• 2091
  • عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ "

    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا : جَمِيعًا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ . وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ ، وَابْنُ رُمْحٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ كِلَاهُمَا ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ . وَفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ ، قَالَ نَافِعٌ : حَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ

    لا توجد بيانات
    " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ " وَحَدَّثَنَاهُ
    حديث رقم: 3894 في سنن ابن ماجة كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَابُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ
    حديث رقم: 4540 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 4954 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 5842 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 5868 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 6046 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
    حديث رقم: 7374 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّعْبِيرِ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ
    حديث رقم: 29841 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالرُّؤْيَا مَا قَالُوا فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا
    حديث رقم: 2177 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 51 في جزء أبي الجهم الباهلي جزء أبي الجهم الباهلي أَحَادِيثُ نَافِعِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
    حديث رقم: 12104 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ

    [2265] رِوَايَةٍ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ فَحَصَلَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْمَشْهُورُ ستة وأربعين والثانية خمسة وأربعين والثالثة سبعين جزءا وفي غير مسلم من رواية بن عَبَّاسٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ خَمْسِينَ ومن رواية بن عمر سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَمِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ الْقَاضِي أَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي فَالْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ تَكُونُ رُؤْيَاهُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالْفَاسِقُ جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْخَفِيَّ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ وَالْجَلِيُّ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى إِلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا عَشْرُ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ الْوَحْيَ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَمَيَّزَ بِهِ من النبوة بجزء من ستة وأربعين قَالَ وَقَدْ قَدَحَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَمَدَ رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَبِأَنَّهُ رَأَى بَعْدَ النُّبُوَّةِ مَنَامَاتٍ كَثِيرَةً فَلْتُضَمَّ إِلَى الأشهر الستة وحينئذ تَتَغَيَّرُ النِّسْبَةُ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَنَامَاتِ الْمَوْجُودَةَ بَعْدَ الْوَحْيِ بِأَرْسَالِ الْمَلَكِ مُنْغَمِرَةٌ فِي الْوَحْيِ فَلَمْ تُحْسَبْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنَامَ فِيهِ إِخْبَارُ الْغَيْبِ وَهُوَ إِحْدَى ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ لَيْسَ فِي حَدِّ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا لِيُشَرِّعَ الشَّرَائِعَ وَيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ وَلَا يُخْبِرُ بِغَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي نُبُوَّتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا وهذا الجزء من النبوة وهو الاخبار بالغيب اذا وقع لا يكون الا صدقا والله أعلم قال الخطابي هذا الْحَدِيثُ تَوْكِيدٌ لِأَمْرِ الرُّؤْيَا وَتَحْقِيقُ مَنْزِلَتِهَا وَقَالَ وَإِنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي مَنَامِهِمْ كَمَا يُوحَى إِلَيْهِمْ فِي الْيَقَظَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرُّؤْيَا تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌبَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أُحِبُّ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَأَنْوَاعِ الْبَاطِلِ وَأَمَّا الْغُلُّ فَمَوْضِعُهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا في اعناقهمأغلالا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِبَارَةِ فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِلَ فَقَالُوا إِذَا رَأَى الْقَيْدَ فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدِ خَيْرٍ أَوْ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ وكذا لورآه صَاحِبُ وِلَايَةٍ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهَا وَلَوْ رَآهُ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ مَكْرُوبٌ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوهٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَيْدِ غُلٌّ غلببَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أُحِبُّ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَأَنْوَاعِ الْبَاطِلِ وَأَمَّا الْغُلُّ فَمَوْضِعُهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا في اعناقهمأغلالا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِبَارَةِ فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِلَ فَقَالُوا إِذَا رَأَى الْقَيْدَ فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدِ خَيْرٍ أَوْ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ وكذا لورآه صَاحِبُ وِلَايَةٍ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهَا وَلَوْ رَآهُ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ مَكْرُوبٌ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوهٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَيْدِ غُلٌّ غلببَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُحِبُّ الْقَيْدَ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) وَالْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أُحِبُّ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَأَنْوَاعِ الْبَاطِلِ وَأَمَّا الْغُلُّ فَمَوْضِعُهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا في اعناقهمأغلالا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِبَارَةِ فَنَزَّلُوا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ مَنَازِلَ فَقَالُوا إِذَا رَأَى الْقَيْدَ فِي رِجْلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدِ خَيْرٍ أَوْ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لِثَبَاتِهِ فِي ذَلِكَ وكذا لورآه صَاحِبُ وِلَايَةٍ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهَا وَلَوْ رَآهُ مَرِيضٌ أَوْ مَسْجُونٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ مَكْرُوبٌ كَانَ دَلِيلًا لِثَبَاتِهِ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ قَارَنَهُ مَكْرُوهٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَيْدِ غُلٌّ غلبالْمَكْرُوهَ لِأَنَّهَا صِفَةَ الْمُعَذَّبِينَ وَأَمَّا الْغُلُّ فَهُوَ مَذْمُومٌ إِذَا كَانَ فِي الْعُنُقِ وَقَدْ يَدُلُّ للولايات إذا كان معه قرائن كما أن كُلُّ وَالٍ يُحْشَرُ مَغْلُولًا حَتَّى يُطْلِقَهُ عَدْلُهُ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَغْلُولَ الْيَدَيْنِ دُونَ الْعُنُقِ فَهُوَ حَسَنٌ وَدَلِيلٌ لِكَفِّهِمَا عَنِ الشَّرِّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى بُخْلِهِمَا وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ ما نواه من الأفعال قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة.
    المعنى العام:
    {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42] والنفس سر من أسرار الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85] وتوفيها كليا أو جزئيا سر من أسراره تعالى، فلا تعلم نفس أين تذهب الروح أثناء النوم؟ ولا تعلم مدى اتصالها بجسد النائم، ولا تعلم ما يجري منها، وما يجري لها في موتتها الصغرى، التي تتكرر كل يوم. ومما هو معلوم أن الوحي الإلهي للأنبياء، منه الإلهام، ومنه المنام، فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس قبل أن تستوفي رزقها وأجلها مثل للإلهام، ومثله الإيحاء إلى أم موسى أن أرضعيه، ورؤيا إبراهيم عليه السلام، أنه يذبح ولده، ورؤيا يوسف عليه السلام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له، ورؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول المسلمين المسجد الحرام آمنين، أمثلة للمنام. فالرؤيا الصادقة، يراها المؤمن أو ترى له، إنما تكون إفاضة وكرما من الله تعالى، ليستبشر، أو ليأخذ حذره، فهي مبشرات ومنذرات، وهي جزء من النبوة، ولمحة من لمحاتها، حتى وإن رآها كافر، فهي نعمة، والمنعم ينعم على الكافر، لعله يعتبر ويؤمن، كما ينعم على المؤمن ليزداد إيمانا وشكرا. وقد حكى لنا القرآن الكريم رؤيا فرعون مصر سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر، وأخر يابسات، وكيف تحقق تأويل يوسف عليه السلام لها؟ كما حكى رؤيا صاحبي السجن، وكيف تحققت؟ حقائق لا يسهل إنكارها، لكنها نوع مما يراه النائم، لا يحكم به على كل رؤيا يراها، بل قد يرى في منامه تحقيق رغبات مكبوتة عنده أثناء يقظته، وقد يرى خليطا من مشكلات تشغله في حياته، وقد يرى ما يوسوس به الشيطان له من أحزان ومخاوف، ومن هنا كانت النصائح النبوية:

    1- إذا حلم أحدكم حلما يكرهه، فلينفت عن يساره، وليتحول عن جنبه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها، وأن يكتمها، ولا يحدث بها إلا حبيبا لبيبا، فإنها لا تضره.

    2- وإذا رأى ما يحب فليستبشر، ويحكيها لحبيب لبيب، ليعبرها له.

    3- وإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرؤياه خير وصادقة، فإن الشيطان لا يتمثل به.
    4- وعلى المؤمن أن يحرص على الصدق في معاملاته، لتصدق رؤياه، فأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا.
    5- وعلى من يعبر الرؤيا أن يحسن الظن، وأن يتجه بتأويله إلى خير الاحتمالات، وأن يكون خبيرا ذكيا لبيبا، فهي - غالبا - تعتمد على الإشارات. وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤى، وفسرها، وقصها على أصحابه، ورأى أصحابه رؤى وفسرها لهم، وفسرها بعضهم لبعض، وشجعهم وحثهم على تعبير الرؤيا، فإنها من الله تعالى، وإنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. المباحث العربية (كنت أرى الرؤيا) الرؤيا ما يراه الشخص في منامه، وهي على وزن فعلى، وقد تسهل الهمزة، وقال الواحدي: هي في الأصل مصدر، كاليسرى، فلما جعلت اسما لما يتخيله النائم، أجريت مجرى الأسماء، قال الراغب: والرؤية، بالهاء، إدراك المرء بحاسة البصر، وتطلق على ما يدرك بالتخيل، نحو: أرى أن زيدا مسافر، وعلى التفكر النظري، نحو {إني أرى ما لا ترون} [الأنفال: 48] وعلى الرأي، وهو اعتقاد أحد النقيضين حسب غلبة الظن. اهـ. وقال القرطبي في المفهم: قال بعض العلماء: قد تجيء الرؤية بمعنى الرؤيا، كقوله تعالى {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة الإسراء من العجائب، وكان الإسراء جميعه في اليقظة. قال الحافظ ابن حجر: وعكسه بعضهم، فزعم أنه حجة لمن قال: إن الإسراء كان مناما، والأول المعتمد، قال ابن عباس: إنها رؤيا عين، قال الحافظ: ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا كون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة، فأشبهت ما في المنام. اهـ. وسيأتي الكلام عن حقيقة الرؤيا في فقه الحديث، وفي ملحق الرواية الثانية فإن كنت لأرى الرؤيا فإن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، أي فإن القصة كنت لأرى الرؤيا. (أعرى منها) بضم الهمزة، وسكون العين وفتح الراء، أي أحم، لخوفي من ظاهرها في ظني، يقال: عري بضم العين وكسر الراء مخففا، يعرى بضم الياء وفتح الراء، إذا أصابه عراء، بضم العين وبالمد، وهو نفض الحمى، وفي الرواية الرابعة قال أبو سلمة لأبي قتادة: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني؟ فقال له أبو قتادة: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني بزيادة اللام في لأرى والأولى بدون اللام. (غير أني لا أزمل) بضم الهمزة وفتح الزاي وتشديد الميم المفتوحة، أي لا أغطى ولا ألف، كما يفعل بالمحموم، وفي الرواية الثانية إن كنت لأرى الرؤيا أثقل علي من جبل وعند عبد الرزاق كنت أرى الرؤيا ألقى فيها شدة. (حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) في الرواية الثانية سمعت أبا قتادة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان) في الرواية الثالثة الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان بفتح السين وسكون الواو، أي القبيحة، والحلم بضم الحاء وسكون اللام، وقد تضم ما يراه النائم، ولم يحك النووي غير السكون، يقال: حلم بفتح اللام، يحلم بضمها، وأما الحلم بكسر الحاء وسكون اللام فهو من حلم يحلم، بضم اللام فيهما، وجمع الحلم والحلم بضم الحاء وكسرها أحلام. قال النووي: قال المازري: معناه: يخلق الله ما يسر بغير حضرة الشيطان، ويخلق ما علم أنه يضر بحضرة الشيطان، فينسب إلى الشيطان مجازا، لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقة، وليس معناه أن الشيطان يفعل شيئا، فالرؤيا اسم للمحبوب، والحلم اسم للمكروه، وقال غيره: أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله، إضافة تشريف، بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته، ولا فعل للشيطان فيهما، لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها، ويسر بها. اهـ. كما أن الجميع عباد الله، ولو كانوا عصاة، وهو تصرف شرعي، وإلا فالكل يسمى رؤيا وحلما لغة. وفي رواية الصادقة بدل الصالحة قال الحافظ ابن حجر: وهما بمعنى واحد، بالنسبة إلى أمور الآخرة، في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص، فرؤيا النبي كلها صادقة، وقد تكون صالحة، وهي الأكثر، وغير صالحة بالنسبة للدنيا، كما وقع في رؤيا يوم أحد بقر يذبح وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص وجهي، يجتمعان في مادة وينفرد كل منهما في مادة أخرى، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير، فيجتمعان في رؤيا سارة لا تحتاج إلى تعبير، وتنفرد الصالحة في السارة التي تحتاج إلى تعبير فهي صالحة غير صادقة بنفسها، وتنفرد الصادقة برؤيا سوء لا تحتاج إلى تعبير، فهي صادقة، غير صالحة، وأما إن فسرنا الصادقة بأنها غير الأضغاث، فالصالحة أخص مطلقا، أي فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الأعم في مادة أخرى فتجتمع الصادقة والصالحة في غير الأضغاث السارة، وتنفرد الصادقة في غير الأضغاث السيئة. وقال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري: الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام، أو يخبر به من لا يكذب، والصالحة ما يسر. اهـ. (فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه) في الرواية الثانية فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه وفي الرواية الثالثة فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا وفي الرواية الخامسة إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فالكراهة قد تكون لكل ما جاء في الحلم، أو لبعض ما جاء في الرؤيا. (فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره) وفي ملحق الرواية الثانية وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وفي الرواية الثالثة ولا يخبر بها أحدا وفي الرواية الرابعة وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها وفي الرواية الخامسة وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وفي الرواية الثالثة عشرة إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام وفي الرواية الخامسة عشرة لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام وفي الرواية السادسة عشرة لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك وفيها لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه وفي الرواية السابعة عشرة إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس. فمجموع الآداب المطلوبة خمسة:

    1- النفث: واختلف فيه والتفل، فقيل: هما بمعنى، ولا يكونان إلا بريق، وقال أبو عبيد: يشترط في التفل ريق يسير، ولا يكون في النفث، وقيل عكسه، وسئلت عائشة في النفث، فقالت: كما ينفث آكل الزبيب، لا ريق معه، قال: ولا اعتبار بما يخرج معه من بلة بغير قصد، وقال النووي: أكثر الروايات في الرؤيا فلينفث وهو نفخ لطيف، بلا ريق، فيكون التفل والبصق محمولين عليه مجازا، قال الحافظ ابن حجر: لكن المطلوب في الرقية التبرك برطوبة الذكر، والمطلوب هنا طرد الشيطان، وإظهار احتقاره واستقذاره.

    2- الاستعاذة بالله من شر الشيطان.

    3- الاستعاذة بالله من شرها.
    4- التحول عن جنبه الذي كان عليه.
    5- كتمها وعدم التحديث بها، زاد البخاري سادسا، وهو الصلاة. ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليصل وكذا في روايتنا السادسة وزاد في بعض الشروح سابعا وهو قراءة آية الكرسي، ولم يذكر مستندا. قال النووي: وينبغي أن يجمع بين هذه الروايات للحديث، قال الحافظ ابن حجر: ولم أر في شيء من الأحاديث الاقتصار على واحدة، نعم أشار المهلب إلى أن الاستعاذة كافية في دفع شرها، وكأنه أخذه من قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [النحل: 98، 99] فيحتاج مع الاستعاذة إلى صحة التوجه، ولا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان، وقال القرطبي في المفهم: الصلاة تجمع كل ذلك، لأنه إذا قام فصلى، تحول عن جنبه، وبصق ونفث عند المضمضة في الوضوء، واستعاذ قبل القراءة، ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه، فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه. اهـ. وفي ملحق الرواية الأولى فليبصق عن يساره، حين يهب من نومه أي حين يستقيظ، ومعنى قوله فإنها لن تضره أن الله تعالى جعل هذا سببا لسلامته من مكروه يترتب عليها، كما جعل الصدقة وقاية للمال، وسببا لدفع البلاء، وقوله في الرواية الثالثة فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر بضم الياء وسكون الباء، من الإبشار والبشرى، قال النووي: وفي بعض الأصول بفتح الياء والنون من النشر، وهو الإشاعة، قال القاضي: وهو تصحيف، وفي بعض الأصول فليستر بسين، من الستر. (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب) قيل: المراد إذا قارب الزمان أن يعتدل ليله ونهاره أي تصدق الرؤيا كثيرا في هذا الوقت من السنة، وقيل: المراد إذا قارب القيامة، والأول أشهر عند أهل عبر الرؤيا، لأن صدق الحديث يقل في آخر الزمان، قال الخطابي: وقت الربيع وقت اعتدال الطبائع غالبا، قال: ويبعده التقييد بالمؤمن، أو المسلم - فإن الوقت الذي تعتدل فيه الطبائع لا يختص به، وجزم ابن بطال بأن قرب القيامة هو الصواب، قال: فالمعنى إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم، ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة، فكان الناس على مثل الفترة، محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين، كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا خاتم الأنبياء، وصار الزمان المذكور يشبه زمان الفترة عوضوا بما منعوا من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة بالتبشير والإنذار. اهـ. ويؤيد أن المراد اقتراب الساعة الحديث الصحيح يتقارب الزمان ويرفع العلم فإن المراد به اقتراب الساعة قطعا، قال الداودي: المراد بتقارب الزمان نقص الساعات والأيام والليالي اهـ. والمراد بنقصها ضياع بركتها، والإحساس بسرعة مرورها، وذلك قرب يوم القيامة، كما ثبت في الصحيح يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة رواه مسلم، وقيل: إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي، عند بسط العدل، وكثرة الأمن، وبسط الخير والرزق، فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه، وفي قوله لم تكد إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا، وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق، قال الحافظ ابن حجر: والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا، لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله، والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه. ذكره الطيبي. وقال القرطبي في المفهم: المراد - والله أعلم - بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث (المذكور في الحديث اقتراب الزمان، وليس آخر الزمان) زمان الطائفة الباقية مع عيسى ابن مريم، بعد قتله الدجال، فكأن أهل هذا الزمان أحسن هذه الأمة حالا، بعد الصدر الأول، وأصدقهم أقوالا، فكانت رؤياهم لا تكذب، وقال ابن أبي جمرة: معنى كون الرؤيا في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير، فلا يدخلها الكذب، بخلاف ما قبل ذلك، فإنها قد يخفى تأويلها، فيعبرها العابر، فلا تقع كما قال، فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار، قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا، فيقل أنيس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت، فيكرم بالرؤيا الصادقة. قال الحافظ ابن حجر: وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب إذا كان المراد آخر الزمان، ثلاثة أقوال: أحدهما أن العلم بأمور الديانة يذهب، فعوضوا بالرؤيا الصادقة، الثاني: أن المؤمنين يقل عددهم، فيؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة، إكراما له، وتسلية، وعلى هذين القولين لا يختص ذلك بزمان معين، بل كلما قرب فراغ الدنيا تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق، الثالث أن ذلك خاص بزمان عيسى ابن مريم. قال: وأولها أولاها اهـ. (وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا) لأن من كثر صدقه تنور قلبه، وقوي إدراكه، فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة، وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته استصحب ذلك في نومه، فلا يرى إلا صدقا بخلاف الكاذب والمخلط، فإنه يفسد قلبه ويظلم، فلا يرى إلا تخليطا وأضغاثا، وقد يندر العكس أحيانا، فيرى الصادق ما لا يصح، ويرى الكاذب ما يصح ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم. قاله القرطبي. (ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة) كذا في كثير من الأصول خمس وفي بعضها خمسة وهو الصواب، وفي الرواية السابعة والثامنة والتاسعة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وفي الرواية العاشرة جزء من سبعين جزءا من النبوة قال النووي: فحصل ثلاث روايات، المشهور ستة وأربعين والثانية خمسة وأربعين والثالثة سبعين وفي غير مسلم من أربعين جزءا وفي رواية من تسعة وأربعين وفي رواية من خمسين وفي رواية من ستة وعشرين وفي رواية من أربعة وأربعين قال القاضي: أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءا من ستة وأربعين جزءا، والفاسق جزءا من سبعين جزءا، وقيل: المراد أن الخفي منها جزء من سبعين والجلي جزء من ستة وأربعين. اهـ. وقد استشكل كون الرؤيا جزء من النبوة، مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل في الجواب: إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة، وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز، وقال الخطابي: قيل: معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة، وقيل: المعنى أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت، فعلمها باق، وتعقب بقول مالك، فيما حكاه ابن عبد البر، أنه سئل: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يلعب؟ ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يلعب بالنبوة، والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب، لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم، وقال ابن بطال: كون الرؤيا جزءا من أجزاء النبوة مما يستعظم، ولو كانت جزءا من ألف جزء، فيمكن أن يقال: إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء، وهو الإعلام لغة، فالمعنى - على هذا - أن الرؤيا خبر صادق من الله، لا كذب فيه، كما أن معنى النبوة بنبأ صادق من الله، لا يجوز عليه الكذب، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر، اهـ. ففي الكلام تشبيه، والتقدير: الرؤيا كجزء من النبوة في صدق الخبر. وقال المازري: يحتمل أن يراد بالنبوة في هذا الحديث، الخبر بالغيب لا غير، وإن كان يتبع ذاك إنذار أو تبشير، فالخبر بالغيب أحد ثمرات النبوة، وهو غير مقصود لذاته، لأنه يصح أن يبعث نبي يقرر الشرع، ويبين الأحكام، وإن لم يخبر في طول عمره بغيب، ولا يكون إلا صادقا ولا يقع إلا حقا، وأما خصوص العدد فهو مما أطلع الله عليه نبيه، لأنه يعلم من حقائق النبوة ما لم يعلمه غيره، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا ملك أو نبي، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة، لأن فيها اطلاعا على الغيب من وجه ما، وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. وقال المازري: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلا، فقد جعل الله للعالم حدا، يقف عنده، فمنه ما يعلم المراد منه جملة وتفصيلا ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلا، وهذا من هذا القبيل. وقد حاول بعض أهل العلم أن يتلمس مناسبة للرواية المشهورة جزء من ستة وأربعين جزءا فقال: إن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر، ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها من الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءا، لأنه عاش بعد النبوة ثلاثا وعشرين سنة على الصحيح. قال ابن بطال: هذا التأويل يفسد من وجهين: أحدهما أنه قد اختلف في قدر المدة التي عاشها بعد البعثة إلى موته، والثاني أن يبقى حديث السبعين جزءا بغير معنى. قال الحافظ ابن حجر: ويضاف إليه بقية الأعداد الواردة، وأطال الحافظ ابن حجر في توجيه المناسبات بين الأعداد الواردة وبين الواقع، مما لا يتسع له هذا المقام. (والرؤيا ثلاثة) ظاهره أنه مرفوع، وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا ثلاث فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان لكن جاء في البخاري عن عوف قال: حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب- قال محمد: وأنا أقول: هذه - قال: وكان يقال: (الرؤيا ثلاث، حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله..) مما يوهم أنه مدرج، والصحيح أنه مرفوع. (فرؤيا الصالحة بشرى من الله) كذا في الأصول فرؤيا الصالحة من إضافة الموصوف إلى صفته، كقولهم: مسجد الجامع، أي فالرؤيا الصالحة بشرى من الله. (ورؤيا تحزين من الشيطان) وعند ابن ماجه أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم وعند البخاري وتخويف الشيطان. (ورؤيا مما يحدث المرء نفسه) وعند البخاري حديث النفس وعند ابن ماجه ومنها ما يهم به الرجل في يقظته، فيراه في منامه قال الحافظ ابن حجر: وليس الحصر مرادا من قوله ثلاث لثبوت نوع رابع، وهو تلاعب الشيطان، ونوع خامس، وهو رؤيا ما يعتاده الرائي في اليقظة، كمن كانت عادته أن يأكل في وقت، فنام فيه، فرأى أنه يأكل، وبينه وبين حديث النفس عموم وخصوص، وسابع، وهو الأضغاث، انتهى ويمكن إدراج ما ذكره الحافظ في الأنواع الثلاثة، بشيء من التوسع. (قال: وأحب القيد، وأكره الغل والقيد ثبات في الدين) في ملحق الرواية قال أبو هريرة: فيعجبني القيد، وأكره الغل القيد بفتح القاف حبل ونحوه يجعل في الرجل، والغل بضم الغين وتشديد اللام طوق من حديد أو جلد، يجعل في عنق الأسير أو المجرم، أو في أيديهما، جمعه أغلال، وفي رواية البخاري قال: وكان يكره الغل في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين قال الكرماني: اختلف فيه. هل هو مرفوع؟ أو لا؟ فقال: بعضهم: مرفوع، وقال بعضهم: هو كلام ابن سيرين، وفاعل كان يكره أبو هريرة، وقال الطيبي: يحتمل أن يكون مقولا للراوي عن ابن سيرين، فيكون اسم كان ضميرا لابن سيرين، وأن يكون مقولا لابن سيرين، واسم كان ضمير أبي هريرة، أو النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي نهاية الرواية عند مسلم فلا أدري. هو في الحديث؟ أم قاله ابن سيرين؟ وأخرجه الترمذي وأحمد والحاكم، وفي نهايته قال أبو هريرة: يعجبني القيد.. إلخ وقال الخطيب: المتن كله مرفوع إلا ذكر القيد، والغل، فإنه قول أبي هريرة، أدرج في الخبر، وقال أبو عوانة عن قصة القيد: الأصح أن هذا من قول ابن سيرين، وقال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح، لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك دليلا على ثبوته على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالا وعقوبة وقهرا، وإذلالا، وقد يسحب على وجهه، ويخر على قفاه، فهو مذموم شرعا وعادة فرؤيته في العنق دليل على وقوع حال سيئة للرائي تلازمه ولا ينفك عنها، وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها، أو معاص ارتكبها، أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته، وقد تكون في دنياه، كشدة تعتريه أو تلازمه. وقال المهلب: الغل يعبر بالمكروه، لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] وقد يدل على الكفر، وقد يعبر بامرأة تؤذى. وقال ابن العربي: إنما أحبوا القيد لذكر النبي صلى الله عليه وسلم له في قسم المحمود، فقال: قيد الإيمان الفتك وأما الغل فقد كره شرعا في المفهوم، كقوله {خذوه فغلوه} [الحاقة: 30] وقوله {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} [الإسراء: 29] وقوله {غلت أيديهم} [المائدة: 64] وإنما جعل القيد ثباتا في الدين، لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للإيمان، الذي يمنع عن المشي إلى الباطل. وقال النووي: قال العلماء: إنما أحب القيد لأن محله الرجل، وهو كف عن المعاصي والشر والباطل، وأما الغل فموضعه العنق، وهو صفة أهل النار. (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي) في الرواية الثانية عشرة من رآني في المنام فسيراني في اليقظة - أو لكأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي وفيها ومن رآني فقد رأى الحق وفي الرواية الثالثة عشرة من رآني في النوم فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي. قال النووي: اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فقد رآني فقال الباقلاني: معناه أن رؤياه صحيحة، ليست بأضغاث، ولا من تشبيهات الشيطان، ويؤيده فقد رأى الحق أي الرؤية الصحيحة، قال المازري: وقال آخرون: بل الحديث على ظاهره، والمراد أن من رآه فقد أدركه - أي أدرك وتصور حقيقة ذاته وصفته - قالوا ولا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله، حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره، وتعقب بأن قد يرى خلاف صفته المعروفة، كمن يراه أبيض اللحية، وقد يراه شخصان في زمن واحد، أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل منهما في مكانه، فلا يكون إدراكا وتصورا حقيقيا، وأجيب بأن معنى من رآني في المنام أي على صورتي وهيئتي وصفاتي الحقيقية، فقد أدرك صورتي، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار، ولا قرب المسافة ولا كون المرئي ظاهرا على الأرض، لا مدفونا فيها، وإنما يشترط كونه موجودا، ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه، أما من رآه على غير صورته وعلى خلاف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، فهو تخيل له على غير وجهه، أو هو تخيل للصفات المخالفة، وليس إدراكا، وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا مدركا، لكون ما يتخيله مرتبطا بما يرى في العادة، فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية، فحاصل هذا الجواب أن من رآه بصفته فقد أدركه وتصوره، فإن الشيطان لا يتشبه به، ومن رآه على خلاف صفته الحقيقية فقد أدرك ذاته وتصورها، وتخيل صفات غير صحيحة. وقيل في الجواب: من رآه على صفته المعروفة له في حياته فقد رآه وأدرك صفته، ومن رآه على خلاف صفته كانت رؤيا تأويل، لا رؤيا حقيقية، ولم يرتض النووي هذين الجوابين، وقال: بل الصحيح أن من رآه في المنام فقد رآه حقيقة، سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها، وقال: قال القاضي: قال بعض العلماء: خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة، وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة، ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل، ولم يوثق بما جاء به، مخافة من هذا التصور، فحماه الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وإلقائه وكيده، قال: وكذا حمى رؤيتهم أنفسهم . اهـ. وهذا القول مسلم في اليقظة أما في النوم فالتشبه به لا يخل بالثقة فيه، فما أكثر الباطل في المنام. وما ضعفه النووي من الجوابين خلاف ما عليه كثير من العلماء، فقد علق البخاري على ابن سيرين قوله إذا رآه في صورته وكان ابن سيرين، إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: لم تره قال الحافظ ابن حجر: وسنده صحيح، وقال أبو بكر بن العربي: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض، ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة، وإدراك الصفات إدراك المثل. وقيل: الكلام على التشبيه، أي من رآني في المنام - بصفتي الحقيقية، أو بخلاف صفتي - فهو يشبه من رآني، في الثقة بي وبديني وما يجب لي عليه، وليس يدخل في ذلك قطعا ثبوت الصحبة له، حتى ولو كان معاصرا لحياته صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا المعنى روايتنا الثانية عشرة ولفظها أو لكأنما رآني في اليقظة. هذا عن رواية فقد رآني أما عن رواية من رآني في المنام فسيراني في اليقظة روايتنا الثانية عشرة، فقد قيل في معناها: فسيرى تفسير ما رأى، لأنه حق وغيب، ألقي فيه، وقيل: معناه: فسيراني يوم القيامة، وتعقب بأنه لا فائدة من هذا التخصيص، فكل المؤمنين يرونه يوم القيامة في اليقظة، وقال ابن التين: المراد من آمن به في حياته، ولم يره، لكونه حينئذ غائبا عنه، فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به، ولم يره، أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته. قاله القزاز، وقال المازري: إن كان المحفوظ فكأنما رآني في اليقظة فمعناه ظاهر، وإن كان المحفوظ فسيراني في اليقظة احتمل أن يكون أراد أهل عصره، ممن يهاجر إليه، فإنه إذا رآه في المنام جعل ذلك علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة، وأوحى الله بذلك إليه صلى الله عليه وسلم. أما قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي ففي الرواية الثالثة عشرة إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي وعند الترمذي إن الشيطان لا يستطيع أن يصير مرئيا بصورتي وفي رواية فإن الشيطان لا يتزايا بصورتي وعند البخاري فإن الشيطان لا يتكونني أي لا يتكون كوني في صورتي، والمعنى أن الله تعالى وإن منح الشيطان القدرة على التصور في أي صورة أراد، فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحل ذلك إذا رآه على صورته التي كان عليها، في أي وقت من أوقات حياته صلى الله عليه وسلم ومن العلماء من ضيق الحالة، فخصها بالحالة التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، قال الحافظ ابن حجر: والصواب التعميم في جميع حالاته صلى الله عليه وسلم، بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما، سواء كان في شبابه أو رجولته أو كهولته أو آخر عمره. (عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أو أبي هريرة) كذا بالترديد بين ابن عباس، وأبي هريرة، في روايتنا الثامنة عشرة، وعن ابن عباس بدون ترديد، في ملحقيها، وفي الملحق الثاني يذكر عبد الرزاق أن التردد كان من معمر شيخه، وليس من الزهري شيخ شيخه، وعند عبد الرزاق: عن ابن عباس قال: كان أبو هريرة يحدث، قال البزار: لا نعلم أحدا قال: عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي هريرة إلا عبد الرزاق عن معمر، ورواه غير واحد، فلم يذكروا أبا هريرة. اهـ. وذكر الحميدي أن سفيان بن عيينة كان لا يذكر فيه ابن عباس، قال: فلما كان صحيحه آخر زمانه أثبت فيه ابن عباس أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق الحميدي، والتحقيق أنه من مسند ابن عباس فقد أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ وقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لا تقسم... فجزم بأنه عن ابن عباس. (أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله) في ملحق الرواية جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم منصرفة من أحد فقال.. فبينت زمن الرؤيا. (إني أرى الليلة في المنام) فيه التعبير عن الماضي بالمضارع استحضارا للصورة، تأكيدا لتذكرها وضبطها، كأنها حاضرة أمامه وقت التكلم والأصل: إني رأيت الليلة في المنام، كما جاء في الملحق الأول. (ظلة، تنطف السمن والعسل) ظلة بضم الظاء، أي سحابة لها ظل، والأصل كل ما أظل، من ثقيفة ونحوها، زاد في رواية ظلة بين السماء والأرض ومعنى تنطف بكسر الطاء، ويجوز ضمها، أي تقطر قليلا قليلا. (فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم) أي يأخذون بأكفهم، قال الخليل: تكفف بسط كفه ليأخذ، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون معنى يتكففون يأخذون كفايتهم وهو أليق بقوله بعد ذلك: فالمستكثر والمستقل واعترض عليه الحافظ ابن حجر بأن الكفاية من كفى، والتكفف من كفف، فلا يتلاقيان اهـ. وكلام القرطبي وجيه فالكفاف من الكف والتكفف مقدار الحاجة من غير زيادة ولا نقصان، فالقرطبي أخذ المعنى من الكف، لا من الكفاية. (فالمستكثر والمستقل) أي الآخذ كثيرا، والآخذ قليلا، وفي رواية فمستكثر ومستقل بدون الألف واللام، وفي رواية فمن بين مستكثر ومستقل وبين ذلك. (وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض) السبب الحبل. (فأراك أخذت به، فعلوت) أي فرأيتك أمسكت به، فصعدت إلى أعلى وفي رواية فأعلاك الله. (ثم أخذ به رجل من بعدك) في رواية ثم أخذه رجل من بعد (ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به) في رواية فانقطع وفي رواية ثم جاء رجل من بعدكم فأخذ به، فقطع به. (ثم وصل له، فعلا) في رواية ثم وصل له فاتصل. (بأبي أنت) زاد في رواية وأمي. (والله لتدعني) بتشديد النون، وفتح العين، مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفي رواية ائذن لي (فلأعبرنها) بالتأكيد باللام والنون، وفي رواية البخاري فأعبرها يقال: عبر الرؤيا بفتح الباء مخففة ويعبرها بضم الباء عبرا بفتح العين وسكون الباء وعبارة إذا فسرها وأخبر بما يئول إليه أمرها، وعبرها بتشديد الباء للمبالغة في ذلك والتعبير خاص بتفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها وقيل: النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه، وأصله من العبر بفتح العين وسكون الباء، وهو التجاوز من حال إلى حال، وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو بسفينة أو غيرها بلفظ العبور بضم العين والباء، والاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. (اعبرها) بضم الباء، فعل أمر من الثلاثي وعند ابن ماجه عبرها بتشديد الباء المكسورة، وفي رواية فأذن له زاد في رواية وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما الظلة فظلة الإسلام) في رواية للبخاري أما الظلة فالإسلام. (وأما الذي ينطف من السمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه) وفي رواية للبخاري فالقرآن، حلاوته تنطف وفي رواية وأما العسل والسمن فالقرآن، في حلاوة العسل ولين السمن. (وأما ما يتكفف الناس من ذلك، فالمستكثر من القرآن والمستقل) وفي رواية فالآخذ من القرآن كثيرا وقليلا وفي رواية فهم حملة القرآن. (ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به) زاد في رواية رجل من بعدك على مناهجك (أصبت؟ أم أخطأت؟) في رواية هل أصبت يا رسول الله؟ أو أخطأت؟. (أصبت بعضا، وأخطأت بعضا) في رواية أصبت وأخطأت. (فوالله - يا رسول الله - لتحدثني: ما الذي أخطأت؟ قال: لا تقسم) عائد الصلة محذوف، أي ما الذي أخطأت فيه؟ وفي رواية ما الذي أصبت؟ وما الذي أخطأت؟ فأبى أن يخبره وفي رواية لتحدثني بالذي أخطأت وفي رواية لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت قال الداودي: قوله لا تقسم أي لا تكرر يمينك، فإني لا أخبرك اهـ. وقد أطنب العلماء في تعيين ما أصاب فيه، وما أخطأ فيه، وسنعرض أقوالهم في فقه الحديث. (من رأى منكم رؤيا، فليقصها، أعبرها له) فليقصها الفعل مجزوم بلام الأمر وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين، وفعل أعبرها بضم الباء، وسكون الراء مجزوم في جواب الأمر. (فأتينا برطب من رطب ابن طاب) قال النووي: نوع من الرطب معروف، يقال له: رطب ابن طاب وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وعرجون ابن طاب وهو مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة. (فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة) مفعول أولت بتشديد الواو المفتوحة محذوف أي أولت الرؤيا وعبرتها بالرفعة للمسلمين في الدنيا. (وأن ديننا قد طاب) أي كمل، واستقرت أحكامه، وتمهدت قواعده. (أراني في المنام) بفتح الهمزة من الرؤيا، أي رأيت نفسي في المنام وفي رواية البخاري أراني أتسوك بسواك، فجاءني رجلان وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، وجمع العلماء بين روايتنا ورواية أبي داود باحتمال أن القضية وقعت في المنام، ووقعت في اليقظة، ولما وقعت في اليقظة أخبرهم صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم، تنبيها على أن أمره بذلك وحي متقدم. (فجذبني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما) أي جذب انتباهي، ورغبتي في إعطاء السواك أحدهما أولا، كل منهما له وجه في استحقاق التقديم، ولعل الأصغر سنا كان أعلم من الأكبر، أو أفضل في التقوى وكانا في المواجهة مثلا أما لو كان أحدهما على اليمين والآخر على الشمال فقد قال المهلب: السنة حينئذ تقديم الأيمن. (فقيل لي: كبر. فدفعته إلى الأكبر) في رواية لأحمد أن القائل له جبريل عليه السلام، ولفظها إن جبريل أمرني أن أكبر ولفظ الطبراني أمرني جبريل أن أكبر فمعنى فناولت السواك الأصغر منهما أي مددت يدي بالسواك ولم يتسلمه المعطى، ففيه مجاز المشارفة، أي قاربت مناولته ومعنى كبر بفتح الكاف وتشديد الباء المكسورة، أي اقصد الكبير سنا وقدمه. (فذهب وهلى) قال ابن التين: رويناه بفتح الهاء، والذي ذكره أهل اللغة بسكونها، وقال النووي: يقال: وهل بفتح الهاء، يهل بكسرها، وهلا بسكونها، مثل ضرب يضرب ضربا، أي غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وأما وهلت بكسرها، أوهل بسكون الواو وفتح الهاء، وهلا بالتحريك كحذرت أحذر حذرا، فمعناه فزعت، والمعنى هنا ذهبت وهمي وظني واعتقادي. (إلى أنها اليمامة أو هجر) في رواية للبخاري أو الهجر واليمامة مدينة كبيرة بين مكة والمدينة، وهجر بلد كبير معروف في البحرين وهي من مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام وقيل: هجر قرية صغيرة كانت قرب المدينة ورد بأن المناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل. (فإذا هي المدينة يثرب) قال الحافظ ابن حجر: كان ذلك قبل أن يسميها صلى الله عليه وسلم طيبة. (أني هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد) وفي رواية للبخاري هززت سيفي وفي رواية عند ابن إسحاق ورأيت سيفي ذي الفقار انقصم من عند ظبته - أو قال: به فلول، فكرهته وفي أخرى عند ابن إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلما وصدر كل شيء مقدمه، وظبة السيف بضم الظاء وتشديد الباء، حده وذبابه حد طرفيه، والثلم الشق وكسر الحرف، قال المهلب: هذه الرؤيا من ضرب المثل، ولما كان صلى الله عليه وسلم يصول بالصحابة عبر عن السيف بهم، وبهزه عن أمره لهم بالحرب، وعن القطع فيه بالقتل فيهم. اهـ. وقيل: كان الذي رآه بسيفه ما أصاب وجهه الكريم، والثلم في السيف رجل من أهل بيته يقتل، ويبعده صريح روايتنا، وأن ما رآه بسيفه هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد. (ثم هزرته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين) فعودة السيف إلى حالته الحسنة تعبر بفتح مكة ونصر الله واجتماع الناس على الإسلام. (ورأيت فيها أيضا) أي في الرؤيا نفسها. (بقرا) بفتح الباء والقاف، جمع بقرة، وفي رواية بقرا تذبح وفي رواية بقرا تنحر وعند أحمد والنسائي وابن سعد ورأيت بقرا منحرة قال النووي: وبهذه الزيادة تذبح تنحر منحرة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد. (والله خير) مبتدأ وخبر، قال القاضي: ضبطناه عن جميع الرواة برفع الهاء والراء وهو من جملة ما حكي من الرؤيا، فهي كلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا، عند رؤيا البقر، بدليل تأويلها بعد، وفيه مضاف محذوف أي وصنع الله وفعله خير على كل حال، فصنعه بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، وقيل: معناه: والله عنده خير وعند ابن إسحاق وإني رأيت والله خيرا رأيت بقرا وهي أوضح، والواو للقسم، والله بالجر مقسم به وخيرا مفعول رأيت وفي رواية تأولت البقر الذي رأيت بقرا يكون فينا، قال: فكان ذلك من أصيب من المسلمين فقوله بقرا بفتح الباء وسكون القاف، وهو شق البطن. (وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر) قال القاضي عياض: ضبطنا بعد يوم بدر بضم الدال ونصب يوم قال: وروي بنصب الدال، قالوا: ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين، لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء، وتفرق العدو عنهم، هيبة لهم، اهـ يشير القاضي إلى أن المراد بالخير في الحديث إلقاء الرعب في قلب مشركي مكة، وعدم خروجهم في العام القابل بعد بدر، كما هددوا وتوعدوا في بدر، وتثبيت قلوب المؤمنين، وعودتهم من الغزوة لم يمسسهم سوء، وتفسير الآية بهذا شذ به مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى: إذ قالا: إنما الآية نزلت في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان، إذ قال: - بعد هزيمته في بدر الكبرى - موعدنا بدر من العام المقبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: نعم فلما جاء الموعد خرج صلى الله عليه وسلم قبل بدر، وجاءهم من يقول: إن قريشا قد اجتمعت لحربهم، فأشفق المسلمون من ذلك، لكنهم قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فصمموا حتى أتوا بدرا، فلم يجدوا أحدا فاشتروا من سوقها تجارة ونعما. وجمهور المفسرين على أن الآية تشير إلى غزوة حمراء الأسد، وذلك أنه عقب انتهاء غزوة أحد، وفي اليوم الثاني منها نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس باتباع المشركين، ليعلموا أن بالمسلمين قوة، وقال: لا يخرج معنا إلا من شهدها بالأمس، فنهض معه مائتا رجل من المؤمنين، ربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي ولا يجد مركوبا فربما حمل على الأعناق، فلما وصلوا حمراء الأسد بلغهم أن كفار قريش قد أجمعوا أمرهم على أن يأتوا المدينة، فيستأصلوا أهلها، فقالوا: لم يخبرنا الله بشأنهم، حسبنا الله ونعم الوكيل، وشاء الله أن يذهب إلى كفار قريش من يثقون فيه وليس منهم، فيخبرهم - خداعا - أن محمدا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم، سيكر عليهم، فخاف أبو سفيان ومن معه، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فأسرعوا إلى مكة، ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. وهذا التفسير أولى في مقامنا، لأن الخير الذي فسر في الرؤيا كان بعد ذبح البقر، ولا يتأتى هذا على التفسير الأول، وقوله في حديثنا بعد يوم بدر لا يتعارض مع ما ذهبنا إليه، فما بعد أحد هو بعد بدر. والحاصل أن رؤياه صلى الله عليه وسلم اشتملت على قصتين، قصة هز السيف وما وقع به من فلول وكسور، وفسرت بابتلاء المسلمين في أحد، وعودة السيف سليما مشهورا بنصر الإسلام وعزته فيما بعد أحد، وعلى رأس هذا النصر فتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجا، القصة الثانية البقر الذي يذبح، وفسر بشهداء المسلمين في أحد، والخير الذي يعقبه، وفسر باستعادة الثقة والأمن بعد أحد، ابتداء من غزوة حمراء الأسد. (قدم مسيلمة الكذاب - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - المدينة) مسيلمة بكسر اللام، مصغر، وهو ابن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث، من بني حنيفة، وادعى بعضهم أن مسيلمة لقب، واسمه ثمامة، فإن صح كان ممن وافقت كنيته اسمه، فقد كانت كنيته أبا ثمامة، وقد ذكر ابن إسحاق أن مسيلمة قدم مع وفد قومه، وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا منه جائزته. اهـ. فهذا القدوم - إن صحت روايته، وهي ضعيفة - غير القدوم الذي في روايتنا، فالقدوم الأول كان تابعا، وكان رئيس بني حنيفة رجلا غيره، ولهذا أقام في رحالة الوفد يحفظها لهم، وأسلم مع وفد قومه - وكانوا يسكنون اليمامة، بين مكة واليمن، أما القدوم الذي في روايتنا فالمراد به قدوم وقع بعد ردته وكذبه وادعائه النبوة فبين القدومين أكثر من عام، عظم فيه قدره في بني حنيفة، بعد أن تزوج سجاح وهي امرأة من بني تميم ادعت النبوة أيضا وتبعها كثيرون من قومها، فخادعها مسيلمة إلى أن تزوجها، فدان له أتباعها من قومها واجتمعوا على طاعته حتى كان يقال له رحمان اليمامة، فادعى شركة محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وكتب إليه أما بعد فإن الأرض بيني وبينك نصفين، لي نصفها، ولك نصفها، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، فعدل من دعواه الشركة إلى الدعوة إلى أن يكون الخليفة من بعده صلى الله عليه وسلم وجاء المدينة، لعله يحظى بالموافقة. وفي رواية للبخاري أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة، فنزل في دار بنت الحارث - وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس... قال الحافظ ابن حجر: الصواب: وهي أم أولاد عبد الله بن عامر، لأنها زوجته، لا أمه، نعم كان لعبد الله بن عامر ولد، يدعى عبد الله، فهي أم عبد الله بن عامر، وكانت كيسة بنت الحارث قبل عبد الله بن عامر تحت مسيلمة الكذاب، فلعله نزل دارها لكونها كانت امرأته، وقيل نزل دارها، لأن دارها كانت قد أعدت لنزول الوفود. (فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته) أي رجعت إلى متابعته، والمراد من الأمر الخلافة والقيام بمهام الرسالة. (فقدمها في بشر كثير من قومه) قيل كانوا سبعة عشر رجلا. (فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم) يعامله معاملة الكرم، على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف وتوجه إليه بنفسه ليقيم عليه الحجة، ويرفع عذره بإنذاره. (ومعه ثابت بن قيس بن شماس) لأنه كان خطيب الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم، فإذا دعت الضرورة الشرح والإطالة ترك ثابتا يشرح. (وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريد) كعصاة صغيرة، ولعله أخذها متعمدا ليقول عنها ما قال. (حتى وقف على مسيلمة في أصحابه) أي في أصحاب مسيلمة، يقال: وقف على الشيء إذا حضره وعاينه. (قال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها) قال هذا جوابا على سؤال مسيلمة أن يجعل له الأمر من بعده، والمعنى لو طلبت مني هذه القطعة الصغيرة التافهة من جريد النخيل، مقابل أن تتبعني ما أعطيتكها، ففي رواية البخاري فوقف عليه، فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا من بعدك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه. (ولن أتعدى أمر الله فيك) قال النووي: كذا وقع في جميع نسخ مسلم، ووقع في البخاري ولن تعدو أمر الله فيك قال القاضي: هما صحيحان، فمعنى الأول: لن أعدو أنا أمر الله فيك، بل إني لا أجيبك إلى ما طلبته، مما لا ينبغي لك، من الاستخلاف أو المشاركة، ومن أني أبلغ ما أنزل إلي، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن، ومعنى الثاني: ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة، وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى، وقدره في شقاوتك، قال الحافظ ابن حجر: وفي رواية ولن تعد بالجزم، وهو لغة، أي الجزم بلن. (ولئن أدبرت ليعقرنك الله) أي إن أدبرت عن طاعتي وأعرضت عن ديني، ليقتلنك الله، والعقر القتل، و {فعقروا الناقة} [الأعراف: 77] قتلوها. وقد قتله الله يوم اليمامة. (وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت) لأراك بضم الهمزة، أي لأظنك، وأريت فيك ما أريت بضم الهمزة أيضا، مبني للمجهول، من رؤيا المنام والمعنى وإني لأظن أنه سيقع بك الهلاك الهائل العظيم الذي أرانيه الله تعالى عنك في المنام وما في قوله ما أريت للتهويل والتفخيم، كما في قوله تعالى {فغشيهم من اليم ما غشيهم} [طه: 78]. (وهذا ثابت يجيبك عني) إن أردت الجدل والنقاش فهو خطيبي الذي أفوضه في إجابة الوفود عن خطبهم وتشدقهم. (بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب) في الرواية الثالثة والعشرين فوضع في يدي إسوارين من ذهب والسوار بكسر السين، ويجوز ضمها، حلقة تلبس في المعصم للحلية، وجمعه أسورة، وجمع الجمع أساور، وأساورة، بفتح الهمزة وكسر الواو، والإسوار بكسر الهمزة وسكون السين لغة في السوار، وفي الرواية الثالثة والعشرين فوضع في يدي إسواران قال عنها النووي: وقع في جميع النسخ فوضع في يدي إسوارين فيكون وضع بفتح الواو والضاد، وفيه ضمير الفاعل، أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي إسوارين، فهذا هو الصواب، وضبطه بعضهم فوضع بضم الواو، وهو ضعيف، لنصب إسوارين وإن كان يتخرج على وجه ضعيف، وقوله يدي هو بتشديد الياء على التثنية، وفي الرواية الثالثة والعشرين بينا أنا نائم أتيت خزائن الأرض قال النووي: وفي بعض النسخ أتيت بخزائن الأرض وفي غير مسلم مفاتيح خزائن الأرض قال العلماء: هذا محمول على سلطانها وملكها وفتح بلادها، وأخذ خزائن أموالها، وقد وقع ذلك كله ولله الحمد. (فأهمني شأنهما) وفي الرواية الثالثة والعشرين فكبرا علي، وأهماني وفي رواية للبخاري فكبر علي أي عظم أمرهما ووضعهما في يدي، وأدخلا في نفسي حزنا وهما، لكون الذهب من حلية النساء ومن حلي ملوك الكفار. (فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا) قال النووي: والنفخ بالخاء، ونفخه صلى الله عليه وسلم إياهما فطارا، دليل لانمحاقهما، واضمحلال أمرهما، اهـ وفي رواية فذهبا زاد في رواية فوقع واحد باليمامة، والآخر باليمن وفي نفخهما إشارة إلى حقارة أمرهما، لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة، نعم كان أمرهما وحربهما في غاية الشدة لكن الحقارة المعنوية قائمة بهما. قال العلماء: والوحي إليه صلى الله عليه وسلم بنفخهما يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك والله أعلم. (فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي) قال القاضي عياض: لما كان رؤيا السوارين في اليدين جميعا من الجهتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بينهما، أول السوارين عليهما، لوضعهما في غير موضعهما، لأنه ليس من حلية الرجال، وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه. اهـ. وقال القرطبي: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا فكانوا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما الكذابان وبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدين، والسوارن بمنزلة الكذابين. اهـ. فالأسواد العنسي ظهر في صنعاء، وادعى النبوة، وعظمت شوكته، وحارب المسلمين، وفتك بهم، وغلب على البلد، وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسيلمة ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم تعظم شوكته، ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، وأجيب عن هذا الإشكال بجوابين: الأول أن المراد بخروجهما من بعده قوة شوكتهما وظهورهما وخروجهما ومحاربتهما للمسلمين، وقد حصل هذا من بعده لمسيلمة، وأضيف لهما على سبيل التغليب، والثاني أن في الكلام مضافا محذوفا، والأصل بعد نبوتي، والأول أقرب، وفي الرواية الثالثة والعشرين الكذابين اللذين أنا بينهما مما يفيد أنهما حين قص الرؤيا كانا موجودين، وهو كذلك. قال ابن العربي: يحتمل أن يكون ما تأوله النبي صلى الله عليه وسلم في السوارين بوحي، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قد تفاءل بذلك دفعا لحالهما، فأخرج المنام المذكور عليهما، لأن الرؤيا إذ عبرت وقعت كما عبرت غالبا. والله أعلم. (فكان أحدهما العنسي، صاحب صنعاء) العنسي بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها، والأسود العنسي اسمه عبهلة بن كعب، وكان يقال له: ذو الخمار، بالخاء، لأنه كان يخمر وجهه، وقيل: هو اسم شيطانه، وقيل: كان يقال له: ذو الحمار بالحاء، لأنه كان له حمار، علمه أن يسجد له، وكان يصحبه كمظهر من مظاهر معجزته، وكان الأسود خرج بصنعاء وادعى النبوة، وغلب على عامل صنعاء، المهاجر بن أمية، وروى البيهقي في الدلائل كان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء، فمات، فخرج الأسود في قومه، حتى ملك صنعاء، وتزوج المرزبانة، زوجة باذان، فواعدت فيروز وأصحابه، حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا، حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار، حتى وصلوا إليه فقتله فيروز، واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة، وكان ذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه الوحي، فأخبره، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، وقيل: وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم. (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه) أي بعد انصرافه من الصلاة بالسلام، وبعد التسبيح والتحميد والتكبير، وهذا الأسلوب يفيد العادة والاستمرار، لأن إذا لما يستقبل من الزمان، والجمع بين الماضي والاستقبال يفيد العادة والكثرة، ومنه قولهم: كان يفعل كذا، وفي رواية للبخاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه. (هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا) البارحة صفة لموصوف محذوف، تقديره: الليلة البارحة أي الماضية، وإن كان قبل الزوال، وقال ثعلب وغيره: لا يقال البارحة إلا بعد الزوال، وهذا الحديث يرده لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول البارحة إذا صلى الصبح، أي قبل الزوال قال النووي: ويحتمل أنهم أرادوا أن هذا حقيقته، ويطلق قبل الزوال مجازا زاد البخاري في رواية قال: فيقص عليه ما شاء الله أن يقص بضم الياء وفتح القاف. فقه الحديث في حقيقة الرؤيا أقوال للعلماء منها: قال القاضي أبو بكر بن العربي: الرؤيا إدراكات، علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها - وإما بكناها - أي بتعبيرها، وإما تخليط، ونظيرها في اليقظة الخواطر، فإنها قد تأتي على نسق في قصة، وقد تأتي مسترسلة، غير محصلة. وذهب القاضي أبو بكر بن الطيب إلى أنها اعتقادات، واحتج بأن الرائي قد يرى نفسه بهيمة أو طائرا مثلا، وليس هذا إدراكا، فوجب أن يكون اعتقادا لأن الاعتقاد قد يكون على خلاف المعتقد قال ابن العربي: والأول أولى، والذي يكون من قبيل ما ذكره ابن الطيب من قبيل المثل، فالإدراك إنما يتعلق به، لا بأصل الذات. وقال المازري: كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدقون بالسمع، فاضطربت أقوالهم، فمن ينتمي إلى الطب ينسب جميع الرؤيا إلى الأخلاط، فيقول: من غلب عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك، لمناسبة الماء طبيعة البلغم، ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجو، وهكذا إلى آخره. وهذا وإن جوزه العقل، وجاز أن يجري الله به العادة لكنه لم يقم عليه دليل، ولا اطردت به عادة، والقطع في موضوع التجويز غلط (أي هذا إن صح في بعض الرؤيا فلا يجوز تعميمه على كل رؤيا) ومن ينتمي إلى الفلسفة يقول: إن صور ما يجري على الأرض هي في العالم العلوي، كالنقوش، فما حاذى بعض النقوش منها انتقش فيها، قال: وهذا أشد فسادا من الأول، لكونه تحكما لا برهان عليه، والانتقاش من صفات الأجسام، وأكثر ما يجري في العالم العلوي الأعراض، والأعراض لا ينتقش فيها. قال: والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، فإذا خلقها فكأنه جعلها علما على أمور أخرى، يخلقها في ثاني الحال (أي مستقبلا) ومهما وقع منها على خلاف المعتقد، فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أن الله تعالى خلق الغيم علامة على المطر وقد يتخلف، وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك، فيقع بعدها ما يسر، أو بحضرة الشيطان، فيقع بعدها ما يضر، والعلم عند الله تعالى، اهـ. وهذا الذي عليه أهل السنة ليس عاما، ينطبق على جميع الرؤيا، وإنما هو لنوع منها. وقال القرطبي: سبب تخليط غير الشرعيين إعراضهم عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم، وبيان ذلك أن الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غيب عنها علم حقيقتها، أي النفس، وإذا كان كذلك فالأولى أن لا تعلم علم إدراكاتها، بل كثير مما انكشف لنا من إدراكات السمع والبصر، إنما نعلم منه أمورا جملية، لا تفصيلية. ونقل القرطبي في المفهم عن بعض أهل العلم أن لله تعالى ملكا، يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورة محسوسة، فتكون تارة أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة وتكون في الحالين مبشرة ومنذرة. قال: ويحتاج فيما نقله عن الملك إلى توقيف من الشرع، وإلا فجائز أن يخلق الله تعالى تلك المثالات من غير ملك. قال: وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة، منضبطة في التخيل، جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون. وقال القاضي عياض: اختلف في النائم المستغرق، فقيل: لا تصح رؤياه ولا ضرب المثل له، لأن هذا لا يدرك شيئا، مع استغراق أجزاء قلبه، لأن النوم يخرج الحي عن صفات التمييز والظن والتخيل، كما يخرجه عن صفة العلم، وقال آخرون: بل يصح للنائم مع استغراق أجزاء قلبه بالنوم أن يكون ظانا ومتخيلا وأما العلم فلا لأن النوم آفة تمنع حصول الاعتقادات الصحيحة نعم إن كان بعض أجزاء قلبه لم يحل فيه النوم فيصح، وبه يضرب المثل وبه يرى ما يتخيله ولا تكليف عليه حينئذ لأن رؤياه ليست على حقيقة وجود العلم ولا صحة المميز وإنما بقيت فيه بقية، يدرك بها ضرب المثل وأيده القرطبي بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام عينه، ولا ينام قلبه ومن هنا احترز القائل بقوله إدراك أمثلة منضبطة في التخيل لأن الرائي لا يرى في منامه إلا من نوع ما يدركه في اليقظة بحسه، إلا أن التخيلات قد تركب له تركيبا يحصل به صورة لا عهد له بها، يكون علما على أمر نادر، كمن رأى رأس إنسان على جسد فرس، له جناحان مثلا، وأشار بقوله: أعلاما إلى الرؤيا الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها قال الحافظ ابن حجر: وأما الحديث الذي أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: لقي عمر عليا، فقال: يا أبا الحسن. الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق، ومنها ما يكذب؟ قال نعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد ولا أمة، ينام فيمتلئ نوما إلا تخرج بروحه إلى العرش فالذي لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون العرش، فتلك الرؤيا التي تكذب قال الذهبي في تلخيصه: هذا حديث منكر. بعد هذه الجولة في أقوال العلماء في حقيقة الرؤيا نخلص إلى أن الرؤيا كصورة ذات ألوان مختلفة، أو ذات جوانب مختلفة كل يرى لونا من ألوانها وينظر من زاوية من زواياها، وكل قول مما عرضنا يعبر عن بعض أنواع الرؤيا والبحث في كيفية حصولها بجميع أحوالها بحث في بحر لا ساحل له فهي سر يجري في النوم، والنوم نفسه سر لأنه نوع من الوفاة التي هي سر الأسرار كما يقول تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42]، وإذا أحلنا بعض ما يراه النائم إلى أسباب، كزيادة الأكل، وقربه من النوم، أو ضغط الرغبات، أو عظم الانشغال أو الخوف أو القلق فإننا لا نعمم بالحكم كل الرؤى، والذي لا شك فيه أن بعض ما يراه النائم جزء من النبوة، إعلام مسبق من الله إنذار أو تبشير وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} [الشورى: 51] فسره بالرؤيا في المنام ومنكر هذا منكر للبداهة والواقع. قالوا: ورؤيا الأنبياء وحي والوحي لا يدخله خلل لأنه محروس لكنها قد لا تحتاج إلى تأويل، فتقع كما رؤيت في النوم كما في قوله تعالى {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون} [الفتح: 27] وقد تحتاج إلى تأويل كما في قول يوسف عليه السلام {إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4] وقوله {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا} [يوسف: 100] وكرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسار سيفه والبقر تنحر في رواياتنا. أما رؤيا غير الأنبياء فهي على قسمين: صادقة وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم، وهي كثيرة من الصالحين، قليلة أو نادرة من غيرهم، سواء احتاجت إلى تأويل، أم لم تحتج إلى تأويل ورؤيا ملك مصر للبقرات ورؤيا صاحبي السجن، وهم من عبدة آلهة متفرقين خير دليل. القسم الثاني الأضغاث، وهي التي لا تنذر ولا تبشر بشيء، أي لا توحي بالوقوع في اليقظة وهي أنواع: الأول: تلاعب الشيطان، ليحزن الرائي، أو يخيفه، أو يشغله، كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه وكأن يرى أنه واقع في هول ولا يجد من ينقذه ونحو ذلك. الثاني: أن يرى أمرا محالا عقلا أو شرعا كمن يرى ملكا يأمره بالزنا. الثالث: أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه من الرغبات المكبوتة. الرابع: أن يرى ما جرت به عادته في اليقظة، أو ما يغلب على مزاجه فالجزار يرى الحيوانات واللحوم والقطع والوزن والبيع والشراء والطبيب يرى الأمراض والمرض والشفاء والفلاح يرى الحرث والزرع والحصاد. وهكذا. على أن بعض ما يظن أنه أضغاث أحلام قد يئول، ويكون من الرؤيا الصادقة، فقد قال النووي: العابرون يتكلمون في كتبهم على قطع الرأس ويجعلونه دلالة على مفارقة الرائي ما هو فيه من النعم، أو مفارقة من فوقه، أو يزول سلطانه، أو يتغير حاله في جميع أموره، إلا أن يكون عبدا فيدل على عتقه، أو مريضا فيدل على شفائه، أو مديونا فيدل على قضاء دينه، أو من لم يحج فيدل على أنه يحج، أو مغموما فيدل على الفرج، أو خائفا فيدل على أمنه، اهـ. ومن هذا نرى أن الرؤيا الواحدة يختلف تأويلها من شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال وأكثر التأويل يعتمد على الربط بين الرؤيا وتعبيرها بنوع رباط، فهو يعتمد على أنها إشارة إلى شيء من صفات المرئي ومتعلقاته وارجع إلى ما فسرنا به القيد والغل، والسمن والعسل والظلة والسوارين ونفخهما وطيرانهما وغير ذلك في المباحث العربية، ليظهر لك ما نقول. ثم إن تعبير الرؤيا يعتمد على كثير من ذكاء المئول وعلمه وخبرته وحبه للرائي، كما سيأتي. ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

    1- من الروايات الخمس الأولى نسبة أمور الشر إلى الشيطان.

    2- إذا رأى ما يكره نفث عن يساره ثلاثا.

    3- واستعاذ من الشيطان الرجيم، ومن شرها.
    4- وتحول من جنبه إلى جنبه الآخر.
    5- وصلى ركعتين ففي كل ذلك طرد للشيطان وتحقير له، وتغيير من حال إلى حال وتوكل على الله، فإنه بذلك يسلم من شرها بإذن الله، وقد جعل الله ذلك سببا لسلامته منها، كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء قال النووي: وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع الضرر بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث.
    6- ولم يحدث بها أحدا لأنه ربما فسرها له تفسيرا مكروها، على ظاهر صورتها، فتقع كذلك بتقدير الله، أو يدخل في نفسه هما وغما، وهي ليست كذلك، أو يتعجل الرائي باشتغال سره بمكروه تفسيرها، لأنها قد تبطئ فإذا لم يخبر بها زال تعجيل روعها وتخويفها، ويبقى إذا لم يعبرها له أحد بين الطمع في أن لها تفسيرا حسنا، أو الرجاء في أنها من الأضغاث، فيكون ذلك أسكن لنفسه.
    7- واستدل بهذا على أن للوهم تأثيرا في النفوس، لأن التفل وما ذكره معه يدفع الوهم الذي يقع في النفس من الرؤيا فلو لم يكن للوهم تأثير لما أرشد إلى ما يدفعه.
    8- إذا رأى ما يحب استبشر، ولا يخبر بها إلا من يحبه، لأنه إذا أخبر بها من لا يحبه، ربما حمله البغض أو الحسد على تفسيرها بمكروه، فقد يقع على تلك الصفة، وإن لم يقع على تلك الصفة حصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها.
    9- ومن الرواية السادسة أن الرؤيا أنواع، كما ذكرنا قريبا. 10- وحب القيد وكراهة الغل لا يلزم منه تأويلهما بمحبوب ومكروه فأهل التعبير - كما يقول النووي - ينزلون هاتين اللفظتين منازل، قالوا: إذا رأى القيد في رجليه، وهو في مسجد، أو مشهد خير، أو على حالة حسنة، فهو دليل على ثباته في ذلك، وكذا لو رآه صاحب ولاية كان دليلا لثباته فيها، ولو رآه مريض أو مسجون أو مسافر أو مكروب كان دليلا لثباته فيه، قالوا: ولو قارنه مكروه بأن يكون مع القيد غل، غلب المكروه، لأنه صفة المعذبين. قال النووي: وأما الغل فهو مذموم إذا كان في العنق وقد يدل للولايات، إذا كان معه قرائن، كما أن كل وال يحشر مغلولا، حتى يطلقه عدله، فأما إن كان مغلول اليدين، دون العنق فهو حسن، لأنه دليل لكفهما عن الشر، وقد يدل على منع ما نواه من الأفعال. 1

    1- استطرد العلماء من النص على رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام إلى رؤية الله تعالى في المنام، قال القاضي عياض: واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام، وصحتها، وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى، إذ لا يجوز عليه سبحانه تعالى التجسم، ولا اختلاف الأحوال. وقال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون، كسائر المرئيات. وقال بعضهم: لما كان الوقوف على حقيقة ذاته تعالى ممتنعا، وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب، كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائما. وقال الغزالي: من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام فليس المراد أنه رأى ذاته، فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد، بواسطة مثال محسوس، من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف، فقول الرائي: رأيت الله تعالى في المنام لا يعني أنه رأى ذات الله تعالى، كما يقول في حق غيره. وقال أبو قاسم القشيري ما حاصله: إن رؤياه على غير صفته لا تستلزم إلا أن يكون هو: فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه، وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لا يقدح في رؤيته، بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل، كما قال الواسطي: من رأى ربه على صورة شيخ، كان إشارة إلى وقار الرائي، وغير ذلك. 1

    2- ومن الرواية الثامنة عشرة، من سؤال أبي بكر أن يعبر الرؤيا، وموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم جواز إظهار العالم ما يحسن من العلم، إذا خلصت نيته، وأمن العجب. 1

    3- وجواز كلام العالم بالعلم بحضرة من هو أعلم منه، إذا أذن له في ذلك صريحا، أو ما قام مقام الصريح. 1
    4- ويؤخذ منه جواز مثله في الإفتاء والحكم. 1
    5- وأن للتلميذ أن يقسم على معلمه. 1
    6- ومن قوله لا تقسم وعدم إجابة أبي بكر ببيان ما أخطأ فيه، أنه لا يستحب إبرار القسم، إذا كان فيه مفسدة أو مشقة ظاهرة، قال النووي: هذا الحديث دليل لما قاله العلماء، أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة، إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر، لما رأى في إبراره من المفسدة، ولعل المفسدة ما علمه من سبب انقطاع السبب مع عثمان رضي الله عنه، وهو قتله، وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذلك مخافة من شيوعها، أو أن المفسدة إنكاره عليه مبادرته، وتوبيخه بين الناس. 1
    7- قال القاضي: وفيه أن من قال: أقسم، لا كفارة عليه، لأن أبا بكر لم يزد على قوله: أقسم. قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي عجب، فإن الذي في جميع نسخ صحيح مسلم أنه قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني. ما الذي أخطأت وهذا صريح يمين. 1
    8- وفيه الحث على تعليم علم الرؤيا. 1
    9- وعلى تعبيرها، وفضيلتها، لما تشتمل عليه من الاطلاع على بعض الغيب وأسرار الكائنات. 20- قال أبو هبيرة: وفي السؤال من أبي بكر، أولا وآخرا، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على انبساط أبي بكر معه، وإدلاله عليه. 2

    1- وفيه أنه لا يعبر الرؤيا إلا عالم ناصح أمين حبيب. 2

    2- وفيه أن للعالم بالتعبير أن يسكت عن تعبير الرؤيا، أو بعضها، عند رجحان الكتمان على الذكر. 2

    3- وفيه أن العابر قد يخطئ وقد يصيب. 2
    4- وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها قال الحافظ ابن حجر: وحديث والرؤيا لأول عابر ضعيف لكن له شاهد عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن، وصححه الحاكم، عن أبي رزين، رفعه الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي سقطت وعند عبد الرزاق الرؤيا تقع على ما يعبر، مثل ذلك، مثل رجل رفع رجله، فهو ينتظر متى يضعها وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن عطاء كان يقال: الرؤيا على ما أولت وعند الدارمي بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر، يختلف - أي يسافر في التجارة- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن زوجي غائب وتركني حاملا فرأيت في المنام أن سارية ببيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعور فقال: خير يرجع زوجك - إن شاء الله - صالحا، وتلدين غلاما بارا فذكرت ذلك ثلاثا. فجاءت ورسول صلى الله عليه وسلم غائب، فسألتها، فأخبرتني بالمنام فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك، وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مه يا عائشة. إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فأعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها وفي رواية فرجع زوجها سالما. قال العلماء: فمعنى الرؤيا لأول عابر أي إذا كان العابر الأول عالما، فعبر، فأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام، ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه به من المثل، فإذا أصاب الأول فلا ينبغي أن يسأل غيره، وإن لم يصب فليسأل الثاني، وعلى الثاني أن يخبر بما عنده، ويبين ما جهل الأول، ولعل حديث وقوع الرؤيا بأول عابر أريد به أن يتحرى الرائي اختيار من يعبر له رؤياه، ولا يكثر من التردد على المعبرين. 2
    5- أن العالم مهما وصل علمه قد يخطئ، فأبو بكر من أعلم الصحابة بتأويل الرؤيا، ومع ذلك أخطأ في تأويل بعض وقائعها، بصريح كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف العلماء في تحديد موطن خطئه اختلافا متشعبا، لا يسلم أكثره من التعقيب. فقال ابن المهلب: كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل، ثم وصل لغيره، أي وصلت الخلافة لغيره. اهـ. يقصد أن الرؤيا في رواية للبخاري قالت عن الرجل الثالث ثم أخذ به رجل آخر، فانقطع، ثم وصل مما قد يحمل على أنه يوصل لغيره، لا له، وتفسير أبي بكر ذكر أن الموصول له هو نفسه الذي انقطع به، حيث قال في التعبير ثم يأخذ به رجل آخر، فينقطع به، ثم يوصل له، فيعلو به فكأن أبا بكر أخطأ، فزاد في التعبير ما ليس في الرؤيا ينقطع به الحبل ثم يوصل له نفسه، ولفظها فانقطع به، ثم وصل له، فعلا فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها عليه، فعبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة، فاتصل بهما، فعبر عنه بالحبل، وصل له، فاتصل، فالتحق بهما، وليس في ذلك خطأ في التعبير، كما توهم ابن المهلب. وقال ابن قتيبة ووافقه جماعة على قوله: إن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان يرجو أن يعبرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب أبو بكر تعبيرها كان ذلك خطأ، فقال له: أخطأت بعضها لهذا المعنى، فقد أخطأ في مبادرته بتفسيرها قبل أن يأمره به، وتعقبه النووي، فقال: هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال: اعبرها وحاول الحافظ ابن حجر أن يدافع عن ابن قتيبة، فقال: مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو، فسأل أن يأذن له في تعبيرها فأذن له، فكأنه قال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها لا أنه أراد: أخطأت في تعبيرك لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر، لأنه خلاف ما يتبادر للسمع من جواب قوله: هل أصبت؟ فإن الظاهر أنه أراد الخطأ في التعبير والإصابة فيه، لا لكونه التمس التعبير، ومن هنا قال ابن التين وغيره الأشبه بظاهر الحديث أن الخطأ في تأويل الرؤيا، أي أخطأت في بعض تأويلك. قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده تبويب البخاري للحديث بقوله: باب من لم ير الرؤيا لأول عابر، إذا لم يصب. ومثل هذا التعقيب يصلح تعقيبا لقول ابن هبيرة: إنما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولو كان الخطأ في التعبير لم يقره عليه، وترد الفقرة الأخيرة بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفصح عن الخطأ لمصلحة أهم، أو لدرء المفسدة، والمفسدة في ذلك ما علمه صلى الله عليه وسلم من سبب انقطاع الحبل بعثمان، وهو قتله، وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه، فكره ذكرها خوف شيوعها. وقيل: أخطأ لكون المذكور في الرؤيا شيئين: السمن والعسل، ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة، ذكر ذلك ابن التين عن الطحاوي، وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير وجزم به ابن العربي. وقد اختلف في المراد بالقطع والوصل، فقيل: القطع قتل عثمان والوصل بولاية علي، ورد بأن عمر قتل، ولم يكن قطعا، وولي عثمان وليس وصلا، وقيل: ما اتهم به عثمان وقيل عنه ومحاولة خلعه، والوصل شهادته. ويعجبني قول الحافظ ابن حجر: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرها، إنما أحكيه عن قائله، ولست راضيا عنه، ولا بإطلاقه في حق الصديق. اهـ. واعتذر الكرماني عن هذا البحث، فقال: إنما أقدموا على تبين موطن خطأ أبي بكر مع كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبينه، لأنه كان يلزم من تبيينه مفسدة إذ ذاك، فزالت بعده، مع أن جميع ما ذكره، إنما هو بطريق الاحتمال، ولا جزم في شيء من ذلك. 2
    6- ومن ملحق الرواية الثامنة عشرة الحث على علم الرؤيا. 2
    7- والسؤال عنها. قال النووي: قال العلماء: وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم تأويلها، وفضيلتها، واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الغيب. 2
    8- ومن الرواية العشرين قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، قال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن. 2
    9- وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله، ثم يستعمله، قال الحافظ ابن حجر: وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك، لأغسله، فأبدأ به، فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه، وهذا دال على عظيم أدبها، وكبير فطنتها، لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه صلى الله عليه وسلم، ثم غسلته تأدبا وامتثالا، ويحتمل أن يكون المراد بأمرها بغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله. وعندي أن استعمال سواك الغير مكروه، خوف انتقال الأمراض عن طريقه، ولا يقاس على سواك الرسول صلى الله عليه وسلم. 30- ومن الرواية الواحدة والعشرين تسمية المدينة يثرب وهو اسمها في الجاهلية، وسماها الله تعالى المدينة، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طيبة وطابة، وقد جاء في حديث النهي عن تسميتها يثرب لكراهة لفظ التثريب، ولأنه من تسمية الجاهلية وتسميتها في هذا الحديث يثرب قيل: يحتمل أن هذا كان قبل النهي، وقيل: لبيان الجواز، وأن النهي للتنزيه، وليس للتحريم، وقيل: خوطب به من يعرفها به، ولهذا جمع بينه وبين اسمها الشرعي، فقال المدينة يثرب. 3

    1- وأن كسر السيف في المنام قد يكون شرا، وإنذارا بشر. قال النووي: لأن سيف الرجل أنصاره، الذين يصول بهم، كما يصول بسيفه، وقد يفسر السيف في غير هذا بالولد، والوالد، والعم والأخ أو الزوجة، وقد يدل على الولاية، أو الوديعة، وعلى لسان الرجل وحجته، وقد يدل على سلطان جائر، وكل ذلك بحسب قرائن تنضم لتشهد لأحد هذه المعاني، في الرائي أو في الرؤية. 3

    2- ومن قوله صلى الله عليه وسلم ولئن أدبرت ليعقرنك الله علم من أعلام النبوة، فقد كان مصير مسيلمة الكذاب العقر والقتل، إذ تولى وكفر. 3

    3- ومن قوله وهذا ثابت يجيبك استعانة الإمام بأهل البلاغة، في جواب أهل العناد ونحو ذلك. 3
    4- وأن السوار وسائر أنواع الحلي اللائقة بالنساء، تعبر للرجال بما يسوؤهم ولا يسرهم. 3
    5- وأن النفخ لما لا يليق تغلب عليه، وانتصار على الأعداء قال ابن بطال: يعبر بإزالة الشيء المنفوخ بغير تكلف شديد لسهولة النفخ على النافخ، ويعبر بالكلام. 3
    6- وفي ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة توجه الإمام بنفسه إلى من يريد استئلافه وإقامة الحجة عليه، وإنذاره، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين. 3
    7- ومن التمثيل بالعصا، وقطعة الجريد، ضرب المثل بالتافه، على المستحيل. 3
    8- وفي الحديث منقبة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه، حتى طارا، فأما الأسود فقتل في زمنه وأما مسيلمة فقد قتله أبو بكر الصديق، فقام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. 3
    9- ومن الرواية الواحدة والعشرين والثالثة والعشرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيد تعبير الرؤيا، لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه، ووثق بإصابته. 40- وفيها استحباب إقبال الإمام المصلي بعد سلامه على أصحابه. 4

    1- وجواز استدبار القبلة في جلوس العالم للعلم. 4

    2- واستحباب السؤال عن الرؤيا. 4

    3- والمبادرة إلى تأويلها. 4
    4- وتعجيلها في أول النهار، لقرب عهد الرائي بها، قبل أن يطرأ على ما يشوش الرؤيا عليه، ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير، أو ما ينبغي أن يأخذ الأهبة له. 4
    5- وإباحة الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح قال الحافظ ابن حجر: وفيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه عبد الرزاق بلفظ لا تقصص رؤيا على امرأة، ولا تخبر بها حتى تطلع الشمس. 4
    6- وفيه إشارة إلى الرد على من قال من أهل التعبير: إن المستحب أن يكون تعبير الرؤيا بعد طلوع الشمس، ومن العصر إلى قبل المغرب. والله أعلم.

    لا توجد بيانات