فهرس الكتاب
الصفحة 199 من 339

ما طلبوا ورجوا. أرشدتهم برأيك فظفروا ونالوا بك ما لم يحتسبوا وجليت عنهم فأبصروا.

كنت على الكافرين عذابا واصبا وللمؤمنين رحمة وأنسا وخصبا، فطرت والله بعبابها وفزت بجنابها وذهت بفضائلها وأدركت سوابقها لم تفلل حجتك ولم نضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم يزغ قلبك كنت كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف. كنت كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمن الناس عليه في صحبتك وذات بلدك. وكما قال ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في أعين المؤمنين كبيرا في أنفسهم لم يكن لأحد فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز ولا لأحد فيك مطمع. الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف حتى تأخذ منه الحق. والقريب والبعيد عندك سواء. أقرب الناس إليك أطوعهم لله وأتقاهم له شأنك الحق والصدق والرفق وقولك حكم وجزم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم حتى بلغت والله بهم السبيل وسهلت العسير وأطفأت النيران واعتدل بك الدين وقوي الإيمان وثبت الإسلام والمسلمون وظهر أمر الله ووكره الكافرون، فسبقت والله سبقا بعيدا وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا وفزت بالخير فوزا مبينا فجللت عن البكاء وعظمت رزيتك وهدت مصيبتك الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون». [1]

وهذه خطبة واحدة من الأمير في مدح أبي بكر، ولو أحصينا جميع خطب الأمير وكلماته في فضائل أبي بكر وعمر ومدحهما المروية في كتب أهل السنة بالطرق الصحيحة لبلغت مفردا كنهج البلاغة بل أطول منه.

فإن قلت إن روايات الشيعة في باب تظلم الأمير وشكايته إن كانت كلها موضوعة من رؤسائهم فإن مما يستبعده العقل أن جمعا كثيرا اجتمعوا على الافتراء على الأمير فلا بد من منشأ للغلط فذلك المنشأ ما هو؟ قلت: إن رواتهم كما كذبوا على الأئمة كانوا يكذبونهم كما ورد ذلك عنهم فيما تقدم، وكذبوا عليهم أيضا في المطاعن على الصحابة. وغاية ما في الباب أن مكذبات تلك الروايات وصلت إلى الشيعة أيضا بطرقهم الأخر ومكذبات روايات المطاعن على الصحابة ما وصلت من

(1) ابن عساكر، تاريخ دمشق: 30/ 438 - 440.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام