يَغْضَبُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ, كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ:"إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ"1, وَفِي"الصَّحِيحَيْنِ"عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ؟ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا"2. فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُحِلُّ رِضْوَانَهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يُحِلُّ رِضْوَانَهُ ثُمَّ يَسْخَطُ، كَمَا يُحِلُّ السَّخَطَ ثُمَّ يَرْضَى، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَلَّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانًا لَا يَتَعَقَّبُهُ سَخَطٌ, وَهُمْ قَالُوا: لَا يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَضْحَكُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَغْضَبُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَرْضَى إِذَا شَاءَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَجْعَلُوا الرِّضَى وَالْغَضَبَ وَالْحُبَّ وَالْبُغْضَ هُوَ الْإِرَادَةُ، أَوْ يَجْعَلُوهَا صِفَاتٍ أُخْرَى، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا بِمَشِيئَتِهِ وَلَا بِقُدْرَتِهِ، إذ لو تعلق بِذَلِكَ لَكَانَ مَحَلًا لِلْحَوَادِثِ!! فَنَفَى هَؤُلَاءِ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ الذَّاتِيَّةَ بِهَذَا الْأَصْلِ، كَمَا نَفَى أُولَئِكَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْأَعْرَاضِ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ هِيَ أَفْعَالٌ، وَلَا تُسَمَّى حَوَادِثَ، كَمَا سُمِّيَتْ تِلْكَ صِفَاتٍ، وَلَمْ تُسَمَّ أَعْرَاضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْتَنِ فِيهِ بِتَرْتِيبٍ, وَأَحْسَنُ مَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ كِتَابُ أُصُولِ الدِّينِ تَرْتِيبُ جَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ:"أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ [خَيْرِهِ وَشَرِّهِ] "3, الْحَدِيثَ, فَيَبْدَأُ بِالْكَلَامِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ وثم، إلى آخره.
1 متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد مضى لفظه بتمامه.
2 صحيح، وهو مخرج في"صحيح الجامع الصغير""1907".
3 متفق عليه، على ما سبق بيانه.