وَأَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَامَ بِعَيْنِهَا صَارَتْ إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَبِيلَةً قَبِيلَةً1, وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسْدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟"أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتُهُ، وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتُهُ"2, وَفِي"الصَّحِيحَيْنِ"عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ:"لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد"3 يحذره مَا فَعَلُوا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي مرض موته كنيسة بأرض الحبشة، وذكر مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَقَالَ:"إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قبره مسجدا، وصورا فِيهِ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"4. وَفِي"صَحِيحِ مُسْلِمٍ"عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ:"إَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ"5.
وَمِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ عِبَادَةُ الْكَوَاكِبِ وَاتِّخَاذُ الْأَصْنَامِ بِحَسَبِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ لِلْكَوَاكِبِ [مِنْ] طِبَاعِهَا.
وَشِرْكُ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ -فِيمَا يُقَالُ- مِنْ هَذَا الْبَابِ, وَكَذَلِكَ الشِّرْكُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَاتِّخَاذُ الْأَصْنَامِ لَهُمْ.
وَهَؤُلَاءِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ، ولكن اتخذوا هؤلاء
1 صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع.
2 صحيح أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما وله طرق ذكرتها في"إرواء الغليل"، و"أحكام الجنائز""ص207".
3 صحيح وهو من حديث عائشة وأبي هريرة، وله شواهد كثيرة. خرجتها في"تحذير الساجد"وفي"أحكام الجنائز""ص216".
4 صحيح وهو من حديث عائشة، خرجته في المصدر المذكور"ص218".
5 صحيح، ورواه أبو عوانة في"صحيحه"أيضا، وغيره، وهو مخرج فيه أيضا"ص217".