فهرس الكتاب
الصفحة 468 من 536

آمَنُوا وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْفَيْءِ نَصِيبًا، بِنَصِّ الْقُرْآنِ, وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذُهُبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"1. انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِذِكْرِ سَبِّ خَالِدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، دُونَ الْبُخَارِيِّ, فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهُ:"لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي"، يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَمْثَالَهُ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَنَحْوَهُ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، [فَهُمْ أَفْضَلُ وَأَخَصُّ بِصُحْبَتِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ] ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْدَ مُصَالَحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهَؤُلَاءِ أَسْبَقُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَابْنَاهُ يَزِيدُ وَمُعَاوِيَةُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ نَهَى مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ آخِرًا أَنْ يَسُبَّ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ أَوَّلًا، لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْرَكُوهُمْ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ, فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَيْسَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِحَالٍ مَعَ الصَّحَابَةِ؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ -مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ- هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. وَقِيلَ: إِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ2. فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ فَضِيلَةً؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، كَمَا دَلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجِهَادِ وَالْمُبَايَعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:"أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم"

1 صحيح ورواه مسلم من حديث أبي هريرة أيضا، وهو مخرج في"ظلال الجنة".

"988 - 991"وفيه بيان أنه ذكر أبي هريرة فيه شاذ، فراجعه إن شئت.

2 قال عفيفي: انظر ص398 وما بعدها ج4 من"مجموع الفتاوى"لابن تيمية.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام