• 1084
  • أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ : " يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ ، بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ ، الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ : لاَ ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ "

    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ : يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ ، بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ ، الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ : لاَ ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ

    نقاب: النقب : الطريق بين الجبلين ، والمراد : طرق المدينة وحدودها
    السباخ: السِّباخ : جمع سَبَخة ، وهي الأرضُ التي تعْلُوها المُلُوحة ولا تكادُ تُنْبِت إلا بعضَ الشجَر
    قط: قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان
    يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ
    حديث رقم: 6750 في صحيح البخاري كتاب الفتن باب: لا يدخل الدجال المدينة
    حديث رقم: 5341 في صحيح مسلم كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَابٌ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَقَتْلِهِ الْمُؤْمِنَ وَإِحْيَائِهِ
    حديث رقم: 5319 في صحيح مسلم كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَابُ ذِكْرِ ابْنِ صَيَّادٍ
    حديث رقم: 5340 في صحيح مسلم كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ بَابٌ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ ، وَتَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَقَتْلِهِ الْمُؤْمِنَ وَإِحْيَائِهِ
    حديث رقم: 11106 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6927 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنَ الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الدَّجَّالِ
    حديث رقم: 4146 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ المناسك إِشْعَارُ الْهَدْيِ
    حديث رقم: 1445 في الجامع لمعمّر بن راشد بَابُ الدَّجَّالِ
    حديث رقم: 1380 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مِنْ مُسْنَدِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
    حديث رقم: 1335 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مِنْ مُسْنَدِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

    [1882] قَوْلُهُ بَعْضُ السِّبَاخِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْفِتَنِ وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِعْلَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا الرُّعْبُ مِنْهُ كَمَا مضىفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)
    فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِقَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
    وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
    وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)
    فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِقَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
    وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
    وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)
    فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِقَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
    وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
    وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُفَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا تَرَدَّدَ الشَّيْءُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا بِالدَّلِيلِ الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غَيْرَ خَالٍ عَنِ الِاحْتِمَالِ الْبَيِّنِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَهُ وَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجْتَهِدِ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُشْتَبَهٌ فَهَلْ يُؤْخَذُ بِحِلِّهِ أَمْ بِحُرْمَتِهِ أَمْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا إِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَالثَّانِي أَنَّ حُكْمَهَا التَّحْرِيمُ وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِعُ التَّوَقُّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) أَيْ حَصَلَ لَهُ الْبَرَاءَةُ لِدِينِهِ مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَصَانَ عِرْضَهُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنْ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ حِمًى يَحْمِيهِ عَنِ النَّاسِ وَيَمْنَعُهُمْ دُخُولَهُ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوْقَعَ بِهِ الْعُقُوبَةَ وَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لَا يُقَارِبُ ذَلِكَ الْحِمَى خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَيْضًا حِمًى وَهِيَ مَحَارِمُهُ أَيْ الْمَعَاصِي الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا حِمَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَمَنْ قَارَبَهُ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَمَنِ احْتَاطَ لِنَفْسِهِ لم يقاربه ولا يتعلق بشئ يقربه من المعصية فلا يدخل في شئ مِنَ الشُّبُهَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يقال صلح الشئوَفَسَدَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ وَضَمِّهِمَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُضْغَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُمْضَغُ فِي الْفَمِ لِصِغَرِهَا قَالُوا الْمُرَادُ تَصْغِيرُ الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْجَسَدِ مَعَ أَنَّ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعَانِ لِلْقَلْبِ وَفِي هذا الحديث التأكيد عَلَى السَّعْيِ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ وَحِمَايَتِهِ مِنَ الْفَسَادِ وَاحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَفِيهِ خِلَافٌ مشهور مذهب أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ فِي الْقَلْبِ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ فِي الدِّمَاغِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الرَّأْسِ وَحَكَوُا الْأَوَّلَ أَيْضًا عَنِ الْفَلَاسِفَةِ وَالثَّانِي عَنِ الْأَطِبَّاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كان له قلب وَبِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَلَاحَ الْجَسَدِ وَفَسَادَهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ مَعَ أَنَّ الدِّمَاغَ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ فَيَكُونُ صَلَاحُهُ وَفَسَادُهُ تَابِعًا لِلْقَلْبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ بِأَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْلُ وَيَكُونُ مِنْ فَسَادِ الدِّمَاغِ الصَّرَعُ فِي زَعْمِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِفَسَادِ الْعَقْلِ عِنْدَ فَسَادِ الدِّمَاغِ مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ لَيْسَ فِيهِ وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا سِيَّمَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الِاشْتِرَاكِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ بَيْنَ الدِّمَاغِ والقلب وهم يجعلون بين رأس المعدة وَالدِّمَاغِ اشْتِرَاكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي.
    وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يُصِحُّونَ سَمَاعَ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ تَعَاطِيهِ الشُّبُهَاتِ يُصَادِفُ الْحَرَامَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَقَدْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إِذَا نُسِبَ إِلَى تَقْصِيرٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعْتَادُ التَّسَاهُلَ وَيَتَمَرَّنُ عَلَيْهِ وَيَجْسُرُ عَلَى شُبْهَةٍ ثُمَّ شُبْهَةٍ أَغْلَظَ مِنْهَا ثُمَّ أُخْرَى أَغْلَظَ وَهَكَذَا حَتَّى يَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَمْدًا وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ السَّلَفِ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ أَيْ تَسُوقُ إِلَيْهِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّرِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ) يُقَالُ أَوْشَكَ يُوشِكُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ أَيْيُسْرِعُ وَيَقْرَبُ قَوْلُهُ أَتَمُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ وَأَكْبَرُ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (بَاب بَيْعِ الْبَعِيرِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهِ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ احتج بِهِ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَيَشْتَرِطُ الْبَائِعُ لِنَفْسِهِ رُكُوبَهَا.
    وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ الرُّكُوبِ قَرِيبَةً وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا وَبِالْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عين تتطرق إليهااحتمالات قَالُوا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَكُنْ)
    فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الشَّرْطُ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَعَلَّ الشَّرْطَ كَانَ سَابِقًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ ثُمَّ تَبَرَّعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْكَابِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِوُقِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ سَبَقَتْ مِرَارًا وَيُقَالُ أُوقِيَّةٌ وَهِيَ أَشْهَرُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ مَالِكِ السِّلْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْهَا لِلْبَيْعِ قَوْلُهُ (وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ أَيِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (أتراني ما كستك) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُمَاكَسَةُ هِيَ الْمُكَالَمَةُ فِي النَّقْصِ مِنَ الثَّمَنِ وَأَصْلُهَا النَّقْصُ وَمِنْهُ مَكْسُ الظَّالِمِ وَهُوَ مَا يَنْتَقِصُهُ وَيَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ قَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ أَوَاقٍ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وَفِي بَعْضِهَا بِأُوقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أو درهمين وفي بعضها بأوقية ذهب وَفِي بَعْضِهَا بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ وَزَادَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي رِوَايَةٍ أَحْسِبُهُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوُقِيَّةٍ أَكْثَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيُّ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ قَدْرُهَا مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَالَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ رَوَوْا بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ وُقِيَّةُ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أُوقِيَّةً مُطْلَقَةً وَأَمَّا مَنْ رَوَى خَمْسَ أَوَاقٍ فَالْمُرَادُ خَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ بِقَدْرِ قِيمَةِ أُوقِيَّةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْإِخْبَارُ بِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ عَمَّا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وعَنْ أَوَاقِ الْفِضَّةِ عَمَّا حَصَلَ بِهِ الْإِيْفَاءُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ زِيَادَةً عَلَى الْأُوقِيَّةِ كَمَا قَالَ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَمُوَافِقَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أُوقِيَّةُ الذَّهَبِ حِينَئِذٍ وَزْنَ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ أُوقِيَّتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا وَقَعَ بِهَا الْبَيْعُ وَالْأُخْرَى زِيَادَةٌ كَمَا قَالَ وَزَادَنِي أُوقِيَّةً وقوله ودرهم أَوْ دِرْهَمَيْنِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ وَزَادَنِي قِيرَاطًا وَأَمَّا رِوَايَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى دَنَانِيرَ صِغَارٍ كَانَتْ لَهُمْ وَرِوَايَةُ أَرْبَعُ أَوَاقٍ شَكَّ فِيهَا الرَّاوِي فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    قَوْلُهُ (عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ) هُوَ بِفَاءٍ مفتوحة ثم قاف وهي خرازاته أَيْ مَفَاصِلُ عِظَامِهِ وَاحِدَتُهَا فَقَارَةٌ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ) هَكَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَرُوسٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَفْظُهَا وَاحِدٌ لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَمْعِ فَيُقَالُ رَجُلٌ عَرُوسٌ وَرِجَالٌ عُرُسٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَامْرَأَةٌ عَرُوسٌ وَنِسْوَةٌ عَرَائِسُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَسَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَضَبْطُ لَفْظِهِ وَالْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ مَعَ شَرْحِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَيَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ) هَذَا قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمُخْتَارَ انْعِقَادُهُ بِالْمُعَاطَاةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ بِالْمُعَاطَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ فِيهِ عَنِ الْمُعَاطَاةِ وَالْقَائِلُ بِالْمُعَاطَاةِ يُجَوِّزُ هَذَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ إِذَا حَضَرَ الْعِوَضَانِ فَأَعْطَى وَأَخَذَ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْعِوَضَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِأَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ انْعِقَادُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِهِ مَعَ قَوْلِ جَابِرٍ هُوَ لَكَ وَهَذَانِ اللَّفْظَانِ كِنَايَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ (أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ وَزِدْهُ) فِيهِ جَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ وَإِرْجَاحِ الْوَزْنِ قَوْلُهُ (فَأَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ) يَعْنِي حَرَّةَ الْمَدِينَةِ كَانَ قِتَالٌ وَنَهْبٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ هُنَاكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِقَوْلُهُ (فَبِعْتُهُ مِنْهُ بِخَمْسِ أَوَاقٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبِعْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ بِعْتُهُ وَبِعْتُ مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ ذِكْرُ نَظَائِرِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ) هُوَ مُكْرَمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ مِنْ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ) هُوَ بِالنُّونِ والجيممَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ.
    وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هُمْ أَوْلَادُ نَاجِيَةَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تَحْتَ أُسَامَةَ بن لؤي قوله (فلما قدم صرار) هُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ واشهر ولم يذكر الا كثرون غَيْرَهُ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وغيرهما وعند أكثر شيوخنا صرار بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ.
    وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ بِئْرٌ قَدِيمَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا بِئْرٌ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الرواة في مسلم وبعضهم في البخاري ضرار بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارَ غَيْرَ مَصْرُوفٍ وَالْمَشْهُورُ صَرْفُهُ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرِ الذَّبْحُ لَا النَّحْرُ وَلَوْ عُكِسَ جَازَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَنُحِرَتْ فَالْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الذَّبْحُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ نَافِلَةَ النَّهَارِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فَوَائِدَ كَثِيرَةً إِحْدَاهَا هَذِهِ الْمُعْجِزَةُ الظَّاهِرَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْبِعَاثِ جَمَلِ جَابِرٍ وَإِسْرَاعِهِ بَعْدَ إِعْيَائِهِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ طَلَبِ الْبَيْعِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِضْ سِلْعَتَهُ لِلْبَيْعِ الثَّالِثَةُ جَوَازُ الْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا الرَّابِعَةُ اسْتِحْبَابُ سُؤَالِ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَالْإِشَارَةِ عَلَيْهِمْ بِمَصَالِحِهِمْ الْخَامِسَةُ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الْبِكْرِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَيْنِ السَّابِعَةُ(قَوْلُهُ بَابٌ لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ) أَوْرَدَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْفِتَنِ


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:1796 ... ورقمه عند البغا: 1882 ]
    - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ: يَأْتِي الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ- بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ".[الحديث 1882 - طرفه في: 7132].وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم العين في الأول مصغرًا وسكون الفوقية في الثالث بعد الضم ابن مسعود الهذلي المدني(إن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا طويلاً عن الدجال) عن حاله وفعله وسقط في رواية أبي الوقت قوله حديثًا (فكان فيما حدّثنا به أن قال): أن مصدرية أي قوله:(يأتي الدجال -وهو محرّم عليه أن يدخل) أي دخوله (نقاب المدينة ينزل) جملة مستأنفة كأن قائلاً قال إذا كان الدخول عليه حرامًا فكيف يفعل قال ينزل: (بعض السباخ التي بالمدينة)، بكسر السين جمع سبخة وهي الأرض تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت شيئًا والمعنى أنه ينزل خارج المدينة على أرض سبخة من سباخها وسقط في رواية أبي ذر عن الكشميهني قوله ينزل (فيخرج إليه) أي إلى الدجال (يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس-) شك من الراوي وذكر إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم كما في صحيحه أنه يقال إنه الخضر وكذا حكاه معمر في جامعه، وهذا إنما يتم على القول ببقاء الخضر كما لا يخفى (فيقول): الرجل (أشهد أنك الدجال الذي حدّثنا عنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه) (فيقول الدجال): لمن معه من أوليائه (أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت هذا) الرجل (ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون لا) أي اليهود ومن يصدقه من أهل الشقاوة أو العموم يقولون ذلك خوفًا منه لا تصديقًا له أو يقصدون بذلك عدم الشك في كفره وأنه دجال (فيقتله ثم يحييه) بقدرة الله تعالى ومشيئته. وفي مسلم: فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه فيوسع ظهره وبطنه ضربًا فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائمًا (فيقول: حين يحييه والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم) لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر بأن علامة الدجال أنه يحيي المقتول فزادت بصيرته بتلك العلامة. وفي بعض النسخ: أشد مني بصيرة اليوم فالمفضل والمفضل عليه كلاهما هو نفس المتكلم لكنه مفضل باعتبار غيره (فيقول الدجال أقتله فلا يسلط عليه) أي على قتله لأن الله يعجزه بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره
    وحينئذ يبطل أمره.وفي مسلم ثم يقول أي الرجل: يا أيها الناس أنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال حتى يذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا فلا يستطيع إليه سبيلاً قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين".وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الفتن وكذا مسلم وأخرجه النسائي في الحج.


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:1796 ... ورقمه عند البغا:1882 ]
    - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أخبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ أبَا سَعِيدٍ الخدْرِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا طَويلا عنِ الدَّجالِ فكانَ فِيما حدَّثنَا بهِ أنْ قالَ يأتِي الدَّجَّالُ وهْوَ مُحَرَّمٌ عليْهِ أنْ يَدْخُلَ نِقابَ المدِينَةِ بَعْضَ السِّباخِ الَّتِي بالمَدِينَةِ فيَخْرُجُ إليْهِ يَوْمَئِذٍ رجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فيَقُولُ أشْهَدُ أنَّكَ الدَّجالُ الَّذِي حَدثنَا عنْكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَديثَهُ فيَقُولُ الدَّجَّالُ أرأيْتَ إنْ قتَلْتُ هذَا ثُمَّ أحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأمرِ فيَقُولُونَ لاَ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْييهِ فيَقُولُ حِينَ يُحْييهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أشَدَّ بَصِيرَةً منِّي الْيَوْمَ فيَقُولُ الدَّجَّالُ أقْتُلُهُ فَلا اسلَّطُ عَلَيْهِ.(الحَدِيث 2881 طرفه فِي: 2371) .مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على أَن الدَّجَّال ينزل على سبخَة من سباخ الْمَدِينَة، وَلَا يقدر على الدُّخُول إِلَى الْمَدِينَة وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي.والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْفِتَن عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن السَّمرقَنْدِي عَن أبي الْيَمَان بِهِ، وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَحسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد، ثَلَاثَتهمْ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن أبي دَاوُد وَسليمَان بن سيف عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بِهِ.ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَدثنَا) ، فعل ومفعول، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعله، قَوْله: (عَن الدَّجَّال) أَي: عَن حَاله وَفعله. قَوْله: (أَن قَالَ) ، كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: قَوْله يَأْتِي الدَّجَّال. قَوْله: (وَهُوَ محرم عَلَيْهِ) ، جملَة حَالية. (ومحرم) على صِيغَة الْمَفْعُول من التَّحْرِيم، قَوْله: (أَن يدْخل) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، أَي: دُخُوله وَهِي فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ فِي تَقْدِير الْفَاعِل. قَوْله: (ينزل) جملَة مستأنفة كَانَ الْقَائِل يَقُول: إِذا كَانَ الدُّخُول عَلَيْهِ حَرَامًا فَكيف يفعل؟ قَالَ ينزل بعض السباخ، بِكَسْر السِّين: حمع سبخَة، وَهِي الأَرْض الَّتِي تعلوها الملوحة، مَعْنَاهُ: ينزل خَارج الْمَدِينَة على أَرض سبخَة من سباخ الْمَدِينَة. قَوْله: (فَيخرج إِلَيْهِ) أَي: إِلَى الدَّجَّال. قَوْله: (رجل هُوَ خير النَّاس) قَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي، يُقَال: إِن هَذَا الرجل هُوَ الْخضر، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَالَ مُسلم فِي صَحِيحه وَكَذَا قَالَ معمر فِي جَامِعَة بَلغنِي أَن ذَلِك الرجل هُوَ الْخضر عَلَيْهِ الْخضر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله: (أَو من خير النَّاس) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (أَرَأَيْت؟) ، أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (فَيَقُولُونَ) ، الْقَائِلُونَ بِهِ إِمَّا الْيَهُود ومصدقوه من أهل الشقاوة، وَإِمَّا أَعم مِنْهُم، وقالوه خوفًا مِنْهُ لَا تَصْدِيقًا، أَو قصدُوا بِهِ عدم الشَّك فِي كفره، وَكَونه دجالًا. قَوْله: (أَشد بَصِيرَة مني الْيَوْم) لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرنِي بِأَن عَلامَة الدَّجَّال أَنه يحيى الْمَقْتُول، فزادت بصيرته بِحُصُول تِلْكَ الْعَلامَة، ويروى: (أَشد مني بَصِيرَة الْيَوْم) ، فالمفضل والمفضل عَلَيْهِ كِلَاهُمَا هُوَ نفس الْمُتَكَلّم لكنه مفضل بِاعْتِبَار غَيره. قَوْله: (أَقتلهُ فَلَا أسلط عَلَيْهِ) أَي: أَقتلهُ فَلَا أسلط على قَتله، وأسلط على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَا بُد من تَقْدِير الْهمزَة الإنكارية. ويروى بِظُهُور الْهمزَة لفظا وَأما حَدِيث، وَكَأَنَّهُ يُنكر
    على إِرَادَته الْقَتْل وَعدم تسلطه عَلَيْهِ. ويروى (فَلَا يُسَلط عَلَيْهِ) أَي: لَا يقدر على قَتله بِأَن يَجْعَل الله بدنه كالنحاس لَا يجْرِي عَلَيْهِ السَّيْف، أَو بِأَمْر آخر نَحوه، وروى مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يخرج الدَّجَّال فَيتَوَجَّه قبله رجل من الْمُؤمنِينَ فَتَلقاهُ المسايح مسايح الدَّجَّال فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْن تعمد؟ فَيَقُول: أعمد إِلَى هَذَا الَّذِي خرج، قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَو مَا تؤمن بربنا؟ فَيَقُول: مَا بربنا خَفَاء، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ! فَيَقُول بَعضهم لبَعض: أَلَيْسَ قد نهاكم ربكُم أَن تقتلُوا أحدا دونه؟ قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّال، فَإِذا رَآهُ الْمُؤمن قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَذَا الدَّجَّال الَّذِي ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فيأمر الدَّجَّال بِهِ فيشج، فَيَقُول: خذوه فيوسع ظَهره وبطنه ضربا، قَالَ: فَيَقُول أَو مَا تؤمن بِي؟ قَالَ: فَيَقُول: أَنْت الْمَسِيح الْكذَّاب، قَالَ: فينشر بِالْمِنْشَارِ من مفرقه حَتَّى يفرق بَين رجلَيْهِ، قَالَ ثمَّ يمشي الدَّجَّال بَين القطعتين، ثمَّ يَقُول لَهُ: قُم، فيستوي قَائِما، ثمَّ يَقُول لَهُ أتؤمن بِي؟ فَيَقُول: مَا ازددت فِيك إلاَّ بَصِيرَة. قَالَ: ثمَّ يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لَا يفعل بعدِي بِأحد من النَّاس، قَالَ: فَيَأْخذهُ الدَّجَّال حَتَّى يذبحه، فَيجْعَل مَا بَين رقبته إِلَى ترقوته نُحَاسا فَلَا يَسْتَطِيع إِلَيْهِ سَبِيلا، قَالَ: فَيَأْخُذ يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فيقذف بِهِ، فيحسب النَّاس أَنما قذفه إِلَى النَّار، وَإِنَّمَا ألقِي فِي الْجنَّة.، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا أعظم النَّاس شَهَادَة عِنْد رب الْعَالمين) .<

    حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ ‏ "‏ يَأْتِي الدَّجَّالُ ـ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ ـ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، هُوَ خَيْرُ النَّاسِ ـ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ـ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ، الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ‏.‏ فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَقْتُلُهُ فَلاَ أُسَلَّطُ عَلَيْهِ ‏"‏‏.‏

    Narrated Abu Sa`id Al-Khudri:Allah's Messenger (ﷺ) told us a long narrative about Ad-Dajjal, and among the many things he mentioned, was his saying, "Ad-Dajjal will come and it will be forbidden for him to pass through the entrances of Medina. He will land in some of the salty barren areas (outside) Medina; on that day the best man or one of the best men will come up to him and say, 'I testify that you are the same Dajjal whose description was given to us by Allah's Messenger (ﷺ) .' Ad-Dajjal will say to the people, 'If I kill this man and bring him back to life again, will you doubt my claim?' They will say, 'No.' Then Ad-Dajjal will kill that man and bring him back to life. That man will say, 'Now I know your reality better than before.' Ad-Dajjal will say, 'I want to kill him but I cannot

    Telah menceritakan kepada kami [Yahya bin Bukair] telah menceritakan kepada kami [Al Laits] dari ['Uqail] dari [Ibnu Syihab] berkata, telah mengabarkan kepada saya ['Ubaidullah bin 'Abdullah bin 'Uqbah] bahwa [Abu Sa'id Al Khudriy radliallahu 'anhu] berkata, telah menceritakan kepada kami Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam dengan pembicaraan yang panjang tentang Dajjal. Diantara yang Beliau ceritakan tentangnya adalah, Beliau berkata: "Dajjal akan datang pada suatu tanah yang tandus di Madinah (untuk memasuki Madinah) padahal dia diharamkan untuk memasuki pintu-pintu gerbang Madinah. Maka pada hari itu keluarlah seorang laki-laki yang merupakan manusia terbaik atau salah seorang dari manusia terbaik menghadangnya seraya berkata; Aku bersaksi bahwa kamu adalah Dajjal yang pernah diceritakan oleh Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam. Maka Dajjal berkata; Bagaimana sikap kalian jika aku membunuh orang ini lalu aku menghidupkannya kembali, apakah kalian masih meragukan kemampuanku?. Mereka menjawab: "Tidak". Maka Dajjal membunuh laki-laki terbaik itu lalu menghidupkannya kembali. Laki-laki itu berkata, ketika Dajjal menghidupkannya kembali; "Demi Allah, hari aku tidak akan lebih waspada kecuali terhadap diriku sendiri. Maka Dajjal berkata; "Aku akan membunuhnya lagi". Maka Dajjal tidak sanggup untuk menguasainya

    Ebu Saîd el-Hudrî anlatıyor: Bir gün Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem bize Deccal hakkında uzun bir konuşma yaptı. O'nun Sallallahu Aleyhi ve Sellem bize anlattıklarından bir kısmı şöyle idi: "Medine'nin geçitlerini aşması kesinlikle engellenmiş olan Deccal, Medine civarındaki boş bir araziye gelecek. O gün onun karşısına insanların en hayırlısı çıkacak ve şöyle diyecek: "Ben kesinlikle şahidim ki, sen Resûlullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem'in bahsettiği Deccal'sın!" Bunun üzerine Deccal çevresindekilere: "Ne dersiniz, ben şimdi bu adamı öldürüp sonra tekrar diriltirsem artık benim iddiamdan herhangi bir kuşku duyar mısınız?" der. Onlar da: "Asla kuşku duymayız!" diye cevap verirler. Bu konuşmanın ardından Deccal o adamı öldürür ve sonra diriltir. Adam da diriltilince şöyle der: "Allah'a yemin ederim ki, (senin yalancılığın hakkında) şu ana kadar hiç böylesine kesin bir inanca sahip olmamıştım!" Bunun üzerine Deccal: "Bu adamı yine öldüreceğim ve bir daha başıma iş açamayacak!" diye karşılık verecek." Tekrar; 7132. Bu konuyla ilgili diğer açıklamalar İçin bk. {Fitneler bölümü, 26. konu}

    ہم سے یحییٰ بن بکیر نے بیان کیا، انہوں نے کہا کہ ہم سے لیث بن سعد نے بیان کیا، ان سے عقیل نے، ان سے ابن شہاب نے، انہوں نے بیان کیا کہ مجھے عبیداللہ بن عتبہ نے خبر دی کہ ابو سعید خدری رضی اللہ عنہ نے بیان کیا کہ ہم سے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے دجال کے متعلق ایک لمبی حدیث بیان کی، آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے اپنی حدیث میں یہ بھی فرمایا تھا کہ دجال مدینہ کی ایک کھاری شور زمین تک پہنچے گا اس پر مدینہ میں داخلہ تو حرام ہو گا۔ ( مدینہ سے ) اس دن ایک شخص اس کی طرف نکل کر بڑھے گا، یہ لوگوں میں ایک بہترین نیک مرد ہو گا یا ( یہ فرمایا کہ ) بزرگ ترین لوگوں میں سے ہو گا وہ شخص کہے گا کہ میں گواہی دیتا ہوں کہ تو وہی دجال ہے جس کے متعلق ہمیں رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے اطلاع دی تھی دجال کہے گا کیا میں اسے قتل کر کے پھر زندہ کر ڈالوں تو تم لوگوں کو میرے معاملہ میں کوئی شبہ رہ جائے گا؟ اس کے حواری کہیں گے نہیں، چنانچہ دجال انہیں قتل کر کے پھر زندہ کر دے گا۔ جب دجال انہیں زندہ کر دے گا تو وہ بندہ کہے گا بخدا اب تو مجھ کو پورا حال معلوم ہو گیا کہ تو ہی دجال ہے دجال کہے گا لاؤ اسے پھر قتل کر دوں لیکن اس مرتبہ وہ قابو نہ پا سکے گا۔

    আবু সা‘ঈদ খুদরী (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম আমাদের সামনে দাজ্জাল সম্পর্কে এক দীর্ঘ হাদীস বর্ণনা করেছেন। বর্ণিত কথাসমূহের মাঝে তিনি এ কথাও বলেছিলেন যে, মদিনার প্রবেশ পথে অনুপ্রবেশ করা দাজ্জালের জন্য হারাম করে দেয়া হয়েছে। তাই সে মাদ্বীনার উদ্দেশে যাত্রা করে মদিনার নিকটবর্তী কোন একটি বালুকাময় জমিতে অবতরণ করবে। তখন তার নিকট এক ব্যক্তি যাবে যে উত্তম ব্যক্তি হবে বা উত্তম মানুষের একজন হবে এবং সে বলবে, আমি সাক্ষ্য দিচ্ছি, তুমিই হলে সে দাজ্জাল যার সম্পর্কে আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম আমাদেরকে অবহিত করেছেন। দাজ্জাল বলবে, আমি যদি একে হত্যা করে পুনরায় জীবিত করতে পারি তাহলেও কি তোমরা আমার ব্যাপারে সন্দেহ করবে? তারা বলবে, না। এরপর দাজ্জাল লোকটিকে হত্যা করে পুনরায় জীবিত করবে। জীবিত হয়েই লোকটি বলবে, আল্লাহর শপথ! আজকের চেয়ে অধিক প্রত্যয় আমার আর কখনো ছিল না। অতঃপর দাজ্জাল বলবে, আমি তাকে হত্যা করে ফেলব। কিন্তু সে লোকটিকে হত্যা করতে আর সক্ষম হবে না। (৭১৩২, মুসলিম ৫২/২১, হাঃ ২৯৩৮, আহমাদ ১১৩১৮) (আধুনিক প্রকাশনীঃ ১৭৪৬, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    அபூசயீத் அல்குத்ரீ (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் (ஒரு நாள்) தஜ்ஜாலைப் பற்றி நீண்டதொரு ஹதீஸை எங்களுக்கு அறிவித்தார்கள். எங்களுக்கு அவர்கள் அறிவித்தவற்றில் பின்வரும் தகவலும் அடங்கும்: மதீனாவின் நுழைவாயில்களில் நுழை வது தஜ்ஜாலுக்குத் தடை செய்யப்பட்டி ருக்கும் நிலையில் தஜ்ஜால் வருவான். மதீனா(வை அடுத்துள்ள) உவர் நிலம் ஒன்றில் அவன் தங்குவான்; அவனை நோக்கி மக்களிலேயே சிறந்த ஒரு மனிதர் புறப்படுவார்; அவர் அவனிடம், “அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் எவனது செய்தியை எங்களுக்கு முன்னறி விப்புச் செய்தார்களோ அந்த தஜ்ஜால் நீதான் என்று நான் உறுதிகூறுகிறேன்” என்பார். அப்போது தஜ்ஜால் (மக்களை நோக்கி), “நான் இவனைக் கொன்று, பிறகு உயிர்ப்பித்தால் (நான்தான் இறைவன் எனும்) இந்த விஷயத்தில் நீங்கள் சந்தேகம்கொள்வீர்களா?” என்று கேட்பான். மக்கள் “இல்லை” என்பார்கள். உடனே, அவன் அவரைக் கொன்று, பின்னர் உயிர்ப்பிப்பான். அப்போது அந்த (நல்ல) மனிதர் உயிர்பெற்றதும், “அல்லாஹ்வின் மீதாணையாக! இன்றைய தினத்தைவிடத் தெளிவாக உன்னைப் பற்றி நான் (இதற்குமுன்) ஒருபோதும் அறிந்திருக்கவில்லை” என்று கூறுவார். தஜ்ஜால், “நான் இவரைக் கொல்வேன்” என்பான். ஆனால், அவர்மீது அவனுக்கு அதிகாரம் வழங்கப்படாது. அத்தியாயம் :