فهرس الكتاب
الصفحة 339 من 536

وَمَا أَعْجَبَ مَا أَجَابَ بِهِ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ شُعَبِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ: أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ أو بضع وسبعون، فقد شهد الراوي بفعله نَفْسِهِ حَيْثُ شَكَّ فَقَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ! وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ.

فَطَعَنَ فِيهِ بِغَفْلَةِ الرَّاوِي وَمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ, فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الطَّعْنِ مَا أَعْجَبَهُ! فَإِنَّ تَرَدُّدَ الرَّاوِي بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ ضَبْطِهِ، مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ1. وَأَمَّا الطَّعْنُ بِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ، فَأَيْنَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؟! وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وِفَاقِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا الطَّعْنُ مِنْ ثَمَرَةِ شُؤْمِ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَصُّبِ.

وَقَالُوا أَيْضًا: وَهُنَا أَصْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قِسْمَانِ: قَوْلُ الْقَلْبِ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ، وقون اللِّسَانِ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ, وَالْعَمَلُ قِسْمَانِ: عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ نِيَّتُهُ وَإِخْلَاصُهُ، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ. فَإِذَا زَالَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ زَالَ الْإِيمَانُ بِكَمَالِهِ، وَإِذَا زَالَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ لَمْ يَنْفَعْ بَقِيَّةُ الأخر2، فَإِنَّ تَصْدِيقَ الْقَلْبِ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِهَا وَكَوْنِهَا نَافِعَةً، وَإِذَا بَقِيَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَزَالَ الْبَاقِي فَهَذَا مَوْضِعُ الْمَعْرَكَةِ!!

وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْجَوَارِحِ عَدَمُ طَاعَةِ الْقَلْبِ، إِذْ لَوْ أَطَاعَ الْقَلْبُ وَانْقَادَ، لَأَطَاعَتِ الْجَوَارِحُ وَانْقَادَتْ، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَاعَةِ الْقَلْبِ وَانْقِيَادِهِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلطَّاعَةِ, قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"3. فَمَنْ صَلَحَ قَلْبُهُ صَلَحَ جَسَدُهُ قَطْعًا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ, وَأَمَّا كَوْنُهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ جُزْئِهِ

1 قلت: ورواه مسلم بلفظ:"بضع وسبعون"كما تقدم"برقم 406"، وهو الأرجح عندي كما هو مبين في المجلد المشار إليه من"الصحيحة".

2 في الأصل: الأجزاء.

3 هو طرف من حديث متفق عليه عن النعمان بن بشير، وهو مخرج في"غاية المرام في تخريج الحلال والحرام"برقم"20".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام