استسلم فأراح، ولكن العلماء استسلامهم في هذا الباب ذلة وعار، ونكوصهم عن بيان التوحيد والتلبيس فيه معقد الشبه بينهم وبين علماء بني إسرائيل، فالمصلحة في نقض كل ما يقف في وجهة التوحيد، فالتوحيد أعظم مصلحة ترجى، والشرك أعظم مفسدة تُدرأ، ومن نكص عن نصرة التوحيد، هَيبةً أو رغبة في مصلحة أعظم بزعمه، فما والله عرف العزم والحزم، ولا متى يكون الإقدام والإحجام، فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة، وقد كاد المصلح يُصبح بلا ناصر ولا معين إلا من الله، وسط أناس اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم وظهور هؤلاء المبدلين والمغيرين للشرع ليس بالأمر الجديد، فالملحدون والمنافقون والمشركون لا يعرفون وقتاً أو زمناً، والموحدون قاعدون لهم كل مرصد، وخروج البعض ممن ينتسب للإسلام ليقول بشيء لم يقله مسلم قبله ليُرضي الكافر، هو هزيمة نفسية شر هزيمة، حتى ظهر ذلك ممن ينتسب للعلم، وهذا ربما يكون من آثار هزيمة النفس التي أورثها الحادي عشر من سبتمبر، فأصبح كثير من الكتاب يتحدث وينتقي ما يظهر محاسن الإسلام بزعمه ويُحسّن صورته، ويتوارى من تقرير الصراع بين الحق والباطل، والكفر والإيمان وجهاد أعداء الله تعالى، حتى وصل ذلك لنقض الإسلام وتحاشي تسمية الكافر باسمه، و وُصِف من يدافع عن عرضه وأرضه ودمه بأنه ملقي بنفسه إلى التهلكة، بل وشرّع بعض المنهزمين ولاية النصارى على المسلمين، فما أشبه الليلة بالبارحة، واليوم بالأمس فحين اغتصاب الفرنسيين للجزائر بلغت الهزيمة بالمسلمين أن قدر الفرنسيون على إعداد فتوى تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، وضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر.
وإن لم يعتبر المنهزمون بالوحي أن تبديل الحكم الشرعي طلباً لرضا كافرٍ أو منافق ظلم للنفس وللأمة موبقٌ، فها هم الكثير من بني جلدتنا قد بحّت حناجرهم، وكلّت أجسادهم، وتجرحت أقدامهم، وضيّعوا أموالهم في السعي نحو الغرب من أجل المناشدة بالسلام العالمي، والتآلف والتعايش، فما زاد الغرب إلا عتوًا واستكباراً ونفورًا عن الإسلام، فيجب علينا أن نأخذ دين الإسلام بفخر وقوة واعتزاز، ومن ذلك أن نقيم شعيرة الولاء والبراء ونحكّم شرع