فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا فِيهِ مِنَ الْأُمَّةِ أَهْلٌ , وَلَوْلَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ تُضْمِرُ لَهُمَا مِثْلَ مَا أَعْلَنُوا مَا اجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَعُوذُ بِاللَّهِ , أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُضْمِرَ لَهُمَا إِلَّا الَّذِي أَتَمَنَّى عَلَيْهِ الْمُضِيَّ , لَعَنِ اللَّهُ مَنْ أَضْمَرَ لَهُمَا إِلَّا الْحَسَنَ الْجَمِيلَ , أَخَوَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَاحِبَاهُ وَوَزِيرَاهُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ قَامَ دَامِعَ الْعَيْنِ يَبْكِي قَابِضًا عَلَى يَدِي حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ , وَجَلَسَ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَنْظُرُ فِيهَا , وَهَىَ بَيْضَاءُ , حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ , ثُمَّ قَامَ فَتَشَهَّدَ بِخُطْبَةٍ مُوجَزَةٍ بَلِيغَةٍ , ثُمَّ قَالَ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَذْكُرُونَ سَيِّدَيْ قُرَيْشٍ وَأَبَوَيِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَنَا عَنْهُ مُتَنَزِّهٌ , وَعَمَّا قَالُوا عَنْهُ بَرِيءٌ , وَعَلَى مَا قَالُوا مُعَاقِبٌ , أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ , وَبَرَأَ النَّسَمَةَ , لَا يُحِبُّهُمَا إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ , وَلَا يُبْغِضْهُمَا إِلَّا فَاجِرٌ رَدِيءٌ , صَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ يَأْمُرَانِ وَيَنْهَيَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيُعَاقِبَانِ , فَمَا يُجَاوِزَانِ فِيمَا يَصْنَعَانِ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِمَا رَأْيًا , وَلَا يُحِبُّ كَحُبِّهِمَا أَحَدًا , مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ عَنْهُمَا رَاضٍ , وَالْمُؤْمِنُونَ عَنْهُمَا رَاضُونَ , أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ , فَصَلَّى بِهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ , وَوَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ , وَفَوَّضُوا الزَّكَاةَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ , ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ , أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ يَوَدُّ أَحَدًا مِنَّا كَفَاهُ ذَلِكَ , وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ , وَأَرْأَفَهُ رَأْفَةً , وَأَحْسَنَهُ وَرَعًا , وَأَقْدَمَهُ سِنًّا وَإِسْلَامًا , شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيكَائِيلَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً , وَبِإِبْرَاهِيمَ عَفْوًا وَوَقَارًا , فَسَارَ فِينَا سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى مَضَى عَلَى أَجَلِهِ ذَلِكَ , ثُمَّ وَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ بِهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ , وَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ بِهِ مَنْ كَانَ كَرِهَهُ , فَأَقَامَ الْأَمْرَ عَلَى مِنْهَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ , يَتْبَعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ , وَكَانَ وَاللَّهِ رَفِيقًا رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ , وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَوْنًا , وَنَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ عَلَى الظَّالِمِينَ , لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ , وَجَعَلَ الصِّدْقَ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ , فَأَعَزَّ اللَّهُ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ , وَجَعَلَ هِجْرَتَهُ لِلدِّينِ قِوَامًا , وَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الرَّهْبَةَ , وَفِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحَبَّةَ , شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَظًّا غَلِيظًا عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَبِنُوحٍ حَنَقًا مُغْتَاظًا عَلَى الْكُفَّارِ , الضَّرَّاءُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ آثَرُ عِنْدَهُ مِنَ السَّرَّاءِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ , فَمَنْ لَكُمْ بِمِثْلِهِمَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَزَقَنَا الْمُضِيَّ عَلَى أَثَرِهِمَا وَالْحُبَّ لَهُمَا ، فَمَنْ لَكُمْ بِمِثْلِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُبْلَغُ مَبْلَغُهُمَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ أَثَرِهِمَا , وَالْحُبِّ لَهُمَا , فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيِحِبَّهُمَا , وَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي , وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ , وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي أَمْرِهِمَا لَعَاقَبْتُ عَلَى هَذَا أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ , وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أُعَاقِبَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ , أَلَا فَمَنْ أُتِيتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا بَعْدَ الْيَوْمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي , أَلَا وَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ أَيْنَ هُوَ , أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ "
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ السَّقَطِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَـا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالَجَ قَالَ : حَدَّثَنَـا كَثِيرُ بْنُ مَرْوَانَ الْفِلَسْطِينِيُّ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ , عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنَ الشِّيعَةِ يَتَنَاوَلُونَ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَنْتَقِصُونَهُمَا , فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِكَ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا فِيهِ مِنَ الْأُمَّةِ أَهْلٌ , وَلَوْلَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ تُضْمِرُ لَهُمَا مِثْلَ مَا أَعْلَنُوا مَا اجْتَرَءُوا عَلَى ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَعُوذُ بِاللَّهِ , أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُضْمِرَ لَهُمَا إِلَّا الَّذِي أَتَمَنَّى عَلَيْهِ الْمُضِيَّ , لَعَنِ اللَّهُ مَنْ أَضْمَرَ لَهُمَا إِلَّا الْحَسَنَ الْجَمِيلَ , أَخَوَا رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَصَاحِبَاهُ وَوَزِيرَاهُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ قَامَ دَامِعَ الْعَيْنِ يَبْكِي قَابِضًا عَلَى يَدِي حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ , وَجَلَسَ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ يَنْظُرُ فِيهَا , وَهَىَ بَيْضَاءُ , حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ , ثُمَّ قَامَ فَتَشَهَّدَ بِخُطْبَةٍ مُوجَزَةٍ بَلِيغَةٍ , ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَذْكُرُونَ سَيِّدَيْ قُرَيْشٍ وَأَبَوَيِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَنَا عَنْهُ مُتَنَزِّهٌ , وَعَمَّا قَالُوا عَنْهُ بَرِيءٌ , وَعَلَى مَا قَالُوا مُعَاقِبٌ , أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ , وَبَرَأَ النَّسَمَةَ , لَا يُحِبُّهُمَا إِلَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ , وَلَا يُبْغِضْهُمَا إِلَّا فَاجِرٌ رَدِيءٌ , صَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ يَأْمُرَانِ وَيَنْهَيَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيُعَاقِبَانِ , فَمَا يُجَاوِزَانِ فِيمَا يَصْنَعَانِ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَلَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِمَا رَأْيًا , وَلَا يُحِبُّ كَحُبِّهِمَا أَحَدًا , مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَهُوَ عَنْهُمَا رَاضٍ , وَالْمُؤْمِنُونَ عَنْهُمَا رَاضُونَ , أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى صَلَاةِ الْمُؤْمِنِينَ , فَصَلَّى بِهِمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَاخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ , وَوَلَّاهُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ , وَفَوَّضُوا الزَّكَاةَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مَقْرُونَتَانِ , ثُمَّ أَعْطَوْهُ الْبَيْعَةَ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ , أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَهُوَ لِذَلِكَ كَارِهٌ يَوَدُّ أَحَدًا مِنَّا كَفَاهُ ذَلِكَ , وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ مَنْ بَقِيَ , وَأَرْأَفَهُ رَأْفَةً , وَأَحْسَنَهُ وَرَعًا , وَأَقْدَمَهُ سِنًّا وَإِسْلَامًا , شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِمِيكَائِيلَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً , وَبِإِبْرَاهِيمَ عَفْوًا وَوَقَارًا , فَسَارَ فِينَا سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , حَتَّى مَضَى عَلَى أَجَلِهِ ذَلِكَ , ثُمَّ وَلَّى الْأَمْرَ بَعْدَهُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَأْمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ رَضِيَ بِهِ , وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ , وَكُنْتُ فِيمَنْ رَضِيَ فَلَمْ يُفَارِقِ الدُّنْيَا حَتَّى رَضِيَ بِهِ مَنْ كَانَ كَرِهَهُ , فَأَقَامَ الْأَمْرَ عَلَى مِنْهَاجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصَاحِبِهِ , يَتْبَعُ آثَارَهُمَا كَاتِّبَاعِ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ , وَكَانَ وَاللَّهِ رَفِيقًا رَحِيمًا بِالضُّعَفَاءِ , وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَوْنًا , وَنَاصِرًا لِلْمَظْلُومِينَ عَلَى الظَّالِمِينَ , لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ , ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِهِ , وَجَعَلَ الصِّدْقَ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ , فَأَعَزَّ اللَّهُ بِإِسْلَامِهِ الْإِسْلَامَ , وَجَعَلَ هِجْرَتَهُ لِلدِّينِ قِوَامًا , وَأَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ الرَّهْبَةَ , وَفِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَحَبَّةَ , شَبَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَظًّا غَلِيظًا عَلَى الْأَعْدَاءِ , وَبِنُوحٍ حَنَقًا مُغْتَاظًا عَلَى الْكُفَّارِ , الضَّرَّاءُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ آثَرُ عِنْدَهُ مِنَ السَّرَّاءِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ , فَمَنْ لَكُمْ بِمِثْلِهِمَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَزَقَنَا الْمُضِيَّ عَلَى أَثَرِهِمَا وَالْحُبَّ لَهُمَا ، فَمَنْ لَكُمْ بِمِثْلِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُبْلَغُ مَبْلَغُهُمَا إِلَّا بِاتِّبَاعِ أَثَرِهِمَا , وَالْحُبِّ لَهُمَا , فَمَنْ أَحَبَّنِي فَلْيِحِبَّهُمَا , وَمَنْ لَمْ يُحِبَّهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي , وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ , وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي أَمْرِهِمَا لَعَاقَبْتُ عَلَى هَذَا أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ , وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أُعَاقِبَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ , أَلَا فَمَنْ أُتِيتُ بِهِ يَقُولُ هَذَا بَعْدَ الْيَوْمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي , أَلَا وَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ , وَعُمَرُ , ثُمَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ أَيْنَ هُوَ , أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَيَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَنَذْكُرُ فِي هَذَا الْبَابِ قِصَّةَ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَسُجِّيَ عَلَيْهِ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ كَيَوْمِ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاكِيًا مُسْرِعًا مُسْتَرْجِعًا وَهُوَ يَقُولُ : الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَبُو بَكْرٍ , وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُسَجًّى فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ كُنْتَ إِلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَنِيسَهُ وَمُسْتَرَاحَهُ وَثِقَتَهُ وَمَوْضِعَ سَرِّهِ وَمُشَاوَرَتِهِ , وَكُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَامًا , وَأَخْلَصَهُمْ إِيمَانًا , وَأَشَدَّهُمْ يَقِينًا , وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَأَعْظَمَهُمْ غَنَاءً فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَحْدَبَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ , وَأَيْمَنَهُمْ عَلَى أَصْحَابِهِ , وَأَحْسَنَهُمْ صُحْبَةً , وَأَكْثَرَهُمْ مَنَاقِبَ , وَأَفْضَلَهُمْ سَوَابِقَ , وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً , وَأَقْرَبَهُمْ وَسِيلَةً , وَأَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَدْيًا وَسَمْتًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا , أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً , وَأَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْثَقَهُمْ عِنْدَهُ , فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ رَسُولِهِ خَيْرًا , كُنْتَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ , صَدَّقْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ كَذَّبَهَ النَّاسُ فَسَمَّاكَ اللَّهُ فِي تَنْزِيلِهِ صِدِّيقًا فَقَالَ فِي كِتَابِهِ : {{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ }} أَبُو بَكْرٍ وَآسَيْتَهُ حِينَ بَخِلُوا , وَأَقَمْتَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَكَارِهِ حِينَ عَنْهُ قَعَدُوا , وَصَحِبْتَهُ فِي الشِّدَّةِ أَكْرَمَ الصُّحْبَةِ , وَصَاحَبْتَهُ فِي الْغَارِ , وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ , وَرَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ وَخَلَفْتَهُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي أُمَّتِهِ أَحْسَنَ الْخِلَافَةِ حِينَ ارْتَدَّ النَّاسُ فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلِيفَةُ نَبِيٍّ , فَنَهَضْتَ حِينَ وَهَنَ أَصْحَابُهُ , وَبَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا , وَقَوِيتَ حِينَ ضَعُفُوا , وَلَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَكُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقًّا , لَمْ تَنَازَعْ وَلَمْ تُصْدَعْ بِزَعْمِ الْمُنَافِقِينَ , وَكَبْتِ الْكَافِرِينَ , وَكُرْهِ الْحَاسِدِينَ , وَفِسْقِ الْفَاسِقِينَ وَغَيْظِ الْبَاغِينَ , وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشَلُوا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ , ثُمَّ قَالَ : رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاهُ , وَسَلَّمْنَا لَهُ أَمْرَهُ , وَاللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , بِمِثْلِكَ أَبَدًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَسَنَذْكُرُهُ بِطُولِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : مَنْ يَقُولُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَيْعَتِهِ لَهُ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ , وَمَعُونَتِهِ لَهُ وَذِكْرِ فَضْلِهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَنَحَلَهُ إِلَى مَا قَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ مِنْ مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ قَدْ خَطِئَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ , فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , إِلَّا بَعْدَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ بَايَعَهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَى قَدْرًا , وَأَصْوَبَ رَأْيًا مِمَّا تَنْحَلُهُ إِلَيْهِ الرَّافِضَةُ , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ يَنْحَلُ هَذَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ فِيهِ أَشْيَاءُ لَوْ عَقَلَ مَا يَقُولُ كَانَ سُكُوتُهُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ , بَلْ مَا يُعْرَفُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مِنَ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَكَذَا أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَشْهَدُونَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْخِلَافَةِ وَالْفَضْلِ