عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ، الرَّجُلُ الْأَمَةَ , عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ ، قَالَ : ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : ثنا هُشَيْمٌ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ، الرَّجُلُ الْأَمَةَ , عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ فَقَدْ أَبْطَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , بَيْعَ عَبْدِ اللَّهِ , وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ . وَقَدْ كَانَ لَهُ خِلَافُهُ , أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ , لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ , لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الْحُكْمِ , وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْفُتْيَا . وَتَابَعَتْهُمَا زَيْنَبُ , امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صُحْبَةٌ . وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , وَقَدْ عَلِمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي أَمْرِ بَرِيرَةَ , عَلَى مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ , كَانَ عِنْدَهُ , عَلَى خِلَافِ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِحَدِيثِهِ , وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرَ مَنْ ذَكَرْنَا , ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى غَيْرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ , وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ , مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ . فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَصْلًا وَإِجْمَاعًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ , وَلَا يُخَالِفُ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ , أَنَّ شُرُوطًا صِحَاحًا , قَدْ تُعْقَدُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ , مِثْلُ الْخِيَارِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ , لِلْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ , فَيَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ جَائِزًا . وَكَذَلِكَ الْأَثْمَانُ , قَدْ تُعْقَدُ فِيهَا آجَالٌ يَشْتَرِطُهَا الْمُبْتَاعُ , فَتَكُونُ لَازِمَةً إِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَيَكُونُ الْبَيْعُ بِهَا مُضَمَّنًا . وَرَأَيْنَا ذَلِكَ الْأَجَلَ , لَوْ كَانَ فَاسِدًا , فَسَدَ بِفَسَادِهِ الْبَيْعُ , وَلَمْ يَثْبُتِ الْبَيْعُ , وَيَنْتَفِي هُوَ إِذَا كَانَ مَعْقُودًا فِيهِ . فَلَمَّا جُعِلَ الْبَيْعُ مُضَمَّنًا بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ الْمَشْرُوطَةِ فِي ثَمَنِهِ , فِي صِحَّتِهَا وَفَسَادِهَا , فَجُعِلَ جَائِزًا بِجَوَازِهَا , وَفَاسِدًا بِفَسَادِهَا , ثُمَّ كَانَ الْبَيْعُ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْمَبِيعِ , وَكَانَ عَبْدًا , عَلَى أَنْ يَخْدُمَ الْبَائِعَ شَهْرًا , فَقَدْ مَلَّكَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ مَلَّكَهُ الْمُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخِدْمَةَ الْعَبْدِ شَهْرًا وَالْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ , غَيْرُ مَالِكٍ لِلْخِدْمَةِ , وَلَا لِلْعَبْدِ , لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْعَبْدِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ , فَصَارَ الْبَيْعُ وَاقِعًا بِمَالٍ وَبِخِدْمَةِ عَبْدٍ , لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي فِي وَقْتِ ابْتِيَاعِهِ بِالْمَالِ , وَبِخِدْمَتِهِ , وَقَدْ رَأَيْنَاهُ لَوِ ابْتَاعَ عَبْدًا لِخِدْمَةِ أَمَةٍ , لَا يَمْلِكُهَا , كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ أَيْضًا كَذَلِكَ إِذَا عَقَدَ لِخِدْمَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ مِلْكُهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْعَقْدِ , لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ . وَلَمَّا كَانَتِ الْأَثْمَانُ مُضَمَّنَةً بِالْآجَالِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ , عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا , كَانَ كَذَلِكَ , الْأَشْيَاءُ الْمَثْمُونَةُ , أَيْضًا الْمُضَمَّنَةُ بِالشَّرَائِطِ الْفَاسِدَةِ وَالصَّحِيحَةِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ , لَوْ وَقَعَ وَاشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ , أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا . فَقَدِ انْتَفَى قَوْلُ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الْبَيْعُ , وَيَثْبُتُ الشَّرْطُ . وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ , وَغَيْرُ الْقَوْلِ الْآخَرِ إِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ إِذَا اشْتُرِطَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ . فَلَمَّا انْتَفَى الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ , ثَبَتَ هَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ , وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ