" لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجْرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " مَنْ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ طَعَامًا فَلْيُلْقِهِ " , فَمِنْهُمْ مَنْ عَجَنَ الْعَجِينَ , وَمِنْهُمْ مَنْ حَاسَ الْحَيْسَ , فَأَلْقَوْهُ "
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَبْرَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ قَالَ : لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْحِجْرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَنْ عَمِلَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ طَعَامًا فَلْيُلْقِهِ , فَمِنْهُمْ مَنْ عَجَنَ الْعَجِينَ , وَمِنْهُمْ مَنْ حَاسَ الْحَيْسَ , فَأَلْقَوْهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا غَضِبَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْوَادِي كَانَ مِنْ عُقُوبَتِهِ إِيَّاهُمْ أَنْ جَعَلَ مَاءَهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ , وَيُضَرُّ أَمْثَالَهُمْ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي غُضِبَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْوَادِي مِنْ أَجْلِهَا , وَخَوْفًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمُ الَّتِي قَدْ سَلَفَتْ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا ذَوُو ذُنُوبٍ , وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ مُخْتَلِفَةً , وَالْعُقُوبَاتُ عَلَيْهَا مُخْتَلِفَةً , فَأَمَرَهُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا عَجَنُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَنْ لَا يَأْكُلُوهُ , وَأَبَاحَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوهُ إِبِلَهُمُ الَّتِي لَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا , وَلَا ذُنُوبَ لَهَا , ثُمَّ تَأَمَّلْنَا سُرْعَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي حَتَّى جَاوَزَهُ , فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِيَقْتَدُوا بِهِ فَيُسْرِعُوا لِسُرْعَتِهِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي خَوْفًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْاخَذُوا بِذُنُوبِهِمْ هُنَاكَ , كَمَا أُخِذَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَادِي بِذُنُوبِهِمْ هُنَاكَ . ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ وَصْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِيَ بِاللَّعْنِ , فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى إِرَادَتِهِ بِذَلِكَ أَهْلَ الْوَادِي الَّذِينَ كَانَ مِنْهُمْ مَا غَضِبَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِهِ , فَلَعَنَهُمْ لِذَلِكَ . وَذُكِرَ الْوَادِي بِتِلْكَ اللَّعْنَةِ , وَالْمُرَادُ أَهْلَهُ دُونَهُ , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }} لِأَنَّ الْقَرْيَةَ مَا كَانَتْ تَصْنَعُ شَيْئًا , وَإِنَّمَا أَهْلُهَا هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَصْنَعُونَ مَا أُهْلِكُوا بِهِ , ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا دَلَّ عَلَى مُرَادِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ لَا قَرْيَتَهُمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ }} , يَعْنِي بِذَلِكَ رَسُولَهُ إِلَيْهِمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنْ قَائِلِيهِ : {{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا }} , يُرِيدُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ , فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِذَلِكَ الْوَادِي : هَذَا وَادٍ مَلْعُونٌ , هُوَ عَلَى أَهْلِهِ , لَا عَلَى الْوَادِي نَفْسِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ .