ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يموت بخمس وهو يقول:"إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً."
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأجاب رب العالمين دعاءه ... وأحاطه بثلاثة الجدران
يعني: صار القبر داخل الجدران، فلا يُرى أبداً، وذلك صيانة له عن الغلو - عليه الصلاة والسلام-.
قوله:"ولمسلم عن جُندب بن عبد الله"هو: جُندب بن عبد الله البَجَلي، رضي الله تعالى عنه.
"قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يموت بخمس"يحتمل أن المراد: خمس سنين، ويحتمل أن المراد: خمس ليال.
"وهو يقول: إني أبرأ إلى الله"البراءة معناها: نفي الشيء والابتعاد عنه، كما يقال: برأ القلم إذا قطعه وأبعد جزءا منه، فالبرء هو: البعد والانقطاع، فـ"أبرأ إلى الله"أي: ابتعد عن ذلك وأكرهه.
"أن يكون لي منكم خليل"من الصحابة، فليس له من الصحابة خليل، والسبب في ذلك، أن الله اتخذه خليلاً، والخُلّة لا تقبل الاشتراك، فلا يمكن أن يكون خليل الله وخليل أحد من الخلق، لأن الخُلّة لابد أن تكون لواحد، لا تقبل الاشتراك، والخُلّة هي أعلى درجات المحبة، كما قال الشاعر:
تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمّي الخليل خليلاً
وعباد الله وأنبياؤه كلهم يشتركون في المحبة، فالله يحب التوابين، ويحب المتطهرين ويحب المتقين، ويحب المحسنين، أما الخُلّة فهي لم تحصل إلاّ لاثنين فقط، هما: محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإبراهيم، كما في قوله تعالى {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} ، أما بقية الأنبياء والمؤمنين فإن الله يحبهم ويحبونه كما جاءت بذلك النصوص لكن لم يتخذ الله منهم خليلاً.
ثمّ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً"يعني: على فرض لو صحّ لي وجاز لي أن أتخذ من أمتي خليلاً.