فهرس الكتاب
الصفحة 382 من 536

الْمُحِبَّ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ مَحْبُوبُهُ، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِيهِ، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيهِ، وَيَرْضَى لِرِضَائِهِ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ، وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَحْبُوبِهِ فِي كُلِّ حَالٍ, وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ المسحنين، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَنَحْنُ نُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ, وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَنَحْنُ لَا نُحِبُّهُمْ أَيْضًا، وَنُبْغِضُهُمْ، مُوَافَقَةً لَهُ سبحانه وتعالى, وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ"1. فَالْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمُوَافَقَةِ الْمَحْبُوبِ فِي مَحْبُوبِهِ وَمَكْرُوهِهِ، وَوِلَايَتِهِ وَعَدَاوَتِهِ, وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ الْمَحَبَّةَ الْوَاجِبَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَ أَعْدَاءَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ مَا يُحِبُّهُ مِنْ جِهَادِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّفِّ: 4] , وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ بِحَسَبِ مَا فِيهِمْ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَجْتَمِعُ فِيهِ سَبَبُ الْوِلَايَةِ وَسَبَبُ الْعَدَاوَةِ، والحب والبغض، فيكون محبوبا من وجه ومبغوضا مِنْ وَجْهٍ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ, وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْعَبْدِ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يُحِبُّ الشَّيْءَ مِنْ وَجْهٍ وَيَكْرَهُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ:"وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ"2. فَبَيَّنَ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ، لِأَنَّ التَّرَدُّدَ تَعَارُضُ إِرَادَتَيْنِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ، وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ، وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَهُوَ يَكْرَهُهُ، كَمَا قَالَ: وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَضَى بِالْمَوْتِ فَهُوَ يُرِيدُ كَوْنَهُ، فَسَمَّى ذَلِكَ تَرَدُّدًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ، إذ هو يفضي إلى ما أحب منه.

1 أخرجه الشيخان عن أنس.

2 صحيح، وهو طرف من حديث تقدم بتمامه"رقم 458"، وتكلمت عليه هناك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام