يقول إن الحق في جهة، وإن المخالف في تلك مخطئ له أجر لا أنّه خطأ يؤدي إلى كفره، ولا فسقه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر» «1» ، ومنهم من يقول كل منهما مصيب للخير، وحملوا أمر معاوية وعلي رضي اللّه عنهما على ذلك، وذلك أن عثمان بن عفان رضى اللّه عنه كان الخليفة، وهو ابن عم معاوية، فقتل مظلوما، وولى بعده الخلافة علي رضي اللّه عنه فجاء معاوية وطالبه بدمه، فقال علي رضي اللّه عنه: من قتل عثمان؟ فقام الخلفاء كلهم فأدى اجتهادهم إلى تركهم ذلك اليوم؛ لأنه لا يمكنه قتل جميعهم، وخشى على نفسه أيضا أن يقتلوه، كما قتلوا عثمان رضي اللّه عنه، فلما تركهم ظن معاوية وأصحابه أنهم قد تركوا شرطا من شروط الإمامة، وبطلت إمامته؛ لأن من شروط الإمامة استيفاء الحقوق، فإذا لم يستوف الحقوق، فقد ترك شرطا من شروط الإمامة وبطلت إمامته، والعصر لا بدّ له من إمام، فعقدوا لمعاوية بهذا الاجتهاد، فكل واحد منهما كان مجتهدا مصيبا، والدليل على أنه لم يجر بينهم ما يؤدي إلى الكفر والفسق، أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان إذا قاتل الكفار يظهر الفرح والاستبشار، وفي حال قتاله أبو الحسن: كل هذا بيننا؟ إلى اللّه أشكو عجرى وبجرى أي همومي وأحزاني، يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة وكان يقول لأصحابه: ألا لا يتبع مول ولا يدفف على جريح. فلو وجد منهم ما يؤدي إلى كفرهم وفسقهم، لما أمر أصحابه بذلك.
وروى أن بعض أصحابه قال له: أ كفار هم؟ فقال: لا، هم إخواننا بغوا علينا، قال اللّه تعالى: وإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ (الحجرات: من الآية 9) فسماهم اللّه في حال القتال مؤمنين، لم يقل: وإن طائفتان مؤمنة، وكافرة قال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: من الآية 10) ، والصلح لا يكون إلا بعد القتال، وإذا كان إخوة يوسف- مع كونهم أنبياء- والأنبياء أفضل من الصحابة يفعلون بيوسف ما فعلوا- ويوسف أخوهم وشقيقهم- حسدا، فيما يتعلق بأمور الدنيا فمن نزلت درجته عن درجتهم، لا يستبعد منهم ما يجري بينهم من قتال أو غيره فيما يتعلق بأمور الدين، والدليل على أن ما جرى بينهم لم يتعلق بأمور الدنيا، أن عمرو بن العاص كان وزير معاوية، فلما قتل عمار بن ياسر، أمسك عن القتال وتابعه على ذلك خلق كثير، فقال له معاوية: لم لا تقاتل؟ فقال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
(1) أخرجه البخاري (9/ 108) ، ومسلم (5/ 131 - 132) .