فوصفها بالخيرية التي رفعتها عن الحضيض، أو العيش في حثالة التاريخ أو مخلفاته، ومع ذلك فهي لا تزال أمة من سائر الأمم، لم تتطاول إلى ما فوق مكانتها، ولم تدَّعِ لنفسها رتبة غير رتبتها، ولم تخرج عن قدرها لتقول عن نفسها كما قال اليهود والنصارى: (( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ) [المائدة:18] . بل اختارت الوصف الوسط، وجعلته سمة من أبرز سماتها، والتي تحرص على تحقيقها في حياة الأفراد والجماعات والتي تعنى بالتوازن والاعتدال (1) .
إن مبدأ الوسطية التي أفردت له هنا بحثاً مستقلاً، قد شغل حيزاً كبيراً في آيات الكتاب الكريم، بل بلغ الاهتمام به أن أخذ مكاناً بارزاً في فاتحة الكتاب التي يتلوها كل مؤمن في اليوم الواحد سبع عشر مرة على الأقل: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) ) [الفاتحة:6، 7] .
أليست هذه دعوة إلى الوسطية؟
وهي تعتبر بحق طريق النجاة والاستقامة والسلامة، إذ أنها تجانب طريقين: طريق نهايته حلول الغضب من الله، وطريق آخر نهايته الضلال، والمسلم يسير بينهما على وجل وحذر من الوقوع فيهما، ولذلك شرع الله له أن يقرأ ذلكم الداء في سورة الفاتحة مراراً في كل يوم وليلة، حتى يضع أول قدميه في الجنة وعندئذٍ تحصل الطمأنينة والنعيم والحبور.
خصائص الإسلام
أ- رباني المصدر (2) :
فهو وحي من الله سبحانه وتعالى: لفظاً ومعنى، وهو القرآن الكريم، أو معنى فقط، وهو السنة المطهرة، إذ لا مدخل فيه لعقول البشر.
ب- أنه دين شامل لجميع أمور الحياة في الدنيا والآخرة (3) :
(1) كتاب الوسطية في الإسلام، تعريف وتطبيق د/ زيد بن عبد الكريم.
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق.