فهرس الكتاب
الصفحة 333 من 536

مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَهُمْ تَحْتَ الْجَاحِدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَتَفَاضَلُ بِصُوَرِهَا وَعَدَدِهَا، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ, وَتَأَمَّلْ حَدِيثَ الْبِطَاقَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، وَيُقَابِلُهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَتَثْقُلُ الْبِطَاقَةُ، وَتَطِيشُ السِّجِلَّاتُ، فَلَا يُعَذَّبُ صَاحِبُهَا1. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مُوَحِّدٍ لَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ, وَتَأَمَّلْ مَا قَامَ بِقَلْبِ قَاتِلِ الْمِائَةِ مِنْ حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، الَّتِي لَمْ تَشْغَلْهُ عِنْدَ السِّيَاقِ عَنِ السَّيْرِ إِلَى الْقَرْيَةِ، وَحَمَلَتْهُ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ جَعَلَ يَنُوءُ بِصَدْرِهِ وَهُوَ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَتَأَمَّلْ مَا قام بقلب البغي من الإيمان، حيث نَزَعَتْ مُوقَهَا وَسَقَتِ الْكَلْبَ مِنَ الرَّكِيَّةِ، فَغُفِرَ لَهَا, وَهَكَذَا الْعَقْلُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ، وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ، مُسْتَوُونَ فِي أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ غَيْرُ مَجَانِينَ، وَبَعْضُهُمْ أَعَقَلُ مِنْ بَعْضٍ, وَكَذَلِكَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ، فَيَكُونُ إِيجَابٌ دُونَ إِيجَابٍ، وَتَحْرِيمٌ دُونَ تَحْرِيمٍ, هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ طَرَّدَ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ وَالْوُجُوبِ.

وَأَمَّا زِيَادَةُ الْإِيمَانِ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ: فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا وَجَبَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ خَبَرُهُ، كَمَا فِي حَقِّ النَّجَاشِيِّ وَأَمْثَالِهِ, وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ وَالتَّصْدِيقِ، الْمُسْتَلْزِمِ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ: [فَهُوَ] أَكْمَلُ مِنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُهُ، فَالْعِلْمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ صَاحِبُهُ أَكْمَلُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ اللَّازِمُ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْمَلْزُومِ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَيْسَ الْمُخْبَرُ كَالْمُعَايِنِ"2, وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا الْعِجْلَ لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ عَبَدُوهُ أَلْقَاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشَكِّ مُوسَى فِي خَبَرِ الله،

1 صحيح، وهو من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما، وهو مخرج في الأحاديث الصحيحة"135"وغيره، وسيأتي لفظ الحديث في الكتاب برقم"567".

2 صحيح، أخرجه أحمد"1/ 215، 271"والطبراني والخطيب وغيرهم بسند صحيح بلفظ:"ليس الخبر كالمعاينة"وانظر"تخريج المشكاة""5738".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام