تقويم الله لغزوة بدر [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد سبق استعراض بعض أحداث غزوة بدر الكبرى، وسنصل الآن إلى بعض النتائج التي ترتبت عليها، فمن هذه النتائج:

تقوية إيمان المؤمنين وتثبيتهم على الحق

تقوية إيمان المؤمنين، وتثبيتهم على طريق الحق.

فإن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم نصره، وأيدهم بملائكته، وكان ذلك تثبيتًا للمؤمنين، وإعلاءً لكلمة الله تعالى، وتقويةً لإيمانهم وثقتهم بالله تعالى. وهذا ما يحتاج إليه كل مؤمن، وهو لا ينافي في الأصل كمال الإيمان؛ لأن الإنسانَ حتى لو كان نبيًّا معصومًا، يزداد إيمانه؛ فالإيمان يبقى قابلًا للزيادة دائمًا؛ ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[البقرة:260]، فاطمئنان القلب زيادة في الإيمان، وقد سألها إبراهيم وهو حينئذٍ خليل الرحمن وقد اصطفاه الله من خلقه نبيًّا ورسولًا.

فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد آمنوا، ورضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وآمنوا بالقدر خيره وشره، وعرفوا أن ما قدر سيكون، وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، ولكن الإنسان يبقى محتاجًا إلى زيادة تمكن هذا الإيمان من قلبِه ليطمئن به.

فلذلك ثبتهم الله تعالى بهذا النصر المبين، الذي لم يكن متوقعًا لدى كثير منهم، فنصرهم الله تعالى بما أنزل من جنوده الذين لا يرون، وهم الملائكة، وبما قذف في قلوب الأعداء من الرعب، فكان هذا زيادة لتوكلهم على الله تعالى وتقوية لإيمانهم به.

وهذا الأثر بقي بعد الصحابة رضوان الله عليهم، فإن هذه المعركة كان لها ما بعدها؛ ولذلك ما دامت الأمة متشبثة بها وتتذكر أحداثها، وما دام تاريخ الأمة مرتبطًا بها- سيبقى هذا التوكل وهذا الإيمان جديدًا في النفوس؛ لأن المعايير المادية التي يعتمد عليها الناس قد تحطمت في معركة بدر.

فهذا الجيش القليل اليسير الذي لا يتجاوز تعداد المقاتلين فيه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، وليس لهم من السلاح إلا ثمانية أسياف، وليس لهم من الخيل إلا ثلاثة، يهزم هذا الجيش العرمرم الذي دوخ الجزيرة العربية كلها.

فكان هذا تقوية للإيمان، وزيادة للتوكل على الله سبحانه وتعالى، وبقي الارتباط به في أذهان المؤمنين كلما وقفوا في مضيقٍ أو شاهدوا أزمة أو ضَعُفوا من الناحية المادية، تذكروا الحال الذي كان عليه المؤمنون في وقت بدر وما نصرهم الله به؛ ولهذا يقول أبو تمام في ذكر معركة فتح عمورية:

إن كان بين ليالي الدهر من رحم موصولة أو ذمام غير مقتضب

فبين أيامك اللاتي نصرت بها وبين أيام بدر أقرب النسب

امتلاء قلوب أعداء الله بالرعب

كذلك من هذه النتائج أيضًا: أن أعداء الله في داخل الجزيرة العربية وفي خارجها، قد امتلأت قلوبهم من الرعب من هذا الدين الجديد ومن هذه الدولة الجديدة، فكان هذا تمكينًا للمؤمنين في النفوس.

والتمكين ينقسم إلى قسمين:

إلى تمكين في الواقع.

وتمكين في القلوب والنفوس.

فالتمكين في النفوس يحصل: بالخوف، وبالمحبة.

فالفرس والروم واليهود، وجميع أعداء الإسلام في خارج الجزيرة العربية، ملئت قلوبهم من الرعب من هذا الدين الجديد وأهله؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر). وعندما غزا في غزوة تبوك هربت منه جيوش الروم وانصرفت على أدبارها مهزومةً من مجرد الرعب، وهكذا حصل للفرس، فقد خافوا خوفًا شديدًا من مجرد رسوله الذي يحمل رسالةً منه.

وقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمحبة أيضًا في نفوس كثيرين، فكثير هم أولئك الذين رأوه فأحبوه حبا شديدًا؛ فقد قال شيبة بن طلحة بن أبي طلحة: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض أبغض إلي منه، فلما رأيت وجهه أخذتني الهيبة فارتعشت فرائصي، فقال: (ادن شيب. فدنوت منه فضرب في صدري بيده، فوالله ما رفعها وعلى وجه الأرض من هو أحب إلي منه).

وكذلك ما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: (لقد مررت بأطباق ثلاثة: فقد كنت امرأً مشركًا، وكنت أشد الناس عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأشدهم بغضًا له. فلما أدخل الله علي الإسلام لم يكن أحد على وجه الأرض أحب إلي منه، ولا أهيب في نفسي منه، ولو سئلت أن أصفه لما استطعت، فوالله ما رفعت إليه نظري إجلالًا له وتعظيمًا).

وذكر الطور الثالث، وهو ما حصل من الفتنة ودخوله فيها، فقال: إنه لو مات على الطور الأول الذي هو الشرك لكان صائرًا إلى النار، ولو مات على الطور الثاني وهو الصحبة لكان صائرًا إلى الجنة، وقد دخل في الطور الثالث فهو يرجو ويخاف.

فهذه المحبة مكن الله بها لرسوله صلى الله عليه وسلم في القلوب.

اعتداد المؤمنين بدينهم وتمسكهم به

وكذلك فإن من آثار هذه المعركة أيضًا: اعتداد المؤمنين بدينهم، وتشبثهم به.

فقد عرفوا أن هذا الدين به نصروا، وقد كان المنافقون يقولون: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ[الأنفال:49]، ويزعمون أن اعتمادهم على الدين إنما هو من قبيل الغرور، فلما تحطمت نظرة المنافقين وانهزموا، ازدادت ثقة المؤمنين بهذا الدين، وعرفوا أنه الذي ينهزم به الأعداء، وهو الذين ينصر به أهل الإيمان، وهو القوة التي لا تهزم.

استئصال رءوس الكفر بمكة

كذلك من نتائج هذه المعركة: أن الله استأصل بها رءوس الكفر وزعماءه بمكة.

وأهل الجزيرة العربية من المشركين وأهل الكتاب تبع لأولئك الرءوس الذين هم بمكة، فلما قطعت هذه الرءوس لم يبق من يستطيع التشبث بتلك المبادئ ولا المدافعة عنها لمدة طويلة؛ ولهذا فإن بعض الذين بقوا على هذا المنهج من أهل مكة لم يزالوا في شك وريب، كـأبي سفيان وصفوان بن أمية، حتى أدخل الله الإيمان في قلوبهم.

وكذلك فإن اجتثاث هذه الرءوس المشركة كان سببًا لإسلام أولادهم من بعدهم، وقد سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص فقال: (يا عمرو، والله إن كنا لنعدك من أعقلنا في الجاهلية، فما الذي أخرك عن الإسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين، لقد كنا مع شيوخ كنا نراهم أوفر الناس عقولًا، وأحصفهم رأيًا، فنفروا من هذا الأمر وعادوه، فتبعناهم على ذلك، فلما ماتوا نظرنا فإذا الحق واضح).

فكان اجتثاث رءوس الكفر الذين علم الله أنهم لا يمكن أن يدخل الإيمان في قلوبهم، ولا يمكن أن يكونوا من أهل الجنة، كان ذا أثر بالغ في إيمان كثير من الشباب والمقلدين والضعفة، الذين كان هؤلاء الرءوس يحولون بينهم وبين الإيمان؛ ولذلك قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ[الأنفال:39].

فالفتنة: هي صرف الناس عن الدين، والحيلولة بينه وبينهم، وهذه إنما تكون من الرءوس والملأ.

فكان اجتثاثهم مهما جدا لانتشار الإيمان واستقبال الناس له بالقبول.

خوف قبائل العرب المحيطة بالمدينة من الدين وأهله

كذلك من آثار هذه المعركة أيضًا: خوف قبائل العرب والأعراب المحيطة بالمدينة من هذا الدين وأهله.

فقد دخل الخوف عليهم، فأقبلوا يرغبون في مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن ينتسبوا إلى هذه الدولة الجديدة ولو لم يؤمنوا، وهذا ما نشهده فيما بعد في العام السابع في وقت صلح الحديبية، عندما توافد بنو خزاعة فدخلوا في عقد النبي صلى الله عليه وسلم وعهده.

فكثير من القبائل غير المؤمنة رأت أن هذا الدين له مستقبل، وأن هذه الدولة الجديدة ينبغي أن ينضم إليها الناس وأن يدخلوا في كنفها، وأن هذا الخيار خيار إستراتيجي بالنسبة لهم، فاختاروه وقطعوا قرارهم فيه.

هزيمة المنافقين في المدينة

وكذلك من آثار هذه المعركة: أنها كانت أيضًا سببًا لهزيمة المنافقين الذين كانوا في المدينة.

فكانوا يمنعون أولادهم من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته من كبار السن، فلما حصلت هذه المعركة وجاءت نتائجها مشرفة، ورأوا شباب المؤمنين قد فازوا بالصحبة وبالشهادة، لم يعودوا يستطيعون الحيلولة بين أولادهم وبين المسارعة إلى الخير والمسابقة إليه، حتى إن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول- وأبوه رأس النفاق- قد كان من الشباب المسارعين إلى الخيرات المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم المبادرين إلى الغزو معه، ولم يستطع أبوه صده عن ذلك؛ لما شاهده من الـمزية لأولئك الشباب الذين ضحوا وقدموا أنفسهم، كأبناء عفراء وأولاد عمرو بن الجموح، وغيرهم من الشباب الصغار الذين كان لهم أثر بالغ في هذه المعركة.

غنائم غزوة بدر وكيفية تقسيمها

كذلك من الآثار التي ترتبت على هذه المعركة ومن النتائج الطيبة لها: ما غنمه المؤمنون من الغنائم التي قد ذكرنا من قبل، أن من حكمة هذه المعركة ومن أهدافها أن يسترد من قريش ما أخذوه من مال المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم.

فقد كثرت الغنائم، وجمع منها الشيء الكثير، ثم تضاعفت وازدادت بالفداء عندما فادى قريش أسراهم، فاجتمع من ذلك مال كثير، فكان تخفيفًا للأعباء عن الأنصار، وكان أيضًا جبًرا للمهاجرين بما فقدوا من أموالهم وبما خرجوا منه من ديارهم، وكان ذلك أيضًا رفعًا لمعنوياتهم حين وجدوا نفس الأموال التي كان يملكها المشركون وكانوا يبغون بها عليهم في الجاهلية.

فذو البرة وهو جمل كان لـأبي جهل، كان معروفًا بمكة مشهورًا- كان من غنائم بدر، وقد أهداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فنحر عندها، فكان ذلك نكاية عظيمة بالمشركين.

لكن هذه الغنائم كانت ذات تأثير على النفوس، وهذا يدلنا على خطورة المال وما يتعلق به؛ فالمال تحبه نفوس الناس:

والناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب

وهذا في نفوسهم، سواء منهم من كان صالحًا أو طالحًا في الأصل، إنما يتغلب الإنسان على نوازعه وعلى شهواته وعلى محبته للدنيا بتذكره للآخرة، وبزيادة مشاهدته لما عند الله عز وجل.

ولهذا فإن هؤلاء الذين لم يغنموا قبل هذه المعركة، لـما جمعت الغنائم اختلفوا في شأنها، فقالت طائفة منهم: إنما هي للذين قاتلوا حتى أحرزوها. وقالت طائفة: بل هي للذين جمعوها؛ فهم أول من سبق إليها. وحصل هذا الخلاف فأدى إلى شقة فيما بينهم، فحسم الله هذا النزاع بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1].

فكان هذا القرار الرباني حاسمًا في هذا الخلاف.

والأنفال: المقصود بها هنا الغنائم وهي جمع نفل، والنفل في الأصل: ما ناله الإنسان باجتهاده وجده.

وفي الاصطلاح: تطلق على ما زاد على الغنيمة كما إذا وزع الإمام الغنائم على الناس فبقيت زيادة فنفلهم، أي: أعطى كل إنسان ما يزيد على سهمه، فهذه الزيادة هي التي تسمى في الاصطلاح الفقهي بالنفل.

لكن المقصود هنا في الآية: الغنائم مطلقًا، سواء منها ما كان نفلًا أم كان سهمًا وأصولًا، فلذلك قال: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ[الأنفال:1]، والجواب: قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[الأنفال:1].

فاتخذ الله عز وجل هذا القرار بمصادرة حقوق الناس منها، فجعلها إلى الله وإلى رسوله ليس لأحد فيها نصيب ولا حق، وهذا ما ينقاد له المؤمنون جميعًا ويستسلمون له، وهو الذي يؤدي إلى اجتماع كلمتهم وتقارب قلوبهم وإزالة الشقة عنهم، إذا عرفوا أن الحكم فيها لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس للناس فيها رأي وليس لهم مشاركة في القرار في شأنها، فهذا مما سينفض أيدي قلوبهم عن المشاركة في الرأي فيها.

ثم بعد ذلك قسمه النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما أوحى الله إليه فقد أنزل الله عليه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ[الأنفال:41].

وهذا الخمس قسمة إلى خمسة أخماس، هذا الخمس الواحد مقسم إلى خمسة أخماس؛ لأنه قال: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[الأنفال:41].

فهذه الخمسة هي من هذا الخمس الواحد، هذا الخمس هو لله ولرسوله ولذي القربى، أي: قرابات النبي صلى الله عليه وسلم، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، إن كنتم تؤمنون بالله.

والأخماس الأربعة الأخرى قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المقاتلين من المؤمنين، من كان منهم مشاركًا في المعركة ومن كان في أمر من أمور الإسلام الأخرى؛ لأن أمر هذا الدين ونصرته هو عمل جماعي مشترك للنائم فيه أجر القائم، وللغائب أجر الحاضر، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الأجر والمغنم بين الناس، فأسهم لقوم تخلفوا عن المعركة لانشغالهم بأمر آخر من أمور الدين ولصرف النبي صلى الله عليه وسلم لهم في مسئوليات أخرى، كـعثمان بن عفان وكالذين يرعون الإبل، وكالذين خرجوا في السقاية، وكالذين خرجوا يجمعون الأخبار، فكل أولئك أسهم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعل لهم سهمًا في الأجر والمغنم، فكانوا من الذين شهدوا بدرًا ولو لم يشهدوها في الواقع.

ولذلك قال: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[الأنفال:1]، ورتب على ذلك: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]. وهذا أمر يأتي مع كل أمر ذي بال، كل أمر مهم يأمر الله به من أمور الدين يسبق بالأمر بالتقوى، فإذا جاء الأمر بالتقوى وجاء بعده أمر آخر فهذا دليل على الاهتمام بذلك الأمر الآخر؛ لأنه مهد له بالأمر بالتقوى؛ لتشرئب النفوس إلى الطاعة والامتثال، فلذلك قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ[الأنفال:1].

وإذا سمع ذلك المؤمن سينتفض من أمور الدنيا ويتخلص منها ويقبل على الله، ويتهيأ للطاعة مطلقًا امتثالًا واجتنابًا، فقال بعده: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]، وهذا أمر بإصلاح ذات البين الذي يقتضي إزالة كل النعرات وعبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء، وهو قاضٍ على كل الدعوات المغرضة والمميزة، سواء كان ذلك التمييز عنصريًّا أو قبليًا أو طائفيًّا أو جهويًّا أو غير ذلك، فكل ذلك قد قضى الله عليه بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]. وذات البين: (ذات) مؤنث (ذو) بمعنى صاحب، والمقصود بذات البين؛ أي: ما بين الناس من العلاقات، فما بين الناس من العلاقات هو ذات بينهم.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[الأنفال:1].

تقوية إيمان المؤمنين، وتثبيتهم على طريق الحق.

فإن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم نصره، وأيدهم بملائكته، وكان ذلك تثبيتًا للمؤمنين، وإعلاءً لكلمة الله تعالى، وتقويةً لإيمانهم وثقتهم بالله تعالى. وهذا ما يحتاج إليه كل مؤمن، وهو لا ينافي في الأصل كمال الإيمان؛ لأن الإنسانَ حتى لو كان نبيًّا معصومًا، يزداد إيمانه؛ فالإيمان يبقى قابلًا للزيادة دائمًا؛ ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[البقرة:260]، فاطمئنان القلب زيادة في الإيمان، وقد سألها إبراهيم وهو حينئذٍ خليل الرحمن وقد اصطفاه الله من خلقه نبيًّا ورسولًا.

فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد آمنوا، ورضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وآمنوا بالقدر خيره وشره، وعرفوا أن ما قدر سيكون، وأنه رفعت الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، ولكن الإنسان يبقى محتاجًا إلى زيادة تمكن هذا الإيمان من قلبِه ليطمئن به.

فلذلك ثبتهم الله تعالى بهذا النصر المبين، الذي لم يكن متوقعًا لدى كثير منهم، فنصرهم الله تعالى بما أنزل من جنوده الذين لا يرون، وهم الملائكة، وبما قذف في قلوب الأعداء من الرعب، فكان هذا زيادة لتوكلهم على الله تعالى وتقوية لإيمانهم به.

وهذا الأثر بقي بعد الصحابة رضوان الله عليهم، فإن هذه المعركة كان لها ما بعدها؛ ولذلك ما دامت الأمة متشبثة بها وتتذكر أحداثها، وما دام تاريخ الأمة مرتبطًا بها- سيبقى هذا التوكل وهذا الإيمان جديدًا في النفوس؛ لأن المعايير المادية التي يعتمد عليها الناس قد تحطمت في معركة بدر.

فهذا الجيش القليل اليسير الذي لا يتجاوز تعداد المقاتلين فيه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، وليس لهم من السلاح إلا ثمانية أسياف، وليس لهم من الخيل إلا ثلاثة، يهزم هذا الجيش العرمرم الذي دوخ الجزيرة العربية كلها.

فكان هذا تقوية للإيمان، وزيادة للتوكل على الله سبحانه وتعالى، وبقي الارتباط به في أذهان المؤمنين كلما وقفوا في مضيقٍ أو شاهدوا أزمة أو ضَعُفوا من الناحية المادية، تذكروا الحال الذي كان عليه المؤمنون في وقت بدر وما نصرهم الله به؛ ولهذا يقول أبو تمام في ذكر معركة فتح عمورية:

إن كان بين ليالي الدهر من رحم موصولة أو ذمام غير مقتضب

فبين أيامك اللاتي نصرت بها وبين أيام بدر أقرب النسب

كذلك من هذه النتائج أيضًا: أن أعداء الله في داخل الجزيرة العربية وفي خارجها، قد امتلأت قلوبهم من الرعب من هذا الدين الجديد ومن هذه الدولة الجديدة، فكان هذا تمكينًا للمؤمنين في النفوس.

والتمكين ينقسم إلى قسمين:

إلى تمكين في الواقع.

وتمكين في القلوب والنفوس.

فالتمكين في النفوس يحصل: بالخوف، وبالمحبة.

فالفرس والروم واليهود، وجميع أعداء الإسلام في خارج الجزيرة العربية، ملئت قلوبهم من الرعب من هذا الدين الجديد وأهله؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر). وعندما غزا في غزوة تبوك هربت منه جيوش الروم وانصرفت على أدبارها مهزومةً من مجرد الرعب، وهكذا حصل للفرس، فقد خافوا خوفًا شديدًا من مجرد رسوله الذي يحمل رسالةً منه.

وقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمحبة أيضًا في نفوس كثيرين، فكثير هم أولئك الذين رأوه فأحبوه حبا شديدًا؛ فقد قال شيبة بن طلحة بن أبي طلحة: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض أبغض إلي منه، فلما رأيت وجهه أخذتني الهيبة فارتعشت فرائصي، فقال: (ادن شيب. فدنوت منه فضرب في صدري بيده، فوالله ما رفعها وعلى وجه الأرض من هو أحب إلي منه).

وكذلك ما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: (لقد مررت بأطباق ثلاثة: فقد كنت امرأً مشركًا، وكنت أشد الناس عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأشدهم بغضًا له. فلما أدخل الله علي الإسلام لم يكن أحد على وجه الأرض أحب إلي منه، ولا أهيب في نفسي منه، ولو سئلت أن أصفه لما استطعت، فوالله ما رفعت إليه نظري إجلالًا له وتعظيمًا).

وذكر الطور الثالث، وهو ما حصل من الفتنة ودخوله فيها، فقال: إنه لو مات على الطور الأول الذي هو الشرك لكان صائرًا إلى النار، ولو مات على الطور الثاني وهو الصحبة لكان صائرًا إلى الجنة، وقد دخل في الطور الثالث فهو يرجو ويخاف.

فهذه المحبة مكن الله بها لرسوله صلى الله عليه وسلم في القلوب.

وكذلك فإن من آثار هذه المعركة أيضًا: اعتداد المؤمنين بدينهم، وتشبثهم به.

فقد عرفوا أن هذا الدين به نصروا، وقد كان المنافقون يقولون: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ[الأنفال:49]، ويزعمون أن اعتمادهم على الدين إنما هو من قبيل الغرور، فلما تحطمت نظرة المنافقين وانهزموا، ازدادت ثقة المؤمنين بهذا الدين، وعرفوا أنه الذي ينهزم به الأعداء، وهو الذين ينصر به أهل الإيمان، وهو القوة التي لا تهزم.

كذلك من نتائج هذه المعركة: أن الله استأصل بها رءوس الكفر وزعماءه بمكة.

وأهل الجزيرة العربية من المشركين وأهل الكتاب تبع لأولئك الرءوس الذين هم بمكة، فلما قطعت هذه الرءوس لم يبق من يستطيع التشبث بتلك المبادئ ولا المدافعة عنها لمدة طويلة؛ ولهذا فإن بعض الذين بقوا على هذا المنهج من أهل مكة لم يزالوا في شك وريب، كـأبي سفيان وصفوان بن أمية، حتى أدخل الله الإيمان في قلوبهم.

وكذلك فإن اجتثاث هذه الرءوس المشركة كان سببًا لإسلام أولادهم من بعدهم، وقد سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص فقال: (يا عمرو، والله إن كنا لنعدك من أعقلنا في الجاهلية، فما الذي أخرك عن الإسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين، لقد كنا مع شيوخ كنا نراهم أوفر الناس عقولًا، وأحصفهم رأيًا، فنفروا من هذا الأمر وعادوه، فتبعناهم على ذلك، فلما ماتوا نظرنا فإذا الحق واضح).

فكان اجتثاث رءوس الكفر الذين علم الله أنهم لا يمكن أن يدخل الإيمان في قلوبهم، ولا يمكن أن يكونوا من أهل الجنة، كان ذا أثر بالغ في إيمان كثير من الشباب والمقلدين والضعفة، الذين كان هؤلاء الرءوس يحولون بينهم وبين الإيمان؛ ولذلك قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ[الأنفال:39].

فالفتنة: هي صرف الناس عن الدين، والحيلولة بينه وبينهم، وهذه إنما تكون من الرءوس والملأ.

فكان اجتثاثهم مهما جدا لانتشار الإيمان واستقبال الناس له بالقبول.

كذلك من آثار هذه المعركة أيضًا: خوف قبائل العرب والأعراب المحيطة بالمدينة من هذا الدين وأهله.

فقد دخل الخوف عليهم، فأقبلوا يرغبون في مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن ينتسبوا إلى هذه الدولة الجديدة ولو لم يؤمنوا، وهذا ما نشهده فيما بعد في العام السابع في وقت صلح الحديبية، عندما توافد بنو خزاعة فدخلوا في عقد النبي صلى الله عليه وسلم وعهده.

فكثير من القبائل غير المؤمنة رأت أن هذا الدين له مستقبل، وأن هذه الدولة الجديدة ينبغي أن ينضم إليها الناس وأن يدخلوا في كنفها، وأن هذا الخيار خيار إستراتيجي بالنسبة لهم، فاختاروه وقطعوا قرارهم فيه.

وكذلك من آثار هذه المعركة: أنها كانت أيضًا سببًا لهزيمة المنافقين الذين كانوا في المدينة.

فكانوا يمنعون أولادهم من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته من كبار السن، فلما حصلت هذه المعركة وجاءت نتائجها مشرفة، ورأوا شباب المؤمنين قد فازوا بالصحبة وبالشهادة، لم يعودوا يستطيعون الحيلولة بين أولادهم وبين المسارعة إلى الخير والمسابقة إليه، حتى إن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول- وأبوه رأس النفاق- قد كان من الشباب المسارعين إلى الخيرات المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم المبادرين إلى الغزو معه، ولم يستطع أبوه صده عن ذلك؛ لما شاهده من الـمزية لأولئك الشباب الذين ضحوا وقدموا أنفسهم، كأبناء عفراء وأولاد عمرو بن الجموح، وغيرهم من الشباب الصغار الذين كان لهم أثر بالغ في هذه المعركة.

كذلك من الآثار التي ترتبت على هذه المعركة ومن النتائج الطيبة لها: ما غنمه المؤمنون من الغنائم التي قد ذكرنا من قبل، أن من حكمة هذه المعركة ومن أهدافها أن يسترد من قريش ما أخذوه من مال المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم.

فقد كثرت الغنائم، وجمع منها الشيء الكثير، ثم تضاعفت وازدادت بالفداء عندما فادى قريش أسراهم، فاجتمع من ذلك مال كثير، فكان تخفيفًا للأعباء عن الأنصار، وكان أيضًا جبًرا للمهاجرين بما فقدوا من أموالهم وبما خرجوا منه من ديارهم، وكان ذلك أيضًا رفعًا لمعنوياتهم حين وجدوا نفس الأموال التي كان يملكها المشركون وكانوا يبغون بها عليهم في الجاهلية.

فذو البرة وهو جمل كان لـأبي جهل، كان معروفًا بمكة مشهورًا- كان من غنائم بدر، وقد أهداه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فنحر عندها، فكان ذلك نكاية عظيمة بالمشركين.

لكن هذه الغنائم كانت ذات تأثير على النفوس، وهذا يدلنا على خطورة المال وما يتعلق به؛ فالمال تحبه نفوس الناس:

والناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب

وهذا في نفوسهم، سواء منهم من كان صالحًا أو طالحًا في الأصل، إنما يتغلب الإنسان على نوازعه وعلى شهواته وعلى محبته للدنيا بتذكره للآخرة، وبزيادة مشاهدته لما عند الله عز وجل.

ولهذا فإن هؤلاء الذين لم يغنموا قبل هذه المعركة، لـما جمعت الغنائم اختلفوا في شأنها، فقالت طائفة منهم: إنما هي للذين قاتلوا حتى أحرزوها. وقالت طائفة: بل هي للذين جمعوها؛ فهم أول من سبق إليها. وحصل هذا الخلاف فأدى إلى شقة فيما بينهم، فحسم الله هذا النزاع بقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1].

فكان هذا القرار الرباني حاسمًا في هذا الخلاف.

والأنفال: المقصود بها هنا الغنائم وهي جمع نفل، والنفل في الأصل: ما ناله الإنسان باجتهاده وجده.

وفي الاصطلاح: تطلق على ما زاد على الغنيمة كما إذا وزع الإمام الغنائم على الناس فبقيت زيادة فنفلهم، أي: أعطى كل إنسان ما يزيد على سهمه، فهذه الزيادة هي التي تسمى في الاصطلاح الفقهي بالنفل.

لكن المقصود هنا في الآية: الغنائم مطلقًا، سواء منها ما كان نفلًا أم كان سهمًا وأصولًا، فلذلك قال: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ[الأنفال:1]، والجواب: قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[الأنفال:1].

فاتخذ الله عز وجل هذا القرار بمصادرة حقوق الناس منها، فجعلها إلى الله وإلى رسوله ليس لأحد فيها نصيب ولا حق، وهذا ما ينقاد له المؤمنون جميعًا ويستسلمون له، وهو الذي يؤدي إلى اجتماع كلمتهم وتقارب قلوبهم وإزالة الشقة عنهم، إذا عرفوا أن الحكم فيها لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس للناس فيها رأي وليس لهم مشاركة في القرار في شأنها، فهذا مما سينفض أيدي قلوبهم عن المشاركة في الرأي فيها.

ثم بعد ذلك قسمه النبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما أوحى الله إليه فقد أنزل الله عليه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ[الأنفال:41].

وهذا الخمس قسمة إلى خمسة أخماس، هذا الخمس الواحد مقسم إلى خمسة أخماس؛ لأنه قال: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ[الأنفال:41].

فهذه الخمسة هي من هذا الخمس الواحد، هذا الخمس هو لله ولرسوله ولذي القربى، أي: قرابات النبي صلى الله عليه وسلم، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، إن كنتم تؤمنون بالله.

والأخماس الأربعة الأخرى قسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المقاتلين من المؤمنين، من كان منهم مشاركًا في المعركة ومن كان في أمر من أمور الإسلام الأخرى؛ لأن أمر هذا الدين ونصرته هو عمل جماعي مشترك للنائم فيه أجر القائم، وللغائب أجر الحاضر، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم الأجر والمغنم بين الناس، فأسهم لقوم تخلفوا عن المعركة لانشغالهم بأمر آخر من أمور الدين ولصرف النبي صلى الله عليه وسلم لهم في مسئوليات أخرى، كـعثمان بن عفان وكالذين يرعون الإبل، وكالذين خرجوا في السقاية، وكالذين خرجوا يجمعون الأخبار، فكل أولئك أسهم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي جعل لهم سهمًا في الأجر والمغنم، فكانوا من الذين شهدوا بدرًا ولو لم يشهدوها في الواقع.

ولذلك قال: يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ[الأنفال:1]، ورتب على ذلك: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]. وهذا أمر يأتي مع كل أمر ذي بال، كل أمر مهم يأمر الله به من أمور الدين يسبق بالأمر بالتقوى، فإذا جاء الأمر بالتقوى وجاء بعده أمر آخر فهذا دليل على الاهتمام بذلك الأمر الآخر؛ لأنه مهد له بالأمر بالتقوى؛ لتشرئب النفوس إلى الطاعة والامتثال، فلذلك قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ[الأنفال:1].

وإذا سمع ذلك المؤمن سينتفض من أمور الدنيا ويتخلص منها ويقبل على الله، ويتهيأ للطاعة مطلقًا امتثالًا واجتنابًا، فقال بعده: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]، وهذا أمر بإصلاح ذات البين الذي يقتضي إزالة كل النعرات وعبية الجاهلية وتفاخرها بالآباء، وهو قاضٍ على كل الدعوات المغرضة والمميزة، سواء كان ذلك التمييز عنصريًّا أو قبليًا أو طائفيًّا أو جهويًّا أو غير ذلك، فكل ذلك قد قضى الله عليه بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[الأنفال:1]. وذات البين: (ذات) مؤنث (ذو) بمعنى صاحب، والمقصود بذات البين؛ أي: ما بين الناس من العلاقات، فما بين الناس من العلاقات هو ذات بينهم.

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[الأنفال:1].




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
تقويم الله لغزوة بدر [2] 2782 استماع
تقويم الله لغزوة بدر [1] 1988 استماع