قَالَ : خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ السَّلِيلِ الْأَزْدِيُّ زَائِرًا لِعَلْقَمَةَ بْنِ جَرِيرٍ الطَّائِيِّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى ابْنَةٍ لَهُ تُدْعَى الرَّبَابُ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ فَأُعْجِبَ بِهَا ، وَعَشِقَهَا عِشْقًا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ إِلَى أَهْلِهِ ، فَقَالَ : أَتَيْتُ خَاطِبًا ، وَقَدْ يُنْكَحُ الْخَاطِبُ ، وَيُدْرَكُ الطَّالِبُ ، وَيُمْنَعُ الرَّاغِبُ قَالَ : " أَنْتَ امْرُؤٌ كُفُؤٌ كَرِيمٌ ، فَأَقِمْ نَنْظُرْ فِي أَمْرِكَ ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى أُمِّ الْجَارِيَةِ فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الْحَارِثَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حَسَبًا وَمَنْصِبًا وَبَيْتًا ، فَلَا يَنْصَرِفَنَّ مِنْ عِنْدِنَا إِلَّا بِحَاجَتِهِ ، فَأَرِيدِي ابْنَتَكِ عَنْ نَفْسِهَا فِي أَمْرِهِ ، فَقَالَتْ لَهَا : أَيْ بُنَيَّةُ ، أَيُّ الرِّجَالِ أَعْجَبُ إِلَيْكِ ؟ الْكَهْلُ الْحَجْحَاجُ الْفَاضِلُ الْمَيَّاحُ أَمِ الْفَتَى الْوَضَّاحُ الْمَلُولُ الطَّمَّاحُ ؟ قَالَتْ : الْفَتَى الْوَضَّاحُ ، فَقَالَتْ : إِنَّ الْفَتَى الْوَضَّاحَ يُغَيِّرُكِ ، وَإِنَّ الشَّيْخَ يُمِيرُكِ ، وَلَيْسَ الْكَهْلُ الْفَاضِلُ الْكَثِيرُ النَّائِلُ كَالْحَدَثِ السِّنِّ الْكَثِيرِ الْمَنِّ . قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أُحِبُّ الْفَتَى كَحُبِّ الرِّعَاءِ أَنْيَقَ الْكَلَأَ قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةُ ، إِنَّ الْفَتَى شَدِيدُ الْحِجَابِ كَثِيرُ الْعِتَابِ قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أَخْشَى مِنَ الشَّيْخِ أَنْ يُدَنِّسَ أَثْوَابِي وَيَبْلِيَ شَبَابِي ، وَيُشْمِتَ بِي أَتْرَابِي ، فَلَمْ تَزَلْ بِهَا أُمُّهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا عَلَى رَأْيِهَا ، فَتَزَوَّجَهَا الْحَارِثُ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَخَادِمٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَبَنَى بِهَا ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كَأَحَبِّ مَا كَانَ إِلَيْهِ ، فَارْتَحَلَ بِهَا إِلَى أَهْلِهِ ، فَإِنَّهُ لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ مِظَلَّتِهِ ، وَهِيَ إِلَى جَانِبِهِ ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ يَعْتَلِجُونَ الصِّرَاعَ ، فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا بِالْبُكَاءِ ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ : مَا لِي وَلِلشُّيُوخِ النَّاهِضِينَ كَالْفُرُوخِ ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ ، قَدْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا ، فَصَارَتْ مَثَلًا ، أَيْ لَا تَكُونُ ظِئْرًا ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَطَقَ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَأَبِيكِ ، لَرُبَّ غَارَةٍ شَهِدْتُهَا ، وَسَبِيَّةٍ أَرْدَفْتُهَا ، وَخَمْرًا شَرِبْتُهَا ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ : {
} تَهَزَّأَتْ إِذْ رَأَتْنِي لَابِسًا كِبَرًا {
}وَغَايَةُ النَّفْسِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْكِبَرِ {
}{
} فَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ الشَّيْبَ رَاغِمَهُ {
}وَفِي التَّعَرُّفِ مَا يَمْضِي مِنَ الْغِيَرِ {
}{
} وَإِنْ يَكُنْ قَدْ عَلَا رَأْسِي وَغَيَّرَهُ {
}صَرْفُ الزَّمَانِ وَتَفْنِينٌ مِنَ الشَّعَرِ {
}{
} فَقَدْ أَرْوَحُ لِلَذَّاتِ الْفَتَى جَذِلًا {
}وَقَدْ أُصِيبُ بِهَا عَيْنًا مِنَ الْبَقَرِ {
}
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ كِنْدَةَ ، قَالَ : خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ السَّلِيلِ الْأَزْدِيُّ زَائِرًا لِعَلْقَمَةَ بْنِ جَرِيرٍ الطَّائِيِّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لَهُ ، فَنَظَرَ إِلَى ابْنَةٍ لَهُ تُدْعَى الرَّبَابُ ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ فَأُعْجِبَ بِهَا ، وَعَشِقَهَا عِشْقًا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْصِرَافِ إِلَى أَهْلِهِ ، فَقَالَ : أَتَيْتُ خَاطِبًا ، وَقَدْ يُنْكَحُ الْخَاطِبُ ، وَيُدْرَكُ الطَّالِبُ ، وَيُمْنَعُ الرَّاغِبُ قَالَ : أَنْتَ امْرُؤٌ كُفُؤٌ كَرِيمٌ ، فَأَقِمْ نَنْظُرْ فِي أَمْرِكَ ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى أُمِّ الْجَارِيَةِ فَقَالَ لَهَا : إِنَّ الْحَارِثَ سَيِّدَ قَوْمِهِ حَسَبًا وَمَنْصِبًا وَبَيْتًا ، فَلَا يَنْصَرِفَنَّ مِنْ عِنْدِنَا إِلَّا بِحَاجَتِهِ ، فَأَرِيدِي ابْنَتَكِ عَنْ نَفْسِهَا فِي أَمْرِهِ ، فَقَالَتْ لَهَا : أَيْ بُنَيَّةُ ، أَيُّ الرِّجَالِ أَعْجَبُ إِلَيْكِ ؟ الْكَهْلُ الْحَجْحَاجُ الْفَاضِلُ الْمَيَّاحُ أَمِ الْفَتَى الْوَضَّاحُ الْمَلُولُ الطَّمَّاحُ ؟ قَالَتْ : الْفَتَى الْوَضَّاحُ ، فَقَالَتْ : إِنَّ الْفَتَى الْوَضَّاحَ يُغَيِّرُكِ ، وَإِنَّ الشَّيْخَ يُمِيرُكِ ، وَلَيْسَ الْكَهْلُ الْفَاضِلُ الْكَثِيرُ النَّائِلُ كَالْحَدَثِ السِّنِّ الْكَثِيرِ الْمَنِّ . قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أُحِبُّ الْفَتَى كَحُبِّ الرِّعَاءِ أَنْيَقَ الْكَلَأَ قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةُ ، إِنَّ الْفَتَى شَدِيدُ الْحِجَابِ كَثِيرُ الْعِتَابِ قَالَتْ : يَا أُمَّتَاهُ ، أَخْشَى مِنَ الشَّيْخِ أَنْ يُدَنِّسَ أَثْوَابِي وَيَبْلِيَ شَبَابِي ، وَيُشْمِتَ بِي أَتْرَابِي ، فَلَمْ تَزَلْ بِهَا أُمُّهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا عَلَى رَأْيِهَا ، فَتَزَوَّجَهَا الْحَارِثُ عَلَى خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَخَادِمٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَبَنَى بِهَا ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كَأَحَبِّ مَا كَانَ إِلَيْهِ ، فَارْتَحَلَ بِهَا إِلَى أَهْلِهِ ، فَإِنَّهُ لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ بِفِنَاءِ مِظَلَّتِهِ ، وَهِيَ إِلَى جَانِبِهِ ، إِذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ يَعْتَلِجُونَ الصِّرَاعَ ، فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ عَيْنَيْهَا بِالْبُكَاءِ ، فَقَالَ : مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ : مَا لِي وَلِلشُّيُوخِ النَّاهِضِينَ كَالْفُرُوخِ ، فَقَالَ : ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ ، قَدْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا ، فَصَارَتْ مَثَلًا ، أَيْ لَا تَكُونُ ظِئْرًا ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَطَقَ بِهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَأَبِيكِ ، لَرُبَّ غَارَةٍ شَهِدْتُهَا ، وَسَبِيَّةٍ أَرْدَفْتُهَا ، وَخَمْرًا شَرِبْتُهَا ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ : تَهَزَّأَتْ إِذْ رَأَتْنِي لَابِسًا كِبَرًا وَغَايَةُ النَّفْسِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْكِبَرِ فَإِنْ بَقِيتُ رَأَيْتُ الشَّيْبَ رَاغِمَهُ وَفِي التَّعَرُّفِ مَا يَمْضِي مِنَ الْغِيَرِ وَإِنْ يَكُنْ قَدْ عَلَا رَأْسِي وَغَيَّرَهُ صَرْفُ الزَّمَانِ وَتَفْنِينٌ مِنَ الشَّعَرِ فَقَدْ أَرْوَحُ لِلَذَّاتِ الْفَتَى جَذِلًا وَقَدْ أُصِيبُ بِهَا عَيْنًا مِنَ الْبَقَرِ