أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) [1] .
مكانة الحديث:
حديث ابن عباس هذا حديث عظيم - وكل أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عظيمة وشريفة - فهو أمر نبوي كريم بحفظ الدين، وبيان لنتيجة ذلك، وهو نصر الله وتأييده وحفظه لمن حفظ دينه، وقد اشتمل هذا الحديث على مسائل عقدية تعد أصولاً عظيمة، من الإيمان بالله والإخلاص له بالعبادة والتوكل عليه والاستعانة به، والقضاء والقدر، والاتباع لما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومما يدل على مكانته اختيار النووي (ت 676هـ) له أن يكون ضمن الأربعين حديثاً التي جمعها، وكان رقمه التاسع عشر، وذكر سبب اختياره لها بقوله: (( وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً ... ، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة، رضي الله عن قاصديها، وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك ... ، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره ) ) [2] .
كما اختاره النووي أيضاً ليكون ضمن كتابه القيم (رياض الصالحين) ، ووضعه في الباب الخامس، باب المراقبة، من الكتاب الأول، فكان رقمه الثاني والستين من جملة الأحاديث التي بلغت 1896 حديثاً، وقد قال في مقدمتها: (( فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين، من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح، وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين ) ) [3] .
وقد وجد هذان الكتابان قبولاً عظيماً عند العلماء، وطلبة العلم بعد النووي، إذ كثر انتشارهما، واعتني بهما بالشرح والتعليق.
وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث خاصة، وشرحوه، وبينوا منزلته، ومن ذلك ما ذكره ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ) حيث قال: (( هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، وأجلِّها، حتى قال الإمام أبو الفرج في كتابه(صيد الخاطر) : تدبرت هذا الحديث، فأدهشني، وكدت أطيش، فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه )) [4] .
وقال ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ) بأن هذا الحديث اشتمل على (( هذه الوصايا الخطيرة القدر، الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر ) ) [5] .
وقال ابن عثيمين: (( فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائماً، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، التي أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ) ) [6] .
(1) الروايتان في مسند الإمام أحمد 1/ 293، و1/ 303،307 وعند أبي يعلى 2/ 665، والحاكم في مستدركه 3/ 541، والطبراني في المعجم الكبير 3/ 121. وصححه الألباني: انظر كتاب السنة لابن أبي عاصم، تخريج الألباني 1/ 138،139، ورياض الصالحين بتحقيق الألباني ص 63، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 496، 497 ح 2382.
(2) متن الأربعين النووية ص 11 - 12.
(3) رياض الصالحين ص 28.
(4) جامع العلوم والحكم ص 462.
(5) فتح المبين لشرح الأربعين ص 172.
(6) شرح رياض الصالحين ص 456.