مكذوبة لقول من يقول بادعاء الأمير للإمامة في خلافة الخلفاء الثلاثة وكذلك ما يقولون من وجوب التقية ومن أن الرسول أوصى الأمير بالسكوت كما تقدم. وظهور خوارق العادات والكرامات من الأمير مسلم الثبوت ولكن ليس ذلك مخصوصا فيه لصدور مثل ذلك من الخلفاء الثلاثة والصحابة الآخرين وصلحاء الأمة أيضا. [1] على أن قلعة لباب خيبر وقع في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار المعجزة قبل الدعوى غير محتاج إليه ولا تثبت به الدعوى. ومحاربة الجن لا أثر لها في كتب أهل السنة بل هي مروية بمحض رواية الشيعة هكذا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى غزوة بني المصطلق أخبره جبريل في أثناء الطريق بأن الجن اجتمعت في البئر الفلانية وتريد أن تكيد لعسكركم فأرسل النبي الأمير عليهم فقتلهم! [2] فلو صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذا رفع الصخرة العظيمة ليس موجودا في كتب أهل السنة، بل ذكر في كتب الشيعة أن الأمير لما توجه إلى صفين عطش يوما أصحابه في أثناء المرور بفقد الماء فأمر الأمير بأن يحفروا موضعا قرب صومعة راهب فظهرت في أثناء الحفر صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها فأخبروا بها الأمير فنزل فرفعها من هنالك ورماها إلى مسافة بعيدة وظهرت تلك الصخرة عين الماء فشرب أهل العسكر فلما شاهد راهب تلك الصومعة هذا الأمر أسلم وقال: نحن وجدنا في الكتب القديمة أن رجلا كذا وكذا ينزل قرب هذا الدير ويرفع هذه الصخرة ويكون على الدين الحق. [3] وبالجملة إن ثبتت هذه الكرامة تكون كسائر كراماته - رضي الله تعالى عنه -، وليست دعوى الإمامة مذكورة هنا، ولم تقع هذه القصة في مقابلة أهل الشام أيضا. وأما رد الشمس فأكثر محدثي أهل السنة كالطحاوي وغيره صححوه وعدوه من معجزات النبي بلا شبهة إذ أرجع الشمس بعد غروبها ليحصل وقت صلاة العصر للأمير بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولتكون صلاته أداء. [4] وأين كانت في ذلك دعوى الإمامة؟ ومن كان حينئذ منكرا ومقابلا له!
(1) قال الطحاوي: (ونؤمن بما جاء من كرامتهم وصح عن الثقات من رواياتهم) وقال ابن أبي العز شارحا: «فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وكذلك الكرمة في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما فيجعلون المعجزة للنبي والكرامة للولي، وجماعها الأمر الخارق للعادة» . شرح العقيدة الطحاوية: ص 424.
(2) من رواية طويلة أوردها المفيد ونسبها لابن عباس في الإرشاد: 1/ 339؛ ونقلها عنه المازندراني في مناقب آل أبي طالب: 2/ 87؛ والمجلسي في بحار الأنوار: 63/ 86.
(3) أوردها الإمامية: ابن رستم الطبري، المسترشد: ص 201؛ المازندراني، مناقب آل أبي طالب: 2/ 291؛ القطب الراوندي، الخرائج والجرائح: 1/ 220 البحراني، مدينة المعاجز: 1/ 485.
(4) إشارة إلى ما أخرجه الطبراني من حديث أسماء بن عميس قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصلِ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله e: اللهم إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس، فقالت أسماء فرأيتها طلعت بعدما غربت» . المعجم الكبير 24/ 151؛ وقد ضعفه العلماء وحكم عليه ابن الجوزي والقاري بالوضع (المصنوع: ص 265) فقال ابن الجوزي: «هذا حديث موضوع بلا شك ... ثم قال ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة ولم يتلمح الفائدة فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء» . الموضوعات: 1/ 356 - 357. يؤكد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس» . المسند: 2/ 325. وصححه ابن حجر في فتح الباري: 6/ 221. وينظر منهاج السنة النبوية: 8/ 165