الصفحة 2 من 3

قيل: الصواب من هذا القول عندنا، أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات وننفي التشبيه، كما نفي ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] ... ).

إلى أن قال: ( ... فإنّ سميعًا اسمٌ مبنيٌّ من سَمِعَ، وبصيرٌ من أبصر؛ فإن يكن جائزًا أن يقال؛ سمع وأبصر من لا سمع له ولا بصر، فإنه لجائز أن يقال؛ تكلم من لا كلام له، ورحم من لا رحمة له، وعاقب من لا عقاب له) .

إلى أن قال:(فمن أنكر شيئًا مما قلنا من ذلك، قلنا له؛ إن الله تعالى ذكره يقول في كتابه: {وجاء ربك والملك صفا صفا} [الفجر: 22] ، وقال: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} [البقرة: 210] ، وقال: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: 158] . فهل أنت مُصدِّقٌ بهذه الأخبار، أم أنت مُكذِّبٌ بها؟

أ) فإن زعم أنه بها مُكذِّب، سقطت المناظرة بيننا وبينه من هذا الوجه.

ب) وإن زعم أنه بها مُصدِّقٌ، قيل له: فما أنكرت من الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنه يهبط إلى السماء الدنيا فينزل إليها"؟.

فإن قال: أنكرت ذلك؛ أن الهبوط نقلة، وأنه لا يجوز عليه الانتقال من مكانٍ إلي مكان؛ لأن ذلك من صفات الأجسام المخلوقة!

قيل له: فقد قال جل ثناؤه؛ {وجاء ربك والملك صفا صفا} ، فهل يجوز عليه المجيء؟

فإن قال: لا يجوز ذلك عليه، وإنما معنى هذا القول:"وجاء أمر ربك".

قيل: قد أخبرنا تبارك وتعالى أنه يجيء هو والملكُ؛ فزعمت أنه يجيء أمره لا هو؛ فكذلك تقول: إن المَلك لا يجيء، إنما يجيءُ أمر المَلكِ لا المَلك؛ كما كان معنى مجيءِ الرَّبِ تبارك وتعالى مجيءَ أمرِهِ.

فإن قال: لا أقول ذلك في المَلكِ، ولكني أقوله في الرب.

قيل له: فإن الخبر عن مجيء الرب تبارك وتعالى والملك خبرٌ واحدٌ، فزعمت في الخبر عن الرب تعالى ذكره أنه يجيء أمره لا هو؛ وزعمتَ في الملكِ أنه يجيءُ بنفسهِ لا أمرهُ، فما الفرقُ بينك وبين من خالفك في ذلك؟!).

ثم تعرض رحمه الله لذكر الخلاف الذي وقع في أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في أمور الدين والذي أدى إلى افتراقهم وتنازعهم.

فبدأ بالخلاف الأول في أمر الخلافة والإمامة فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في سقيفة بني ساعدة وكيف لما بان لهم الحق سلموا بالأمر لأهله في حديثه صلى الله عليه وسلم: (الأمراء من قريش) .

ثم ذكر خلافًا آخر في أفعال الخلق فقال: (فقالت فرقة ممن يَنْتحلُ جُملة الإسلام؛ ليس لله عز وجل في أفعال خلقه صنع غير المعرفة التي أعطاها للفعل كما أعطاهم الجوارح التي بها يعملون. ثم أمرهم ونهاهم، فمن شاء منهم أطاع فله الثواب، ومن عصى فله العقاب.

قالوا: فلو كان لله جل ثناؤه صُنعٌ في أفعال الخلق غير الذي قُلنا، بطل الثوابُ والعقابُ، وهذا قولُ القدريَّة.

وقال آخرون منهم جهم بن صفوان وأصحابه: ليس للعباد في أفعالهم وأعمالهم صنعٌ، وإنما يُضاف إليهم ذلك كما تُضاف حركة الشجرة إذا حرَّكتها الريح إلى الشَّجرة، وليست لها حركةٌ وإنما حرَّكتها الريح، وكما يُضافُ طُلوع الشَّمسِ إلى الشمس وليس لها فِعْلٌ وإنما أَطْلَعَها الله، وكَذَهابِ الحجَرِ إذا رُمي به وليس له عملٌ، وإنما ذهب بدَفعِ دافع.

وقالوا: لو جاز أن يكون فاعلٌ غير الله جاز أن يكون خالقٌ غيره.

وقالوا: لا ثواب ولا عقاب، وإنما هو طِينتَانِ خُلقتا إحداهُما للنار وأخرى للجنة.

وقال آخرون - وهم جمهور أهل الإثبات وعامة العلماء والمتفقهة من المتقدمين والمتأخرين: إن الله تعالى ذكره وفق أهل الإيمان للإيمان، وأهل الطاعة للطاعة، وخذل أهل الكفر والمعاصي، فكفروا بربهم، وعصوا أمره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام