رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ أَطْمَارًا ، فَقَالَ : " هَلْ لَكَ مَالٌ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : " مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ " قَالَ : مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ ، قَالَ : " فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ " ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ تُنْتِجُ إبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُهَا ؟ " قَالَ : وَهَلْ تُنْتِجُ إِلَّا كَذَلِكَ ؟ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ ، قَالَ : " فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ فَتَقْطَعُ آذَانَ بَعْضِهَا فَتَقُولُ : هَذِهِ بُحُرٌ ، وَتَشُقُّ آذَانَ أُخَرَ وَتَقُولُ : هَذِهِ صُرُمٌ " قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَلَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ ، وَإِنَّ مُوسَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ ، وَسَاعِدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ "
مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَيَّ أَطْمَارًا ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ مَالٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ أَيِّ الْمَالِ ؟ قَالَ : مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ ، قَالَ : فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : هَلْ تُنْتِجُ إبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُهَا ؟ قَالَ : وَهَلْ تُنْتِجُ إِلَّا كَذَلِكَ ؟ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ ، قَالَ : فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ فَتَقْطَعُ آذَانَ بَعْضِهَا فَتَقُولُ : هَذِهِ بُحُرٌ ، وَتَشُقُّ آذَانَ أُخَرَ وَتَقُولُ : هَذِهِ صُرُمٌ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ ، وَإِنَّ مُوسَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ ، وَسَاعِدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ . قَالَ : فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خَاطَبَ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَهُ : إذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِأَنْ يُرَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنْ لَا مِقْدَارَ لِلدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمَا أَعْطَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ جَزَاءٍ ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَارَ جَزَاءٍ لَكَانَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُقِرُّ بِتَوْحِيدِهِ بِذَلِكَ مِنْهُ أَوْلَى ، وَبِهِ عَلَيْهِ مِنْهُ أَحْرَى ، وَأَنَّ مَا يَجْزِيهِمْ بِتَوْحِيدِهِمْ إيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ ؛ إنَّمَا يُؤْتِيهِمْ إيَّاهُ فِي دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي هُمْ فِيهَا ، وَهِيَ الْآخِرَةُ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً }} ، أَيْ : عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ {{ لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ }} إلَى قَوْلِهِ {{ وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }} قَالَ : إنَّ جَزَاءَهُ لِلْمُتَّقِينَ عَلَى تَقْوَاهُمْ وَعَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَكَانَ قَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ : وَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ أَيْ لِيَكُونَ يُعْلَمُ بِهِ مَا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا قَدْ مَنَعَ مِثْلَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ , وَمَنْ سِوَاهُ , فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشُكْرِهِ إيَّاهُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الدِّينِ الَّذِي دَعَاهُ إلَيْهِ , وَمِنْ تَمَسُّكِهِ بِمَا خَلَقَهُ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }} فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ حَرِيًّا أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَيَدَّخِرَ لَهُ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ , كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا لِنَعْمَائِهِ عَلَيْهِ ، مُسْتَحِقًّا بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ مَعَ كُفْرِهِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ ، فَيَكُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِكُفْرِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ ، مُضَافًا إلَى عُقُوبَتِهِ إيَّاهُ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ بِهِ ، وَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ أَغْلَظَ عُقُوبَةً ، وَأَشَدَّ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ ، مِمَّنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا ، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ فِيهِ مَا هِيَ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .