لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَهَضَتْ إِلَيْهِ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ، فَكَانَ فِيمَنْ حَضَرَهُ ، نُصَيْبٌ ، وَجَرِيرٌ ، وَالْفَرَزْدَقُ ، وَالْأَحْوَصُ ، وَكَثِيرٌ ، وَالْحَجَّاجُ الْقُضَاعِيُّ ، فَمَكَثُوا شَهْرًا لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لِعُمَرَ فِيهِمْ رَأَيٌ وَلَا أَرَبٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيُهُ وَبِطَانَتُهُ وَوُزَرَاؤُهُ وَأَهْلُ إِرْبِهِ الْقُرَّاءَ وَالْفُقَهَاءَ ، وَمَنْ وُسِمَ عِنْدَهُ بِوَرَعٍ ، فَكَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ بُلْدَانِهِمْ ، فَوَافَقَ جَرِيرٌ قَدُومَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ - وَكَانَ وَرِعًا فَقِيهًا مُفَوْهًا فِي الْمِنْطَقِ نَظِيرَ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فِي مَنْطِقِهِ - فَرَآهُ جَرِيرٌ عَلَى بَابِ عُمَرَ مُشَمَّرَ الثِّيَابِ ، مُعْتَمًّا عَلَى لِمَّةٍ لَاصِقَةٍ بِرَأْسِهِ ، قَدْ أَرْخَى صِنْفَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ جَرِيرٌ {
} يَا أَيُّهَا الْقَارِئُ الْمُرْخِي عِمَامَتَهُ {
}هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي {
}{
} أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لَاقِيهِ {
}أَنِّي لَدَى الْبَابِ كَالْمَشْدُودِ فِي قَرْنِي {
}فَقَالَ لَهُ عَوْنٌ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : جَرِيرٌ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ عِرْضِي ، قَالَ : فَاذْكُرْنِي لِلْخَلِيفَةِ ، قَالَ : إِنْ رَأَيْتُ لَكَ مَوْضِعًا فَعَلْتُ ، فَدَخَلَ عَوْنٌ عَلَى عُمَرَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ ، وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا جَرِيرٌ بِالْبَابِ فَاحْرُزْ لِي عِرْضِي مِنْهُ ، فَأَذِنَ لِجَرِيرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ تُوعَظَ وَلَا تَطْرَبُ ، فَأَذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ : {
} لَجَّتْ أُمَامَةُ فِي لَوْمِي وَمَا عَلِمَتْ {
}عَرْضُ الْيَمَامَةِ رَوْحَاتِي وَلَا بَكْرِي {
}{
} مَا هَوَّمَ الْقَوْمُ مُذْ شَدُّوا رِحَالَهُمُ {
}إِلَّا غِشَاشًا لَدَى إِغْضَارِهَا الْيُسَرِ {
}{
} يَصْرُخْنَ صَرْخَ خَصِيِّ الْمَعْزَاءِ إِذْ وَقَدَتْ {
}شَمْسُ النَّهَارِ وَعَادَ الظِّلُّ لِلْقَمَرِ {
}{
} زُرْتُ الْخَلِيفَةَ مِنْ أَرْضٍ عَلَى قَدَرٍ {
}كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ {
}{
} إِنَّا لَنَرْجُو إِذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا {
}مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُوا مِنَ الْمَطَرِ {
}{
} أَأَذْكُرُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى الَّتِي نَزَلَتْ {
}أَمْ تَكْتَفِي بِالَّذِي نُبِّئْتَ مِنْ خَبَرِ {
}{
} مَا زِلْتُ بَعْدَكَ فِي دَارٍ تَقَحَّمُنِي {
}وَضَاقَ بِالْحَيِّ إِصْعَادِي وَمُنْحَدَرِي {
}{
} لَا يَنْفَعُ الْحَاضِرُ الْمَجْهُودُ بَادِينَا {
}وَلَا يَعُودُ لَنَا بَادٍ عَلَى حَضَرِ {
}{
} كَمْ بِالْمَوَاسِمِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ {
}وَمَنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ {
}{
} أَذْهَبْتَ خِلْقَتَهُ حَتَّى دَعَا وَدَعَتْ {
}يَا رَبِّ بَارِكْ لِطُرِّ النَّاسِ فِي عُمَرِ {
}{
} مِمَّنْ يَعُدُّكَ تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ {
}كَالْفَرْخِ فِي الْوَكْرِ لَمْ يَنْهَضْ وَلَمْ يَطِرِ {
}{
} هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْتَ حَاجَتَهَا {
}فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ {
}فَتَرَقْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : إِنَّكَ لَتَصِفُ جَهْدَكَ ، فَقَالَ : مَا غَابَ عَنِّي وَعَنْكَ أَشَدُّ ، فَجَهَّزَ إِلَى الْحِجَازِ عِيرًا تَحْمِلُ الطَّعَامَ وَالْكِسَى وَالْعَطَايَا يُبَثُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْبِرْنِي أَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْتَ يَا جَرِيرُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَشِبْكٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ ، رَحِمٌ أَوْ قَرَابَةٌ أَوْ صِهْرٌ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى هَذَا الْفَيْءِ أَنْتَ وَيَجْلِبُ عَلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَلَا أَرَى لَكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ حَقًّا ، قَالَ : بَلَى ، وَاللَّهِ لَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ لِي فِيهِ حَقًّا ، إِنْ لَمْ تَدْفَعْنِي عَنْهُ ، قَالَ : وَيْحَكَ وَمَا حَقُّكَ ؟ قَالَ : ابْنُ سَبِيلٍ أَتَاكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِهِ عَلَى بَابِكَ ، قَالَ : إِذًا أُعْطِيكَ ، فَدَعَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَضِلَتْ مِنْ عَطَائِهِ فَقَالَ : هَذِهِ فَضِلَتْ مِنْ عَطَائِي ، وَإِنَّمَا يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ ، وَلَوْ فَضِلَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَعْطَيْتُكَ ، فَخُذْهَا فَإِنْ شِئْتَ فَاحْمَدْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَذُمَّ ، قَالَ : بَلْ أَحْمَدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَخَرَجَ فَجَهَشَتْ إِلَيْهِ الشُّعَرَاءُ وَقَالُوا : مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا حَزْرَةَ ؟ قَالَ : يَلْحَقُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ بِمَطِيَّتِهِ ، فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ ، وَلَا يُعْطِي الشُّعَرَاءَ ، وَقَالَ : {
} وَجَدْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لَا تَسْتَفِزُّهُ {
}وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الْجِنِّ رَاقِيًا {
}
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا أَبُو خَلِيفَةَ ، ثنا ابْنُ عَائِشَةَ ، وَعُمَارَةُ بْنُ عَقِيلٍ قَالَا : قَدِمَ جَرِيرٌ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ح . وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ عَقِيلٍ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ الْخَطَفِيِّ وَالْخَطَفِيُّ اسْمُهُ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَهَضَتْ إِلَيْهِ الشُّعَرَاءُ مِنَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ ، فَكَانَ فِيمَنْ حَضَرَهُ ، نُصَيْبٌ ، وَجَرِيرٌ ، وَالْفَرَزْدَقُ ، وَالْأَحْوَصُ ، وَكَثِيرٌ ، وَالْحَجَّاجُ الْقُضَاعِيُّ ، فَمَكَثُوا شَهْرًا لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ لِعُمَرَ فِيهِمْ رَأَيٌ وَلَا أَرَبٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيُهُ وَبِطَانَتُهُ وَوُزَرَاؤُهُ وَأَهْلُ إِرْبِهِ الْقُرَّاءَ وَالْفُقَهَاءَ ، وَمَنْ وُسِمَ عِنْدَهُ بِوَرَعٍ ، فَكَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ حَيْثُ كَانُوا مِنْ بُلْدَانِهِمْ ، فَوَافَقَ جَرِيرٌ قَدُومَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ - وَكَانَ وَرِعًا فَقِيهًا مُفَوْهًا فِي الْمِنْطَقِ نَظِيرَ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ فِي مَنْطِقِهِ - فَرَآهُ جَرِيرٌ عَلَى بَابِ عُمَرَ مُشَمَّرَ الثِّيَابِ ، مُعْتَمًّا عَلَى لِمَّةٍ لَاصِقَةٍ بِرَأْسِهِ ، قَدْ أَرْخَى صِنْفَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ جَرِيرٌ يَا أَيُّهَا الْقَارِئُ الْمُرْخِي عِمَامَتَهُ هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قَدْ مَضَى زَمَنِي أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لَاقِيهِ أَنِّي لَدَى الْبَابِ كَالْمَشْدُودِ فِي قَرْنِي فَقَالَ لَهُ عَوْنٌ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : جَرِيرٌ ، فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ عِرْضِي ، قَالَ : فَاذْكُرْنِي لِلْخَلِيفَةِ ، قَالَ : إِنْ رَأَيْتُ لَكَ مَوْضِعًا فَعَلْتُ ، فَدَخَلَ عَوْنٌ عَلَى عُمَرَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ ، وَذَكَرَ بَعْضَ كَلَامِهِ وَمَوَاعِظِهِ ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا جَرِيرٌ بِالْبَابِ فَاحْرُزْ لِي عِرْضِي مِنْهُ ، فَأَذِنَ لِجَرِيرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ تُوعَظَ وَلَا تَطْرَبُ ، فَأَذَنْ لِي فِي الْكَلَامِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ : لَجَّتْ أُمَامَةُ فِي لَوْمِي وَمَا عَلِمَتْ عَرْضُ الْيَمَامَةِ رَوْحَاتِي وَلَا بَكْرِي مَا هَوَّمَ الْقَوْمُ مُذْ شَدُّوا رِحَالَهُمُ إِلَّا غِشَاشًا لَدَى إِغْضَارِهَا الْيُسَرِ يَصْرُخْنَ صَرْخَ خَصِيِّ الْمَعْزَاءِ إِذْ وَقَدَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَعَادَ الظِّلُّ لِلْقَمَرِ زُرْتُ الْخَلِيفَةَ مِنْ أَرْضٍ عَلَى قَدَرٍ كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ إِنَّا لَنَرْجُو إِذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُوا مِنَ الْمَطَرِ أَأَذْكُرُ الضُّرَّ وَالْبَلْوَى الَّتِي نَزَلَتْ أَمْ تَكْتَفِي بِالَّذِي نُبِّئْتَ مِنْ خَبَرِ مَا زِلْتُ بَعْدَكَ فِي دَارٍ تَقَحَّمُنِي وَضَاقَ بِالْحَيِّ إِصْعَادِي وَمُنْحَدَرِي لَا يَنْفَعُ الْحَاضِرُ الْمَجْهُودُ بَادِينَا وَلَا يَعُودُ لَنَا بَادٍ عَلَى حَضَرِ كَمْ بِالْمَوَاسِمِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ وَمَنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ أَذْهَبْتَ خِلْقَتَهُ حَتَّى دَعَا وَدَعَتْ يَا رَبِّ بَارِكْ لِطُرِّ النَّاسِ فِي عُمَرِ مِمَّنْ يَعُدُّكَ تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ كَالْفَرْخِ فِي الْوَكْرِ لَمْ يَنْهَضْ وَلَمْ يَطِرِ هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْتَ حَاجَتَهَا فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ فَتَرَقْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : إِنَّكَ لَتَصِفُ جَهْدَكَ ، فَقَالَ : مَا غَابَ عَنِّي وَعَنْكَ أَشَدُّ ، فَجَهَّزَ إِلَى الْحِجَازِ عِيرًا تَحْمِلُ الطَّعَامَ وَالْكِسَى وَالْعَطَايَا يُبَثُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْبِرْنِي أَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْتَ يَا جَرِيرُ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَشِبْكٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَنْصَارِ ، رَحِمٌ أَوْ قَرَابَةٌ أَوْ صِهْرٌ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى هَذَا الْفَيْءِ أَنْتَ وَيَجْلِبُ عَلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَلَا أَرَى لَكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ حَقًّا ، قَالَ : بَلَى ، وَاللَّهِ لَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ لِي فِيهِ حَقًّا ، إِنْ لَمْ تَدْفَعْنِي عَنْهُ ، قَالَ : وَيْحَكَ وَمَا حَقُّكَ ؟ قَالَ : ابْنُ سَبِيلٍ أَتَاكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِهِ عَلَى بَابِكَ ، قَالَ : إِذًا أُعْطِيكَ ، فَدَعَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَضِلَتْ مِنْ عَطَائِهِ فَقَالَ : هَذِهِ فَضِلَتْ مِنْ عَطَائِي ، وَإِنَّمَا يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ ، وَلَوْ فَضِلَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَعْطَيْتُكَ ، فَخُذْهَا فَإِنْ شِئْتَ فَاحْمَدْ ، وَإِنْ شِئْتَ فَذُمَّ ، قَالَ : بَلْ أَحْمَدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَخَرَجَ فَجَهَشَتْ إِلَيْهِ الشُّعَرَاءُ وَقَالُوا : مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا حَزْرَةَ ؟ قَالَ : يَلْحَقُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ بِمَطِيَّتِهِ ، فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ ، وَلَا يُعْطِي الشُّعَرَاءَ ، وَقَالَ : وَجَدْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لَا تَسْتَفِزُّهُ وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الْجِنِّ رَاقِيًا لَفْظُ الْغَلَابِيُّ