فهرس الكتاب
الصفحة 146 من 536

وَقَوْلُهُ:"وَإِنَّ مُحَمَّدًا"بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ:"إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ". لِأَنَّ الْكُلَّ مَعْمُولُ الْقَوْلِ، أَعْنِي: قَوْلَهُ"نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ".

وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ، تَقْرِيرُ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْمُعْجِزَاتِ، لَكِنْ كثيرا مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ نُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا بِالْمُعْجِزَاتِ، وَقَرَّرُوا1 ذَلِكَ بِطُرُقٍ مُضْطَرِبَةٍ، وَالْتَزَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِنْكَارَ خَرْقِ الْعَادَاتِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى أَنْكَرُوا كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسِّحْرِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُعْجِزَاتِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مَحْصُورٍ فِي الْمُعْجِزَاتِ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ إِنَّمَا يَدَّعِيهَا أَصْدَقُ الصَّادِقِينَ أَوْ أَكْذَبُ الْكَاذِبِينَ، وَلَا يَلْتَبِسُ هَذَا بِهَذَا إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ, بَلْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِمَا تُعْرِبُ عَنْهُمَا، وَتُعَرِّفُ بِهِمَا وَالتَّمْيِيزُ2 بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا دون دعوى النبوة، فكيف بدعوة النُّبُوَّةِ؟ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ ... كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالْخَبَرِ

وَمَا مِنْ أَحَدٍ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنَ الْكَذَّابِينَ إِلَّا وَقَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالْفُجُورِ وَاسْتِحْوَاذِ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ, فَإِنَّ الرَّسُولَ لَا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِأُمُورٍ وَيَأْمُرَهُمْ بِأُمُورٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ أُمُورًا [يُبَيِّنُ بِهَا صِدْقَهُ] . وَالْكَاذِبُ يَظْهَرُ فِي نَفْسِ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَمَا يَفْعَلُهُ مَا يَبِينُ بِهِ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. وَالصَّادِقُ ضِدُّهُ, بَلْ كُلُّ شَخْصَيْنِ ادَّعَيَا أَمْرًا: أَحَدُهُمَا صَادِقٌ وَالْآخَرُ كَاذِبٌ لَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ صِدْقُ هَذَا وَكَذِبُ هَذَا وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ، إِذِ الصِّدْقُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْبِرِّ، وَالْكَذِبُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفُجُورِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، [وَإِنَّ] الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرجل يصدق [ويتحرى الصدق] ، ح تى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلى النار، وما يزال"

1 في المطبوعة: وقد روي. وهو خطأ.

2 في الأصل: التميز.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام