فهرس الكتاب
الصفحة 320 من 536

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ, وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِأَخِيهِ الْيَوْمَ مَظْلَمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ"1. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَثَبَتَ أَنَّ الظَّالِمَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ يَسْتَوْفِي الْمَظْلُومُ مِنْهَا حَقَّهُ, وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟"قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، قَالَ:"الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وله حسنات أمثال الجبال، [فيأتي] وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَأَخَذَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هُودٍ: 115] . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ إِسَاءَتِهِ يَعْمَلُ3 حَسَنَاتٍ تَمْحُو سَيِّئَاتِهِ. وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وَالْمُعْتَزِلَةُ مُوَافِقُونَ لِلْخَوَارِجِ هُنَا فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، لَكِنْ قَالَتِ الْخَوَارِجُ. نُسَمِّيهِ كَافِرًا، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: نُسَمِّيهِ فَاسِقًا، فَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ فَقَطْ. وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَيْضًا مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ الْمُرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ النُّصُوصُ, لَا كَمَا يَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ، وَلَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ! وَإِذَا اجْتَمَعَتْ نُصُوصُ الْوَعْدِ الَّتِي اسْتَدَلَّتْ بِهَا الْمُرْجِئَةُ، وَنُصُوصُ الْوَعِيدِ التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة, تبينت لَكَ فَسَادُ الْقَوْلَيْنِ! وَلَا فَائِدَةَ فِي كَلَامِ هَؤُلَاءِ سِوَى أَنَّكَ تَسْتَفِيدُ مِنْ كَلَامِ كُلِّ طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى.

1 أخرجه البخاري في"المظالم"و"الرقاق"من حديث أبي هريرة دون قوله:"ثم ألقي .."وكذلك رواه أحمد"2/ 435 و506"ولم أره في"صحيح مسلم". وانظر"أحكام الجنائز""ص4".

2 رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في"الصحيحة""847".

3 في الأصل: يفعل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام