وقال صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة - ولم يقل منها - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
وكذلك أهل حلقة الذكر، لما رآهم أبو موسى في المسجد، في كل حلقة رجل يقول سبحوا مائة، هللوا مائة - الحديث - فلما أنكر عليهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما أردنا إلا الخير؛ قال كم من مريد للخير لم يصبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلوقهم، أو قال تراقيهم وأيم الله لا أدري أن يكون فيكم أكثرهم، فما كان إلا قليلاً، حتى رأوا أولئك يطاعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النهروان، مع الخوارج؛ أفيظن هذا الجاهل المشرك، أنهم يشركون لكونهم يسبحون ويهللون ويكبرون؟.
وكذلك المنافقون، على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون في سبيل الله، بأموالهم، وأنفسهم، ويصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، ويحجون معه، قال الله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) [النساء 145] أفيظن هذا الجاهل، أنهم لم يقولوا لا إله إلا الله؟
وكذلك قاتل النفس بغير الحق يقتل، أفيظن هذا الجاهل أنه لم يقل لا إله إلا الله، وأنه لم يقلها خالصاً من قلبه؟
فسبحان من طبع على قلب من شاء من عباده، وأخفى عليه الصواب، وأسلكه مسلك البهائم والدواب، (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [الفرقان 44] حتى قال هؤلاء الجهلة، ممن ينتسب إلى العلم، والفقه قبلتنا من أمها لا يكفر!.
فلا إله إلا الله، نفي وإثبات الإلهية كلها لله فمن قصد شيئاً من قبر، أو شجر، أو نجم، أو ملك مقرب، أو نبي مرسل، لجلب نفع، وكشف ضر، فقد اتخذه إلهاً من دون الله؛ مكذب بلا إله إلا الله، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
فإن قال هذا المشرك، لم أقصد إلا التبرك؛ وإني لأعلم أن الله هو الذي ينفع ويضر، فقل له إن بني إسرائيل ما أرادوا إلا ما أردت، كما أخبر الله عنهم، أنهم لما جاوزوا البحر (فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) فأجابهم بقوله (إنكم قوم تجهلون) الآيتين [الأعراف 138 - 139] .
وحديث أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) لتركبن سنن من كان قبلكم.
وقال تعالى (أفرأيتم اللات والعزى) [النجم 19] وفي الصحيح عن ابن عباس، وغيره كان يلت السويق للحاج، فمات، فعكفوا على قبره.
فيرجع هذا المشرك، يقول هذا في الشجر، والحجر، وأنا اعتقد في أناس صالحين، أنبياء، وأولياء، أريد منهم الشفاعة، عند الله، كما يشفع ذو الحاجة عند الملوك، وأريد منهم القربة إلى الله؛ فقل له هذا دين الكفار بعينه، كما أخبر سبحانه بقوله