عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ : " يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ عَلَى أَكْبَادِ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ، فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ "
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ : يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ عَلَى أَكْبَادِ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ، فَلَا يَجِدُونَ عَالِمًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ قَالَ سُفْيَانُ : إِنْ كَانَ فِي زَمَانِنَا أَحَدٌ ، فَذَلِكَ الْعُمَرِيُّ الْعَابِدُ الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا هَذَا الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ - أَعْنِي الْعَالِمَ - قَدْ يُسْتَحَقُّ بِمَعْنًى مِنْ مَعْنَيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : الْعِلْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَشَرَائِعِ دِينِهِ ، ثُمَّ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَيَكُونُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ عَالِمًا وَهُوَ الْعَالِمُ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا ، وَالْآخَرُ : خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعِلْمُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ صَاحِبُهَا مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَيْهَا وَمِنْ عِقَابِهِ فِي الْوُقُوعِ فِي خِلَافِهَا وَهِيَ الَّتِي مِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }} ، وَلَيْسَ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى فَقِيهًا ثُمَّ احْتَجْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَيَّ الْعَالِمَيْنِ الْعَالِمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، فَوَجَدْنَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّنَا أَيُّ هَذَيْنِ الْعَالِمَيْنِ هُوَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ : حَتَّى يَضْرِبُوا آبَاطَ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ آبَاطُ الْإِبِلِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ ، لَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَعَقِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْعَالِمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْعَالِمُ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ فَقِيهًا ، ثُمَّ إِذَا اسْتَحَقَّ هَذَا الِاسْمَ ، فَكَانَ مَعَهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِمَّا لَا يُوجَدُ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ نَعْلَمُهُمْ يُسَمَّوْنَ فُقَهَاءَ كَانَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْعُلَمَاءِ ، وَكَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَرْتَبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَنْ هِيَ فِيهِ فِيمَا ذَكَرَهُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبَعْدَ تَابِعِيهِمْ مَنْ فِيهِ هَذَانِ الْمَعْنَيْانِ غَيْرَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَهُ سُفْيَانُ بِمَا ذَكَرَهُ بِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيهًا زَاهِدًا وَرِعًا مُسْلِمًا مِمَّنْ لَعَلَّهُ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَمِمَّنْ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَذَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يَنْبُهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مَنْ يُقَصِّرُ عَنْ طَلَبِهِ ، وَمَنْ يُقَصِّرُ بِهِ عَنْهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْبَادِيَةِ الَّتِي لَا يَحْضُرُ أَهْلُهَا الْأَمْصَارَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ ، وَلَا يَخْرُجُ أَهْلُ الْعِلْمِ إِلَيْهِمْ ، فَيُعَلِّمُونَهُمُ الْعِلْمَ فَيُفَقِّهُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ أَمْرَ دِينِهِمْ ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِيمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِمَّا يُبَاعِدُهُمْ مِنْهُ حَتَّى يَكُونُوا بِذَلِكَ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ ، فَرِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ ، وَرِضْوَانُ اللَّهِ أَيْضًا عَلَى سُفْيَانَ وَرَحْمَتُهُ بِتَنَبُّهِهِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَمَعْرِفَتِهِ لِأَهْلِهِ ، وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ