عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ
وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ ، فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثَ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، فَقَالَ : هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَجَعَلَ مَكَانَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبَا سَلَمَةَ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّيْثِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَأَبُو الْمُصْعَبِ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ ، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ مَعْمَرٍ غَيْرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ فِيهِ يَعْنِي فِي إِسْنَادِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يُؤْجَرُ مَنْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَا يُؤْجَرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَحَسْبُهُ أَنْ يُرْفَعَ عَنْهُ الْمَأْثَمُ ، وَرَدُّوا هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِقَوْلِهِ : تَجَاوَزَ اللَّهُ لِأُمَّتِي عَنْ خَطَئِهَا وَنِسْيَانِهَا وَبِقَوْلِ اللَّهِ : {{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ }} وَنَحْوِ هَذَا ، وَقَالَ آخَرُونَ : يُؤْجَرُ فِي الْخَطَأِ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ أَجْرِ الْمُخْطِئِ وَالْمُصِيبِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُخْطِئَ يُؤْجَرُ ، وَهَذَا نَصٌّ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ : يُؤْجَرُ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الدِّينِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ لِإِرَادَتِهِ الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ ، قَالَ الْمُزَنِيُّ : فَقَدْ أَثْبَتَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْهُ ، وَإِنَّمَا أُجِرَ فِي نِيَّتِهِ لَا فِي خَطَئِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : لَمْ نَجِدْ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ ، ذَكَرَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ جَامِعِهِ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يُوَفَّقَ لِلصَّوَابِ وَالْخَيْرِ وَمِنْ شِقْوَةِ الْمَرْءِ أَنْ لَا يَزَالَ يُخْطِئُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْمُخْطِئَ عِنْدَهُ وَإِنِ اجْتَهَدَ فَلَيْسَ بِمَرْضِيِّ الْحَالِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ : إِنَّمَا عَلَى الْحَاكِمِ الِاجْتِهَادُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الرَّأْيُ ، فَإِذَا اجْتَهَدَ وَأَرَادَ الصَّوَابَ يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ قَالَ : وَلَيْسَ أَجِدُ فِي رَأْيٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ الْحَقُّ وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ الِاجْتِهَادُ فَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِي عُقُوبَةِ إِنْسَانٍ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَا دِيَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ قَالَ : وَلَيْسَ يَجُوزُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَلَا مَضَى عَلَيْهِ أُولُو الْأَمْرِ أَنْ يَجْتَهِدَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ فَيَكُونُ اجْتِهَادُهُ مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوِ الْأَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَذَكَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ الشَّافِعِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْقِيَاسِ جُمَلًا مِمَّا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي الرِّسَالَةِ الَبْغَدَادِيَّةِ وَفِي الرِّسَالَةِ الْمِصْرِيَّةِ وَفِي كِتَابِ جِمَاعِ الْعِلْمِ وَفِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاجْتِهَادِ قَالَ : وَفِي هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ بِاجْتِهَادِهِ إِذَا كَانَ مِمَّنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ آلَةُ الْقِيَاسِ وَكَانَ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَقِيسَ قَالَ : وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ قَالَ : وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْحُذَّاقِ مِنْ شُيُوخِ الْمَالِكِيِّينَ وَنُظَرَائِهِمْ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ مِثْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي وَابْنِ بُكَيْرٍ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الطَّيَالِسِيِّ وَمَنْ دُونَهُمْ مِثْلُ شَيْخِنَا عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ ، وَأَبِي الطِّيبِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُنْتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشَّيُوخِ الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ الْمَالِكِيِّينَ ، كُلٌّ يَحْكِي أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْقِيَاِسِيِّينَ إِذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْوِيلُ مِنْ نَوَازِلِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ إِلَّا أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ إِذَا اجْتَهَدَ كَمَا أُمِرَ وَبَالَغَ وَلَمْ يَأْلُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّنَاعَةِ وَمَعَهُ آلَةُ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى قَصْدِهِ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدًا ، قَالَ : وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَأَبُو يُوسُفَ وَفِيمَا حَكَاهُ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ مِثْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيِّ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِثْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدَ الْجُرْجَانِيِّ وَشَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ ، وَأَبِي بَكْرٍ الْبُخَارِيِّ الْمَعْرُوفِ بِحَدِّ الْجِسْمِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَأَيْنَا وَشَاهَدْنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو عُمَرَ : قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيمَا وَصَفْنَا وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُهُ ، وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ : إِنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ لَا يَأْثَمُ إِذَا قَصَدَ الْحَقَّ وَكَانَ مِمَّنْ لَهُ الِاجْتِهَادُ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قَصْدِهِ الصَّوَابُ وَأَرَادَ بِهِ ، لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ إِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .