فهرس الكتاب
الصفحة 438 من 536

يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ"1."

وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 14] , قَالُوا: وَالْجَزَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْأَعْمَالِ ترتب الْعِوَضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الم السجدة: 17 والأحقاف: 14 والواقعة: 24] . {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 42] . وَنَحْوُ ذَلِكَ.

فَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ الْجَبْرِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الْأَنْفَالِ: 17] , فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ لِرَسُولِهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] رَمْيًا، بِقَوْلِهِ: {إِذْ رَمَيْتَ} ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُثْبَتَ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمْيَ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ: فَابْتِدَاؤُهُ الْحَذْفُ، وَانْتِهَاؤُهُ الْإِصَابَةُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى رَمْيًا، فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ, وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: وَمَا أَصَبْتَ إِذْ حَذَفْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَصَابَ, وَإِلَّا فَطَرْدُ قَوْلِهِمْ: وَمَا صَلَّيْتَ إِذْ صَلَّيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ صَلَّى! وَمَا صُمْتَ إِذْ صُمْتَ! وَمَا زَنَيْتَ إِذْ زَنَيْتَ! وَمَا سَرَقْتَ إِذْ سَرَقْتَ!! وَفَسَادُ هَذَا ظَاهِرٌ.

وَأَمَّا تَرَتُّبُ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، فَقَدْ ضَلَّتْ فِيهِ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ، وَهَدَى اللَّهُ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. فَإِنَّ الْبَاءَ الَّتِي فِي النَّفْيِ غَيْرُ الْبَاءِ الَّتِي فِي الْإِثْبَاتِ، فَالْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ"بَاءُ الْعِوَضِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كَالثَّمَنِ لِدُخُولِ الرَّجُلِ إِلَى الْجَنَّةِ، كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ الْعَامِلَ مُسْتَحِقٌّ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى رَبِّهِ بِعَمَلِهِ! بَلْ ذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ, وَالْبَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الم السجدة: 17] وغيرها، بَاءُ السَّبَبِ، أَيْ بِسَبَبِ عَمَلِكُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ، فَرَجَعَ الْكُلُّ إِلَى مَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 14] , فَمَعْنَى الْآيَةِ: أَحْسَنُ الْمُصَوِّرِينَ الْمُقَدِّرِينَ, وَالْخَلْقُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ التَّقْدِيرُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْدِ: 18 والزمر: 62] .

1 مسلم عن حديث أبي هريرة وجابر وعائشة بألفاظ متقاربة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام