فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : " فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ "
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ وَبَرَةَ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا
باب مَا يَلْزَمُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ
[ رقم الحديث عند آل سلمان:2257 ... ورقمه عند عبد الباقي:1233]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا
قَوْلُهُ : ( عَنْ وَبَرَةَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ . .
قَوْلُهُ : ( كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ؟ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ هُوَ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَاجِّ ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ ، وَبِهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً سِوَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ فَيَقُولُونَ : وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالدَّمِ . وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ ، فَإِنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَاتَ ، فَإِنْ طَافَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يَقَعْ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ ، بَلْ يَقَعْ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ ، فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَقَعَ الثَّانِي تَطَوُّعًا لَا عَنِ الْقُدُومِ .
وَلِطَوَافِ الْقُدُومِ أَسْمَاءٌ طَوَافُ الْقُدُومِ وَالْقَادِمِ وَالْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَالتَّحِيَّةِ ، وَلَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ طَوَافُ قُدُومٍ ، بَلِ الطَّوَافُ الَّذِي يَفْعَلُهُ فِيهَا رُكْنًا لَهَا ، حَتَّى لَوْ نَوَى بِهِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَقَعَ رُكْنًا ، وَلَغَتْ نِيَّتُهُ ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَاجِبَةٌ فَنَوَى حَجَّةَ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ) فَمَعْنَاهُ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي إِسْلَامِكَ وَاتِّبَاعِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْدِلْ عَنْ فِعْلِهِ وَطَرِيقَتِهِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
عن وبرة قال: كنت جالساً عند ابن عمر. فجاءه رجل فقال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف. فقال: نعم. فقال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف. فقال ابن عمر: فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ، أو بقول ابن عباس، إن كنت صادقاً؟.
المعنى العام:
كان العرب قبل الإسلام يحجون إلى بيت الله الحرام في أشهر الحج، وكانوا يعتمرون في غير أشهر الحج، ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، وكانوا يقولون: إذا برأ جرح الإبل الذي حدث في ظهرها من سفر الحج، وذلك لا يكون قبل شهر من عودتها، وإذا عفا واندثر أثر مشي الدواب على الرمال بعد رحلة الحج، وذلك يحتاج شهراً أيضاً، وإذا انسلخ ومضى شهر صفر، ويقصدون المحرم، لأنهم كانوا يقلبون المحرم صفر ويقلبون صفراً إلى المحرم، إذا حصلت هذه الأمور الثلاثة إذا برأ الدبر، وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر. وجاء الإسلام، فأبقى بعض أحكام الحج والعمرة، وغير بعضها، وكان مما غير فتح باب العمرة في جميع أيام السنة، بما في ذلك أيام الحج، فأصبح لها مع الحج حالات، لأنهما إما أن ينفرد كل منهما في عام واحد وإما أن يقعا معاً في أشهر الحج من عام واحد، إما بنية واحدة وإحرام واحد، وإما بإدخال الحج على العمرة أو العمرة على الحج قبل البدء بالطواف، وتسمى هذه الصور بالقران، وإما بالإحرام بالعمرة في أشهر الحج والإتيان بأفعالها ثم التحلل. ثم الإحرام بالحج، ويسمى بالتمتع، ولا يقع الإحرام بالحج والإتيان بأفعاله ثم الإحرام بالعمرة في أشهر الحج من العام نفسه، لأن أشهر الحج تنتهي بعد يوم عرفة، أو بعد ليلة الأضحى أو بعد يوم الأضحى، وعرفت هذه الصور باسم وجوه الإحرام. ولم يكن الإفراد في حاجة إلى تشريع جديد، سواء كان الحج في عام والعمرة في عام، أو كانا في عام واحد لكن العمرة ليست في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، سواء وقعت قبل أشهر الحج أو بعدها، وكان التشريع المطلوب حكم وقوع العمرة في أشهر الحج بصورها المختلفة. وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قبل السنة العاشرة، وحج أصحابه في عهده حجات منذ شرع الحج في السنة السادسة على الصحيح، وإلى السنة العاشرة، وظلت عقيدة الجاهلية بأن العمرة في أشهر الحج أعظم الذنوب إلى أن كانت حجة الوداع في السنة العاشرة، ونودي في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إلى الحج فاستعد المسلمون بالمدينة للخروج معه، وقدم إلى المدينة ممن حولها خلق كثير، كل يلتمس بركة الصحبة، ويرغب في أن يأتم ويتعلم بالقدوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحج حجاً تاماً منضبطاً، حتى كان عدد من حج معه، من أهل المدينة، وممن حولها وممن انضم إليهم في الطريق يزيد على أربعين ألفاً. وصلوا الميقات ذا الحليفة، وأحرموا عندها بالحج، وهم في مطلع شهر ذي الحجة وساروا يلبون بالحج طول الطريق، حتى وصلوا إلى سرف على بعد ستة أميال من مكة وشاء الله أن يعلمهم بمشروعية العمرة في أشهر الحج، تدريجياً، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعل الحجة التي أحرمتم بها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا، وكان الأمر عرضاً، وفي صورة التخيير، فكان منهم الآخذ به، وهم القلة، ومنهم التارك، وقال لهم مرة أخرى: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، وأهل ناس مثله، وأهل ناس بالعمرة، وأهل ناس بالحج والعمرة، فلما قربوا من مكة قال لهم صلى الله عليه وسلم: من لم يكن معه هدي فليحرم بعمرة ويفسخ الإحرام بالحج، ومن كان معه هدي فليبق على إحرامه بالحج، وإن شاء أدخل عليه العمرة، وعظم في نفسهم هذا الأمر الإلزامي، وهم مازال عالقاً بقلوبهم أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وترددوا في تنفيذ الأمر، وعلم صلى الله عليه وسلم بترددهم وتراخيهم عن التنفيذ، إما بوحي أو إخبار منهم، فغضب، ودخل وخرج مغضباً وقال لهم: من لم يكن معه هدي وطاف وسعى فليحل على أنه قد اعتمر، ولولا أني سقت الهدي لفسخت الحج وجعلته عمرة كما آمركم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ولو كنت أعلم أن هذا سيحصل لما سقت الهدي، ولفعلت ما آمركم به فحلوا. وأصبح المسلمون بين متمتع وقارن ومفرد للحج، أما المتمتعون فأحرموا بالحج يوم التروية يوم الثامن من ذي الحجة. وأما من ساقوا الهدي فلم يحلوا حتى قضوا حجهم، وكان لعائشة رضي الله عنها وضع خاص فقد حاضت في الطريق قبل وصولهم مكة، وكانت كبقية المسلمين محرمة بالحج، فقلبته عمرة كغيرها ممن لم يسق الهدي، ولم تستطع أن تطوف وتسعى وتتحلل كما فعلوا، حتى جاء يوم عرفة وهي حائض فأدخلت الحج على العمرة، وقامت بالوقوف بعرفة ثم طهرت فطافت وسعت وتمت حجتها وعمرتها كقارنة، لكنها لم تشبع روحها من هذا النسك وقد سعد المسلمون، وتميزت بقية أمهات المؤمنين بعمرة مستقلة وحج مستقل، وهي المتميزة في حياتها عن أخواتها، فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لرغبتها، وأرسلها مع أخيها إلى التنعيم أدنى الحل، فأحرمت بعمرة، ثم طافت وسعت وتحللت فكانت قارنة على الحالة الأولى، مفردة عمرة على الحالة الأخيرة. وأما القارنون فقد كفاهم طواف واحد وسعى واحد عن حجهم وعمرتهم، ولم تختلف مناسكهم عن المفردين بالحج إلا في النية والإحرام ومن هنا اختلف الناس في الوجه الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم. هل كان مفرداً؟ ولبى بالحج وحده كما سمعه ابن عمر؟ أو كان قارناً ولبى بحج وعمرة كما سمعه أنس، ثم إن القارن قد يقول لبيك اللهم بحج، وقد يقول لبيك اللهم بحج وعمرة. ولا يترتب على هذا الخلاف حكم شرعي مهم، فالوجوه كلها جائزة شرعاً بإجماع المسلمين. لكن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة وهو خليفة المسلمين، بل وعن القران، ودعا إلى إفراد الحج، وإفراد العمرة، وتبعه في هذه الدعوة عثمان وبعض الصحابة رضي الله عنه، وعارضهم جمهور الصحابة، وخالفهم الفقهاء والمحدثون وسنعرض هذا الموقف فيما سيأتي من مباحث لغوية وفقهية إن شاء الله. تعرضت الروايات إلى وجوه الإحرام وما يتصل بها في حجة الوداع بصفة خاصة وتعرضت الرواية الخامسة والثلاثون إلى بقية مناسك الحج، وما قام به صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة، من الطواف، واستلام الحجر الأسود، والرمل فيه، وركعتي الطواف خلف المقام، ثم استلام الحجر، والخروج من باب الصفا، والوقوف على الصفا والدعاء، والسعي بين الصفا والمروة سبعاً والنزول بنمرة، والوقوف بعرفة، وخطبته صلى الله عليه وسلم ودفعه من عرفة إلى المزدلفة ثم منى، ورميه جمرة العقبة، ونحره الهدي، ثم أفاض إلى البيت الحرام، فطاف، ثم أتى زمزم فشرب منها. وتعرضت الروايات في أحداثها إلى الوقوف بعرفة وإلى وقوف قريش قبل الإسلام بالمزدلفة، وإلى الإحرام المعلق، وإلى فسخ الحج إلى عمرة، والتحلل عند الإحصار، ومذهب ابن عباس في جواز التحلل بعد الطواف، والهدي وإشعاره وتقليده وغير ذلك من المسائل الفقهية الفرعية التي سنأتي عليها إن شاء الله. والله الهادي سواء السبيل. المباحث العربية (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع) أي خرجنا من المدينة قاصدين مكة لأداء النسك وحجة الوداع بفتح الحاء وكسرها، وسميت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وودعهم فيها، وقال: (أيها الناس لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) ولم يحج بعد الهجرة غيرها وكانت سنة عشر من الهجرة ولما كان بمكة حج حججاً، قيل حجتين، وقيل حججاً لا يعلم عددها إلا الله وفي الرواية الخامسة والثلاثين قال جابر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه. وفي الرواية الرابعة خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عام حجة الوداع، تقصد نفسها وأمهات المؤمنين. وقد بينت الروايات وقت خروجهم من المدينة، ففي الرواية الخامسة موافين لهلال ذي الحجة وكذا في الرواية السادسة والسابعة، أما في الرواية الخامسة عشرة ففيها لخمس بقين من ذي القعدة قال النووي موافين لهلال ذي الحجة أي مقارنين لاستهلاله وكان خروجهم قبله، لخمس في ذي القعدة، كما صرحت به رواية عمرة. اهـ والأولى تفسير موافين لهلال ذي الحجة على معنى مشرفين عليه، آتين نحوه. (فأهللنا بعمرة) هذا إخبار عن الحالة الثانية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، أما إحرامهم الأول فقد عبرت عنه الرواية السادسة بقولها لا نرى إلا الحج أي لا نعتقد أنا نحرم إلا بالحج، أي نظن أنه لا يصح منا في هذا الوقت إلا الحج، لأنا كنا نظن امتناع العمرة في أشهر الحج، قال ابن التين: لا نرى ضبطه بعضهم بفتح النون، وبعضهم بضمها. وعبرت عنه الرواية التاسعة بلفظ ولا نرى إلا الحج والرواية العاشرة بلفظ لا نذكر إلا الحج والحادية عشرة بلفظ لبينا بالحج والثالثة عشرة بلفظ مهلين بالحج في أشهر الحج، وفي حرم الحج وليالي الحج وحرم الحج بضم الحاء والراء. قال النووي: كذا ضبطناه، وكذا نقله القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة، قال: وضبطه الأصيلي بفتح الراء، قال: فعلى الضم كأنها تريد الأوقات والمواضع والأشياء والحالات، أما بالفتح فجمع حرمة، أي ممنوعات الشرع ومحرماته، وكذلك قيل للمرأة المحرمة حرمة، وجمعها حرم. اهـ فالمعنى على الضم في أزمنة الحج وأمكنته وحالاته، أما أشهر الحج ولياليه فالجمهور على أنها شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وقد سبق الخلاف في دخول بقية ذي الحجة في أشهر الحج. وعبرت عنه الرواية الخامسة عشرة والسابعة عشرة بلفظ ولا نرى إلا الحج وعبرت عنه الرواية الثالثة والعشرون بلفظ قال جابر: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد ولفظ السادسة والعشرين خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج ولفظ التاسعة والعشرين أهللنا -أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- بالحج خالصاً وحده ولفظ الثانية والثلاثين قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج ولفظ الرابعة والثلاثين ونحن نقول: لبيك بالحج ولفظ الخامسة والثلاثين لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة أي لسنا نعرف جوازها في أشهر الحج، ولفظ السادسة والستين عن ابن عمر أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً ولفظ الرابعة والسبعين عن أسماء بنت أبي بكر قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً ولفظ الرابعة والسبعين عن أسماء بنت أبي بكر قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج ولفظ الثامنة والسبعين كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ولفظ المتممة للثمانين عن ابن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يلبون بالحج ولفظ المتممة للتسعين عن أبي سعيد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً ولفظ الواحدة والتسعين عن جابر وأبي سعيد قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً. وهكذا تواردت الروايات على أن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- في حجة الوداع أحرموا بالحج مفرداً أول الأمر، لأن الحكم بجواز العمرة في أشهر الحج لم يكونوا قد علموا به، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلمهم به أثناء إحرامهم الأول ليجمع إلى هذا الحكم حكم نسخ الحج، وحكم من ساق الهدي، وحكم التمتع، والأحكام الأخرى، وربما كان في انتظار الوحي بحكم الله. أما ما أحرم به رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فسنعرض الآراء والروايات الخاصة به في فقه الحديث. أما أين تم هذا الإحرام؟ الأول فقد كان عند ميقات أهل المدينة بذي الحليفة، وتحدثنا الرواية الخامسة والثلاثون عن كيفيته، فتقول على لسان جابر رضي الله عنه: فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغتسلي، واستثفري بثوب -أي ضعي خرقة عريضة بين الفخذين وشديها في حزامك، تتلقى ما ينزل من دم -وأحرمي [وقد سبق الكلام على كيفية إحرام الحائض والنفساء في الباب الذي قبل هذا] فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد -أي مسجد ذي الحليفة- ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك....وأهل الناس بهذا الذي يهلون به [وقد سبق الكلام على إحرام أهل المدينة وميقاتهم، ومن أين يهلون قبل أبواب]. واستمر هذا الحال حتى وصلوا سرف، وفيها تقول الرواية التاسعة والحادية عشرة على لسان عائشة رضي الله عنها: (حتى إذا كنا بسرف، أو قريباً منها حضت) وتقول في الرواية العاشرة حتى جئنا سرف، فطمثت وفي الرواية الثالثة والعشرين حتى إذا كنا بسرف عركت وسرف بفتح السين وكسر الراء بين مكة والمدينة، تقرب من مكة، على بعد ستة أميال منها، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثنى عشر ميلاً، ولعل هذا الاختلاف مبني على تعدد الطرق وتعرج بعضها. قال النووي: يقال: حاضت المرأة، وتحيضت، وطمثت، بفتح الطاء وكسر الميم وعركت -بفتح العين والراء، ونفست -بفتح النون وضمها، لغتان مشهورتان، الفتح أفصح، والفاء مكسورة فيهما، أما النفاس الذي هو الولادة فيقال فيه: نفست بالضم لا غير وضحكت، وأعصرت، وأكبرت، وكله بمعنى واحد، والاسم منه الحيض والطمث والعراك والضحك والإكبار والإعصار، وهي حائض، وحائضة في لغة غريبة، حكاها الفراء، وطامث وعارك ومكبر ومعصر. اهـ (فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: أنفست؟ يعني الحيضة؟ قالت: قلت: نعم) وفي الرواية العاشرة فقال: ما يبكيك، فقلت: والله لوددت أني لم أكن خرجت العام. قال: مالك؟ لعلك نفست؟ قلت: نعم. (قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج -أي افعلي ما يفعل الحاج- غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي) وفي الرواية العاشرة افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وبعد سرف بقليل قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه -كما في الرواية الرابعة: (من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل. قالت عائشة -رضي الله عنها- فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه، وأهل ناس بالحج والعمرة، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بالعمرة) وكما تقول الرواية السابعة والثامنة والثالثة عشرة: حتى نزلنا بسرف، فخرج إلى أصحابه، فقال: من لم يكن معه منكم هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا، فمنهم الآخذ بها والتارك لها ممن لم يكن معه هدي كان هذا تخييراً للصحابة بين وجوه الإحرام المختلفة، دون عزيمة، ودون إلزام، وكأنه تدرج بالصحابة لما علم من أنه سيشق على كثير منهم أن يعتمر في أشهر الحج، فلما قربوا من مكة -كما في الرواية الخامسة عشرة- حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل وأمر صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يحرم بعمرة أمراً جازماً. وشق على كثير منهم أن يستجيب ويحرم بالعمرة في أشهر الحج، وترددوا، وتقاعسوا في التنفيذ، وغضب صلى الله عليه وسلم، ودخل على عائشة -رضي الله عنها- مغضباً، تصور ذلك الرواية الثامنة عشرة تقول عائشة رضي الله عنها. (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة، أو خمس، فدخل علي، وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله؟ أدخله الله النار. قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون؟ وفي رواية كأنهم يترددون ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثم أحل كما حلوا) أي ثم أحل كما سيحلون، وتحكي هذه الجزئية الرواية المتممة للثلاثين، فيقول جابر رضي الله عنه. (فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري؟ أشيء بلغه من السماء؟ أم شيء من قبل الناس؟) أي هل علم بما حصل لنا عن طريق الوحي؟ أم علم عن طريق أحد منا بلغه؟ -وتقول الرواية الواحدة والثلاثون: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا، وأقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية -أي حتى إذا جاء يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة- فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعة. قالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ قال: افعلوا ما آمركم به فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله، ففعلوا) وتقول الرواية الثامنة والسبعون. (فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة -أي من ذي الحجة- مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: الحل كله) وتقول الرواية المتممة للثمانين: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع خلون من العشر، وهم يلبون بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة) وتقول الرواية الواحدة والثمانون: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بذي طوى، وقدم لأربع مضين من ذي الحجة، وأمر أصحابه أن يحولوا إحرامهم بعمرة إلا من كان معه الهدي) وذو طوى بضم الطاء وفتحها وكسرها وتخفيف الواو، واد معروف بقرب مكة ، وقال النووي: هو موضع عند باب مكة بأسفلها في صوب طريق العمرة المعتاد ومسجد عائشة، ويعرف اليوم بآبار الزاهد، وينون، ويمنع من التنوين. وهو قريب من البطحاء الوارد في ملحق الرواية التاسعة والسبعين، بطحاء مكة وهو المحصب، وهو في الأصل مسيل واديها، وبطحاء الوادي حصاه اللين في بطن المسيل وبطحاء مكة غير البطحاء التي بذي الحليفة. فلما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة أمر من لم يكن معه هدي أن يحل تشير إلى ذلك الرواية الثالثة والعشرون، وفيها يقول جابر رضي الله عنه حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا؟ [أي أي الحلين؟ التحلل الأصغر؟ أم التحلل الأكبر الذي يحل به كل شيء؟ إذ كانوا يعلمون أن للإحرام تحللين] قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية [أي أحرمنا بالحج يوم الثامن] كما تشير إلى مثل ذلك الرواية السادسة والعشرون، والرواية المتممة للثلاثين، وتقول الرواية الخامسة والثلاثون حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل [بضم الياء، من الإحلال، وهو الخروج من الإحرام، أي فليخرج نفسه من الإحرام، ويروى بفتح الياء، أي فليصر حلالاً] وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم [سراقة بضم السين وتخفيف الراء، وجعشم بضم الجيم وسكون العين، وضم الشين وقيل بفتحها الكناني المدلجي، مات في أول خلافة عثمان] فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا؟ أم لأبد؟ [قيل: معناه هل العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج هذا العام فقط إبطالاً لما كانت الجاهلية تعتقد؟ أو حكم مستمر إلى يوم القيامة؟ وقيل: معناه هل جمع الحج مع العمرة في عام ودخول أفعال العمرة في أفعال الحج خاص بهذا العام ؟ أو مستمر إلى يوم القيامة ؟ وقيل: معناه هل جواز فسخ الحج إلى العمرة خاص بهذا العام؟ أو مستمر إلى يوم القيامة؟ وفي هذا المعنى الأخير خلاف بين الفقهاء، سنفصله في فقه الحديث] فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى [أي إصبع من يد في مثيلتها من اليد الأخرى، فأدخل كلاً بين ثنتين إشارة إلى تمام التداخل] وقال: دخلت العمرة في الحج، مرتين [أي قال هذه الجملة، مرتين تأكيداً]، لا. بل لأبد أبد. وجاء في هذه الرواية فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأهلوا بالحج. إحرام عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع: كانت عائشة -رضي الله عنها- كغيرها من المسلمين والمسلمات محرمة بالحج أول الأمر، لا ترى أنه يصح في هذا الزمن إلا الحج، كما أوضحت هي ذلك في الروايات التي سقناها، فلما حاضت عند سرف خافت على ضياع حجتها فطمأنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا في الرواية التاسعة والحادية عشرة. فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين ليس معهم هدي أن يجعلوا حجتهم عمرة وكانت لا هدي معها أحرمت بعمرة، كما جاء في الرواية الرابعة والسابعة من قولها وكنت فيمن أهل بالعمرة. لكن يعكر على هذا ما جاء في الرواية الثالثة عشرة من قولها فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: قلت: سمعت كلامك مع أصحابك، فسمعت بالعمرة؟ قال: ومالك؟ قلت: لا أصلي [أي حائض] قال: فلا يضرك، فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها فظاهر هذا أنها لم تجعل حجها الأول عمرة. ويصفو هذا التعكير بحمل ما جاء في الرواية الثالثة عشرة على حال عائشة رضي الله عنها، وهي في مكة، فقد حولت إحرامها الأول بالحج إلى عمرة، ووصلت مكة مع من حولوا حجهم إلى عمرة، لكنهم طافوا وسعوا وتحللوا، أما هي فلم تطف ولم تسع ولم تتحلل حتى جاء يوم التروية فأحرموا بالحج فهي حتى ذلك الحين لم تعتمر، ولا تدري ماذا تفعل في إحرامها، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال ما يبكيك؟ قالت سمعت كلامك مع أصحابك، وأمرك لهم بأن يحرموا بالحج، وسمعت بالعمرة التي اعتمروها، ولم أعتمرها؟ قال: لم لم تعتمري؟ قالت: لم أزل حائضاً لا أصلي ولا أطوف. قال: أو ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟ [هكذا لفظ الرواية السابعة عشرة] قالت: قلت: لا. وتوضح الرواية الأولى هذه المحادثة، وتصور هذه الحالة، فتقول على لسان عائشة رضي الله عنها فقدمت مكة وأنا حائض، لم أطف بالبيت؛ ولا بين الصفا والمروة [لأن شرط السعي بين الصفا والمروة أن يسبق بطواف] فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقضي رأسك -[بالنون والقاف، أي فكي ضفائر شعرك، قال الكرماني ويجوز بالفاء بدل القاف إن صحت الرواية، فهما بمعنى واحد -وامتشطي- أي واغتسلي للإحرام بالحج قال النووي: ولا يلزم منه إبطال العمرة، لأن نقض الرأس والامتشاط جائزان عندنا في الإحرام، بحيث لا ينتف شعراً، ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط، بل تسريح الشعر بالأصابع للغسل، لإحرامها بالحج، إذا لا يصح الغسل إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها، ويلزم من هذا نقضه، لا سيما إن كانت لبدت رأسها. اهـ] وأهلي بالحج، ودعي العمرة. وتقول في الرواية الثانية فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، ولم أهلل إلا بعمرة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي، وأمتشط، وأهل بحج، وأترك العمرة أي أترك أفعالها من طواف وسعي وتقصير مع استصحاب إحرامها، لتكون قارنة، فتدخل أفعالها في أفعال الحج. وفي الرواية الثالثة تقول فلما دخلت ليلة عرفة [أي يوم التروية] قلت: يا رسول الله، إني كنت أهللت بعمرة، فكيف أصنع بحجتي؟ قال: انقضي رأسك، وامتشطي وأمسكي عن العمرة [أي أوقفي أعمالها] وأهلي بالحج. وفي الرواية الخامسة تقول فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج. وفي الرواية العاشرة تقول: فلما كان يوم النحر طهرت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضت قال العيني: وكان ابتداء حيضها يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة بسرف وطهرت يوم السبت، وهو يوم النحر. اهـ وفي الرواية الثالثة والعشرين يقول جابر رضي الله عنه: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة -رضي الله عنها- فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن؟ فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهلي بالحج، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً، فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت؟ قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة بفتح الحاء وإسكان الصاد، قال النووي: وهي التي بعد أيام التشريق، وسميت بذلك لأنهم نفروا من منى، نزلوا في المحصب، وباتوا به. اهـ وقال العيني: والمشهور في الحصبة سكون الصاد، وجاء فتحها وكسرها، وهي أرض ذات حصى. فالرواية الثالثة والعشرون صريحة في أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة، وأن طوافها وسعيها مرة واحدة كفى عن الحج والعمرة معاً، والرواية التاسعة عشرة تقول يسعك طوافك لحجك وعمرتك والرواية المتممة للعشرين تقول يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك وكل ذلك صريح في أن عمرتها من التنعيم لم تكن لأنها لم تعتمر مع حجها، وإنما كانت إضاء لمشاعرها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرضي هواها، ويستجيب لمطالبها لدلالها وصغارها وحبه لها ولأبيها، ولذا جاء في الرواية الخامسة والعشرين قول جابر رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً [أي كريم الخلق حسن العشرة] إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلت بعمرة من التنعيم. أما قولها في الرواية الأولى عن عمرة التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك فمعناه -كما قال النووي-: أنها أرادت أن يكون لها عمرة منفردة عن الحج كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة، وأتموا العمرة، وتحللوا منها قبل يوم التروية، ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية، فحصل لهم عمرة منفردة وحجة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر: يسعك طوافك لحجك وعمرتك أي وقد تما وحسبا لك جميعاً، فأبت، وأرادت عمرة منفردة، كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم هذه مكان عمرتك أي التي كنت تريدين حصولها منفردة، غير مندرجة، فمنعك الحيض من ذلك. وكذا يقال في قولها: يرجع الناس بحج وعمرة؟ وأرجع بحج؟ [الوارد في الرواية العاشرة] أي يرجعون بحج منفرد وعمرة منفردة وأرجع أنا وليس لي عمرة منفردة؟ وإنما حرصت على ذلك لتكثر أفعالها. اهـ وكذا قولها في الرواية الثانية مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحلل منها أي مكان عمرتي المنفردة التي أدركني الحج ولم أحلل منها، وكذا قولها في الرواية الثالثة مكان عمرتي التي أمسكت عنها أي مكان عمرتي المنفردة، وكذا قولها في الرواية الخامسة فقضى الله حجنا وعمرتنا أي أتمهما عن طريق القران وعن طريق عمرة مستقلة. وكذا قولها في الرواية العاشرة (فأهللت منها بعمرة جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا) أي التي اعتمروها منفردة. وكذا قولها في الرواية السادسة عشرة يصدر الناس بنسكين أي منفردين وأصدر بنسك واحد؟ أي طواف واحد وسعي واحد؟ وهكذا يبدو ويترجح أنها -رضي الله عنها- أحرمت بحج، ثم فسخته إلى عمرة، ثم أدخلت عليها الحج، فكانت قارنة، ثم اعتمرت عمرة مستقلة. والله أعلم. هذا. وقد سلكت في المباحث العربية في هذا الباب حتى الآن هذا المنهج لأجمع بين الروايات التي ظاهرها التعارض في ألفاظها، لتأويل ما يحتاج إلى تأويل، وتقدير ما يحتاج إلى تقدير. والواقع أن بعض الرواة كان يطوي بعض الأحداث، ويذكر البعض، فيوهم الطي أن المذكور بديل عن المطوي فيوهم التعارض، كما أوضحنا ذلك في إحرام عائشة رضي الله عنها. والآن نعود إلى ما لم نذكره من المباحث العربية في كل رواية على حدة. وبالله التوفيق. الرواية الأولى (فأهللنا بعمرة) هذا إخبار عن الحالة بعد سرف، لا عن حالة الإحرام الأول والتقدير: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللنا بحج، فلما وصلنا سرف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة، فأهللنا بعمرة. (من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة) المعية لا تلزم بأصل وإضافة وإلا فكان حقه أن يقول: فليهل بالعمرة مع الحج، لأنهم أصلاً محرمون بالحج. والهدي هنا اسم لما يهدي إلى الحرم من الأنعام، قال النووي: يقال: هدي بإسكان الدال وتخفيف الياء وهدي بكسر الدال وتشديد الياء، لغتان مشهورتان، الأولى أفصح وأشهر. (ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً) أي حتى ينتهي من أفعالهما بانتهاء المعهود للتحلل الأصغر بالنحر. (أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر) هو أخوها شقيقها، وأمهما أم رومان بنت عامر. (إلى التنعيم) وهو طرف حرم مكة من ناحية الشام، وهو أدنى الحل، وهو مشهور بمسجد عائشة. الرواية الثانية (فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج) معطوف على محذوف، تقديره: فأحرمنا بالحج، حتى وصلنا سرف فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من بقي مهلاً بالحج حيث كان معه الهدي. (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة) معطوف على محذوف أيضاً تقديره: حتى قدمنا مكة وطاف المسلمون وسعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلخ. (من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل) ولم يهد أي لم يصحب هدياً، وأهدى أي صحب هدياً، وفليحلل بفك التضعيف من يحل وهي لغة معروفة. الرواية الثالثة (فأردفني) في الرواية الواحدة والعشرين فأردفني خلفه على جمل له وسيأتي في تلك الرواية وفي العاشرة ما حصل منه ومنها أثناء هذا الإرداف. الرواية الخامسة (فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة) في الرواية الثامنة عشرة لو أني استقبلت من أمري. ما استدبرت [أي لو أني كنت أعلم ما سيحصل لي مستقبلاً] ما سقت الهدي معي، حتى أشتريه [في نهاية الحج] ثم أحل كما حلوا وفي الرواية التاسعة والعشرين، لما ترددوا في تنفيذ الأمر بالتمتع خطبهم، فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم [إيماناً] وأبركم [أي في أعلى درجات الأبرار، فلا أفعل ولا آمر إلا بما هو أقرب للتقوى] ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي. وفي الرواية المتممة للثلاثين أحلوا. فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم. وفي الرواية الواحدة والثلاثين افعلوا ما آمركم به، فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به وفي الرواية الخامسة والثلاثين لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وفي الرواية الثالثة والتسعين لولا أن معي الهدي لأحللت. (وقد قضى الله حجنا) أي أتم حجنا. (أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر) في الرواية الأولى أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر وفي الثانية بعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر وقد سبق قريباً الكلام عن المعية، وفي الرواية العاشرة أمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني على جمله وفي الثالثة عشرة فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: اخرج بأختك من الحرم، فلتهل بعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما ههنا وكان صلى الله عليه وسلم بالمحصب، وفي الرواية السادسة عشرة فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي منه، ثم القينا عند كذا وكذا. وفي السابعة عشرة فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكان كذا وكذا وفي الواحدة والعشرين فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التنعيم، وفي الرواية الثالثة والعشرين قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم. (ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم) قال النووي: هذا محمول على إخبارها عن نفسها، أي لم يكن علي في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم، ثم إنه مشكل من حيث إنها كانت قارنة، والقارن يلزمه الدم، وكذلك المتمتع، ويمكن أن يتأول هذا على أن المراد: لم يجب علي دم ارتكاب شيء من محظورات الإحرام، كالطيب وستر الوجه وقتل الصيد وإزالة الشعر والظفر وغير ذلك، أي لم أرتكب محظوراً، فيجب بسببه هدي أو صدقة أو صوم. هذا هو المختار في تأويله، وقال القاضي عياض: فيه دليل على أنها كانت في حج مفرد، لا تمتع ولا قران، لأن العلماء مجمعون على وجوب الدم فيهما إلا داود الظاهري فقال: لا دم على القارن. هذا كلام القاضي. وهذا اللفظ، وهو قوله ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم ظاهره في هذه الرواية أنه من كلام عائشة، ولكن في ملحق الرواية التصريح بأنه من كلام هشام بن عروة، فيحمل الأول عليه، ويكون الأول في معنى المدرج. انتهى كلام النووي. أقول: ومن المعلومات السابقة يتبين أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة ودخلت عمرة قرانها في حجها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أهدى عن نسائه -كما جاء في الرواية العاشرة فدم القران أدي ، ولا شيء عليها في إنشائها عمرة بعد التحلل من الحج، وعمرتها هذه في غير أشهر الحج عند الجمهور، فكأنها تقول: ولم يكن في عمرتي هذه هدي ولا صدقة ولا صوم، وهذا صحيح. والله أعلم. الرواية العاشرة (والله لوددت أني لم أكن خرجت العام) تمنت عدم خروجها للحج هذا العام لخشيتها أن تكون سبباً في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين وحصرهم والتضييق عليهم في حجهم. (فإني لأذكر وأنا جارية حديثة السن) المعنى إني لأذكر حالتي وما حصل يومها، وأنا حينذاك جارية، أي شابة فتية، حديثة السن، أي شابة، ففي كتب اللغة الحداثة سن الشباب، وكانت عائشة رضي الله عنها حينئذ لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها في أصح الأقوال. (أنعس) بضم العين، وفي كتب اللغة: بفتح العين، يقال: نعس ينعس نعساً بسكون العين وبفتحها ونعاساً أي فترت حواسه فقارب النوم، فهو ناعس. (فيصيب وجهي مؤخرة الرحل) فيه تقديم المفعول على الفاعل، وأصله فتصيب مؤخرة الرحل وجهي، والرحل ما يوضع على ظهر البعير للركوب، والمعنى أنها بنعاسها تطئطئ رأسها، فتنخفض منها حتى تصطدم بخشبة الرحل. ولا يتعارض هذا مع قولها في الرواية الواحدة والعشرين فجعلت أرفع خماري [خمار المرأة الثوب الذي تغطي به رأسها ووجهها، ويحيط برقبتها غالباً] أحسره عن عنقي [أحسره بضم السين أي أكشفه عن رقبتي] فيضرب [عبد الرحمن] رجلي بعلة الراحلة [قال النووي: أي يضرب رجلي عامداً في صورة من يضرب الراحلة، أي يتعمد ضرب رجلي برجله أو بسيفه أو بعصاه متظاهراً أنه يضرب الراحلة حين تكشف خمارها عن عنقها، غيرة عليها] فتقول له: وهل ترى من أحد؟ أي نحن في خلاء، ليس ههنا أجنبي أستتر منه. أقول: لا تعارض، فهما حالان، حالة كشف الخمار وهي متيقظة، وحالة النعاس. الرواية الثالثة عشرة (فمنهم الآخذ بها والتارك لها ممن لم يكن معه هدي) أي فمنهم الآخذ بهذه الإباحة وجعلها عمرة، ومنهم التارك لها المستمر على إحرامه بالحج مع أنه ليس معه هدي، ظناً منهم أن العبارة تخييرية، فهي متروكة لمن أحب. (قلت: لا أصلي) كنت بذلك عن الحيض. (فخرجت في حجتي حتى نزلنا مني فتطهرت) في الكلام طي، والأصل: فخرجت من مكة إلى منى إلى عرفات، فوقفت بعرفة، ثم أفضت من عرفة حتى نزلنا منى يوم النحر، فتطهرت. (ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب) أي أقام فيه هو وأصحابه، فقد باتوا فيه بعد أن نفروا من منى. (فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله من جوف الليل) في الرواية السابعة عشرة ثم موعدك مكان كذا وكذا....فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها، أو أنا مصعدة وهو منهبط منها وفي ملحقها وأنا متهبطة بالتاء بدل النون، وهو متهبط بالتاء بدل النون. يقال: هبط وانهبط أي نزل، ويقال تهبط، أي انحدر في بطء، ومن المعلوم أن دروب مكة ترتفع وتنخفض، فهذه الرواية لا تتفق مع الرواية الثالثة عشرة في مكان اللقاء، اللهم إلا أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدها أن تعود إليه في المحصب أو في الطريق منه إلى المسجد الحرام، فعادت إليه في المحصب وهو يتأهب للخروج من مكة، وكانت هي داخلة إليها من الحل والتنعيم. وقد جمع النووي بأنه صلى الله عليه وسلم خرج بعد ذهابها، فقصد البيت ليطوف طواف الوداع، ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع، وكل هذا في الليل، فلقيها صلى الله عليه وسلم وهو صادر بعد طواف الوداع، وهي داخلة لطواف عمرتها، ثم فرغت من عمرتها، ولحقته صلى الله عليه وسلم، وهو بعد في منزله في المحصب. وأما قولها فأذن في أصحابه، فخرج، فمر بالبيت، وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديماً وتأخيراً. وفي هذا الجمع تكلف لا يساعده المقام، ويلزمه أن عائشة -رضي الله عنها- لم تطف طواف الوداع. (فأذن في أصحابه بالرحيل) إلى المدينة بعد طواف الوداع، وصلاة الصبح في الحرم. الرواية الخامسة عشرة (فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر) فدخل بضم الدال، مبني للمجهول. (ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) في الرواية التاسعة قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر. الرواية السادسة عشرة (يصدر الناس بنسكين) أي يرجع الناس كل منهم بنسكين منفردين؟ يقال: صدر عن المكان أي رجع وانصرف. وهو المراد هنا، أما صدر إلى المكان فمعناه. انتهى إليه. (ولكنها على قدر نصبك) أي ولكن أجر عمرتك على قدر تعبك وحدك واجتهادك وإخلاصك في أدائها، والنصب بفتح الصاد التعب والجد والاجتهاد. وشك الراوي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم، هل قال: على قدر نصبك أو قال: على قدر نفقتك ولعل المراد من النفقة هنا إنفاق الجهد والمشقة والإخلاص. الرواية السابعة عشرة (فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت) هذا الكلام من عائشة، وهي لم تطف بالبيت، فمعناه تطوف المسلمون بالبيت. (قالت صفية: ما أراني إلا حابستكم؟) أي ما أظنني إلا حابستكم ومانعتكم من الرحيل؟ قالت ذلك حين أذن صلى الله عليه وسلم بالرحيل وطواف الوداع إذ حاضت في هذا الوقت، ولا يمكنها الطواف حتى تطهر، ظنت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض، وظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف طواف الركن، طواف الإفاضة، فقال: (عقرى حلقى) قال النووي: هكذا يرويه المحدثون، بالألف التي هي ألف التأنيث، ويكتبونه بالياء ولا ينونونه، وهكذا نقله جماعة لا يحصون من أئمة اللغة وغيرهم عن رواية المحدثين، وهو صحيح فصيح. قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال أبو عبيد: معنى عقرى عقرها الله تعالى، وحلقى حلقها الله. قال: يعني عقر الله جسدها، وأصابها بوجع في حلقها. قال أبو عبيد: أصحاب الحديث يروونه عقرى حلقى وإنما هو عقرا حلقا قال: وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادة وقوعه. قال شمر: قلت: لأبي عبيد: لم لا تجيز عقرى فقال: لأن فعلى تجيء نعتاً، ولم تجيء في الدعاء. وقال صاحب المحكم: يقال للمرأة عقرى وحلقى، معناه عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها، أو أصابها بوجع في حلقها. قال: فعقرى ههنا مصدر، كدعوى، وقيل: معناه تعقر قومها، وتحلقهم بشؤمها وقيل: العقرى الحائض، انتهى كلام صاحب المحكم، وقيل: معناه جعلها الله عاقراً، لا تلد وحلقى مشئومة على أهلها. وعلى كل قول فهي كلمة كان أصلها ما ذكرناه، ثم اتسعت العرب فيها فصارت تطلقها ولا تريد حقيقة ما وضعت له أولاً، ونظيره تربت يداه، وقاتله الله أو ما أشجعه وما أشعره! والله أعلم. اهـ (لا بأس. انفري) في كتب اللغة: يقال: لا بأس عليه أي لا خوف عليه، ولا بأس به أي لا مانع به، ولا بأس فيه أي لا حرج فيه، وكلها صالحة هنا، ونفر من المكان تركه إلى غيره، فالمعنى هنا اتركي المحصب وارحلي معنا إلى المدينة. الرواية الثامنة عشرة (فدخل علي وهو غضبان) قال النووي: أما غضبه صلى الله عليه وسلم فلانتهاك حرمة الشرع، وترددهم في قبول حكمه، وقد قال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [النساء: 65]. فغضب صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص إيمانهم بتوقفهم. (فإذا هم يترددون -أو كأنهم يترددون، أحسب) قال النووي: قال القاضي: كذا وقع هذا اللفظ، وهو صحيح، ومعناه أن الحكم شك في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم هذا مع ضبطه لمعناه، فشك هل قال: يترددون؟ أو نحوه من الكلام؟ ولهذا قال بعده: أحسب أي أظن أن هذا لفظه. الرواية الثالثة والعشرون (وأقبلت عائشة -رضي الله عنها- بعمرة. حتى إذا كنا بسرف عركت) ظاهره أنها رضي الله عنها أهلت بعمرة قبل أن تحيض، وهو غير صحيح، ولا يتفق مع أحاديثها الصحيحة عن نفسها، ولعل في كلام جابر رضي الله عنه تقديماً وتأخيراً، وحقه: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد، حتى إذا كنا بسرف عركت عائشة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يحرم بالعمرة، فأقبلت عائشة -رضي الله عنها- إلى مكة بعمرة، حتى إذا قدمنا مكة.... إلخ. (حل ماذا؟ قال: الحل كله) في الرواية السادسة والعشرين والثامنة والسبعين أي الحل؟ ومعناه أي شيء من الأشياء يحل علينا؟ لأنه أمر أن يحلوا من العمرة، فقال: حل كله. يعني جميع ما يحرم على المحرم، حتى الجماع، وذلك تمام الحل، كأنهم كانوا يعرفون أن للحج تحللين، فأرادوا بيان ذلك، بقولهم: أي الحل؟ فبين لهم الحل كله، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد. (فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا) أي وتحللنا من محرمات الإحرام، والمراد أن بعضهم فعل كل ذلك، لا كلهم. الرواية السادسة والعشرون (ومسسنا الطيب) قال النووي: هو بكسر السين الأولى، هذه هي اللغة المشهورة، وفي لغة قليلة بفتحها، قال الجوهري: يقال: مسست الشيء بكسر السين أمسه بفتح الميم مساً. فهذه اللغة الفصيحة. قال: وحكى أبو عبيدة: مسست الشيء بالفتح أمسه. بضم الميم. قال: وربما قالوا: مست يحذفون منه السين الأولى، ويحولون كسرتها إلى الميم، قال: ومنهم من لا يحول، ويترك الميم على حالها مفتوحة. اهـ الرواية السابعة والعشرون (فأهللنا من الأبطح) وهو البطحاء، وهو المحصب -بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الصاد المفتوحة، وهو مكان متسع بين مكة ومنى، وسمي بالمحصب لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل، وهو موضع منهبط، وحدوده ما بين الجبلين إلى المقابر، وليست المقبرة منه وفيه لغة أخرى الحصاب بكسر الحاء، وحده أبو عبيد من الحجون ذاهباً إلى منى. الرواية التاسعة والعشرون (إلا خمس) أي إلا خمس ليال بما فيها ليلة عرفة، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك صبح رابعة، أي صبح الليلة الرابعة. (فقدم على من سعايته) في الرواية الخامسة والثلاثين وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسله إلى اليمن قبل حجة الوداع ليحصل على بعض الصدقات من أربابها، قال القاضي عياض: قوله من سعايته أي من عمله في السعي في الصدقات. قال: وقال بعض علمائنا: الذي في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث علياً رضي الله عنه إلى اليمن أميراً، لا عاملاً على الصدقات، إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقات. قال القاضي: يحتمل أن علياً رضي الله عنه ولي الصدقات وغيرها احتساباً، أو أعطى عمالته عليها من غير الصدقة. قال: وهذا أشبه، لقوله: من سعايته والسعاية تختص بالصدقة قال النووي: وهذا الذي قاله حسن، إلا قوله: إن السعاية تختص بالعمل على الصدقة فليس كذلك، لأنها تستعمل في مطلق الولاية. (وأهدى له علي هدياً) أي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدياً اشتراه له، لا أنه من السعاية على الصدقة. الرواية المتممة للثلاثين (حتى إذا كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج) قال النووي: معناه أهللنا بالحج عند إرادتنا الذهاب إلى منى. اهـ ولعله بذلك يشير إلى ما جاء في الرواية الخامسة والثلاثين من قوله فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج وما جاء في الرواية السابعة والعشرين من قوله أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا -أن نحرم إذا توجهنا إلى منى. قال: فأهللنا من الأبطح. وقال: قد يستدل بالإهلال من الأبطح من يجوز للمكي والمقيم بها الإحرام بالحج من الحرم، وفي المسألة وجهان لأصحابنا، أصحهما: لا يجوز أن يحرم بالحج إلا من داخل مكة، وأفضله من باب داره، وقيل: من المسجد الحرام، والثاني يجوز من مكة ومن سائر الحرم، وقد سبقت المسألة في باب المواقيت، فمن قال بالثاني احتج بحديث جابر هذا لأنهم أحرموا من الأبطح، وحين جعلوا مكة بظهرهم، أي لم يحرموا من داخل مكة، لكنه من الحرم، ومن قال بالأول -وهو الأصح قال: إنما أحرموا من الأبطح لأنهم كانوا نازلين به وكل من كان دون الميقات المحدد له فميقاته منزله، كما سبق في باب المواقيت. والله أعلم. الرواية الواحدة والثلاثون (تصير حجتك الآن مكية) قيل معناه: قليلة الثواب، لقلة مشقتها، وقال ابن بطال: معناه أنك تنشئ حجك من مكة، كما ينشئ أهل مكة منها، فيفوتك فضل الإحرام من الميقات. (عام ساق الهدي معه) في رواية البخاري يوم ساق البدن معه وذلك في حجة الوداع. (أحلوا من إحرامكم) أي اجعلوا حجتكم عمرة، وتحللوا منها بالطواف والسعي. (وقصروا) إنما أمرهم بالتقصير ليتوفر الشعر للحلق أو التقصير للحج، لأنهم سيهلون به بعد زمن قصير. (واجعلوا التي قدمتم بها متعة) أي اجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة، تتحللوا منها، فتصيروا متمتعين، فأطلق على العمرة متعة مجازاً، والعلاقة بينهما السببية والمسببية. (لا يحل مني حرام) أي لا يحل مني ما حرم علي، ووقع في بعض روايات مسلم لا يحل مني حراماً بالنصب على المفعولية، وعلى هذا فيقرأ يحل بضم الياء وكسر الحاء والفاعل محذوف، تقديره: لا يحل طول المكث مني شيئاً حراماً حتى يبلغ الهدي محله، أي إذا نحر يوم منى. الرواية الثالثة والثلاثون (على يدي دار الحديث) أي بين يدي، أي أمامي، وعلى مسامعي. (تمتعنا) من التمتع بالعمرة إلى الحج، أو من متعة النساء، أي الزواج لأجل. (إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء) أي بسبب يشاؤه جل شأنه، يشير بذلك إلى الخصوصية له صلى الله عليه وسلم، أو الخصوصية لعام المناسبات خاصة، فالتمتع بالعمرة إلى الحج رخص به لإبطال عقيدة أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وثبتت العقيدة الصحيحة، ومتعة النساء كانت للحاجة وانتهت، وسيأتي الكلام عن فتوى عمر بهذا الخصوص في فقه الحديث. (إن القرآن نزل منازله) أي ثبتت أحكامه وهو يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} حمل إتمامها على إتمام كل منهما مستقلاً، دون تداخل، مع أن التمتع لا يتعارض مع الآية، ولا مع قوله في ملحق الرواية فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم ولا يخالف الإتمام على الاستقلال سوى القران، وسيأتي التفصيل في فقه الحديث. (وأبتوا نكاح هذه النساء) المتزوجات إلى أجل، واقطعوا النكاح، واجعلوه غير مؤقت. الرواية الخامسة والثلاثون (فسأل عن القوم) أي سأل زائريه واحداً واحداً عن قومهم ونسبهم. (فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي) كان جابر رضي الله عنه أعمى، وكان محمد بن حسين غلاماً شاباً صغيراً فأراد جابر مداعبته وتأنيسه، فوضع يده على رأس الغلام يمسحه، ثم نزل بيده من الرأس إلى فتحة قميص محمد، ففك زر القيمص العلوي [زراره] ثم حل زر القميص السفلي، ولم يكن لفتحة طوق القميص سوى زرين، ثم أدخل يده بين القميص وبين صدر الغلام ووضعها بين ثدييه، يمسح صدره بأصابعه محبة وتأليفاً. ولفظ ثديي بالتثنية، قال النووي: واختلف أهل اللغة في إطلاق الثدي للرجل، منهم من جوزه للرجل كالمرأة، ومنهم من منعه، وقال: يختص الثدي بالمرأة، ويقال في الرجل: ثندوة. اهـ (فقام في نساجة ملتحفاً بها) قال النووي: نساجة بكسر النون وتخفيف السين المهملة وبالجيم، هذا هو المشهور في نسخ بلادنا ورواياتنا لصحيح مسلم وسنن أبي داود، ووقع في بعض النسخ في ساجة بحذف النون، ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور، قال: وهو الصواب. قال: والساجة والساج جميعاً ثوب كالطيلسان وشبهه، قال: ورواية النون وقعت في رواية الفارسي، وقال: ومعناه ثوب ملفق. وقال: قال بعضهم: النون خطأ وتصحيف. قال النووي: قلت: ليس كذلك، بل كلاهما صحيح، ويكون ثوباً ملفقاً على هيئة الطيلسان، قال القاضي في المشارق: الساج والساجة الطيلسان، وجمعه سيجان، قال: وقيل هي الخضر منها خاصة، وقال الأزهري: هو طيلسان مقور ينسج كذلك، قال: وقيل: هو الطيلسان الحسن، قال: ويقال الطيلسان بفتح اللام وكسرها وضمها، وهي أقل. اهـ وفي المعجم الوسيط: الطالسان ضرب من الأوشحة، يلبس على الكتف، أو يحيط بالبدن، خال من التفصيل والخياطة، أو هو ما يعرف في العامية المصرية بالشال (فارسي معرب) وهو الطيلسان، والجمع طيالس. (ورداؤه إلى جنبه على المشجب) كأنه كان بالإزار دون الرداء، وأراد أن يلتحف بالطيلسان بدل الرداء، والمشجب أعواد تغرس في الحائط يعلق عليها الثياب (شماعة). (فقال بيده فعقد تسعاً) فيه استعمال القول بدل الفعل، والمراد عد بأصابع يده تسعاً. (كيف أصنع؟) كيف يسأل بها عن الهيئة. أي على أي حالة أصنع في إحرامي؟. (واستثفري بثوب) سبق قريباً معناه، وأنه خرقة توضع بين فخذي الحائض، تتلقى الدم. (فصلى في المسجد) أي مسجد ذي الحليفة. (ثم ركب القصواء) بفتح القاف والمد، اسم ناقتة. أي التي تبلغ أقصى الأماكن كذا قيل، وقال القاضي: ووقع في نسخة القصوى بضم القاف والقصر، قال: وهو خطأ، قال ابن قتيبة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نوق، القصواء، والجدعاء، والعضباء، قال أبو عبيد: العضباء اسم لناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تسم بذلك لشيء أصابها. قال القاضي: وفي غير مسلم خطب على ناقته الجدعاء وفي حديث آخر على ناقة خرماء وفي آخر العضباء وفي حديث آخر كانت له ناقة لا تسبق وفي آخر تسمى مخضرمة، وهذا كله يدل على أنها ناقة واحدة، خلاف ما قاله ابن قتيبة، وأن هذا كان اسمها أو وصفها، لهذا الذي بها، خلاف ما قال أبو عبيد. قال الحربي: العضب والجدع والخرم والقصو والخضرمة في الآذان، وقال ابن الأعرابي: القصواء التي قطع طرف أذنها، والجدع أكثر منه، وقال الأصمعي: والقصو مثله، قال: وكل قطع في الأذن جدع، فإن جاوز الربع فهي عضباء، والمخضرم مقطوع الأذنين، فإن اصتلمتا فهي صلماء. وقال التيمي وغيره: إن العضباء والقصواء والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (فأهل بالتوحيد) يعني بقوله لبيك لا شريك لك. (وأهل الناس بهذا الذي يهلون به) أي بالحج مفرداً، يصرح بذلك بعد قليل. (فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه) من إهلالهم بالحج، ولم يرشدهم إلى العمرة. (استلم الركن) أي استلم الحجر الأسود في الركن من الكعبة. (ثم نفذ إلى مقام إبراهيم) أي اخترق الناس ونفذ من بينهم. (فجعل المقام بينه وبين البيت) أي وصلى ركعتين. (حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى) أي حتى إذا هبط في بطن الوادي [بين الميلين الأخضرين المعلمين في هذه الأيام] هرول. (فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل) أمر بالتحلل، وكان قد طلب منهم أن يحرموا بالعمرة عقب خروجهم من سرف وقبل وصولهم مكة. (فكان علي يقول بالعراق) أي وهو بالعراق، بعد أن تولى الخلافة. (فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً على فاطمة) أي مهيجاً للرسول صلى الله عليه وسلم على فاطمة، ومغرياً إياه عليها والمراد هنا إغراؤه على عتابها. (ماذا قلت حين فرضت الحج؟) أي حين أحرمت؟. (فإن معي الهدي فلا تحل) أي فإن معي الهدي فلا أحل، ومعك الهدي فلا تحل. (توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج) ظاهره أنهم لم يحرموا من مكة، وقد سبق الكلام عن ميقات إحرام المكي والمقيم بها عند الكلام على لغويات الرواية المتممة للثلاثين. (تضرب له بنمرة) قال النووي: بفتح النون وكسر الميم، هذا أصلها، ويجوز فيها ما يجوز في نظيرها، وهو إسكان الميم مع فتح النون وكسرها، وهي موضع بجانب عرفات، وليست من عرفات. (فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة) أي أجاز المشعر الحرام وجاوزه وقطعه وسار به وخلفه حتى أتى عرفة، أي حتى أتى نمرة قريباً من عرفة، ففيه مجاز المقاربة والمشعر الحرام جبل في المزدلفة، يقال له: قزح، وقيل إن المشعر الحرام كل المزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات (انظر الرواية الثامنة والثلاثين). (إن دماءكم وأموالكم) في رواية البخاري وأعراضكم والعرض ما يحميه الإنسان. (كحرمة يومكم هذا...إلخ) قال الحافظ: إنما شبهها بهذه الأشياء في الحرمة لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء بحال، وذكر الشهر والبلد للتأكيد. (كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) أي ساقط، من قولهم: وضع عنه الدين والجزية والجناية، وقوله: تحت قدمي بالتثنية تأكيد لإبطاله وسقوطه. (ودماء الجاهلية موضوعة) ما كان في الجاهلية قبل الإسلام من قتل فلا مطالبة بثأره أو قصاصه أو ديته. (وأول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة) في بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث قيل: هو وهم، والصواب ابن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر بن الخطاب، وتأوله أبو عبيد، فقال: دم ربيعة لأنه ولى الدم فنسبه إليه. قالوا: وكان هذا الابن المقتول طفلاً صغيراً يحبو بين البيوت، فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر. (فإنه موضوع كله) معناه الزائد على رأس المال، كما قال الله تعالى: {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم} [البقرة: 279]. لأن الربا الزيادة، فإذا وضع الربا فمعناه وضع الزيادة، والمراد بالوضع الرد والإبطال. قاله النووي. (فإنكم أخذتموهن بأمان الله) قال النووي: هكذا هو في كثير من الأصول وفي بعضها بأمانة الله. اهـ أي بسبب الأمان والعهد الذي عهد به إليكم، وجعلن أمانة لديكم. (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) قيل: معناه قوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229] وقيل المراد كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم وقيل المراد بإباحة الله والكلمة {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]. قال النووي: وهذا الثالث هو الصحيح، وقيل: المراد بالكلمة الإيجاب والقبول، ومعناه على هذا بالكلمة التي أمر الله تعالى بها. (أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه) قال المازري: قيل: المراد بذلك لا يستخلين بالرجال، ولم يرد زناها، لأن ذلك يوجب جلدها، ولأن ذلك حرام مع من يكرهه الزوج ومن لا يكرهه، وقال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن ذلك عيباً، ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك. قال النووي: والمختار أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحداً من محارم الزوجة. اهـ والأولى قصر النهي على المرأة والمحرم، أما الرجل الأجنبي فهو ظاهر الحرمة. (فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح) الضرب المبرح -بضم الميم وفتح الباء وكسر الراء المشددة- الضرب الشديد الشاق، والبرح المشقة. (قال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس) قال النووي: هكذا ضبطناه ينكتها بالتاء بعد الكاف، قال القاضي: وهو بعيد المعنى، قيل صوابه ينكبها بالباء بعد الكاف، ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيراً إليهم، اهـ وفي كتب اللغة: نكت الشيء نثر ما فيه أو أخرجه، يقال: نكت العظم أخرج مخه. (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) قال النووي: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات. (وجعل حبل المشاة بين يديه) قال النووي: روي حبل بالحاء المهملة، وروي جبل بالجيم وفتح الباء، قال القاضي: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة مجتمعهم، وأما الجيم فمعناه طريقهم، وحيث تسلك الرجالة. اهـ [وفي كتب اللغة: الجبل بفتح الجيم وضمها وكسرها مع سكون الباء الجماعة من الناس والساحة]. (وأردف أسامة خلفه) أي ركب القصواء، وأردف عليها أسامة بن زيد خلفه. (ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دفع عن المكان، ورحل عنه. (وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله) معنى شنق ضم وضيق، ومورك الرحل الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه، والمعنى شد الزمام الذي يمسك برأس الراحلة حتى تكاد رأسها تلتصق بصدرها، منعاً لها من الإسراع لأنها تنطلق إذا أطلق لها الزمام. (كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد) قال النووي: الحبال هنا بالحاء المهملة المكسورة، جمع حبل، وهو التل اللطيف من الرمل. وتصعد بفتح التاء وضمها، يقال: صعد في الجبل وأصعد. (حتى أتى المزدلفة) موضع معروف، قيل: سميت بذلك من التزلف، والازدلاف التقرب، لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، أي مضوا إليها، وتقربوا منها، وقيل: سميت بذلك لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات، وتسمى جمعاً بفتح الجيم وسكون الميم، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها، أو لجمع الصلاة فيها، وقيل لاجتماع آدم وحواء فيها. قال النووي: واعلم أن المزدلفة كلها من الحرم، وحدها ما بين مأزمي عرفة [المأزم -بكسر الزاي- الطريق الضيق بين جبلين] ووادي محسر، وليس الحدان منها، ويدخل في المزدلفة جميع تلك الشعاب والحبال الداخلة في الحد المذكور. (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام) المراد به هنا قزح -بضم القاف وفتح الزاي بعدها حاء، وهو جبل معروف في المزدلفة. وقال جماهير المفسرين وأهل السير والحديث: المشعر الحرام جميع المزدلفة، وظاهر الحديث مع القول الأول. (فدعاه وكبره وهلله ووحده) أي دعا ربه وكبره إلخ، والضمير وإن لم يسبق له ذكر مفهوم من المقام. (حتى أسفر جداً) الضمير في أسفر يعود إلى الفجر المذكور قريباً والسفر -بفتح السين وسكون الفاء- والسفور الإضاءة والكشف، يقال: سفر الصبح وأسفر أي أضاء وأشرق، وسفرت الشمس طلعت، وعن ابن خزيمة والطبري فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس أي ظهر كل شيء وانكشف، وقوله جداً أي إسفاراً بليغاًَ. (وكان رجلاًَ حسن الشعر وسيماً) وصفه بصفة يفتتن بها النساء، وكأن تحويله عن النساء كان خوفاً عليهن من جماله، لا خوفاً عليه منهن، ولكن يلزم من افتتان المرأة به أن يقع في شراكها. (مرت به ظعن يجرين) الظعن بضم الظاء والعين، ويجوز إسكانها جمع ظعينة، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة، ويراد بها هنا المرأة مجازاً لملابستها البعير، قاله النووي. وكأن المعنى مرت به فتيات يجرين. (فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر) كأنهن كن كثيرات، يمكن رؤيتهن من جهة ومن جهة أخرى. وفي رواية الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل، فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما. (حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً) قال النووي: محسر بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة، سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي أعيى وكل. ومعنى حرك قليلاً حرك دابته أكثر من حركتها، أي أسرع. (مثل حصى الخذف) متصل بقوله فرماها بسبع حصيات وجملة يكبر مع كل حصاة معترضة بين الصفة والموصوف، وحصى الخذف هو الحصا الذي في قدر حبة الباقلاء، والتي توضع بين السبابة والإبهام فترمى. والخذف الرمي. (فنحر ثلاثاً وستين بيده) قال النووي: هكذا هو في النسخ ثلاثاً وستين بيده وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة سوى ابن هامان، فإنه رواه بدنة قال: وكلامه صواب، والأول أصوب. (ثم أعطى علياً فنحر ما غبر) أي ما بقي، ومفعول أعطى الثاني محذوف، أي أعطى علياً السكين، أو أعطاه ما بقي. (وأشركه في هديه) أي في ذبح هديه، وليس المراد كما هو الظاهر أنه أشركه في نفس الهدي، قال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن تشريكاً حقيقة، بل أعطاه قدراً يذبحه، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة، وكانت ثلاثاً وستين وأعطى علياً البدن التي جاءت معه من اليمن، وهي تتمم المائة. (ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها) قال النووي: البضعة بفتح الباء لا غير، وهي القطعة من اللحم، ولما كان في الأكل من كل واحدة من المائة منفردة كلفة جعلت في قدر ليكون شارباً من مرق الجميع الذي فيه جزء من كل واحدة، ويأكل من اللحم المجتمع في المرق ما تيسر. (فأفاض إلى البيت) الإفاضة النزول من عرفات، والتقدير: فأفاض إلى البيت، فطاف طواف الإفاضة. (انزعوا بني عبد المطلب) بكسر الزاي، أي اسقوا بالدلاء، وانزعوها بالحبال، وكانوا يغرفون ماء زمزم من البئر بالدلاء، ويصبونه في الحياض ونحوها، ويسيلونه للناس. (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم) معناه: لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم، لكثرة فضيلة هذا الاستقاء. قال النووي: وأما زمزم فهي البئر المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعاً، قيل: سميت زمزم لكثرة مائها، يقال: ماء زمزم، وزمزوم، وزمازم إذا كان كثيراً، وقيل: لضم هاجر -رضي الله عنها- لمائها حين انفجرت، وزمها إياه، وقيل: لزمزمة جبريل عليه السلام لها، وكلامه عند فجره إياها، وقيل: إنها غير مشتقة، ولها أسماء أخرى. (وكانت العرب يدفع بهم أبو سيارة على حمار عري) أي كان يدفع بهم في الجاهلية. (فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم من المزدلفة بالمشعر الحرام لم تشك قريش أنه سيقتصر عليه، ويكون منزله ثم، فأجاز، ولم يعرض له، حتى أتى عرفات، فنزل) قال النووي: أجاز أي جاوز، وقوله: لم يعرض هو بفتح الياء وكسر الراء [ومعنى لم يعرض له لم يظهر عليه ولم يشرف عليه، ولم يتمكن فيه]. قال: ومعنى الحديث أن قريشاً كانت قبل الإسلام تقف بالمزدلفة، وهي من الحرم، ولا يقفون بعرفات، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، وكانت قريش تقول: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم ووصل المزدلفة اعتقدوا أنه يقف بالمزدلفة على عادة قريش، فجاوز إلى عرفات، لقول الله عز وجل: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} [البقرة: 199]. فإن من سوى قريش كانوا يقفون بعرفات ويفيضون منها. وقوله: حتى أتى عرفات فنزل فيه مجاز المشارفة، والمعنى حتى أتى قريباً من عرفات نمرة فنزل بها. الرواية السادسة والثلاثون (نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم) ههنا إشارة إلى المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم من منى، والرحال المنازل، قال أهل اللغة: رحل الرجل منزله، سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر. قال النووي: ومعنى الحديث: منى كلها منحر، يجوز النحر فيها، فلا تكلفوا النحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النحر في منازلكم من منى. الرواية الثامنة والثلاثون (وكانوا يسمون الحمس) بضم الحاء وسكون الميم. قال أبو الهيثم: الحمس هم قريش ومن ولدته قريش وكنانة، وجديلة قيس، سموا حمساً لأنهم تحمسوا في دينهم، أي تشددوا، وقيل: سموا حمساً بالكعبة، لأنها حمساء، حجرها أبيض يضرب إلى السواد. وبقية الحديث سبق شرحها. الرواية المتممة للأربعين (عن جبير بن مطعم....الحديث) قال القاضي عياض: كان هذا في حجة قبل الهجرة، وكان جبير حينئذ كافراً، وأسلم يوم الفتح، وقيل: يوم خيبر، فتعجب من وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات. اهـ الرواية الواحدة والأربعون (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء) أناخ أي أبرك بعيره، والمراد أنه نزل بها، والمراد من البطحاء هنا بطحاء مكة، وهو المحصب. وقد أشارت الرواية الثالثة والأربعون إلى مصدر قدومه، وهو اليمن، ولفظ البخاري بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء وكان بعثه إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة، قبل حجة الوداع، بعثه وبعث معاذ بن جبل، كلاً منهما والياً على قسم من قسميها، فلما علم بحج النبي صلى الله عليه وسلم قدم من اليمن للحج. (فقال لي: أحججت؟) أي أأحرمت بالحج؟. (فقال: بم أهللت؟) في الرواية الثالثة والأربعين كيف قلت حين أحرمت؟. (قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) في الرواية الثالثة والأربعين قلت: لبيك إهلالاً كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. (قال: فقد أحسنت. طف بالبيت، وبالصفا والمروة، وأحل) في هذه الرواية طي، صرح به في الرواية الثانية والأربعين والثالثة والأربعين قال: هل سقت من هدي؟ قلت: لا والمعنى: حيث لم تسق الهدي فأحرم بعمرة وائت بمناسكها، ثم تحلل، ففعل. (ثم أتيت امرأة من قيس، ففلت رأسي) قال الكرماني: يحمل على أن المرأة كانت محرماً له، كبنت بعض إخوته، وفلت رأسي بفتح الفاء واللام مخففة، يقال: فلي رأسه يفليه فلياً بحث فيه عن القمل. وفلى الشعر بتشديد اللام، مثل فلى بالتخفيف. وفي الرواية الثانية والأربعين فمشطتني وغسلت رأسي والمراد أنه تحلل من محرمات الإحرام. (فكنت أفتي به الناس) في الرواية الثانية والأربعين فكنت أفتي الناس بذلك أي بالتمتع، كما جاء في الرواية الرابعة والأربعين أنه كان يفتي بالمتعة. (حتى كان في خلافة عمر رضي الله عنه) أي حتى كان الأمر، وفي الرواية الثانية والأربعين في إمارة أبي بكر وإمارة عمر أي وصدر من إمامة عمر. (فقال له رجل: يا أبا موسى، رويدك بعض فتياك) في الرواية الرابعة والأربعين رويدك ببعض فتياك أي تمهل في بعض فتياك، أي في هذه الفتوى، أي أمسك عن هذه الفتيا قليلاً، حتى يتبين لك أمرها، يقال: فتيا وفتوى لغتان مشهورتان، وفي الرواية الثانية والأربعين فإني لقائم بالموسم إذا جاءني رجل. (فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك) أي في شأن نسك العمرة مع الحج تمتعاً، وبعدك أي بعد حجتك مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعد فتياك بالمتعة في عهد أبي بكر. (من كنا أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا) في الرواية الثانية والأربعين من كنا أفتيناه بشيء أي من هذه الفتيا الخاصة بالمتعة، فليتئد وليتمهل في العمل بها. (فذكرت ذلك له) في الرواية الثانية والأربعين فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟. (إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام) في الرواية الثانية والأربعين فإن الله عز وجل يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. وظاهره أن عمر رضي الله عنه حمل الإتمام على انفراد كل منهما في عام، وإلا فالمتعة فيها إتمام واستقلال بأفعال كل من الحج والعمرة، اللهم إلا أن يقال: ليس فيها استقلال بالخروج، ولا استقلال في ميقات محلته والإهلال منه، وقال الحافظ ابن حجر: محصل جواب عمر أن كتاب الله دال على منع التحلل، لأنه أمر بالإتمام، فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وقال المازري: قيل: إن المتعة التي نهي عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة، فالحج على هذا لم يتم، وقال القاضي عياض: الظاهر أنه نهى عن الفسخ، ولهذا كان يضرب الناس عليها، كما رواه مسلم، على معتقده أن الفسخ كان خاصاً بهذه السنة، ويؤيد هذا ما جاء في الرواية الثالثة والثلاثين من قوله: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء أي إن الله أحل لرسوله الفسخ في ذاك العام. (وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله) أي لم يتمتع، وكأنه يعتمد فعله صلى الله عليه وسلم دون قوله، وفي الرواية الرابعة والأربعين قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله أي فعل التمتع، أي أمر به وأقره وأصحابه فعلوه بأمره ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم قال النووي: معرسين بإسكان العين وتخفيف الراء، والضمير في بهن يعود إلى النساء للعلم بهن وإن لم يذكرن، ومعناه كرهت التمتع، لأن يقتضي التحلل، ووطء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات، وللموضوع تتمة في فقه الحديث. الرواية الخامسة والأربعون (كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها) قال النووي: المختار أن المتعة التي نهى عنها عثمان هي التمتع المعروف في الحج، وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم. اهـ وفي الرواية السادسة والأربعين اجتمع علي وعثمان -رضي الله عنهما- بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة وعسفان بضم العين وسكون السين، قرية جامعة على مسافة ستة وثلاثين ميلاً من مكة. (فقال عثمان لعلي كلمة) فسرت الكلمة رواية النسائي فقال عثمان: تراني أنهى الناس وأنت تفعله؟. (قال علي: لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية السادسة والأربعين فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ أي ما تريد إرادة منتهية إلى النهي، أو ضمن الإرادة معنى الميل، وفي رواية ما تريد إلا أن تنهى عن أمر. (فقال: أجل) بفتح الهمزة والجيم، أي نعم تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الرواية السادسة والأربعين فقال عثمان: دعنا منك أي دعنا من رأيك ونقاشك. (ولكنا كنا خائفين) قال النووي: لعله أراد بقوله: خائفين يوم عمرة القضاء سنة سبع، قبل فتح مكة، لكن لم يكن تلك السنة حقيقة التمتع، إنما كان عمرة وحدها. اهـ قال الحافظ ابن حجر: هي رواية شاذة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب، وهما أعلم من عبد الله بن شقيق، فلم يقولا ذلك، والتمتع إنما كان في حجة الوداع، وقد قال ابن مسعود -كما ثبت في الصحيحين عنه كنا آمن ما يكون الناس وقال القرطبي: قوله خائفين أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع. كذا قال، وهو جمع حسن، ولكن لا يخفى بعده. الرواية السادسة والأربعين (فلما أن رأى على ذلك أهل بهما جميعاً) قال العيني: أهل بهما أي بالعمرة والحج، وهذا هو القران، فإن قلت: كيف تقول: هذا قران؟ والاختلاف بينهما كان في التمتع؟ قلت: القران من باب التمتع، لأن القارن يتمتع بترك النصب في السفر إلى العمرة مرة، وإلى الحج أخرى، ويتمتع بجمعهما، ولم يحرم لكل منهما من ميقاته، وضم الحج إلى العمرة، فدخل في قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]. اهـ وفي رواية للبخاري عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً -رضي الله عنهما- وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى على ذلك أهل بهما. لبيك بعمرة وحجة فالاختلاف بينهما -على هذا- كان في التمتع والقران. وفي رواية للنسائي فلبى علي وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان أي بالعمرة مع الحج. الرواية الواحدة والخمسون (وهذا يومئذ كافر بالعرش) بضم العين والراء، وهي بيوت مكة، كما فسره في الرواية، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشا لأنها عيدان تنصب وتظلل. قال: ويقال لها أيضاً عروش، واحدها عرش كفلس وفلوس، ومن قال عرش فواحدها عريش، كقليب وقلب. قال النووي. وأما قوله وهذا يومئذ كافر بالعرش فالإشارة بهذا إلى معاوية بن أبي سفيان، والمراد بالكفر هنا وجهان. أحدهما ما قاله المازري وغيره: المراد وهو مقيم في بيوت مكة، قال ثعلب: يقال: اكتفر الرجل إذا لزم الكفور، وهي القرى. والوجه الثاني المراد الكفر بالله تعالى، والمراد أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية، مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضي عياض وغيره، وهو الصحيح المختار، والمراد بالمتعة العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، وكان معاوية يومئذ كافراً، وإنما أسلم بعد ذلك، عام الفتح، سنة ثمان، وقيل: إنه أسلم بعد عمرة القضاء، سنة سبع، والصحيح الأول وأما غير هذه العمرة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن معاوية فيها كافراً مقيماً بمكة، بل كان معه صلى الله عليه وسلم. الرواية الثانية والخمسون (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه. (إني لأحدثك بالحديث اليوم) أل في الحديث للعهد الحضوري، أي بهذا الحديث الحاضر، وفي الرواية الرابعة والخمسين إني كنت محدثك بأحاديث ولعله كان قد حدثه بأحاديث يخشى على نفسه من نشرها. قال النووي: أحاديث ظاهره أنها ثلاثة فصاعداً، ولم يذكر منها إلا حديثاً واحداً، وهو الجمع بين الحج والعمرة، وأما إخباره بالسلام فليس حديثاً، فيكون باقي الأحاديث محذوفة من الرواية. (في العشر) أي العشر من ذي الحجة، والمراد أنهم تمتعوا. (ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي) في ملحق الرواية ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر. وفي الرواية الرابعة والخمسين والخامسة والخمسين قال رجل فيها برأيه ما شاء قال الحافظ ابن حجر: قال ابن التين: يحتمل أنه يريد عمر أو عثمان، وأغرب الكرماني فقال: المراد به عثمان، قال الحافظ: والأولى أن يفسر بعمر، فإنه أول من نهى عنها، وكأن من بعده كان تابعاً له في ذلك. الرواية الثالثة والخمسون (وقد كان يسلم علي، حتى اكتويت، فتركت، ثم تركت الكي فعاد) قال النووي: يسلم علي هو بفتح اللام المشددة، وقوله: فتركت هو بضم التاء، أي انقطع السلام علي، ثم تركت الكي بفتح التاء الأولى، فعاد السلام علي، والمعنى أن عمران بن الحصين رضي الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر، وكانت الملائكة تسلم عليه، فاكتوى، فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكي، فعاد سلامهم عليه. الرواية الرابعة والخمسون (فإن عشت فاكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت) قال النووي: أراد به الإخبار بالسلام عليه، لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته، لما فيه من التعرض للفتنة، بخلاف ما بعد الموت. اهـ ولا مانع من أن يريد كتمان مخالفته لعمر رضي الله عنه في شأن المتعة خوفاً من عمر -رضي الله عنهما. (ثم لم ينزل فيها كتاب الله) أي يمنعها بعد أن أباحها بقوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]. تصرح بذلك الرواية السابعة والخمسون ولفظها نزلت آية المتعة في كتاب الله، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج. وفي الرواية الخامسة والخمسين ولم ينزل فيها كتاب أي قرآن، كما جاء في الرواية السادسة والخمسين. (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أمر بالتمتع، كقولهم: بنى الأمير قصراً، أي أمر ببنائه، ويمكن حمل التمتع هنا على القران، وقد ذكرنا قريباً أنه يطلق على القران تمتع. الرواية الثامنة والخمسون (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) قال المهلب: معناه أمر بذلك، لأن ابن عمر كان ينكر على أنس رضي الله عنه قوله: إنه كان قارناً، ويقول: بل كان مفرداً. اهـ وسيأتي هذا الإنكار في الروايات السادسة والستين والسابعة والستين والثامنة والستين. وقال ابن المنير في الحاشية: إن حمل تمتع على أمر بالتمتع هنا من أبعد التأويلات، ثم أجاز تأويلاً آخر، وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله صلى الله عليه وسلم، لا سيما مع قوله خذوا عني مناسككم فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى الله عليه وسلم تمتع، فأطلق ذلك. اهـ أقول: وهذا ليس تأويلاً بل هو اتهام لابن عمر رضي الله عنه بالإخبار بغير الحقيقة، والجهل بالحقيقة، وإسناد الفعل للرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الظن البعيد الذي يشبه الوهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث التي عرضناها كان يعلن التفريق بينه وبين غيره بسوق الهدي. قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون معنى تمتع محمولاً على مدلوله اللغوي، وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة، والخروج إلى ميقاتها وغيرها، بل قال النووي: إن هذا هو المتعين، وقوله بالعمرة إلى الحج أي بإدخال العمرة على الحج. اهـ وهذا الاحتمال لا يتوافق مع رأي ابن عمر في أنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداً. (وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج) هذا مشكل مع ما ثبت من حاله صلى الله عليه وسلم المستفاد من الأحاديث الكثيرة، وأنه بدأ بالحج أولاً، ثم أدخل عليه العمرة، وهذا بالعكس. قال الحافظ ابن حجر: وأجيب عنه بأن المراد به صورة الإهلال [ولفظ الإحرام] أي لما أدخل العمرة على الحج لبى بهما، فقال [في لفظ التلبية] لبيك بعمرة وحجة معاً. اهـ أي فبدأ بلفظ العمرة، ثم عطف عليه لفظ الحج] وهذا الجواب بعيد، لأنه لا يتوافق أيضاً مع رأي ابن عمر في أنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداً، والخروج من هذا المأزق أن يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفرداً كالصحابة في ذي الحليفة، ثم لما فسخ الصحابة الحج إلى العمرة لم يفسخ، لأنه ساق الهدي، فلا يحل الفسخ، فأحرم بالعمرة، فطاف وسعى، فأنهى مناسك العمرة، ثم خرج إلى منى لأداء مناسك الحج، فحين يتحدث الراوي عن الحالة الثانية والثالثة يمكن أن يقول: بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج. وحين يتحدث عن الحالة الثالثة وحدها، دون أن يسمع منه، لبيك عمرة وحجة يقول: إنه كان مفرداً، والله أعلم. الرواية التاسعة والخمسون (ما شأن الناس حلواً؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟) في الرواية المتممة للستين ولم تحل من عمرتك وفي الواحدة والستين ما يمنعك أن تحل وقد سبق القول بأن نساءه لم يسقن الهدي فحللن بعمرة، والمراد من قولها من عمرتك أي من إحرامك، فإنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً أو حاجاً وقيل: إن القارن لا يحل من العمرة ولا من الحج حتى ينحر مادام قد صحب الهدي. (إني لبدت رأسي وقلدت هديي) لبد شعره جعل فيه شيئاً نحو الصمغ ليجتمع شعره، لئلا يتشعث في الإحرام، وتقليد الهدي تعليق نعل أو نعلين في رقبة الناقة، أو شيء من الجلد، أو لحى شجرة، كعلامة عن كونها هدياً بالإضافة إلى إشعارها، وهو أن يضرب صفحة سنامها الأيمن أو الأيسر بحديدة أو سكين، فيشق الجلد ويسيل الدم، ثم يرفأ الجرح ويبقى أثره علامة على كونها هدياً. والحكمة فيه أن البدنة التي أشعرت أو قلدت إذا اختلطت بغيرها تميزت وإذا ضلت عرفت، وربما ارتدع سارقها فتركها، وقد تعطب فتنحر فتكون للمساكين، وفي ذلك تعظيم شعار الشرع، فالقرآن الكريم يقول: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله} [الحج: 36]. ومراد الحديث من تقليد الهدي استصحابه مقلداً أو مشعراًَ أو بدون تقليد ولا إشعار، كما سبق في الأحاديث من كان معه هدي. من لم يكن ساق الهدي فإن ذلك يمنع التحلل حتى يبلغ الهدي محله. ولا دخل في تلبيد الرأس في منع التحلل، ولعله ذكر مصاحباً لتقليد الهدي، وقال الكرماني: الغرض من ذكر التلبيد بيان أنه مستعد من أول الأمر بأن يدوم إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله. الرواية الثانية والستون (خرج في الفتنة معتمراً) بينت الرواية الثالثة والستون المراد من الفتنة، وأنها نزول الحجاج لقتال ابن الزبير. وأن المراد من خروجه إرادته الخروج، وليس الخروج فعلاً وأن قوله: إن صددت عن البيت مبني على نصح أولاده له بعدم الخروج في هذا العام وكان سنة اثنتين وسبعين من الهجرة. (فخرج فأهل بعمرة) في الرواية الثالثة والستين أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، فانطلق حتى أتى ذا الحليفة فلبى بالعمرة قال العيني: إنما قال: أشهدكم إلخ ولم يكتف بالنية ليعلمه من أراد الاقتداء به. (حتى ظهر على البيداء) هو موضع بين مكة والمدينة قدام ذي الحليفة. (ما أمرهما إلا واحداً) يعني حكمهما واحد في جواز التحلل منهما بالإحصار، فعدل إحرامه في الميقات إلى القران. (لم يزد عليه): ورأى أنه مجزئ عنه أي لم يزد على هذا الطواف والسعي طوافاً آخر وسعياً آخر للحج، ورأى أن الطواف الواحد والسعي الواحد مجزئ عن الحج والعمرة معاً للقارن، وفي الرواية الثالثة والستين ثم طاف لهما -أي للحج والعمرة- طوافاً واحداً بالبيت، وبين الصفا والمروة وفي ملحقها وكان يقول: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد أي طواف بالبيت وبين الصفا والمروة. وفي الرواية الرابعة والستين ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. الرواية الثالثة والستون (فانطلق حتى ابتاع من قديد هدياً) قديد بضم القاف وفتح الدال، وهو اسم موضع بين مكة والمدينة. (ثم لم يحل منهما حتى حل منهما بحجة يوم النحر) في ملحق الرواية ولم يحل حتى يحل منهما جميعاً أي من أعمال الحج والعمرة. وفي الرواية الرابعة والستين ولم ينحر، ولم يحلق، ولم يقصر، ولم يحلل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق. الرواية الثانية والسبعون (إن رجلاً يقول ذلك) عنى به ابن عباس رضي الله عنهما. (فتصداني الرجل) أي تعرض لي. قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ تصداني بالنون، والأشهر في اللغة تصدى لي. (ثم لم يكن غيره) قال الثوري: وكذا قال فيما بعده ولم يكن غيره هكذا هو في جميع النسخ غيره بالغين والياء، قال القاضي عياض: كذا هو في جميع النسخ. قال: وهو تصحيف، وصوابه ثم لم تكن عمرة بالعين والميم، وكأن السائل لعروة إنما سأل عن نسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع، فأعلمه عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه، ولا من جاء بعده. هذا كلام القاضي: قال النووي: هذا الذي قاله من أن غيره تصحيف ليس كما قال، بل هو صحيح في الرواية وصحيح في المعنى، لأن قوله غيره يتناول العمرة وغيرها، ويكون تقدير الكلام، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، أي لم يغير الحج، ولم ينقله وينسخه إلى غيره، لا عمرة، ولا قران. والله أعلم. (ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام) المتكلم عروة بن الزبير، فيقول: ثم حججت مع والدي الزبير، فقوله الزبير بدل من أبي. (ولا أحد ممن مضى) معطوف على فاعل ثم لم ينقضها أي لم ينقضها ابن عمر بعمرة، ولا أحد غيره ممن مضى، وتمت الجملة، وما بعدها جملة جديدة. لئلا يدخل النفي على النفي فيفيد إثباتاً، عكس المقصود. (ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم -يعني حين يصلون مكة- أول من الطواف بالبيت) أي لا يصلون تحية المسجد، ولا يشتغلون بغير الطواف، وفي رواية البخاري ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف قال ابن بطال: لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ أقدامهم أي كروايتنا. (وقد رأيت أمي) أي أسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير رضي الله عنهم. (وخالتي) أي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. (أقبلت بعمرة قط) في كتب اللغة: قط لها ثلاثة أحوال: الأول أن تكون ظرف زمان، لاستغراق الماضي، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة، وتختص بالنفي يقال: ما فعلت هذا قط. الثانية: أن تكون بمعنى حسب، أي كاف، وقلما تذكر غير مقرونة بالفاء، وهذه بفتح القاف وسكون الطاء يقال: أخذت درهماً قط، أي فقط. والثالثة: أن تكون اسم فعل، بمعنى يكفي، فتزاد نون الوقاية مع ياء المتكلم، فيقال: قطني، أي كفاني. اهـ والتي في الحديث من قبيل الحالة الثانية. (فلما مسحوا الركن حلوا) قال النووي: هذا متأول عن ظاهره، لأن الركن هو الحجر الأسود، ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين، وتقديره: فلما مسحوا الركن، وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا أو قصروا حلوا. قال: ولا بد من تقدير هذا المحذوف، وإنما حذف للعلم به، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا بد أيضاً من السعي بعده، ثم الحلق أو التقصير، وشذ بعض السلف فقال: السعي ليس بواجب، ولا حجة لهذا القائل في هذا الحديث، لأن ظاهره غير مراد بالإجماع، فيتعين تأويله -كما ذكرنا- ليكون موافقاً لباقي الأحاديث. اهـ وقال الحافظ ابن حجر: وتعقب كلام النووي بأن المراد بمسح الركن الكناية عن تمام الطواف، لا سيما واستلام الركن يكون في كل طوفة، فالمعنى فلما فرغوا من الطواف حلوا، وأما السعي والحلق فمختلف فيهما كما قال، ويحتمل أن يكون المعنى فلما فرغوا من الطواف وما يتبعه حلواً. قال: وأراد بمسح الركن هنا استلامه بعد فراغ الطواف والركعتين، كما وقع في حديث جابر [روايتنا الخامسة والثلاثين] فحينئذ لا يبقى إلا تقدير: وسعوا لأن السعي شرط عند عروة، بخلاف ما نقل عن ابن عباس. والله أعلم. الرواية الثالثة والسبعون (قومي عني) إنما أمرهم بالقيام مخافة من عارض قد يبدر منه، كلمس بشهوة أو نحوه، فإن اللمس بشهوة حرام في الإحرام، فاحتاط لنفسه بمباعدتها من حيث إنها زوجة متحللة تطمع بها النفس. وفي الرواية الرابعة والسبعين استرخي عني. استرخي عني قال النووي: هكذا هو في النسخ مرتين، أي تباعدي. الرواية الخامسة والسبعون (كلما مرت بالحجون) بفتح الحاء وضم الجيم، وهو من حرم مكة، وهو الجبل المشرف على مسجد الحرس، بأعلى مكة، على يمينك وأنت مصعد عند المحصب. (خفاف الحقائب) قال النووي: جمع حقيبة، وهو كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب، ومنه احتقب فلان كذا. اهـ ومرادها مقارنة الماضي وما كانوا فيه من فقر وضيق حال بالحاضر وما هم فيه من سعة. الرواية الثامنة والسبعون (كانوا يرون) أي كان أهل الجاهلية، ويرون أي يعتقدون، ولابن حبان عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون.... فذكر نحو الحديث، فعرف بهذا تعيين القائلين. (أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور) أي من أعظم الذنوب، وهذا من تحكماتهم الباطلة المأخوذة من غير أصل، والفجور الانبعاث في المعاصي. (ويجعلون المحرم صفراًَ) أي يجعلون صفراًَ من الأشهر الحرم، والمراد الإخبار عن النسيء الذي كانوا يفعلونه وكانوا يسمون المحرم صفراً، ويحلونه، وينسئون ويؤخرون المحرم، أي يؤخرون تحريمه إلى ما بعد صفر، لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة، تضيق عليهم أمورهم من الغارة وغيرها، فضللهم الله تعالى في ذلك بقوله: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا} [التوبة: 37]. قال الزمخشري: النسيء هو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، وربما زادوا في عدد الشهور، فيجعلون السنة ثلاثة عشر شهراً، أو أربعة عشر، ليتسع لهم الوقت. ولفظ صفر في نسخ مسلم بدون ألف، قال النووي: صفر من غير ألف بعد الراء، وهو منصوب مصروف بلا خلاف، وكان ينبغي أن يكتب بالألف، وسواء كتب بالألف أم بحذفها لا بد من قراءته هنا منصوباً، لأنه مصروف. (ويقولون إذا برأ الدبر) الدبر بفتح الدال والباء هو الأثر يحدث في ظهر الإبل بسبب احتكاك القتب والحمل عليها في السفر، أرادوا إذا شفي وجف جرح ظهور الإبل التي سافرت للحج، وقيل: الدبر هو أن يقرح خف البعير. (وعفا الأثر) أي ذهب أثر الدبر، يقال: عفا الشيء بمعنى درس، وقيل: عفا وزال أثر خفاف الإبل على الرمال بعد عودتها من الحج، لطول مرور الأيام، وهذا الأخير هو المشهور، لأن الأول يتكرر مع إذا برأ الدبر ووقع في سنن أبي داود وعفا الوبر بالواو، يعني كثر وبر الإبل بعد أن حلقته رحال الحاج. (حلت العمرة لمن اعتمر) أي صار الإحرام بالعمرة جائزاً لمن أراد أن يحرم بها. قال النووي: وهذه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الآخر ويوقف عليها لأن مرادهم السجع (صبيحة رابعة) أي صبيحة ليلة رابعة من ذي الحجة، وفي الرواية التاسعة والسبعين والواحدة والثمانين فقدم لأربع مضين من ذي الحجة وفي الرواية المتممة للثمانين قدم....لأربع خلون من العشر. الرواية الثانية والثمانون (هذه عمرة استمتعنا بها) أي استمتعتم بها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعاً، ويمكن حمل استمتاعه صلى الله عليه وسلم على القران كما سبق. (فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة) أي اندرجت أفعالها في أفعال الحج للقارن، أو دخل زمنها في زمن الحج، فليست في هذه الأشهر من أفجر الفجور. الرواية الرابعة والثمانون (وسلت الدم) يقال: سلت الدم بفتح السين واللام مخففة يسلت بكسر اللام وضمها سلتاً، أي سله وسحبه، والمقصود هنا سحب الدم الذي يسيل من الإشعار وتجفيفه. الرواية الخامسة والثمانون (ما هذه الفتيا التي قد تشغفت بالناس؟) في بعض النسخ ما هذا الفتيا والأولى أجود، والثانية توجه على أنه أراد بالفتيا الإفتاء. ومعنى تشغفت بالناس بالشين والغين بعدها فاء، ثلاثتها مفتوح مع تشديد الفاء، أي علقت بالقلوب وشغفوا بها. (أو تشغبت بالناس؟) بفتح الشين والغين المشددة، بعدها باء، أي خلطت على الناس أمورهم وأحدثت فيهم شغباً، وروى تشعبت بالناس بالعين المهملة بدل الغين المعجمة، ومعناها فرقت مذاهب الناس وأوقعت الخلاف بينهم، وسلكت بهم شعاباً مختلفة وفي الرواية السادسة والثمانين إن هذا الأمر قد تفشغ بالناس بفتح الفاء والشين المشددة بعدها غين معجمة ومعناه انتشر وفشا بين الناس. (أن من طاف بالبيت فقد حل) في الرواية السادسة والثمانين من طاف بالبيت فقد حل، الطواف عمرة وفي الرواية السابعة والثمانين لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل قال النووي: هذا الذي ذكره ابن عباس مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور. اهـ وسيأتي شرح ذلك في فقه الحديث. (وإن رغمتم) الرغم بضم الراء وكسرها الكره والذل والهوان. أي وإن كرهتم. الرواية السابعة والثمانون (فإن ذلك بعد المعرف) أي لا يطوف بالبيت حاج إلا حل، ذاك الطواف الذي بعد الوقوف بعرفة. الرواية الثامنة والثمانون (أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟) بأسلوب الاستفهام، والمراد أنت تعلم، وفي الرواية التاسعة والثمانين قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص والمشقص بكسر الميم وإسكان الشين وفتح القاف قال النووي: قال أبو عبيد وغيره: هو نصل السهم إذا كان طويلاً ليس بعريض. وقال أبو حنيفة الدينوري: هو كل نصل فيه عترة، دقة الحرف ورقته -وهو الثاني وسط الحربة، وقال الخليل: هو سهم فيه نصل عريض يرمى به الوحش. اهـ فكان الحلق بالموسى، والقص والتقصير بما يشبه السكين، من نصل ونحوه. قال النووي: هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارناً، كما سبق إيضاحه وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلماً، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان. هذا هو الصحيح المشهور، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة السابقة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر الهدي وفي رواية حتى أحل من الحج والله أعلم. الرواية المتممة للتسعين (ورحنا إلى منى) معناه أردنا الرواح إلى منى، وقد سبق مثله. الرواية الخامسة والتسعون (ليهلن ابن مريم بفج الروحاء) بفتح الفاء وتشديد الجيم، هو بين مكة والمدينة، وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وإلى مكة عام الفتح، وعام حجة الوداع. (حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما) بفتح الياء في أوله، ومعناه يقرن بينهما، يقال: ثنى الشيء بتخفيف النون يثنيه ثنياً عطف ورد بعضه على بعض. والله أعلم. فقه الحديث وضع الإمام النووي هذه الأحاديث تحت أبواب مختلفة لتعرض بعضها إلى تلك الأبواب، ووضعناها كلها تحت باب وجوه الإحرام لاتصالها به وحديثها عنه، أما الموضوعات الفرعية فسنضع لها عناوين فرعية، أو نكتفي بالكلام عنها فيما يؤخذ من الحديث. وبالله التوفيق. وقد أجمع العلماء على جواز العمرة قبل الحج، سواء حج في سنته أم لا، وكذا الحج قبل العمرة، واحتجوا له بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج رواه البخاري، وبالأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر قبل حجته، وكان أصحابه رضي الله عنه في حجة الوداع أقساماً، منهم من اعتمر قبل الحج، ومنهم من حج قبل العمرة. قال النووي: اعلم أن أحاديث الباب متظاهرة على جواز إفراد الحج عن العمرة وجواز التمتع، وجواز القران، وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة [يعني الإفراد والتمتع والقران] لما روت عائشة في الصحيحين قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة. قال: وأما النهي الوارد عن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- فسنوضح معناه في موضعه إن شاء الله تعالى. اهـ أما الإفراد: فصورته الأصلية أن يحرم بالحج وحده في أشهره، ثم يأتي بأفعاله كلها، ثم يعتمر إذا شاء. ولا خلاف بين العلماء في جواز هذه الصورة، وإنما خلافهم -وسيأتي- في كونها أفضل صور الحج، أو هناك من الصور ما يفضلها. وأما التمتع: فصورته الأصلية أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ من أعمالها، ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج في نفس العام. وهذه الصورة جائزة بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} وسميت هذه الصورة تمتعاً لأنه يحل لصاحبها بعد التحلل من العمرة، وقبل أن يحرم بالحج التمتع بجميع محظورات الإحرام. قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بالآية هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال: ومن التمتع أيضاً القران، لأنه تمتع بسقوط سفر للنسك الآخر من بلده. اهـ وإطلاق التمتع على القران إطلاق لغوي، وسنتكلم عنه كوجه مستقل من وجوه الإحرام. وبعضهم يطلق التمتع على فسخ الحج ثم التحلل منه بعمل عمرة، فيصير بعد العمرة متمتعاً، وسنتكلم عنه كوجه من وجوه الإحرام. ولهذه الإطلاقات المتغايرة جاءت تعريفات التمتع مختلفة، فقيل: التمتع الجمع بين الحج والعمرة يتحلل بينهما إن لم يكن سائقاً الهدي، وقيل: هو ضم العمرة إلى الحج، وقيل: أن يدخل الرجل مكة في أشهر الحج بعمرة ثم يقيم فيها حتى يحج، وقد خرج من إحرامه وتمتع بالنساء والطيب، وقيل: التمتع الترفق بأداء النسكين على وجه الصحة في سفرة واحدة من غير أن يلم بأهله إلماماً صحيحاً، ولهذا لم يتحقق من المكي. والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع هو فسخ للحج الذي أحرموا به أولاًَ وحده وتحويله إلى عمرة، وبعبارة أخرى فسخ للحج والتحلل منه بعمل عمرة، ثم تمتع بين التحلل من العمرة والإحرام بالحج، ثم إحرام بالحج يوم التروية، كان هذا الأمر لمن لم يكن معه هدي، فهو من حيث الإحرام بالعمرة في أشهر الحج والإتيان بأعمالها والتحلل منها، ثم الإحرام بالحج في نفس العام تمتع شرعي، تصدق عليه الآية الكريمة، لا خلاف في ذلك. أما من لم يكن معه هدي فقد أمره صلى الله عليه وسلم أن يستمر على إحرامه بالحج، لا يتحلل حتى يأتي بأعمال الحج، وينحر هديه. لكن هل يدخل العمرة على الحج؟ فيكون قارناً؟ أو لا يدخل العمرة على الحج؟ فيظل مفرداً؟ ظاهر حديث عائشة السابق أن بعضهم كان قارناً، وبعضهم ظل مفرداً، فهي تقول: فمنا من أهل بالحج أي وظل عليه ولم يغير -ومنا من أهل بعمرة- وفسخ الحج وتحلل، ثم أحرم بالحج فكان متمتعاً وذاك الذي لم يسق الهدي -ومنا من أهل بالحج والعمرة- أي أدخل العمرة على الحج، فكان قارناً. ويمكن فهم الأحاديث التي ظاهرها التعارض على هذا النحو، وأن بعض الرواة تحدث عن منظر من مناظر هذا الحدث، فظن أنه يتحدث عن منظر آخر، فتوهم التعارض بين الروايات، وقد استعرضناها مع محاولة لرفع التعارض في أول المباحث العربية. كما استعرضنا إحرام عائشة -رضي الله عنها- على وجه الاستقلال، لأنها في حجة الوداع كان لها وضع خاص. وإذا كان الأمر كذلك، وأن التمتع جائز كوجه من وجوه الإحرام، فكيف منعه عمر وعثمان ومعهما بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ وما موقف فقهاء المسلمين من هذا المنع؟. ابتداء نجمع ما ورد في مسلم بخصوص هذه المسألة من روايات. ففي الرواية الثالثة والثلاثين عن أبي نضرة، قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها. قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله، وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح إلى أجل إلا رجمته بالحجارة وفي رواية قال: فافصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم. وفي الرواية الواحدة والأربعين يقول أبو موسى الأشعري، بعد أن حكى تمتعه في حجة الوداع، يقول: فكنت أفتي به الناس -أي بجواز التمتع- حتى كان في خلافة عمر رضي الله عنه فقال له رجل: يا أبا موسى. رويدك بعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: أيها الناس. من كنا أفتيناه فتيا فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم، فبه فائتموا. قال: فقدم عمر رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال: إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله وقريب من هذا في الرواية الثانية والأربعين وفيها فلما قدم قلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟. وفي الرواية الرابعة والأربعين. قال عمر لأبي موسى رضي الله عنهما قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الآراك، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم. وفي الرواية الخامسة والأربعين كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عثمان: أجل. ولكنا كنا خائفين. وفي الرواية السادسة والأربعين اجتمع علي وعثمان -رضي الله عنهما- بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك. وفي الرواية السابعة والأربعين يقول أبو ذر رضي الله عنه: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وفي الرواية الثامنة والأربعين يقول أبو ذر أيضاً كانت لنا رخصة يعني متعة الحج. وفي الرواية التاسعة والأربعين يقول أبو ذر أيضاً: لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة يعني متعة النساء ومتعة الحج. وفي الرواية المتممة للخمسين عن أبي ذر مثل ذلك. وفي الرواية الثانية والخمسين عن عمران بن حصين قال: أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي وفي رواية ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر. وفي الرواية الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين والخامسة والخمسين والسادسة والخمسين والسابعة والخمسين عن عمران بن حصين مثل ذلك. وفي الرواية الثانية والتسعين عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت، فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين؟ فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما. تلك هي روايات الإمام مسلم لموقف عمر ومن تبعه من الصحابة رضي الله عنهم، وأقول: ومن تبعه، لأنه أول من قال هذا القول، ودافع عنه، وأمر بعدم المتعة، أو نهى عن المتعة، وشدد في هذا النهي حتى خاف منه من يعارضه، كما نلحظ ذلك في روايات أبي موسى، وروايات عمران بن حصين. قال الحافظ ابن حجر: إن عمر أول من نهى عن المتعة وكأن من بعده كان تابعاً له في ذلك. وقد اختلف العلماء في فهم مراد عمر ومن تبعه من هذا النهي، هل كان ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة على أنه تمتع؟ أو كان ينهى عن التمتع الشرعي؟ وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج؟ والإتيان بأفعالها؟ ثم التحلل منها؟ والإحرام بالحج في العام نفسه؟ وعلى الثاني هل كان يمنع ذلك وينهى عنه على أنه جائز مفضول؟ أو على أنه غير جائز؟ أقوال. يقول المازري: اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج، فقيل: هي فسخ الحج إلى العمرة، وقيل: هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيباً في الإفراد الذي هو الأفضل، لا أنه يعتقد بطلانها أو تحريمها. اهـ فالفريق الأول: يمثله القاضي عياض إذ يقول: ظاهر حديث جابر [روايتنا الثالثة والثلاثين، وفيها تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله، كما أمركم الله وروايتنا الثانية والتسعين: وفيها فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما] وعمران [روايتنا الثانية والخمسين والثالثة والخمسين والرابعة والخمسين والخامسة والخمسين والسادسة والخمسين والسابعة والخمسين] وأبي موسى [روايتنا الواحدة والأربعين، وفيها قال عمر: إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله]. أقول: يقول القاضي عياض: ظاهر حديث جابر وعمران وأبي موسى أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج إلى العمرة. قال: ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها، ولا يضربهم [أي ولا يصح أن يضربهم] على مجرد التمتع في أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج إلى العمرة كان مخصوصاً في تلك السنة، لإبطال اعتقاد الجاهلية أن العمرة لا تصح في أشهر الحج. انتهى. ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث أن قول عمر: إن الله يحل لرسوله ما شاء بما شاء.. إلخ يريد أن الله أحل لرسوله صلى الله عليه وسلم فسخ الحج إلى العمرة في ذلك العام بسبب ما شاء من إبطال عقيدة الجاهلية، وإن القرآن الكريم قد أخذ وضعه وعمومه في الأمر بإتمام الحج، والذي يفسخ الحج يخالف الأمر بإتمامه دون إحصار، فإن نأخذ بكتاب الله لا نفسخ فإن كتاب الله يأمر بالتمام، وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية، أي بفعله صلى الله عليه وسلم لا نفسخ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفسخ، واستمر على إحرامه الأول بالحج حتى نحر هديه، سواء أدخل عليه العمرة فصار قارناً، أو ظل مفرداً، فكتاب الله دال على منع التحلل لأمره بالإتمام، فيقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على ذلك وأحاديث جابر وأبي موسى. رضي الله عنهما تعطي هذا المعنى، وإن كان في بعض رواياتهما ما يعارضه -كما سيأتي- أما أحاديث عمران رضي الله عنه فإنها لا يتضح فيها هذا المعنى، وربما كان القاضي عياض يقصد روايات أخرى له في غير مسلم. على أن أحاديث أبي ذر رضي الله عنه، [رواياتنا السابعة والأربعون والثامنة والأربعون والتاسعة والأربعون] صريحة في الخصوصية والرخصة لأصحاب محمد، أي الذين لم يسوقوا الهدي، فهي تؤيد هذا القول. قال القاضي عياض: وجمهور الأئمة على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصاً بالصحابة. اهـ فسخ الحج إلى العمرة: صريح الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي أن يفسخ الحج الذي أحرم به، وأن يجعله عمرة، ففي الرواية العاشرة قال لأصحابه: اجعلوها عمرة وفي الرواية الثانية والثلاثين والرابعة والثلاثين فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، ونحل. قال جابر: وكان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة وفي الرواية الخامسة والثلاثين فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة وفي الرواية المتممة للتسعين يقول أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة، إلا من ساق الهدي وعند البخاري يقول ابن عباس فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي. ولا خلاف بين العلماء في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي في حجة الوداع أن يفسخ الحج إلى العمرة، ولكن الخلاف في كون هذا الفسخ رخصة لهذا العام فقط؟ أو هو حكم شرعي عام إلى يوم القيامة؟. يقول النووي في المجموع: مذهب الشافعية أنه إذا أحرم بالحج لا يجوز له فسخه وقلبه عمرة، وإذا أحرم بالعمرة لا يجوز له فسخها حجاً، لا لعذر، ولا لغيره، وسواء ساق الهدي أم لا. فهذا مذهبنا، قال ابن الصباغ والعبدري وآخرون: وبه قال عامة الفقهاء وقال أحمد: يجوز فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، وقال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم: جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصاً للصحابة، قال: وقال بعض أهل الظاهر: هو جائز الآن. اهـ وصريح روايات أبي ذر أن هذا كان رخصة وخصوصية لذلك العام، لكن الإمام أحمد لم يأخذ بها، فهي موقوفة على أبي ذر، ولم يأخذ بحديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة؟ أم للناس عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل لكم خاصة رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. قال النووي: وإسناده صحيح إلا الحارث بن بلال، ولم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً. قال الإمام أحمد: هذا الحديث لا يثبت عندي، ولا أقول به. ويمكن أن يحتج للإمام أحمد بروايتنا الخامسة والثلاثين، وفيها فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا؟ أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في -الحج مرتين- لا. بل لأبد أبد. ويجيب الجمهور عن هذا الاستدلال بأن المراد به جواز العمرة في أشهر الحج، لا فسخ الحج إلى العمرة، أو أن المراد دخول أفعالها في أفعال الحج، وهو القران، وحمله من يقول: إن العمرة ليست واجبة على أن العمرة اندرجت في الحج، فلا تجب، وإنما تجب على المكلف حجة الإسلام دون العمرة. ونعود إلى تحرير مراد عمر ومن تبعه من الصحابة من النهي عن المتعة، فنقول: الفريق الثاني: يقول: إن نهي عمر وعثمان وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، عن متعة الحج، أي الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، ثم الحج في العام نفسه، وليس عن فسخ الحج إلى العمرة، وظاهر الروايات معهم، فمن الصعب جداً أن نحمل على الفسخ أمر ابن عباس بالمتعة، ونهى ابن الزبير عنها، في الرواية الثالثة والثلاثين، وكذلك نهى عثمان عن المتعة وأمر علي بها في الرواية الخامسة والأربعين والسادسة والأربعين، إذ لم يكن هناك من أحرم بالحج ويريد أن يفسخه إلى عمرة، وإنما كان ذلك فيمن يريد الإحرام بالعمرة في أشهر الحج، وروايات عمران بن حصين، الثانية والخمسون وما بعدها تقول: أعمر طائفة من أهله في العشر فالخلاف إذن في الإحرام بالعمرة في أشهر الحج. ويرى هذا الفريق أن عمر وعثمان كانا ينهيان نهي منع، وحمل للناس على عدم التمتع، قال النووي في المجموع: ومن العلماء من أصحابنا وغيرهم من يقتضي كلامه أن مذهب عمر بطلان التمتع، وهو ضعيف، وقال العيني: وقد أنكر عليهم علماء الصحابة، وخالفوهم في فعلها، والحق مع المنكرين عليهم دونهم. اهـ الفريق الثالث: كالفريق الثاني في أن المنهي عنه على لسان عمر وعثمان ومن تبعهما رضي الله عنهما هو متعة الحج، والفرق بين الفريقين أن هذا الفريق يرى أن النهي نهي تفضيل للإفراد على التمتع، لا نهي منع، يؤيد ذلك ما جاء في روايتنا الرابعة والأربعين من قول عمر: ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم يقول النووي: والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج، ثم الحج من عامه، ومرادهم نهي أولوية للترغيب في الإفراد، لكونه أفضل، وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران، من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها. اهـ وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سالم قال: سئل ابن عمر عن متعة الحج، فأمر بها، فقيل له: إنك تخالف أباك؟ فقال: إن أبي لم يقل: إن العمرة في أشهر الحج حرام ولكنه قال: أفردوا الحج عن العمرة، فإن العمرة لا تتم في أشهر الحج، إن عمر نهى عن ذلك يبغي فيه الخير، فإذا أكثروا عليه قال: فكتاب الله أحق أن يتبع؟ أم عمر؟ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا؟ أم عمر؟ فمراد عمر تفضيل إخلاص أشهر الحج للحج، والاعتمار في غير أشهره، لأن العمرة في أشهر الحج يتمتع بها إلى الحج، والتمتع لا يتم إلا بالهدي والصيام إذا لم يجد هدياً، والعمرة في غير أشهر الحج تتم بلا هدي ولا صيام، فترك التمتع إتمام للعمرة، فكره التمتع. بقي أن نقول: إن الروايات التي ساقها الإمام مسلم تفيد أن من ساق الهدي لا يتمتع، ولا يحل حتى يحل من الحج والعمرة وينحر هديه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وموافقيهما، قال النووي: ومذهب مالك والشافعي وموافقيهما أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته، وحل له كل شيء في الحال، سواء كان ساق هدياً أم لا، واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدي، وبأنه تحلل من نسكه، فوجب أن يحل له كل شيء، كما لو تحلل المحرم بالحج، وأجابوا عن هذه الروايات بأنها مختصرة من الروايات التي ذكرها مسلم بعدها، والتي ذكرها قبلها عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً فهذه الرواية مفسرة للمحذوف من الروايات التي احتج بها أبو حنيفة، وتقديرها: ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه. قال: ولا بد من هذا التأويل، لأن القضية واحدة، والراوي واحد، فيتعين الجمع بين الروايات على ما ذكرناه. اهـ والتحقيق أن ظاهر الروايات مع أبي حنيفة وأحمد، ولا قياس مع النص، والجمع ممكن بغير ما جمع به النووي كما وضحنا في أول المباحث العربية. وأما القران فصورته -كما قال النووي- أن يحرم بهما جميعاً، وكذا لو أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارناً، فلو أحرم بالحج، ثم أحرم بالعمرة فقولان للشافعي، أصحهما لا يصح إحرامه بالعمرة، والثاني يصح ويصير قارناً، بشرط أن يكون قبل الشروع في أسباب التحلل من الحج، وقيل: قبل الوقوف بعرفات، وقيل: قبل فعل فرض، وقيل: قبل طواف القدوم أو غيره. وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن لمن أهل بالعمرة في أشهر الحج أن يدخل عليها الحج، ما لم يفتتح الطواف بالبيت، قال: واختلفوا في إدخاله عليها بعد افتتاح الطواف، فجوزه مالك ومنعه الشافعي، واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فقال أصحابنا: يجوز ويصير قارناً، وهو قول قديم للشافعي، ومنعه الشافعي في مصر، ونقل منعه عن أكثر من لقيه. قال ابن المنذر: وبقول مالك أقول. أي وجوه الإحرام الثلاثة أفضل؟ قال النووي: أما الأفضل من هذه الأنواع الثلاثة ففيه طرق وأقوال منتشرة الصحيح منها أن أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران، وقال في شرح مسلم: واحتج الشافعي وأصحابه في ترجيح الإفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وهؤلاء لهم مزية على غيرهم في حجة الوداع، ثم ذكر مزاياهم، وقال: ومن دلائل ترجيح الإفراد أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج، وواظبوا على إفراده، ولو لم يكن الإفراد أفضل لم يواظبوا عليه مع أنهم الأئمة الأعلام، وقادة الإسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، فكيف يليق بهم المواظبة على خلاف الأفضل؟ ومنها أن الإفراد لا يجب فيه دم بالإجماع، وذلك لكماله، ويجب الدم في التمتع والقران، وهو دم جبران، لفوات الميقات وغيره، فكان ما لا يحتاج إلى جبر أفضل ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الإفراد من غير كراهة، وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع، وبعضهم كره التمتع والقران، فكان الإفراد أفضل. والله أعلم. القول الثاني أن أفضلها التمتع ثم الإفراد، الثالث: أفضلها الإفراد ثم القران ثم التمتع، وقال: قال أصحابنا: وشرط تقديم الإفراد أن يحج ثم يعتمر في سنة واحدة، فإن أخر العمرة عن سنة فكل واحد من التمتع والقران أفضل منه بلا خلاف، لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه. هذا مذهب الشافعية، وبه قال العلماء وكافة الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو ثور وداود، وقال أبو حنيفة: القران أفضل، وقال أحمد: التمتع أفضل، وحكى أبو يوسف أن التمتع والقران أفضل من الإفراد، وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة، لا أفضلية لبعضها على بعض. ثم قال النووي: قال المزني في المختصر: قال الشافعي في اختلاف الحديث: ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا. قال القاضي حسين: إنما استيسر الخلاف فيه لأن الأنواع الثلاثة منصوص عليها في القرآن، وكلها منقولة عنه صلى الله عليه وسلم، صحيحة عنه وكلها جائزة بالإجماع، أما الإفراد فبين في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]. وأما التمتع ففي قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]. وأما القران ففي قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. قال النووي: هذا كلام القاضي حسين، وفي الاستدلال بهذه الأخيرة للقران نظر، وقد استدل بها أصحاب أبي حنيفة لمذهبهم في ترجيح القران، وأنكر ذلك أصحابنا، وقالوا: لا دلالة في الآية للقران، لأنه ليس في الآية أكثر من جمع الحج والعمرة في الذكر، ولا يلزم من ذلك جمعهما في الفعل، نظيره قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة} [المزمل: 20]. على أي وجه أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفرداً، نذكر منهم: عائشة رضي الله عنها. ففي روايتنا الرابعة تقول: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه وفي الرواية التاسعة والخامسة عشرة والسابعة عشرة تقول: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج وفي العاشرة لا نذكر إلا الحج وفي الرواية الثانية عشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وفي الرواية الثالثة عشرة: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج. ونذكر منهم جابر بن عبد الله رضي الله عنه. ففي روايتنا الثالثة والعشرين يقول: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد وفي الرواية السادسة والعشرين والثانية والثلاثين: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج وفي الرواية الواحدة والثلاثين أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه وقد أهلوا بالحج مفردا وفي الرواية الرابعة والثلاثين قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك بالحج وفي الخامسة والثلاثين لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة وفي الواحدة والتسعين قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً. ونذكر منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ففي روايتنا السادسة والستين يقول: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً وفي ملحقها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفرداً وفي السابعة والستين يقول: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وحده وفي الرواية المتممة للسبعين رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج. وروى البيهقي بإٍسناد صحيح عن زيد بن أسلم أن رجلاً أتى ابن عمر، فقال: بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بالحج. ثم أتاه من العام المقبل، فسأله، فقال: ألم تأتني عام أول؟ قال: بلى. ولكن أنساً يزعم أنه قرن؟ قال ابن عمر: إن أنساً كان يدخل على النساء وهن منكشفات الرءوس، وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه يلبي بالحج. ونذكر منهم ابن عباس رضي الله عنهما. ففي روايتنا الثامنة والسبعين يقول: فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج وفي الرواية التاسعة والسبعين أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وفي ملحقها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهل بالحج وفي الرواية المتممة للثمانين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأربع خلون من العشر وهم يلبون بالحج وفي الرابعة والثمانين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج. ونذكر منهم أبا سعيد الخدري رضي الله عنه. ففي روايتنا المتممة للتسعين والواحدة والتسعين خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخاً. ومن الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع متمتعاًَ. نذكر منهم: عائشة رضي الله عنها. ففي ملحق الرواية الثامنة والخمسين تقول في تمتعه صلى الله عليه وسلم بالحج إلى العمرة: وتمتع الناس معه ونذكر منهم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ففي روايتنا الثالثة والثلاثين يقول تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونذكر منهم عمر نفسه رضي الله عنه ففي روايتنا الرابعة والأربعين يقول قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه. ونذكر منهم علياً رضي الله عنه. ففي روايتنا الخامسة والأربعين يقول لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي السادسة والأربعين يقول لعثمان -رضي الله عنهما- ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟. ونذكر منهم عمران بن حصين رضي الله عنه. ففي روايتنا السادسة والخمسين يقول تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ملحقها يقول تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه ونذكر منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ففي روايتنا الثامنة والخمسين يقول تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج.... وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج. ومن الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع قارناً، نذكر منهم حفصة رضي الله عنها. ففي روايتنا التاسعة والخمسين والمتممة للستين تقول للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أحل من الحج. ونذكر منهم عمران بن حصين رضي الله عنه. ففي روايتنا الثالثة والخمسين والرابعة والخمسين والخامسة والخمسين يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ونذكر منهم أنس بن مالك رضي الله عنه. ففي روايتنا السابعة والستين والثامنة والستين يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً، سمعته يقول: لبيك عمرة وحجاً. قال النووي في المجموع: من الصحابة من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع مفرداً، ومنهم من روى أنه كان قارناً، ومنهم من روى أنه كان متمتعاً، وكله في الصحيح، وهي قصة واحدة، فيجب تأويل جميعها ببعضها، والجمع بينها، والصواب الذي نعتقده أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولاً بالحج مفرداًً، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارناً، وإدخال العمرة على الحج جائز على أحد القولين عندنا، وعلى الأصح لا يجوز لنا وجاز للنبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة للحاجة. وعلى هذا سهل الجمع بين الأحاديث، فمن روى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفرداًَ -وهم الأكثرون- أراد أول الإحرام ومن روى أنه كان قارناً أراد آخر الإحرام ومن روى أنه كان متمتعاً أراد التمتع اللغوي، ويؤيد هذا الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر تلك السنة عمرة منفردة، لا قبل الحج ولا بعده، وقد قدمنا أن القران أفضل من إفراد الحج من غير عمرة بلا خلاف، ولو جعلت حجته صلى الله عليه وسلم مفردة لزم منه أن لا يكون اعتمر تلك السنة، ولم يقل أحد: إن الحج وحده أفضل من القران. وعلى هذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها في حجته صلى الله عليه وسلم في نفسه. وتأول جماعة من أصحابنا الأحاديث التي جاءت أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً أو قارناً بأنه أمر بذلك، كما قالوا: رجم ماعزاً -أي أمر برجمه. وهذا ضعيف، يرده صريح الروايات الصحيحة السابقة، بل الصواب ما قدمته، والله أعلم. اهـ وجوب الدم على المتمتع والقارن: قال النووي في المجموع: يجب على المتمتع الدم، لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} قال أصحابنا: ولوجوب هذا الدم شروط: أحدها: ألا يكون من حاضري المسجد الحرام، وهم من مسكنه دون مسافة القصر من الحرم [وقيل غير ذلك] ثانيها: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فلو أحرم بها، وفرغ منها قبل أشهر الحج، ثم حج في سنته لم يلزمه دم بلا خلاف عندنا، وبه قال جمهور العلماء، ثالثها: أن تقع العمرة والحج في سنة واحدة، فلو اعتمر في سنة، ثم حج في السنة القابلة فلا دم، سواء أقام بمكة إلى أن حج، أم رجع وعاد. رابعها: أن لا يعود إلى الميقات، فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم بالعمرة منه، وأحرم بالحج فلا دم بالاتفاق. خامسها: وهو مختلف فيه. وهو هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد؟ سادسها: مختلف فيه أيضاً، وهو نية التمتع. سابعها: أن يحرم بالعمرة من الميقات، فلو جاوزه مريداً للنسك، ثم أحرم بها فليس عليه دم التمتع، بل يلزمه دم الإساءة، وفي المسألة خلاف مبسوط في كتب الفقه. ثم قال: ويلزم القارن دم بلا خلاف، لأنه إذا وجب على المتمتع، لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى، ولأن القارن أقل فعلاً من المتمتع، فإذا لزم المتمتع الدم فالقارن أولى. والله أعلم. بقية وجوه الإحرام: والمحرمون أنواع: مفرد بالحج، ومفرد بالعمرة، وتمتع بالعمرة إلى الحج، وقارن بينهما، وفاسخ الحج بعمل عمرة، ومدخل الحج على العمرة ومدخل العمرة على الحج، ومحرم بنسك مطلق دون تعيين، ومحرم إحراماً معلقاً كإحرام فلان. وقد أوضحنا صور وأحكام الإفراد والتمتع والقران وفسخ الحج، كما تعرضنا عند صور القران إلى إدخال الحج على العمرة، وإدخال العمرة على الحج، ونضيف هنا ما قاله النووي في شرح مسلم حيث قال: وقد اتفق جمهور العلماء على جواز إدخال الحج على العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه وقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة واختلفوا في إدخال العمرة على الحج، فجوزه أصحاب الرأي، وهو قول الشافعي، ومنعه آخرون وقالوا: كان هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ في أشهر الحج. اهـ الإحرام المطلق: أما الإحرام بنسك دون تعيين فيمكن أن يستدل له بروايتنا الخامسة والثلاثين بقول جابر فأهل بالتوحيد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. وذكر القاضي حسين أن الشافعي نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مطلقاً، وكان ينتظر القضاء، وهو نزول جبريل ببيان ما يصرف إحرامه المطلق إليه، فنزل جبريل عليه السلام، وأمره بصرفه إلى الحج المفرد، وذكر البيهقي في السنن الكبرى تحت باب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم إحراماً مطلقاًً، عن طاوس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، لا يسمى حجاً ولا عمرة، ينتظر القضاء... قال النووي: ظاهر الأحاديث الصحيحة كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إحراماً مطلقاً، بل معيناً. اهـ هذا. وقد يحتاج إلى هذه المسألة بعض العوام الذين يصلون الميقات وهم لا يعرفون الفرق بين الإفراد والتمتع والقران، ولكن مادام الشرع في فسحة من إدخال الحج على العمرة والعمرة على الحج فلا إشكال وعليهم أن يحرموا بالتعيين، والله أعلم. أما الإحرام المعلق فظاهر روايتنا الخامسة والثلاثين، وفيها أن علياً رضي الله عنه قال في إحرامه: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ورواياتنا الواحدة والأربعون والثانية والأربعون والثالثة والأربعون، فيها أن أبا موسى رضي الله عنه قال في إحرامه لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإحرام المعلق، ظاهر هذا جواز الإحرام المعلق، قال الحافظ ابن حجر: في هذه الأحاديث دلالة على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير، مع اختلاف آخر الحديثين في التحلل [يقصد حديث علي وحديث أبي موسى] وذلك أن أبا موسى لم يكن معه هدي، فصار له حكم النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يكن معه هدي، وقد قال: لولا الهدي لأحللت أي وفسخت الحج إلى العمرة، كما فعله أصحابه بأمره، وأما علي فكان معه هدي، فلذلك أمره بالبقاء على إحرامه، وصار مثله قارناً. وقال في موضع آخر: وأما مطلق الإحرام على الإبهام، فهو جائز، ثم يصرفه المحرم لما شاء، لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، وهذا قول الجمهور، وعن المالكية: لا يصح الإحرام على الإبهام، وهو قول الكوفيين. قال ابن المنير: أشار البخاري إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن، لأن علياً وأبا موسى لم يكن عندهما أصل يرجعان إليه في كيفية الإحرام، فأحالاه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الآن فقد استقرت الأحكام، وعرفت مراتب الإحرام، فلا يصح ذلك. والله أعلم. ويؤخذ من هذه المجموعة من الأحاديث فوق ما تقدم:
1- من الرواية الأولى من قول عائشة رضي الله عنها وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً قال النووي: هذا دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد عن طواف الركن، وأنه يقتصر على أفعال الحج، وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وبهذا قال الشافعي ومالك وأحمد وداود، وقال أبو حنيفة: يلزمه طوافان وسعيان. اهـ ويؤيد هذا ما جاء في روايتنا التاسعة عشرة والمتممة للعشرين من قوله صلى الله عليه وسلم لها يسعك طوافك لحجك وعمرتك يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجتك وعمرتك وفي الرواية الثالثة والعشرين يقول جابر رضي الله عنه حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً وفي الثامنة والعشرين يقول لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول. ودافع العيني عن مذهب أبي حنيفة، فقال: روى مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين الحج والعمرة، وقال: سبيلهما واحد، وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت كما روي عن علي مثل ذلك. اهـ والذي في الصحيح عن ابن عمر خلاف ذلك، ففي روايتنا الثانية والستين أنه طاف وسعى لم يزد، ورأى أنه مجزئ عنه. وفي الثالثة والستين ثم طاف لهما طوافاً واحداً بالبيت وبين الصفا والمروة وقال في آخر الرواية من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد وفي الرواية الرابعة والستين ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما أضيف إلى علي رضي الله عنه فضعيف باتفاق الحفاظ قاله النووي.
2- ومن قولها فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت والصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر... إلخ أن المتمتع يطوف ويسعى للعمرة، ثم يطوف ويسعى للحج.
3- ومن قولها فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلخ أن الحائض لا تطوف بالبيت، وإذا لم تطف لا تسعى، لأن شرط السعي أن يسبق بطواف. قال العيني: وقد اختلفوا في طواف المحدث، فعن أحمد طواف المحدث والجنب لا يصح، وعنه يصح، وعن الحنفية: الطهارة ليست بشرط، فلو طاف وعليه نجاسة أو طاف محدثاً أو جنباً صح طوافه، لقوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]. وأمر بالطواف مطلقاً، وتقييده بالطهارة بخبر الواحد زيادة على النص، فلا يجوز، ولكن إن طاف محدثاً فعليه شاة، وإن طاف جنباً فعليه بدنة، ويعيده مادام في مكة [وتأمل فيما ذكره فهو زيادة على النص، وبدون خبر الواحد] وعن داود: الطهارة له واجبة، فإن طاف محدثاً أجزأه، إلا الحائض، وعند الشافعي: الطهارة شرط، فلا يصح بدونها، ومذهب الجمهور أن السعي يصح من المحدث والجنب والحائض. اهـ ويؤيد قول الجمهور أن الحائض لا تطوف ما جاء في روايتنا التاسعة فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي وفي العاشرة افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
4- وبقوله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً استدل من يقول بأفضلية القران، لأن هذه الصورة صورة القران، وقد أمر به، وكان صلى الله عليه وسلم قارناً. وقد يجاب عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كما أمر بالقران في هذه الرواية خير بين الوجوه الثلاثة في الرواية الرابعة من أراد أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل ويمكن لمن يفضل الإفراد بقولها في الرواية نفسها فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج، وأهل به ناس معه أن يقول: إن القران والتمتع في حجة الوداع كان لمصلحة خارجة عن أفضليتهما، ذلك ليعتمروا في أشهر الحج.
5- ويستدل به على جواز إدخال الحج على العمرة، وقد سبقت المسألة.
6- قال العيني: وفيه أن المتمتع إذا فرغ من أعمال العمرة لم يحل حتى يحرم بالحج إذا كان معه هدي، وهو مذهب أصحابنا، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. اهـ وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد، ويمكن أن يستدل له بحديث حفصة رضي الله عنها، روايتنا التاسعة والخمسين والمتممة للستين. إذ قالت: ما شأن الناس حلوا؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج ومذهب الشافعية والمالكية أن المتمتع إذا فرغ من أفعال العمرة صار حلالاً، وحل له الطيب واللباس والنساء وكل محرمات الإحرام، سواء ساق الهدي أم لا، واحتجوا بأنه متمتع أكمل أفعال عمرته، فتحلل، كمن لم يكن معه هدي، وأما حديث حفصة فلا حجة لهم فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً أو قارناً، ولهذا قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.
7- ومن قوله انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج استحباب الغسل عند الإحرام، وأنه يستحب لكل من أراد الإحرام بحج أو عمرة سواء الحائض وغيرها.
8- وفي إرساله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها إلى التنعيم للإحرام بالعمرة دليل لما قاله العلماء أن من كان بمكة وأراد العمرة فميقاته لها أدنى الحل، ولا يجوز أن يحرم بالعمرة من الحرم، فإن خالف وأحرم بها من الحرم، وخرج إلى الحل قبل الطواف أجزأه، ولا دم عليه، وإن لم يخرج وطاف وسعى وحلق ففيه قولان. قيل: لا تصح عمرته حتى يخرج إلى الحل، ثم يطوف ويسعى ويحلق، وقيل: يصح وعليه دم، لتركه الميقات وهو الأصح. قال العلماء: وإنما وجب الخروج إلى الحل ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، كما أن الحاج يجمع بينهما، فإنه يقف بعرفات، وهي في الحل، ثم يدخل مكة للطواف وغيره. قاله النووي، ثم قال: هذا تفصيل مذهب الشافعي، وهكذا قال جمهور العلماء أنه يجب الخروج للإحرام بالعمرة إلى أدنى الحل، وأنه لو أحرم بها في الحرم ولم يخرج لزمه دم، وقال عطاء: لا شيء عليه، وقال مالك: لا يجزئه حتى يخرج إلى الحل، قال القاضي عياض: وقال مالك: لا بد من إحرامه من التنعيم خاصة، قالوا: وهو ميقات المعتمرين من مكة، وهذا شاذ مردود، والذي عليه الجماهير أن جميع جهات الحل سواء ولا تختص بالتنعيم. والله أعلم.
9- ومن خروج عائشة وأمهات المؤمنين -كما هو واضح من الرواية السابعة عشرة- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج استفيد جواز حج الرجل بامرأته، قال النووي: وهو مشروع بالإجماع، وأجمعوا على أن الحج يجب على المرأة إذا استطاعته. واختلف السلف. هل المحرم لها من شروط الاستطاعة؟ وأجمعوا على أن لزوجها أن يمنعها من حج التطوع، وأما حج الفرض فقال جمهور العلماء: ليس له منعها منه، وللشافعي قولان، أحدهما لا يمنعها منه كما قال الجمهور، وأصحهما له منعها، لأن حقه على الفور، والحج على التراخي، قال أصحابنا: ويستحب له أن يحج بزوجته، للأحاديث الصحيحة فيه. 10- ويؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوق الهدي إلى الحرم، وكذلك كثير من الصحابة، قال النووي في المجموع: اتفقوا على أنه يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي هدياً من الأنعام [الإبل والبقرة والغنم] وينحره هناك، ويفرقه على المساكين الموجودين في الحرم، ولا يجب الهدي إلا بالنذر، ويستحب أن يكون الهدي معه من بلده، فإن لم يفعل فشراؤه من الطريق أفضل [واشترى ابن عمر هديه من الطريق. انظر روايتنا الثالثة والستين] من شرائه من مكة، ثم من مكة، ثم من عرفات، فإن لم يسقه أصلاً، بل اشتراه من منى جاز، وحصل أصل الهدي. اهـ وللهدي أحكام فرعية كثيرة تطلب من كتب الفقه، وله في مسلم أبواب كثيرة ستأتي. 1
1- استدل بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الخامسة وروايات أخرى لولا أني سقت الهدي لأهللت بعمرة وفي الرواية الثامنة عشرة ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه، ثم أحل كما حلوا استدل به من يفضل التمتع، ووجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الأفضل. 1
2- ومن إرداف عبد الرحمن لأخته عائشة -رضي الله عنهما- في الرواية الخامسة وغيرها جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة. 1
3- وجواز إرداف الرجل المرأة من محارمة، والخلوة بها، قال النووي: وهذا مجمع عليه. 1
4- ومن بكاء عائشة -رضي الله عنها- في الرواية التاسعة وغيرها أن طبيعة المرأة سرعة الانفعال والبكاء، وهو هنا لخشية ضياع أجر أخروي محمود. وكانت رضي الله عنها حديثة السن لم تتجاوز الثامنة عشرة. 1
5- ومن قوله هذا شيء كتبه الله على بنات آدم أخذ البخاري أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما أرسل وقع في بني إسرائيل. 1
6- وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وتسلية المصاب، وتخفيف همه. 1
7- ومن قولها في الرواية العاشرة أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر قال النووي: هذا محمول على أنه استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه. 1
8- واستدل به مالك على أن التضحية بالبقر أفضل من الإبل، قال النووي: ولا دلالة فيه، لأنه ليس فيه ذكر تفضيل البقر، إنما هي قضية عين محتملة لأمور، فلا حجة فيها لما قاله، وذهب الشافعي والأكثرون إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقرة، لقوله صلى الله عليه وسلم من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة. 1
9- وفي قولها في الرواية الثالثة عشرة قلت: لا أصلي استحباب الكناية عن الحيض ونحوه مما يستحي منه بالحكم الخاص به أدباً وحياء، قال ابن المنير: وقد ظهر أثر ذلك في بناتها المؤمنات، فكلهن يكنين عن الحيض. 20- ومن قوله فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل التدرج في النصح للتخلص من العادات المتأصلة، قال النووي: قال العلماء: خيرهم أولاً بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناساً بالعمرة في أشهر الحج، لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور، ثم حثهم عليها، ثم أمرهم بها أمر عزيمة، وألزمهم إياها، وكره ترددهم. 2
1- ومن قولها فخرج، فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة وجوب طواف الوداع، وسيأتي في باب خاص. 2
2- ومن قوله في الرواية السادسة عشرة ولكنها على قدر نصبك أو على قدر نفقتك أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، قال النووي: والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع، وكذا النفقة. 2
3- وفي قوله في الرواية السابعة عشرة لا بأس انفري دليل على أن طواف الوداع لا يجب على الحائض، ولا يلزمها الصبر إلى طهرها لتأتي به، ولا دم عليها في تركه، قال النووي: هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكاه القاضي عن بعض السلف وهو شاذ مردود. 2
4- وفي غضبه صلى الله عليه وسلم في الرواية الثامنة عشرة استحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين. 2
5- وفي دعاء عائشة على من أغضبه صلى الله عليه وسلم وعدم نقده جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع. 2
6- وفيه حديث الرجل مع زوجته فيما يتعلق بشئونه، وشكواه لها، ومشاركتها له، وتخفيفها عنه. 2
7- وفي قوله ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت... دليل على جواز قول لو في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع. قال النووي: وأما الحديث الصحيح في أن لو تفتح عمل الشيطان فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال لو في غير حظوظ الدنيا ونحوها فيجمع بين الأحاديث بما ذكرنا. والله أعلم. اهـ 2
8- وفي قول جابر رضي الله عنه في الرواية الثالثة والعشرين حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة دليل على أن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح، ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت، ولم تسع كما لم تطف، فلو لم يكن السعي متوقفاً على تقدم الطواف عليه لما أخرته. 2
9- وفي قوله في الرواية الخامسة والعشرين إذا هويت شيئاً تابعها عليه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرة الأزواج، لا سيما فيما كان من باب الطاعة. 30- وفي قوله في الرواية السادسة والعشرين معنا النساء والولدان صحة حج الصبي والحج به، قال النووي: ومذهب مالك والشافعي وأحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أنه يصح حج الصبي، ويثاب عليه، ويترتب عليه أحكام حج البالغ إلا أنه لا يجزيه عن فرض الإسلام، فإذا بلغ بعد ذلك واستطاع لزمه فرض الإسلام، وخالف أبو حنيفة الجمهور، فقال: لا يصح له إحرام ولا حج، ولا ثواب فيه، ولا يترتب عليه شيء من أحكام الحج، قال: وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم، ويتجنب محظورات الإحرام للتعلم. قال: وكذلك لا تصح صلاته، وإنما يؤمر بها لما ذكرناه، وكذلك عنده سائر العبادات، والصواب مذهب الجمهور، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم. والله أعلم. وسيأتي حج الصبي في باب خاص. 3
1- وفي قوله في الرواية نفسها فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج دليل للشافعي وموافقيه أن الأفضل للمتمتع وكل من أراد الإحرام بالحج من مكة لا يحرم به إلا يوم التروية، وقال مالك وآخرون: يحرم من أول ذي الحجة. 3
2- وفي الرواية نفسها جواز الاشتراك في الهدي والأضحية في البدنة والبقرة كل واحدة تجزئ عن سبعة أنفس، وتقوم مقام سبع شياه، وبه قال الشافعي وموافقوه، سواء كان المشتركون مفترضين أو متطوعين، وسواء كانوا متقربين أو كان بعضهم تقرباً وبعضهم يريد اللحم، وبه قال أحمد، وقال مالك: يجوز إن كانوا متطوعين، ولا يجوز إن كانوا مفترضيين، وقال أبو حنيفة: إن كانوا متقربين جاز، سواء اتفقت قربتهم أو اختلفت وإن كان بعضهم تقرباً وبعضهم يريد اللحم لم يصح الاشتراك. 3
3- وفي ترددهم في الرواية المتممة للثلاثين، وقوله فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من تطييب قلوب أصحابه، وتلطفه بهم، وحلمه عليهم. 3
4- وفي قوله في الرواية المتممة للثلاثين نفسها وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ودليل لمن يقول: يجوز لمن كان بمكة وأراد أن يحرم بالحج يجوز له الإحرام من خارج مكة، وقد مضت المسألة في المباحث العربية. 3
5- وفي قول عمر رضي الله عنه في الرواية الثالثة والثلاثين وأبتوا نكاح هذه النساء...إلخ قال النووي: متعة النكاح وهي نكاح المرأة إلى أجل، وكان مباحاً، ثم نسخ يوم خيبر ثم أبيح يوم الفتح، ثم نسخ في أيام الفتح، واستمر تحريمه إلى الآن وإلى يوم القيامة، وقد كان فيه خلاف في العصر الأول، ثم ارتفع وأجمعوا على تحريمه، وسيأتي بسط أحكامه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. اهـ ويؤخذ من حديث جابر رضي الله عنه روايتنا الخامسة والثلاثين حجة الوداع فوائد ذكرها النووي: منها: 3
6- أنه يستحب لمن ورد عليه زائرون أو ضيفان ونحوهم أن يسأل عنهم لينزلهم منازلهم، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. 3
7- وفيه إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل جابر بمحمد بن علي. 3
8- استحباب قوله للزائر والضيف ونحوهما: مرحباً. 3
9- وملاطفة الزائر بما يليق به، وتأنيسه، وهذا سبب حل جابر زري محمد بن علي، ووضع يده بين ثدييه، ونبه محمد بن علي على سبب ذلك التأنيس بأنه كان صغيراً وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه والمسح بين ثدييه. 40- وجواز إمامة الأعمى البصراء، من قوله فصلى بنا ولا خلاف في جواز ذلك، لكن اختلفوا في الأفضل على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه للشافعية. أحدها: إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير، لأن الأعمى أكمل خشوعاً، لعدم نظره إلى الملهيات والثاني: البصير أفضل، لأنه أكثر احترازاً من النجاسات، والثالث: هما سواء، لتعادل فضيلتهما، قال النووي: وهذا الثالث هو الأصح عند أصحابنا، وهو نص الشافعي. 4
1- وأن صاحب البيت أحق بالإمامة من غيره. 4
2- وجواز الصلاة في ثوب واحد مع التمكن من الزيادة عليه. 4
3- وإيضاح العدد وتأكيده بعقد الأصابع مع ذكر العدد. 4
4- ومن التأذين في الناس أنه يستحب للإمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها. 4
5- ومن قوله كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله حرص الصحابة على التأسي والاقتداء قال القاضي عياض: هذا مما يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج، لأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وهم لا يخالفونه، ولهذا قال جابر: وما عمل من شيء عملنا به ومثله توقفهم عن التحلل بالعمرة حيث لم يتحلل، حتى أغضبوه واعتذر إليهم، ومثله تعليق علي، وأبي موسى إحرامهما على إحرام النبي صلى الله عليه وسلم. 4
6- ومن قوله لأسماء: اغتسلي استحباب غسل الإحرام للنفساء. 4
7- وفيه أمر الحائض والنفساء والمستحاضة بالاستثفار، وهو اتخاذ خرقة بين الفخذين، وشدها في الحزام. 4
8- وفيه صحة إحرام النفساء، وهو مجمع عليه. 4
9- ومن قوله فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استحباب ركعتي الإحرام. 50- ومن قوله بين يديه من راكب وماش جواز الحج راكباً وماشياً، وهو مجمع عليه، وقد تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر} [الحج: 27]. قال النووي: واختلف العلماء في الأفضل منهما فقال مالك والشافعي وجمهور العلماء: الركوب أفضل، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون له على وظائف مناسكه، ولأنه أكثر نفقة، وقال داود: ماشياً أفضل لمشقته، وهذا فاسد، لأن المشقة ليست مطلوبة. 5
1- في قوله أهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه قال القاضي عياض: فيه إشارة إلى ما روي من زيادة الناس في التلبية، من الثناء والذكر كما روي في ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد [لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوباً منك، ومرغوباً إليك] وعن ابن عمر رضي الله عنهما زيادة [لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل] وعن أنس رضي الله عنه [لبيك حقاً، تعبداً ورقاًَ] قال القاضي قال أكثر العلماء: المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك والشافعي. والله أعلم. 5
2- في قوله حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن بيان أن السنة للحاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات، ليطوفوا للقدوم وغير ذلك. 5
3- وأن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم، وهو مجمع عليه. 5
4- وأن الطواف سبع طوفات. 5
5- وأن السنة الرمل في الثلاث الأول، والمشي على عادته في الأربع الأخيرة. قال النووي: قال أصحابنا: ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج أو عمرة، أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل بلا خلاف، ولا يسرع أيضاً في كل طواف حج وإنما يسرع في واحد منها، ولا يتصور في طواف وداع. ثم قال: قال أصحابنا: والاضطباع سنة في الطواف، وقد صح فيه الحديث في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما وهو أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر، ويكون منكبه الأيمن مكشوفاًَ، قالوا: وإنما يسن الاضطباع في طواف يسن فيه الرمل على ما سبق تفصيله. 5
6- وفي قوله استلم الركن ومعناه مسحه بيده استحبابه في كل طواف. وسيأتي في باب خاص. 5
7- وفي قوله ثم نفذ إلى مقام إبراهيم إلخ دليل لما أجمع عليه العلماء أنه ينبغي لكل طائف إذا فرغ من طوافه أن يصلي خلف المقام ركعتي الطواف، قال النووي: واختلفوا هل هما واجبتان أو سنتان؟ وسواء قلنا: واجبتان أو سنتان لو تركهما لم يبطل طوافه، والسنة أن يصليهما خلف المقام، فإن لم يفعل ففي الحجر، وإلا ففي المسجد، وإلا ففي مكة وسائر الحرم، ولو صلاهما في وطنه جاز، وفاتته الفضيلة، ولا تفوت هذه الصلاة مادام حياً، ولو أراد أن يطوف أطوفة استحب أن يصلي عقب كل طواف ركعتيه. 5
8- ويسن أن يقرأ فيهما، في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية بعد الفاتحة {قل هو الله أحد} 5
9- وفي قوله ثم رجع إلى الركن فاستلمه دليل الشافعي وغيره من العلماء أنه يستحب للطائف طواف القدوم إذا فرغ من الطواف وصلاته خلف المقام أن يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه. 60- ويستحب أن يخرج من باب الصفا ليسعى. 6
1- وأن السعي يشترط فيه أن يبدأ من الصفا. وبه قال الشافعي ومالك والجمهور. 6
2- وأنه ينبغي أن يرقى على الصفا والمروة، وفي هذا الرقي خلاف. الجمهور على أنه سنة ليس بشرط، وقيل لا يصح السعي حتى يصعد على شيء من الصفا والصواب الأول. 6
3- وأنه يسن أن يقف على الصفا مستقبل الكعبة، ويذكر الله تعالى بهذا الذكر المذكور، ويدعو، ويكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، ومثل ذلك على المروة. 6
4- واستحباب السعي الشديد في بطن الوادي، ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه. قال النووي: وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشى في الجميع، أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة، وعن مالك رواية أن لو ترك السعي الشديد في موضعه تجب عليه إعادته. 6
5- وفي قوله حتى إذا كان آخر طواف على المروة دليل لمذهب الشافعي والجمهور أن الذهاب من الصفا إلى المروة يحسب مرة، والرجوع إلى الصفا ثانية، والرجوع إلى المروة ثالثة، وهكذا. قال النووي: وقال ابن بنت الشافعي وأبو بكر الصيرفي من أصحابنا: يحسب الذهاب إلى المروة والرجوع إلى الصفا مرة واحدة، فيقع آخر السبع في الصفا، قال: وهذا الحديث الصحيح يرد عليهما، وكذلك عمل المسلمين على تعاقب الأزمان. 6
6- وفي إنكار علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها إنكار الرجل على زوجته ما يراه منها من نقص في دينها، لأن علياً ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره. 6
7- ومن إهلاله بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير، وقد سبقت هذه المسألة قريباً. 6
8- ومن قوله فحل الناس كلهم....إلخ إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص فالمراد من كلهم معظمهم، فإن عائشة رضي الله عنها لم تحل ولم تكن ساقت الهدي. 6
9- ومن قوله فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى أن الأفضل لمن كان بمكة، وأراد الإحرام بالحج أحرم يوم التروية، وقد سبقت المسألة في المأخذ الواحد والثلاثين. 70- وأن السنة ألا يتقدم أحد إلى منى قبل يوم التروية، وقد كره مالك ذلك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي، وقال بعض السلف: لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين، ومذهب الشافعية أنه خلاف الأولى. 7
1- ومن قوله فأهلوا بالحج الإحرام بالحج من خارج مكة لمن كان بمكة، وقد سبقت المسألة في المأخذ الرابع والثلاثين. 7
2- ومن قوله وركب النبي صلى الله عليه وسلم....إلخ أن الركوب في تلك المواطن أفضل من المشي، كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي، هذا هو الصحيح في الصورتين أن الركوب أفضل، وللشافعي قول آخر ضعيف أن المشي أفضل، قال النووي: وقال بعض أصحابنا: الأفضل في جملة الحج الركوب، إلا في مواطن المناسك، وهي مكة ومنى ومزدلفة وعرفات والتردد بينها. 7
3- ويسن أن يصلى بمنى الصلوات الخمس. 7
4- ويسن أن يبيت بمنى هذه الليلة، ليلة التاسع من ذي الحجة، وهذا المبيت سنة، ليس بركن، ولا واجب، فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع. 7
5- وأن السنة ألا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس، وهذا متفق عليه. 7
6- واستحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى، لأن السنة ألا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس، وبعد صلاتي الظهر والعصر جمعاً. 7
7- وفيه جواز استظلال المحرم بقبة ونحوها. ولا خلاف في جوازه للنازل. قال النووي: واختلفوا في جوازه للراكب، فمذهبنا جوازه، وبه قال كثيرون، وكرهه مالك وأحمد. 7
8- وجواز اتخاذ القباب، وجوازها من شعر. 7
9- ومن قوله فأتى بطن الوادي فخطب الناس استحباب خطبة الإمام للحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء، وخالف فيها المالكية ومذهب الشافعي أن في الحج أربع خطب مسنونة، إحداها يوم السابع من ذي الحجة يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية هذه التي في بطن عرفة يوم عرفات، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قال الشافعية: وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة، قالوا: ويعلمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى. 80- ومن قوله كحرمة يومكم هذا ضرب الأمثال، وإلحاق النظير بالنظير قياساً. 8
1- ومن قوله ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع إبطال أفعال الجاهلية. 8
2- ومن قوله ودماء الجاهلية موضوعة أنه لا قصاص في قتلها. 8
3- ومن وضع دمائه صلى الله عليه وسلم وربا عمه أن الإمام وغيره ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهله، فهو أقرب إلى قبول قوله، وأقرب إلى طيب نفس من قرب عهده بالإسلام. 8
4- ومن وصيته صلى الله عليه وسلم بالنساء الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن، ومعاشرتهن بالمعروف. 8
5- وفيها إباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب. 8
6- ووجوب نفقة الزوجة وكسوتها على الزوج. 8
7- ومن قوله ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، قال النووي: وقد أجمعت الأمة عليه، واختلفوا في سببه، فقيل: بسبب النسك، وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحاب الشافعي: هو بسبب السفر. فمن كان حاضراً أو مسافراً دون مرحلتين -كأهل مكة- لم يجز له الجمع كما لا يجوز له القصر. 8
8- وأن الجامع بين الصلاتين يصلي الأولى أولاً. 8
9- وأنه يؤذن للأولى، ويقيم لكل واحدة منهما، وأنه لا يفرق بينهما. قال النووي: وهذا كله متفق عليه عندنا. 90- ومن قوله ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف...إلخ أنه إذا فرغ من الصلاتين عجل الذهاب إلى الموقف. 9
1- وأن الوقوف راكباً أفضل، قال النووي: وفيه خلاف بين العلماء، وفي مذهبنا ثلاثة أقوال، أصحها أن الوقوف راكباً أفضل، والثاني: غير الراكب أفضل، والثالث: هما سواء. 9
2- وأنه يستحب أن يقف عند الصخرات المذكورات، فهذا هو الموقف المستحب، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل، وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط، بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات، وأن الفضيلة في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات، فإن عجز فليقرب منه بحسب الإمكان. 9
3- واستحباب استقبال الكعبة في الوقوف. 9
4- وأنه ينبغي أن يبقى في الوقوف حتى تغرب الشمس، ويتحقق كمال غروبها، ثم يفيض إلى المزدلفة، فلو أفاض قبل غروب الشمس صح وقوفه وحجه، ويجبر ذلك بدم، وهل الدم واجب أم مستحب؟ فيه قولان للشافعي، أصحهما أنه سنة، والثاني واجب، وهما مبنيان على أن الجمع بين الليل والنهار واجب على من وقف بالنهار أم لا؟ وفيه قولان. أصحهما سنة، والثاني واجب. كذا قال النووي. وقال: وأما وقت الوقوف فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني يوم النحر، فمن حصل بعرفات في جزء من هذا الزمان صح وقوفه، ومن فاته ذلك فاته الحج. هذا مذهب الشافعي وجماهير العلماء، وقال مالك: لا يصح الوقوف في النهار منفرداً، بل لا بد من الليل، فإن اقتصر على الليل كفاه، وإن اقتصر على النهار لم يصح وقوفه، وقال أحمد: يدخل وقت الوقوف من الفجر يوم عرفة، وأجمعوا على أن أصل الوقوف ركن لا يصح الحج إلا به. اهـ 9
5- ومن إردافه صلى الله عليه وسلم أسامة خلفه جواز الإرداف إذا كانت الدابة مطيقة، وقد سبقت المسألة في المأخذ الثاني عشر. 9
6- ومن شنقه صلى الله عليه وسلم القصواء استحباب الرفق وعدم المزاحمة في السير من الراكب بالمشاة وبأصحاب الدواب الضعيفة. 9
7- وأن السكينة في الدفع من عرفات سنة. 9
8- ومن صلاته صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بمزدلفة أن السنة للدافع من عرفات أو يؤخر المغرب إلى وقت العشاء، ويكون هذا التأخير بنية الجمع، ثم يجمع بينهما في المزدلفة في وقت العشاء، قال النووي: وهذا مجمع عليه، لكن مذهب أبي حنيفة وطائفة أنه يجمع بسبب النسك، ويجوز لأهل مكة والمزدلفة ومنى وغيرهم، والصحيح عند أصحابنا أنه جمع بسبب السفر، فلا يجوز إلا لمسافر سفراً يبلغ به مسافة القصر، وللشافعي قول ضعيف أنه يجوز الجمع في كل سفر وإن كان قصيراً. ثم قال: وقال أصحابنا: ولو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات، أو في الطريق، أو في موضع آخر، أو صلى كل واحدة في وقتها جاز جميع ذلك، لكنه خلاف الأفضل. هذا مذهبنا، وبه قال جماعات من الصحابة والتابعين، وقاله الأوزاعي وأبو يوسف وأشهب وفقهاء أهل الحديث، وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يشترط أن يصليهما بالمزدلفة، ولا يجوز قبلها، وقال مالك: لا يجوز أن يصليهما قبل المزدلفة إلا من به أو بدابته عذر، فله أن يصليهما قبل المزدلفة بشرط كونه بعد مغيب الشفق. 9
9- وأن يصلي الصلاتين في وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين، لكل واحدة إقامة، قال النووي: هذا هو الصحيح عند أصحابنا، وبه قال أحمد، وقال مالك: يؤذن ويقيم للأولى، ويؤذن ويقيم للثانية، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: أذان واحد وإقامة واحدة. 100- وفي قوله ولم يسبح بينهما أي لم يصل نافلة بينهما، والنافلة تسمى سبحة، لاشتمالها على التسبيح، وفيه الموالاة بين الصلاتين المجموعتين، ولا خلاف في هذا لكن اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا؟ والصحيح عندنا أنه ليس بشرط، بل هو سنة مستحبة، وقال بعض أصحابنا: هو شرط، أما إذا جمع بينهما في وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف. 10
1- وفي قوله ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر....إلخ أن المبيت بمزدلفة ليلة النحر بعد الدفع من عرفات نسك، قال النووي: وهذا مجمع عليه، لكن اختلف العلماء هل هو واجب؟ أم ركن؟ أم سنة؟ والصحيح من قولي الشافعي أنه واجب، لو تركه أثم وصح حجه، ولزمه دم، وقال جماعة من أصحابنا: هو ركن لا يصح الحج إلا به كالوقوف بعرفات. 10
2- والسنة أن يبقى بمزدلفة حتى يصلي بها الصبح إلا الضعفة، فالسنة لهم الدفع قبل الفجر، وسيأتي في باب خاص. قال النووي: وفي أقل المجزئ من هذا المبيت ثلاثة أقوال عندنا: الصحيح ساعة في النصف الثاني من الليل، والثاني ساعة في النصف الثاني أو بعد الفجر قبل طلوع الشمس، والثالث معظم الليل. 10
3- قال النووي: والسنة أن يبالغ بتقديم صلاة الصبح في هذا الموضع ويتأكد التبكير بها في هذا اليوم أكثر من تأكده في سائر السنة للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن وظائف هذا اليوم كثيرة، فسن المبالغة بالتبكير بالصبح، ليتسع الوقت للوظائف. 10
4- ويسن الأذان والإقامة لهذه الصلاة، وكذلك غيرها من صلوات المسافر. 10
5- وفي قوله فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً أن الوقوف على قزح من مناسك الحج، وهذا لا خلاف فيه، قال النووي: لكن اختلفوا في الدفع منه، فقال أبو حنيفة والشافعية وجماهير العلماء: لا يزال واقفاً فيه يدعو ويذكر حتى يسفر الصبح جداً كما في الحديث، وقال مالك: يدفع منه قبل الإسفار. 10
6- وفي وضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل أن من رأى منكراً وأمكنه إزالته بيده لزمه إزالته، فإن قال بلسانه ولم ينكف المقول له وأمكنه بيده أثم مادام مقتصراً على اللسان. قاله النووي. 10
7- وفي تحريكه في بطن محسر استحباب الإسراع قليلاً في السير في ذلك الموضع. 10
8- وفي قوله حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها أن السنة للحاج إذا دفع من المزدلفة فوصل منى أن يبدأ بجمرة العقبة، ولا يفعل شيئاً قبل رميها، ويكون ذلك قبل نزوله. 10
9- وفيه أن الرمي بسبع حصيات. 110- وأن قدرهن بقدر حصى الخذف. قال النووي: فإن كان أكبر أو أصغر أجزأه، بشرط كونه حجراً. 11
1- وفيه أنه يسن التكبير مع كل حصاة. 11
2- وأنه يجب التفريق بين الحصيات، فيرميهن واحدة واحدة، قال النووي: فإن رمى السبعة رمية واحدة حسب ذلك كله حصاة واحدة عندنا وعند الأكثرين، بدليل يكبر مع كل حصاة فهذا تصريح بأنه رمى كل حصاة وحدها. 11
3- وفيه أن السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي، بحيث تكون منى وعرفات والمزدلفة عن يمينه، ومكة عن يساره، وكيفما رمى أجزأه. قال النووي: وأما حكم الرمي فالمشروع منه يوم النحر رمي جمرة العقبة لا غير. بإجماع المسلمين، وهو نسك بإجماعهم ومذهبنا أنه واجب ليس بركن، فإن تركه حتى فاتته أيام الرمي عصى ولزمه دم، وصح حجه، وقال مالك: يفسد حجه. 11
4- وفي نحره صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة استحباب تكثير الهدي وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة مائة بدنة. 11
5- واستحباب ذبح المهدي هديه بنفسه. 11
6- وجواز الاستنابة فيه، وذلك جائز بالإجماع إذا كان النائب مسلماً، قال النووي: ويجوز عندنا أن يكون النائب كافراً كتابياً، بشرط أن ينوي المهدي عند رفعه إليه أو عند ذبحه. 11
7- واستحباب تعجيل ذبح الهدايا وإن كانت كثيرة، ولا يؤخر بعضها إلى أيام التشريق. 11
8- وفي أكله صلى الله عليه وسلم من لحم الهدايا استحباب الأكل من هدي التطوع وأضحيته، قال النووي: وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع وأضحيته سنة، وليس بواجب. 11
9- ومن قوله فأفاض إلى البيت طواف الإفاضة. قال النووي: وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين، وأول وقته عندنا من نصف ليلة النحر، وأفضله بعد رمي جمرة العقبة وذبح الهدي والحلق، ويكون ذلك ضحوة يوم النحر، ويجوز في جميع يوم النحر بلا كراهة، ويكره تأخيره عنه بلا عذر، وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة، ولا يحرم تأخيره سنين متطاولة، ولا آخر لوقته، بل يصح مادام الإنسان حياً، وشرطه أن يكون بعد الوقوف بعرفات. ثم قال: واعلم أن طواف الإفاضة له أسماء، فيقال أيضاً: طواف الزيارة، وطواف الفرض والركن، وسماه بعض أصحابنا: طواف الصدر، وأنكره الجمهور، وقالوا: طواف الصدر إنما هو طواف الوداع. 120- وفي شربه من ماء زمزم وثنائه على بني عبد المطلب فضيلة العمل في هذا الاستقاء. 12
1- واستحباب شرب ماء زمزم، واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله تناوله، فتكون للغني في معنى الهدية، وللفقير صدقة. 12
2- وفي الرواية السادسة والثلاثين رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وشفقته عليهم في تنبيههم** على مصالح دينهم ودنياهم، فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم الأكمل والجائز فالأكمل موضع نحره ووقوفه، والجائز كل جزء من أجزاء المنحر، وكل جزء من أجزاء عرفات. قال النووي: قال الشافعي وأصحابنا: يجوز نحر الهدي ودماء الحيوانات في جميع الحرم، لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى، وأفضل موضع منها للنحر موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه، والأفضل في حق المعتمر أن ينحر في المروة، لأنها موضع تحلله، كما أن منى موضع تحلل الحاج. 12
3- وفي الرواية التاسعة والثلاثين ما كان عليه العرب قبل الإسلام عند الطواف، قال الحافظ ابن حجر: وذكر ابن إسحق أن قريشاً ابتدعت قبل الفيل أو بعده لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أن لا يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عرياناً، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها، فجاء الإسلام فهدم ذلك كله. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحجة التي حجها أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع أن ينادي مناديه ألا يطوف بالبيت عريان. 12
4- وفي الرواية الواحدة والأربعين جواز تعليق الإحرام. قال النووي: فإذا قال: أحرمت بإحرام كإحرام زيد صح إحرامه، وكان إحرامه كإحرام زيد، فإن كان زيد محرماً بحج أو بعمرة أو قارناً كان المعلق مثله، وإن كان زيد أحرم مطلقاً كان المعلق مطلقاً ولا يلزمه أن يصرف إحرامه إلى ما يصرف زيد إحرامه إليه، فلو صرف زيد إحرامه إلى حج كان للمعلق صرف إحرامه إلى عمرة، وكذا عكسه، وقد سبق الكلام على الإحرام المعلق. 12
5- وفي قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: أحسنت استحباب الثناء على من فعل فعلاً جميلاً. 12
6- وفي الرواية الخامسة والأربعين والسادسة والأربعين، وفي مناقشة علي لعثمان رضي الله عنهما إشاعة العلم وإظهاره. 12
7- ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيق العلم، لمن قوي على ذلك. 12
8- ووجوب مناصحة المسلم في ذلك. 12
9- وجواز الاستنباط من النص، لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل، قال الحافظ ابن حجر: لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك، وكل منهما مجتهد مأجور. 130- وفي إحرام علي رضي الله عنه البيان بالفعل مع القول. 13
1- وفيه أن طاعة الإمام إنما تجب في المعروف. 13
2- وفي أحاديث عمران بن حصين رضي الله عنه، روايتنا الثانية والخمسين وما بعدها جواز نسخ القرآن بالقرآن، من قوله فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولا خلاف فيه وكذا نسخ السنة بالقرآن. 13
3- وجواز نسخه بالسنة، وفيه اختلاف شهير، ووجه الدلالة قوله ولم ينهنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مفهومه أنه لو نهي عنها لامتنعت، ويستلزم رفع الحكم، ومقتضاه جواز النسخ. 13
4- قال الحافظ ابن حجر: وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به، لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية، أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم. 13
5- وفيه وقوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة. 13
6- وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص. 13
7- وأن المجتهد لا يقلد مجتهداً آخر، لا سيما مع وجود الدليل لديه. 13
8- وتبليغ العلم مع المحافظة على عدم إثارة الفتنة مع الحكام. 13
9- والتعريض بالحاكم دون ذكر اسمه تبليغاً وتقية. 140- وفي الرواية الثامنة والخمسين، في قوله وليقصر وليحلل دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج. قال النووي: وهذا هو الصحيح في مذهبنا. وبه قال جماهير العلماء، وقيل: إنه استباحة محظور، وليس بنسك. وهذا ضعيف، وسيأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى. 14
1- وفي قوله فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال النووي: ويجب صوم هذه الثلاثة قبل يوم النحر، ويجوز صوم يوم عرفة منها، لكن الأولى أن يصوم الثلاثة قبله، وذكر تشعيبات وآراء فقهية يمكن الرجوع إليها. 14
2- وفي الرواية التاسعة والخمسين دليل للمذهب الصحيح المختار من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجة الوداع. 14
3- وأن القارن لا يتحلل بالطواف والسعي، ولا بد له في تحلله من الوقوف بعرفات والرمي والحلق والطواف، كما في الحاج المفرد. 14
4- واستحباب التلبيد وتقليد الهدي، وهما سنتان بالاتفاق. 14
5- ومن أحاديث ابن عمر رضي الله عنهما روايتنا الثانية والستين وما بعدها جواز القران. 14
6- وجواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف. 14
7- وجواز التحلل بالإحصار. 14
8- وصحة القياس والعمل به، وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملونه، فلهذا قاس الحج على العمرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تحلل من الإحصار عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها. 14
9- وأن القارن يقتصر على طواف واحد وسعي واحد، قال النووي: وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وخالف فيه أبو حنيفة وطائفة، وسبقت المسألة. 150- وفي روايتنا التاسعة والستين استحباب طواف القدوم للحاج، قال النووي: وهو مشروع قبل الوقوف بعرفات، وبهذا الذي قاله ابن عمر قال العلماء كافة سوى ابن عباس، وكلهم يقولون: إنه سنة ليس بواجب، إلا بعض أصحابنا ومن وافقهم، فيقولون: واجب يجبر تركه بدم، والمشهور أنه ليس بواجب ولا دم في تركه، فإن وقف بعرفات قبل طواف القدوم فات، ولطواف القدوم أسماء: طواف القدوم، والقادم، والورود، والوارد، والتحية، وليس في العمرة طواف قدوم، بل الطواف الذي يفعله فيها ركن لها، حتى لو نوى به طواف القدوم وقع ركناً ولغت النية. 15
1- وفي قول ابن عمر وأينا لم تفتنه الدنيا تواضع ابن عمر وزهده وإنصافه. 15
2- وفي روايتنا الواحدة والسبعين والثانية والسبعين أن المعتمر لا يتحلل من عمرته حتى يطوف ويسعى ويحلق وهذا الحكم الذي قاله ابن عمر هو مذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن ابن عباس وإسحق بن راهويه أنه يتحلل بعد الطواف، وإن لم يسع. وهذا ضعيف مخالف للسنة. 15
3- وفي قوله أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت دليل لإثبات الوضوء للطواف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ثم قال لتأخذوا عني مناسككم قال النووي: وقد أجمعت الأمة على أنه يشرع الوضوء للطواف، ولكن اختلفوا في أنه واجب وشرط لصحته؟ أم لا؟ فقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور: هو شرط لصحة الطواف وقال أبو حنيفة: مستحب ليس بشرط، واحتج الجمهور بهذا الحديث، ووجه الدلالة أن هذا الحديث مع حديث خذوا عني مناسككم يقتضيان أن الطواف واجب، وفي حديث ابن عباس في الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام والصحيح أنه موقوف على ابن عباس، وتحصل به الدلالة مع أنه موقوف لأنه قول لصحابي انتشر، وإذا انتشر قول الصحابي بلا مخالفة كان حجة على الصحيح. اهـ وعن أحمد رواية وقول عند المالكية أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بدم. 15
4- وفيه استحباب الابتداء بالطواف للقادم، لأنه تحية المسجد الحرام. 15
5- وفي قوله فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة في روايتنا الثامنة والسبعين استحباب دخول مكة نهاراً، لا ليلاً، وهو أصح وجهين عند الشافعية، والثاني: دخولها ليلاً ونهاراً سواء، لا فضل لأحدهما على الآخر، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنه يستحب دخولها ليلاً، وهو أفضل من النهار. 15
6- وفيه فسخ الحج إلى العمرة. 15
7- وفي روايتنا الثالثة والثمانين قال الحافظ ابن حجر: فيه فرح العالم بموافقته الحق. 15
8- والاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي. 15
9- وعرض الرؤيا على العالم. 160- والتكبير عند المسرة. 16
1- والعمل بالأدلة الظاهرة. 16
2- والتنبيه على اختلاف أهل العلم، ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل. 16
3- ومن زيادة البخاري في هذا الحديث فقال ابن عباس للرجل: أقم عندي: فأجعل لك سهماً من مالي. فقال الرجل: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت أخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره. 16
4- قال العيني: وفيه أن الرؤيا الصادقة شاهدة على أمور اليقظة، كيف لا؟ وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة؟. 16
5- وعن فتوى ابن عباس في روايتنا الخامسة والثمانين وما بعدها قال النووي: هذا الذي ذكره ابن عباس هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفات ويرمي ويحلق ويطوف طواف الزيارة، فحينئذ يحصل له التحللان، ويحصل الأول باثنين من هذه الثلاثة، التي هي رمي جمرة العقبة والحلق والطواف. قال: وأما احتجاج ابن عباس بالآية فلا دلالة فيها، لأن قوله تعالى: {محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33]. معناه لا تنحر إلا في الحرم، وليس فيه تعرض للتحلل من الإحرام، لأنه لو كان المراد به التحلل من الإحرام لكان ينبغي أن يتحلل بمجرد وصول الهدي إلى الحرم قبل أن يطوف. وأما احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم في حجة الوداع بأن يحلوا فلا دلالة فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة في تلك السنة، فلا يكون دليلاً على تحلل من هو ملتبس بإحرام الحج: قال القاضي: قال المازري: وتأول بعض شيوخنا قول ابن عباس في هذه المسألة على من فاته الحج أن يتحلل بالطواف والسعي. قال: وهذا تأويل بعيد، لأنه قال بعده: وكان ابن عباس يقول: لا يطوف حاج ولا غيره إلا حل. والله أعلم. وكلام ابن عباس هذا مبني على مذهبه في أن السعي بين الصفا والمروة مستحب ليس بواجب. وسيأتي إن شاء الله. 16
6- وفي روايتنا الثامنة والثمانين والتاسعة والثمانين قال النووي: في هذا الحديث جواز الاقتصار على التقصير، وإن كان الحلق أفضل، وسواء في ذلك الحاج والمعتمر، إلا أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحج، ليقع الحلق في أكمل العبادتين. 16
7- وفيه أنه يستحب أن يكون تقصير المعتمر أو حلقه عند المروة، لأنها موضع تحلله، كما يستحب للحاج أن يكون حلقه أو تقصيره في منى، لأنها موضع تحلله وحيث حلقا أو قصرا من الحرم كله جاز. 16
8- وفي روايتنا المتممة للتسعين استحباب رفع الصوت بالتلبية. قال النووي: وهو متفق عليه بشرط أن يكون رفعاً مقتصداً، بحيث لا يؤذي نفسه، والمرأة لا ترفع، بل تسمع نفسها، لأن صوتها محل فتنة، ورفع الرجل صوته مندوب عند العلماء كافة، وقال أهل الظاهر: هو واجب، ويرفع الرجل صوته في غير المساجد، وفي مسجد مكة ومنى وعرفات، وأما سائر المساجد ففي رفعه فيها خلاف للعلماء. 16
9- وفيه جواز العمرة في أشهر الحج، وهو مجمع عليه. 170- وفيه أن المستحب للمتمتع أن يكون إحرامه بالحج يوم التروية، عند إرادة التوجه إلى منى. 17
1- وأنه يستحب الرواح إلى منى يوم التروية من أول النهار أو بعد الزوال. والله أعلم. 17
2- وفي قوله حاجاً أو معتمراً أو ليثنيهما وجوه الإحرام السابقة. إفراد الحج، أو إفراد العمرة، أو القرن بينهما في سفره عن طريق التمتع أو القران. 17
3- وفي الرواية الثالثة والثلاثين النهي عن متعة النكاح، وهي الزواج إلى أجل، وستأتي في كتاب النكاح إن شاء الله. والله أعلم
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ . فَقَالَ نَعَمْ . فَقَالَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لاَ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا
Wabara reported:While I was sitting in the company of Ibn 'Umar, a person came to him and said: Is it right for me to circumambulate the House before I come to stay (at 'Arafat)? Ibn 'Umar said: Yes. whereupon he said: Ibn Abbas, however, says: Do not circumambulate the House until you come to stay at 'Arafat. Thereupon Ibn 'Umar said: Allah's Messenger (ﷺ) Performed the Hajj and circumambulated the House before coming to stay (at 'Arafat). If you say the Truth, is it more rightful to follow the saying of the Prophet (ﷺ) or the words of Ibn Abbas?
Telah menceritakan kepada kami [Yahya bin Yahya] telah mengabarkan kepada kami ['Abtsar] dari [Isma'il bin Abu Khalid] dari [Wabarah] ia berkata; Aku pernah duduk bersama [Ibnu Umar], tiba-tiba seorang lelaki datang kepadanya dan bertanya, "Apakah tindakanku bisa dibenarkan bila aku melaksanakan thawaf di Baitullah terlebih dahulu sebelum aku datang ke Arafah untuk melaksanakan wuquf?" Maka Ibnu Umar menjawab, "Ya, benar." Namun Ibnu Abbas berkata, "Janganlah kamu melaksanakan thawaf di Baitullah hingga kamu melaksanakan wuquf di Arafah." Ibnu Umar berkata, "Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam telah melaksanakan haji, dan beliau melaksanakan thawaf di Baitullah sebelum mendatangi Arafah untuk melaksanakan wuquf di sana. Maka jika kamu seorang yang benar, manakah yang lebih berhak kau ambil; perkataan Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam atau perkataan Ibnu Abbas?
Bize Kuteybetü'bnü Saîd rivayet etti. (Dediki): Bize Cerîr, Beyân'dan, o da Vebera'dan naklen rivayet etti. Şöyle demîş: «Bir adam, İbni Ömer (Radiyallahû anhütna)'ya : — Ben, hacc için ihram'a girdiğim hâlde beyti tavaf edebilir miyim? diye sordu. İbni Ömer: — Sana manî olan nedir? dedi. Adam: — Ben, filânın bunu mekruh addettiğini gördüm. Ama sen, bize ondan daha makbulsün. Çünkü onu dünyânın fitneye giriftar ettiğini gördük; dedi. Bunun üzerine İbni Ömer (Radiyallahû anh): — Dünyâ hangimizi — yahut hanginizi — fitneye giriftar etmemiştir; dedi. Sonra şunu söyledi: — Biz, Resulullah (Sallallahu Aleyhi ve Sellem)'in hacc için ihrama girip de, beyti tavaf ettiğini ve Safa ile Merve arasında sa'y yaptığını gördük. Binâenaleyh eğer samîmi isen Allah'ın sünnetiyle, Resulü(Sallallahu Aleyhi ve Sellem)'in sünnetine tabî olman, filânın sünnetinden daha iyidir.» İzah 1234 te
اسماعیل بن ابی خالد نے وبرہ سے روایت کی ، کہا : میں حضرت ابن عمر رضی اللہ تعالیٰ عنہ کے پاس بیٹھا ہوا تھا کہ ان کے پاس ایک شخص آیا ، اس نے پوچھا : کیا عرفات پہنچنے سے پہلے میں بیت اللہ کا طواف کرسکتا ہوں؟انھوں نے جواب دیا ، ہاں ( کرسکتے ہو ) اس نے کہا : ابن عباس رضی اللہ تعالیٰ عنہ نے تو کہا ہے کہ عرفہ پہنچنے سے قبل بیت اللہ کا طواف نہ کرنا ۔ ابن عمر رضی اللہ تعالیٰ عنہ نے اسے جواب دیا : ( سنو! ) اللہ کے رسول صلی اللہ علیہ وسلم نے جب حج فرمایا تو آپ نے میدان عرفات پہنچنے سے قبل بیت اللہ کا طواف کیاتھا ۔ ( اب سوچو ) کہ تم اللہ کے رسول صلی اللہ علیہ وسلم کا قول ا پناؤ یہ زیادہ حق ہے؟یا یہ کہ ابن عباس رضی اللہ تعالیٰ عنہ کا قول؟اگر تم ( ان کے بارے میں ) سچ کہہ رہے ہو ۔
ইয়াহইয়া ইবনু ইয়াহইয়া (রহঃ) ..... ওয়াবারাহ (রহঃ) বলেন, আমি ইবনু উমার (রাযিঃ) এর নিকট বসা ছিলাম। তখন এক ব্যক্তি তার নিকট এসে জিজ্ঞেস করল, আল মাওকিফ (আরাফাহ) এ যাবার পূর্বে বায়তুল্লাহ ত্বওয়াফ করা আমার জন্য সঠিক হবে কি? তিনি বললেন, হ্যাঁ। সে বলল, কিন্তু ইবনু আব্বাস (রাযিঃ) বলেন, তুমি বায়তুল্লাহ ত্বওয়াফ (তাওয়াফ/তওয়াফ) করো না- যে পর্যন্ত না মাওকিফে আসো ইবনু উমর (রাযিঃ) বললেন, রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম হাজ্জ (হজ্জ/হজ) করেছেন এবং মাওকিফে যাবার পূর্বেই বায়তুল্লাহ ত্বওয়াফ (তাওয়াফ/তওয়াফ) করেছেন। অতএব তুমি যদি সত্যবাদী হও তবে বল, তোমার কাছে রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এর কথা মত ‘আমল করা উচিত, না ইবনু আব্বাস (রাযিঃ)-এর কথা মত? (ইসলামিক ফাউন্ডেশন ২৮৬৩, ইসলামীক সেন্টার)