فهرس الكتاب
الصفحة 379 من 536

لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا"1. وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ:"لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، [فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ] ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا من طاعته"2."

فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاءِ: 59] , كَيْفَ قَالَ: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ؟ لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ لَا يُفْرَدُونَ بِالطَّاعَةِ، بَلْ يُطَاعُونَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ, وَأَعَادَ الْفِعْلَ مَعَ الرَّسُولِ لِأَنَّ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، بَلْ هُوَ مَعْصُومٌ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْأَمْرِ فَقَدْ يَأْمُرُ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، فَلَا يُطَاعُ إِلَّا فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولُهُ, وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا، فَلِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ، بَلْ فِي الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَةُ الْأُجُورِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلَّا لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَعَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ, قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30] , وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 165] , وَقَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النِّسَاءِ: 79] , وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: 129] . فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّةُ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ، فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ, وَعَنْ مَالِكِ بن دينار:

1 مسلم وعزاه السيوطي في"الجامع الكبير"و"الزيادة على الجامع الصغير"لأحمد أيضا، ولم نره في"مسنده".

2 مسلم وغيره, وهو مخرج في"الصحيحة""907".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام