وأهل السنة إلا من شذ يقولون: إن عليا كرم الله تعالى وجهه في كل ذلك على الحق لم يفترق عنه قيد شبر، وإن مقاتليه في الوقعتين مخطئون باغون وليسوا بكافرين خلافا للشيعة، ولا فاسقين خلافا للعمرية أصحاب عمر بن عبيد من المعتزلة.
وأما أن الحق مع علي كرم الله تعالى وجهه فغني عن البيان، وأما كون المقاتل باغيا فلأن الخروج على الإمام الحق بغي، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية. [1] وقد قتله عسكر معاوية. وقوله حين أخبر بذلك «قتله من أخرجه» [2] مما لا يلتفت إليه، وإلا لصح أن يقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل حمزة وأضرابه ممن قاتل معه - صلى الله عليه وسلم -. وكذا قول من قال: المراد من الفئة الباغية الفئة الطالبة أي لدم عثمان، فلا يدل الخبر على البغي بالمعنى المذموم. [3]
وأما كونه ليس بكافر فلما في نهج البلاغة أن عليا كرم الله تعالى وجهه خطب يوما فقال: «أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج والشبهة» [4] ، وقوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يجب المقسطين} فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلين (مؤمنين) وأمر بالإصلاح بينهما.
وأجاب بعض الشيعة عن الآية بأنها في قتال المؤمنين بعضهم مع بعض دون القتال مع الإمام والنعي عليه، والخطاب فيها للأئمة أمروا أن يصلحوا بين طائفتين
(1) متفق عليه
(2) البداية والنهاية: 7/ 269.
(3) قال ابن حجر: «إنهم [أي الفئة الباغية] كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة على وهو الإمام الواجب الطاعة، إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم» . فتح الباري: 1/ 542.
(4) تقدم التخريج