الصفحة 64 من 213

الدليل الرابع: جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، فدل على التغايُر بين مفهومَيْهما. والجوابُ منعُ استلزامِ التغاير، فإن مِن أنواع العطف - كما ذكر ابن هشام الأنصاري في المغني (1) : عطف العام على الخاص وبالعكس نحو {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ونحو {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} وغيرها. بل إن منها عطف الشيء على مرادفه نحو {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و {عِوَجًا وَلا أَمْتًا} وغيرها (2) .

وذلك إنما يكون لنُكتٍ بلاغيةٍ معروفة عند أهل الفن، كما يقول العلامة بهاء الدين السبكي في شرحه لمتن التلخيص:"من أسباب الإطنابِ إيرادُ الخاصِّ بعدَ العام ويؤتى به للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنَّه ليسَ مِن جِنْس العامِّ تنزيلا للتغاير في الوصف - فيما حصل به للخاص التمييزُ عن غيره - بمنزلةِ التغاير في الذاتِ على الأسلوبِ الذي سَلَكهُ المُتنبي في قوله:"

فإن تَفُقِ الأنامَ وأنت منهم ... ... ... فإن المسك بعض دم الغزال" (3) ."

فعطفُ العمل الصالح على الإيمان هو - إذن - من عطف الخاص على العام، ويمكن أن يقال بأن علةَ ذلك هي شدةُ الاعتناءِ بالأعمال، وتنبيه المخاطب إلى خطورتها، وتحذيره من إغفالها.

(1) - مغني اللبيب: 2/411.

(2) - انظر تفصيلا نافعا لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: 7/172.

(3) - عروس الأفراح شرح تلخيص المفتاح - ضمن شروح التلخيص: 3/216، ومثله في عقود الجمان للسيوطي: 72.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام