وقال الشَّوْكاني: قوله سبحانك: التسبيح: تنزيه الله تعالي ، وأصله كما قال ابن سيد الناس: المَرُّ السريع في عبادة الله فالمُسَبَّحُ وهو السُبُّوحُ عز وجل له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص ، وله الأفعال المقدَّسة عن الشَّرَّ والسوء ، حيث يسْبحُ فيها قلبُ المُسَبِّح تذكُّرا وتفكُّرا فلا يرى إلا العظمةَ والبعدَ عن النَّقْص والشَّرّ ، فيقول ما أبْعَد الله عن السوء ، ثم يقطع مسافةً أو مَرْحَلةً أخرى في معرفةِ ومشاهدةِ الأَوْصَاف والأفعال ـ وهي على الكمال بلا نقص ـ فيزداد تعظيماً لله وتبعيدا له من السوء ، ( أي تَنْزيهاً له سُبْحَانه ) ، والقلب في ذلك يبتعد من الظلمات إلى النور ، ومن إرادة الشر إلى إرادة الخير ، ومن عَمَي القُلُوب وأَدْوَائها إلى نُورِها وشِفَائِها ، ومن فَسَادِها وَسَيْطرة الأهواء عليها إلى صَلاَحِها وسَيْطرة الوَحْي عليها ، وهكذا تبعيد مَسْتَمِرُّ للقلب من السوء على ما يليق به ) ، وتَبْعيد مُسْتمِر لله سُبْحَانه من السوء ( على ما يليق به سبحانه ) ، بحسب قَطْعِة المراحلّ والمَسَافاتِ في طريق سَيْره وسَفَرِه إلى الله ، وإذا كان القلب مَلِكاً فالأعضاء جُنُوده تأتمر بأمره ، وتَسْبَح بسَبْحِه، وسَأبِّينهُ في الكلام على دعاء اللهِ باسْمِه السُبُّوح .
ولا يحْسَبِ القارئُ أن هذا كلام نظري ، بل هو من الحق الذي خُلِقَتْ به السَّماوات والأرض ، فليجّربِ القارئُ الكريمُ قَلبَه عندما يعرف من أسْرار وحِكَمِ المخلوقات ، من الذرة إلى المجرة ، في الحرث أو النسل ، في البَرّ أو في الجو أو في البحر ، وسيعلم سبْح قلبه تعظيماً وتنزيهاً لله ومحبة له ، وسَيسْمع لِسَانَه يقول فِطْرةً: سبحان الله ، وكذلك ينطقها كلُّ مُسْلِم كُلَّمَا وَجَد شَيْئاً من أدِلة العظمة .
ولا يقتصر الأمر على الإنسان ، بل كل شئ يسبح بحمده سبحانه ، وسيأتي بيانه .