بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الفسق
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فتظهر أهمية دراسة موضوع (( الفسق ) )عندما نعلم أن أول نزاع ظهر في الإسلام كان في مسألة الفاسق الملي [1] ، فقد أحدث الخوارج القول بتكفير عُصاة الموحّدين وتخليدهم في النار، وزعمت المرجئة أن أولئك العُصاة كاملو الإيمان، وقالت المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين في الدنيا، مع التَّخليد في النار في الآخرة.
وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحقَّ بإذنه، فقالوا عن أولئك العُصاة: إنهم مؤمنون، ناقصو الإيمان، أو مؤمنون بإيمانهم، فاسقون بمعاصيهم، وأنهم تحت مشيئة الله في الآخرة، إن شاء عذبهم بعدله، وإن شاء غفر لهم برحمته.
كما أنَّ الفسق من الوعيد الذي يترتَّب عليه نتائج وتبعات، كما قال ابن تيمية: (( اعلم أن مسائل التكفير والتفسيق هي من مسائل (( الأسماء والأحكام ) )التي يتعلّق بها الوعد والوعيد في الدار الآخرة، وتتعلق بها الموالاة والمعاداة ... )) (2) . إضافة إلى ذلك فقد حذَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحكم بالفسق على شخص ما دون بينة، وإقامة للحجّة، فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ ) ) (3) .
-يقول الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قوله: (( إلا ارتدت عليه ) )، يعني: رجعت عليه، وهذا يقتضي أن من قال لآخر: أنت فاسق، فإن كان ليس كما قال، كان هو المستحق للوصف المذكور، وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء، لكونه صدق فيما قال: ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقاً، أن لا يكون آثماً في صورة قوله له: أنت فاسق، بل في هذه الصورة تفصيل: إن قصد نصحه، أو نصح غيره ببيان حاله جاز، وإن قصد تعييره بذلك ومحض أذاه لم يجز؛ لأنه مأمور بالستر عليه، وتعليمه وعظته بالحسنى، فمهما أمكنه
(1) - انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 479) (3/ 182) .
2 -مجموع الفتاوى (12/ 468) .
3 -أخرجه البخاري، كتاب الأدب ح (6045) ،ولمسلم نحوه، كتاب الإيمان ح (61)
4 -فتح الباري (10/ 466) باختصار.
5 -مجموع الفتاوى (3/ 229) ، وانظر: الروض الباسم لابن الوزير (2/ 112) .