فهرس الكتاب
الصفحة 401 من 536

عَلَى بَابِهَا، يَأْتِيهِمْ مِنْ رَوْحِهَا وَنَعِيمِهَا وَرِزْقِهَا, وَقِيلَ: عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ, وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ الرُّوحَ مُرْسَلَةٌ، تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَابِيَةِ مِنْ دِمَشْقَ، وَأَرْوَاحَ الْكَافِرِينَ بِبَرَهُوتَ بِئْرٍ بِحَضْرَمَوْتَ! وَقَالَ كَعْبٌ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ فِي سِجِّينَ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ تَحْتَ خَدِّ إِبْلِيسَ1! وَقِيلَ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ بِبِئْرِ زَمْزَمَ، وَأَرْوَاحُ الْكَافِرِينَ بِبِئْرِ بَرَهُوتَ. وَقِيلَ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله, قال ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ: مُسْتَقَرُّهَا حَيْثُ كَانَتْ قَبْلَ خَلْقِ أَجْسَادِهَا, وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَرْوَاحُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ, وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ، تَغْدُو وَتَرُوحُ إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ، تَأْتِي رَبَّهَا كُلَّ يَوْمٍ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ, وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مُسْتَقَرُّهَا الْعَدَمُ الْمَحْضُ, وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ النَّفْسَ عَرَضٌ مِنْ أَعْرَاضِ الْبَدَنِ، كَحَيَاتِهِ وَإِدْرَاكِهِ! وَقَوْلُهُمْ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مُسْتَقَرُّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَبْدَانٌ أُخَرُ تُنَاسِبُ أَخْلَاقَهَا وَصِفَاتِهَا الَّتِي اكْتَسَبَتْهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا، فَتَصِيرُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى بَدَنِ حَيَوَانٍ يُشَاكِلُ تِلْكَ الرُّوحَ! وَهَذَا قَوْلُ التَّنَاسُخِيَّةِ مُنْكِرِي الْمَعَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ, وَيَضِيقُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ عَنْ بَسْطِ أَدِلَّةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا.

وَيَتَلَخَّصُ مِنْ أَدِلَّتِهَا: أَنَّ الْأَرْوَاحَ فِي الْبَرْزَخِ مُتَفَاوِتَةٌ أَعْظَمَ تَفَاوُتٍ، فَمِنْهَا: أَرْوَاحٌ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى2، وَهِيَ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ، وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ, وَمِنْهَا أَرْوَاحٌ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهِيَ أَرْوَاحُ بَعْضِ الشُّهَدَاءِ، لَا كُلِّهِمْ، بَلْ مِنَ الشُّهَدَاءِ مَنْ تُحْبَسُ رُوحُهُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ, كَمَا فِي"المسند"عن

1 قال عفيفي: انظر المسألة الثانية عشرة من كتاب"الروح".

2 قال عفيفي: انظر قول العلماء في مستقر الأرواح بعد الموت وقبل يوم القيامة في المسألة الخامسة عشرة من كتاب"الروح"لابن القيم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام