بلاد الربذة، ولما فرت عبس وذبيان صاروا إلى مؤازرة طلحة وهو نازل على بزاخة.


سيدة نساء العالمين في زمانها، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين.

أمها خديجة بنت خويلد، ولدت قبل البعثة بقليل، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد بدر، وقيل: بعد أحد, فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب.

وهي أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها، وهي أول أهل النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به.

وأوصت في وفاتها أن تغطى، فكانت أول امرأة يغطى نعشها في الإسلام، غسلها زوجها علي وأسماء بنت عميس وقد كانت تحت أبي بكر رضي الله عنهم، وصلى عليها علي، وقيل: العباس، وأوصت أن تدفن ليلا، ففعل ذلك بها، ونزل في قبرها علي والعباس، والفضل بن العباس.

انقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها رضي الله عنها.


دعا أشرس بن عبد الله السلمي نائب خراسان أهل الذمة بسمرقند ومن وراء النهر إلى الدخول في الإسلام، ويضع عنهم الجزية فأجابوه إلى ذلك، وأسلم غالبهم، ثم طالبهم بالجزية فنصبوا له الحرب وقاتلوه، ثم كانت بينه وبين الترك حروب كثيرة.


الفرزدق هو همام بن غالب التميمي أبو فراس، له مواقف وأشعار في الذب عن آل البيت، كان غالب شعره الفخر، توفي وعمره يقارب المائة.

وجده صعصعة بن ناجية صحابي، وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحيي الموءودة في الجاهلية.

قال: الفرزدق وفدت مع أبي على علي، فقال: من هذا؟ قال: ابني وهو شاعر.

قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر.

قال الفرزدق: نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرتين، فاطلب لهما موضعا في الجنة.

فقلت: إن ذنوبي كثيرة.

فقال: لا تيأس.

و لما سئل عن قيد في رجله قال: حلفت أن لا أنزعه حتى أحفظ القرآن.

قال له بعضهم: ألا تخاف من الله في قذف المحصنات؟ فقال: والله لله أحب إلي من عيني اللتين أبصر بهما، فكيف يعذبني؟.

أما جرير فهو جرير بن عطية بن الخطفي، أبو حزرة، الشاعر البصري.

اشتهر جرير برقة شعوره وحسن خلقه.

سمته أمه جريرا -وهو الحبل الغليظ- لأن أمه رأت وهي حامل به أنها ولدت جريرا يعني الحبل، فسمته بذلك، توفي وهو ابن اثنين وثمانين عاما، وكان في عصره من الشعراء الذين يقارنون به الفرزدق، والأخطل، وكان بين الثلاثة تناظر بالأشعار وتساجل، وكان جرير أشعرهم وأخيرهم.

لما مات الفرزدق وبلغ خبره جريرا بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجما واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه.

وكذلك كان، مات جرير بعده بأشهر.


قاتل مسلمة بن عبد الملك ملك الترك الأعظم خاقان، فزحف إلى مسلمة في جموع عظيمة فتواقفوا نحوا من شهر، ثم هزم الله خاقان زمن الشتاء، ورجع مسلمة سالما غانما، فسلك على مسلك ذي القرنين في رجوعه إلى الشام، وتسمى هذه الغزاة غزاة الطين، وذلك أنهم سلكوا على مغارق ومواضع غرق فيها دواب كثيرة، وتوحل فيها خلق كثير، فما نجوا حتى قاسوا أهوالا صعابا وشدائد عظاما.


هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري، ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب في المدينة عام 21هـ.

كانت أمه تخدم أم سلمة، وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له، وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: اللهم فقهه في الدين، وحببه إلى الناس.

وقد كان الحسن جامعا للعلم والعمل، عالما رفيعا فقيها ثقة مأمونا عابدا زاهدا ناسكا، كثير العلم والعمل، فصيحا جميلا وسيما، وقدم مكة فأجلس على سرير وجلس العلماء حوله واجتمع الناس إليه فحدثهم.


هو محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري، مولى أنس بن مالك النضري، كان أبوه من سبي عين التمر، أسره في جملة السبي خالد بن الوليد، فاشتراه أنس بن مالك ثم كاتبه.

ولد ابن سيرين لسنتين بقيتا في خلافة عثمان، كان من جلة التابعين، قال هشام بن حسان: هو أصدق من أدركت من البشر.

ولما مات أنس بن مالك أوصى أن يغسله محمد بن سيرين، قال ابن عون: كان محمد يأتي بالحديث على حروفه.

قال أشعث: كان ابن سيرين إذا سئل عن الحلال والحرام تغير لونه حتى يكون كأنه ليس بالذي كان.

قال مورق العجلي: ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين.

كان مشهورا في تعبير الرؤى والأحلام، وأما الكتاب الموجود اليوم على أنه من تأليفه فغير صحيح، فهو لم يؤلف كتابا في تفسير الرؤى، وتعبيراته للرؤى مبثوثة في كتب التراجم والتاريخ.


غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وغزا سعيد بن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية.


استعمل هشام بن عبد الملك الحجاح بن عبد الله الحكمي على أرمينية، وعزل أخاه مسلمة بن عبد الملك، فدخل بلاد الخزر من ناحية تفليس وفتح مدينتهم البيضاء وانصرف سالما، فجمعت الخزر وحشدت وسارت إلى بلاد الإسلام.


خرج الجنيد المري غازيا يريد طخارستان، فوجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفا، ووجه إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند وعليها سورة بن الحر، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش الترك فخرجت إليهم فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث الغوث.

وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للمسير، وبلغ الترك فغوروا الآبار التي في طريق كش فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل ودخل الشعب، فصبحه خاقان في جمع عظيم، وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك، فحمل خاقان على المقدمة وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل، وتداولها ثمانية عشر رجلا فقتلوا، وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا، فكانت السيوف لا تقطع شيئا، فقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان، فكانت المعانقة ثم تحاجزوا فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج وطلعت فرسان، فنادى الجنيد: الأرض الأرض! فترجل وترجل الناس، ثم نادى: ليخندق كل قائد على حياله.

فخندقوا وتحاجزوا ثم طلب الجنيد النجدة فعرفت الترك بذلك فكمنت له وقتلته، فخرج من الشعب واشتد الأمر حتى قال الجنيد: كل عبد قاتل فهو حر.

فقاتلوا قتالا عجب منه الناس حتى انكشف العدو ورجع الجنيد إلى سمرقند.


غزا الجراح بن عبد الله الحكمي بلاد الخزر، فاجتمع الخزر والترك من ناحية اللان، فلقيهم الجراح فيمن معه من أهل الشام وأذربيجان، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، فصبر الفريقان، وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين فاستشهد هو ومن معه من الجند بأردبيل، ولما قتل الجراح طمع الخزر وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل، وعظم الخطب على المسلمين.

فلما بلغ ذلك هشام بن عبد الملك بعث سعيد بن عمرو الحرشي بجيش وأمره بالإسراع إليهم، فلحق الترك وهم يسيرون بأسارى المسلمين نحو ملكهم خاقان، فاستنقذ منهم الأسارى ومن كان معهم من نساء المسلمين، ومن أهل الذمة أيضا، وقتل من الترك مقتلة عظيمة جدا، وأسر منهم خلقا كثيرا فقتلهم صبرا، ولم يكتف الخليفة بذلك حتى أرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر الترك، فسار إليهم في برد شديد وشتاء عظيم، فوصل إلى باب الأبواب،وسار بمن معه في طلب الأتراك وملكهم خاقان.


هو أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي مقدم الجيوش، فارس الكتائب.

ولي البصرة من جهة الحجاج، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز.

وكان بطلا، شجاعا, عابدا، قارئا, كبير القدر, مهيبا طوالا، كان إذا مر في جامع دمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.

قال الجراح: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.

كان أميرا على أرمينية، فقتلته الخزر، ففزع الناس لقتله في البلدان, ولما قتل طمع الخزر في المسلمين وأوغلوا في البلاد، وغلبت الخزر على أذربيجان، حتى بلغوا قريبا من الموصل.

كان البلاء بمقتله على المسلمين عظيما، بكوا عليه في كل جند.

كان رحمه الله خيرا فاضلا صالحا، رثاه كثير من الشعراء.


غزا معاوية بن هشام أرض الروم من ناحية مرعش.


توغل مسلمة بن عبد الملك في بلاد الترك فقتل منهم خلقا كثيرا، ودانت له تلك الممالك من ناحية بلنجر وأعمالها.


تولى عبد الرحمن الغافقي أمور القيادة على الشاطئ الشرقي من الأندلس من قبل عبيدة بن عبد الرحمن القيسي صاحب أفريقيا في عهد هشام بن عبد الملك مدة سنتين ونصف، وطيلة تلك المدد كان يقوم بالغزو والفتح، وكانت انتصاراته على البربر مشهودة، وساعد على ذلك حسن معاملته للبربر مما كان له الأثر الكبير في دخول كثير منهم إلى الإسلام، وقاتل معه الكثير في حروبه وكان عبد الرحمن قد أوغل داخل فرنسا ثم بقي كذلك حتى حصلت معركة بلاط الشهداء التي استشهد فيها هو وكثير ممن كان معه.


ولى هشام بن عبد الملك عبد الرحمن الغافقي إمارة الأندلس فتأهب لفتح بلاد الغال (فرنسا) فدعا العرب من اليمن والشام إلى مناصرته فأقبلوا إليه، فاجتاز جبال البرانس بجيش من العرب والبربر، وأوغل في مقاطعتي اكيتانيا ووبرغونية وبوردو، ثم تقدم يريد الإيغال داخل البلاد، فجمع له شارل مارتل جموعه وألف جيشا كبيرا من الغاليين والجرمن فنشبت حرب دامية شديدة في بواتيه بقرب نهر اللوار، وقد استشهد فيها عبد الرحمن الغافقي ومعه الكثير من جيشه الذي هزم وانسحب ليلا ولم يبق للمسلمين في بلاد الغال سوى مقاطعة سبتمانيا.


في هذه السنة وقع الطاعون بالشام، وفيها وقع بخراسان قحط شديد، فكتب الجنيد المري إلى الكور بحمل الطعام إلى مرو، أعطى الجنيد رجلا درهما فاشترى به رغيفا، فقال لهم أتشكون الجوع ورغيف بدرهم؟ لقد رأيتني بالهند وإن الحبة من الحبوب لتباع عددا بدرهم.