سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيَّ يَذْكُرُ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ تَنَسَّكَ ثُمَّ مَالَ إِلَى الدُّنْيَا وَالسُّلْطَانِ فَبَنَى دَارًا وَشَيَّدَهَا وَأَمَرَ بِهَا فَفُرِشَتْ لَهُ وَجُهِّزَتْ فَاتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَصَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا النَّاسَ فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى بِنَائِهِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَدْعُونَ وَيَتَفَرَّقُونَ قَالَ : فَمَكَثَ بِذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى فَرَغَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ ثُمَّ جَلَسَ وَنَفَرٌ مِنْ خَاصَّةِ إِخْوَانِهِ فَقَالَ : قَدْ تَزَايَدَ سُرُورِي بِدَارِي هَذِهِ وَقَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ أَتَّخِذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي مِثْلَهَا فَأَقِيمُوا عِنْدِي أَيَّامًا اسْتَمْتِعْ بِحَدِيثِكُمْ وَأُشَاوِرْكُمْ فِيمَا أُرِيدُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ لِوَلَدِي ، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَيَّامًا يَلْهُونَ وَيُشَاوِرُهُمْ كَيْفَ يَبْنِي لِوَلَدِهِ وَكَيْفَ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ ، فَبَيْنَا هُمْ ذَاتَ يَوْمٍ فِي لَهْوِهِمْ حَدَثَ إِذْ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ مِنْ أَقَاصِي الدَّارِ : {
} يَا أَيُّهَا الْبَانِي النَّاسِي مَنِيَّتَهُ {
} لَا تَنْسَ مَوْتَكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبُ {
} عَلَى الْخَلَائِقِ إِنْ سُرُّوا وَإِنْ فَرِحُوا {
} فَالْمَوْتُ حَتْمٌ لِذِي الْآمَالِ مَنْصُوبُ {
} لَا تَبْنِيَنَّ دَيَارًا لَسْتَ تَسْكُنُهَا {
}وَرَاجِعِ النُّسْكَ كَيْمَا يُغْفَرَ الْحُوبُ {
}قَالَ : فَفَزِعَ لِهَذَا أَصْحَابُهُ فَزَعًا شَدِيدًا وَرَاعَهُمْ مَا سَمِعُوا مِنْ هَذَا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَهَلْ تَجِدُونَ مَا أَجِدُ ؟ قَالُوا : وَمَا تَجِدُهُ ؟ قَالَ : أَجِدُ وَاللَّهِ مِسْكَةً عَلَى بَدَنِي مَا أُرَاهَا إِلَّا عِلَّةَ الْمَوْتِ قَالُوا : كَلَّا بَلِ الْبَقَاءُ وَالْعَافِيَةُ قَالَ : فَبَكَى ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ أَخِلَّائِي وَإِخْوَانِي فَمَا لِي عِنْدَكُمْ ؟ قَالُوا : مُرْنَا بِمَا أَحْبَبْتَ مِنْ أَمْرِكَ قَالَ : فَأَمَرَ بِالشَّرَابِ فَأُهْرِيقَ ثُمَّ أَمَرَ بِالْمَلَاهِي فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ عِبَادِكَ أَنِّي تَائِبٌ إِلَيْكَ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِي نَادِمٌ عَلَى مَا فَرَّطْتُ أَيَّامَ مُهْلَتِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ إِذَا هَدَيْتَنِي أَنْ تُتِمَّ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ بَاقِي أَيَّامِي فِي طَاعَتِكَ وَإِنْ أَنْتَ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي تَفَضُّلًا مِنْكَ عَلَيَّ وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَمْرُ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ : الْمَوْتُ وَاللَّهِ الْمَوْتُ وَاللَّهِ حَتَّى خَرَجَتْ نَفْسُهُ فَكَانَ الْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى تَوْبَةٍ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ ، سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيَّ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ تَنَسَّكَ ثُمَّ مَالَ إِلَى الدُّنْيَا وَالسُّلْطَانِ فَبَنَى دَارًا وَشَيَّدَهَا وَأَمَرَ بِهَا فَفُرِشَتْ لَهُ وَجُهِّزَتْ فَاتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَصَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا النَّاسَ فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى بِنَائِهِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَدْعُونَ وَيَتَفَرَّقُونَ قَالَ : فَمَكَثَ بِذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى فَرَغَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ ثُمَّ جَلَسَ وَنَفَرٌ مِنْ خَاصَّةِ إِخْوَانِهِ فَقَالَ : قَدْ تَزَايَدَ سُرُورِي بِدَارِي هَذِهِ وَقَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ أَتَّخِذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي مِثْلَهَا فَأَقِيمُوا عِنْدِي أَيَّامًا اسْتَمْتِعْ بِحَدِيثِكُمْ وَأُشَاوِرْكُمْ فِيمَا أُرِيدُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ لِوَلَدِي ، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَيَّامًا يَلْهُونَ وَيُشَاوِرُهُمْ كَيْفَ يَبْنِي لِوَلَدِهِ وَكَيْفَ يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ ، فَبَيْنَا هُمْ ذَاتَ يَوْمٍ فِي لَهْوِهِمْ حَدَثَ إِذْ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ مِنْ أَقَاصِي الدَّارِ : يَا أَيُّهَا الْبَانِي النَّاسِي مَنِيَّتَهُ لَا تَنْسَ مَوْتَكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَكْتُوبُ عَلَى الْخَلَائِقِ إِنْ سُرُّوا وَإِنْ فَرِحُوا فَالْمَوْتُ حَتْمٌ لِذِي الْآمَالِ مَنْصُوبُ لَا تَبْنِيَنَّ دَيَارًا لَسْتَ تَسْكُنُهَا وَرَاجِعِ النُّسْكَ كَيْمَا يُغْفَرَ الْحُوبُ قَالَ : فَفَزِعَ لِهَذَا أَصْحَابُهُ فَزَعًا شَدِيدًا وَرَاعَهُمْ مَا سَمِعُوا مِنْ هَذَا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَهَلْ تَجِدُونَ مَا أَجِدُ ؟ قَالُوا : وَمَا تَجِدُهُ ؟ قَالَ : أَجِدُ وَاللَّهِ مِسْكَةً عَلَى بَدَنِي مَا أُرَاهَا إِلَّا عِلَّةَ الْمَوْتِ قَالُوا : كَلَّا بَلِ الْبَقَاءُ وَالْعَافِيَةُ قَالَ : فَبَكَى ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : أَنْتُمْ أَخِلَّائِي وَإِخْوَانِي فَمَا لِي عِنْدَكُمْ ؟ قَالُوا : مُرْنَا بِمَا أَحْبَبْتَ مِنْ أَمْرِكَ قَالَ : فَأَمَرَ بِالشَّرَابِ فَأُهْرِيقَ ثُمَّ أَمَرَ بِالْمَلَاهِي فَأُخْرِجَتْ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ عِبَادِكَ أَنِّي تَائِبٌ إِلَيْكَ مِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِي نَادِمٌ عَلَى مَا فَرَّطْتُ أَيَّامَ مُهْلَتِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ إِذَا هَدَيْتَنِي أَنْ تُتِمَّ عَلَيَّ نِعْمَتَكَ بَاقِي أَيَّامِي فِي طَاعَتِكَ وَإِنْ أَنْتَ قَبَضْتَنِي إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي تَفَضُّلًا مِنْكَ عَلَيَّ وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَمْرُ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ : الْمَوْتُ وَاللَّهِ الْمَوْتُ وَاللَّهِ حَتَّى خَرَجَتْ نَفْسُهُ فَكَانَ الْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى تَوْبَةٍ