• 242
  • عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ ، قَالُوا : إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : " إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا "

    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ ، قَالُوا : إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا

    كهيئتك: الهيئة : صُورَةُ الشَّيء وشَكْلُه وحَالَتُه
    أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا *

    [20] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ بِتَشْدِيدِهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ نَفْسِهِ وَهُوَ أَخْبَرَ بِأَبِيهِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَكْثَرِ مَشَايِخَ بَلَدِهِ وَقَدْ صَنَّفَ الْمُنْذِرِيُّ جُزْءًا فِي تَرْجِيحِ التَّشْدِيدِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافه قَوْله أخبرنَا عَبدة هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا قَوْلُهُ عَن هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَوْلُهُ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا أَمَرَهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ شَرْحُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ وَكَذَا مِنْ طَرِيقِ بن نُمَيْرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالشَّيْءِ قَالُوا وَالْمَعْنَى كَانَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ دُونَ مَا يَشُقُّ خَشْيَةَ أَنْ يَعْجِزُوا عَنِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ وَعَمِلَ هُوَ بِنَظِيرِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنَ التَّخْفِيفِ طَلَبُوا مِنْهُ التَّكْلِيفَ بِمَا يَشُقَّ لِاعْتِقَادِهِمِ احْتِيَاجُهُمْ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْعَمَلِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ دُونَهُ فَيَقُولُونَ لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ فَيَغْضَبُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حُصُولَ الدَّرَجَاتِ لَا يُوجِبُ التَّقْصِيرَ فِي الْعَمَلِ بَلْ يُوجِبُ الِازْدِيَادَ شُكْرًا لِلْمُنْعِمِ الْوَهَّابِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِمَا يسهل عَلَيْهِم ليداوموا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ تَكْرِيرِ أَمَرَهُمْ يَكُونُ الْمَعْنَى كَانَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِعَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ أَمَرَهُمْ بِمَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُمُ الثَّانِيَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَالُوا جَوَابُ ثَانٍ قَوْلُهُ كَهَيْئَتِكَ أَيْ لَيْسَ حَالُنَا كَحَالِكَ وَعَبَّرَ بِالْهَيْئَةِ تَأْكِيدًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ الْأُولَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ تُرَقِّي صَاحِبَهَا إِلَى الْمَرَاتِبِ السَّنِيَّةِ مِنْ رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَمَحْوِ الْخَطِيئَاتِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ اسْتِدْلَالَهُمْ وَلَا تَعْلِيلَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى الثَّانِيَةُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ فِي الْعِبَادَةِ وَثَمَرَاتِهَا كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا اسْتِبْقَاءً لِلنِّعْمَةِ وَاسْتِزَادَةً لَهَا بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّ الشَّارِعُ مِنْ عَزِيمَةٍ وَرُخْصَةٍ وَاعْتِقَادُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَرْفَقِ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ أَوْلَى مِنَ الْأَشَقِّ الْمُخَالِفِ لَهُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الْعِبَادَةِ الْقَصْدُ وَالْمُلَازَمَةُ لَا الْمُبَالَغَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى التَّرْكِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُنْبَتُّ أَيِ الْمُجِدُّ فِي السَّيْرِ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى الْخَامِسَةُ التَّنْبِيهُ عَلَى شِدَّةِ رَغْبَةِ الصَّحَابَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَطَلَبِهِمُ الِازْدِيَادَ مِنَ الْخَيْرِ السَّادِسَةُ مَشْرُوعِيَّةُ الْغَضَبِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَالْإِنْكَارِ عَلَى الْحَاذِقِ الْمُتَأَهِّلِ لِفَهْمِ الْمَعْنَى إِذَا قَصَّرَ فِي الْفَهْمِ تَحْرِيضًا لَهُ عَلَى التَّيَقُّظِ السَّابِعَةُ جَوَازُ تَحَدُّثِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَضْلٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الْمُبَاهَاةِ وَالتَّعَاظُمِ الثَّامِنَةُ بَيَانُ أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُتْبَةَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي الْحِكْمَتَيْنِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ أَعْلَمُكُمْ وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ أَتْقَاكُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ لَأَنَا بِزِيَادَةِلَامِ التَّأْكِيدِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَاللَّهِ إِنَّ أَبَرَّكُمْ وَأَتْقَاكُمْ أَنَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِقَامَةُ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ مَقَامَ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَ أَكْثَرِ النُّحَاةِ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ وَأَوَّلُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ وَإِنَّمَا يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ مُقَدَّرٌ أَيْ وَمَا يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ إِلَّا أَنَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِلْجَوَازِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ هِشَامٍ فَرْدٌ مُطْلَقٌ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُوَاجَهْ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ تَعْيِينُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَللَّه الْحَمد

    [20] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن سلام) هو بالتخفيف والتشديد كما في فرع اليونينية كهي عن الأصيلي، وصحح الحافظ ابن حجر التخفيف، قال العيني: وبه قطع الجمهور كالخطيب وابن ماكولا، وقول صاحب المطالع إن التشديد عليه الأكثر حمله النووي على أكثر المشايخ فقال: وإنما الذي عليه أكثر العلماء التخفيف قال: وقد روى عنه ذلك نفسه وهو أخبر بأبيه وهو يشير إلى ما رواه سهل بن المتوكل عنه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وقد صنف المنذري جزءًا في ترجيح التشديد، ولكن المعتمد خلافه، حتى قال بعض الحفاظ فيما نقله العيني إن التشديد لحن انتهى. واسم أبيه الفرج السلميّ البخاري زاد في رواية كريمة مما ليس في الفرع وأصله البيكندي بموحدة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم كاف مفتوحة ثم نون ساكنة نسبة إلى بيكند بلدة على مرحلة من بخارى. وتوفي محمد بن سلام هذا سنة خمس وعشرين ومائتين وهو مما انفرد به البخاري عن الكتب الستة، (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (عبدة) بسكون الموحدة، قيل هو لقبه واسمه عبد الرحمن بن سليمان بن حاجب الكلابي الكوفي المتوفى بها في جمادى أو رجب سنة سبع أو ثمان وثمانين ومائة، (عن هشام) هو ابن عروة. (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها أنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرهم) أي أمر الناس بعمل، (أمرهم من الأعمال بما) وفي رواية أبي الوقت ما (يطيقون) أي يطيقون الدوام عليه، فخير العمل ما دام عليه صاحبه وإن قلّ، ولا يخفى أن الكثرة تؤدي إلى القطع، والقاطع في صورة ناقض العهد، فأمرهم الثانية جواب أوّل للشرط والثاني قوله (قالوا إنّا لسنا كهيئتك) بفتح الهاء، قال الكرماني والهيئة الحالة والصورة، وليس المراد نفي تشبيه ذواتهم بحالته عليه الصلاة والسلام، فلا بدّ من تأويل في أحد الطرفين، فقيل المراد من هيئتك كمثلك أي كذاتك أو كنفسك، وزيد لفظ الهيئة للتأكيد نحو مثلك لا يبخل أو من لسنا أي ليس حالنا كحالك، فحذف الحال وأقيم المضاف إليه مقامه فاتصل الفعل بالضمير فقيل لسنا كهيئتك (يا رسول الله إن الله) تعالى (قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أي منه، والمعنى والله أعلم أي حال بينك وبين الذنوب، فلا تأتيها لأن الغفر الستر، وهو إما بين العبد والذنب وإما بين الذنب وعقوبته، فاللائق بالأنبياء الأوّل وبأممهم الثاني، قاله البرماوي. وقال غيره: المراد منه ترك الأولى والأفضل بالعدول إلى الفاضل وترك الأفضل كأنه ذنب لجلالة قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (فيغضب حتى يعرف) بلفظ المضارع والمراد منه الحال، وفي بعض النسخ فغضب حتى عرف (الغضب) بالرفع (في وجهه) الشريف (ثم يقول) بالرفع عطفًا على يغضب: (إن أتقاكم وأعلمكم بالله) عز وجل (أنا). أتقاكم اسم إن وتاليه عطف عليه والأخير خبرها، كأنهم قالوا أنت مغفور لك لا تحتاج إلى عمل. ومع ذلك تواظب على الأعمال فكيف بنا مع كثرة ذنوبنا، فرد عليهم بقوله أنا أولى بالعمل لأني أتقاكم وأعلمكم، وأشار بالأوّل إلى كماله عليه الصلاة والسلام بالقوّة العملية وبالثاني إلى القوّة العلمية. وقال في المصابيح: فإن قلت: السياق يقتضي تفضيله على المخاطبين فيما ذكر وليس هو منهم قطعًا، وقد فقد شرط استعمال أفعل التفضيل مضافًا، وأجاب: بأنه إنما قصد التفضيل على كلٍّ من سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده، والإضافة لمجرد التوضيح، فما ذكر من الشرط هنا لاغٍ إذ يجوز في هذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو أحدهم نحو نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل قريش، وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه، ليس داخلاً فيهم، نحو يوسف أحسنإخوته، وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو فلان أعلم بغداد أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد لأنها مسكنه أو منشئه اهـ. وهذا الحديث كما قاله الحافظ ابن حجر من أفراد المصنف وهو من غرائب الصحيح لا أعرفه إلا من هذا الوجه، فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة ورواته كلهم أجلاء ما بين بخاري وكوفي ومدني. ولما فرغ المصنف من هذا الحديث المتضمن لسؤال الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام الإذن لهم في الازدياد من العبادات استلذاذًا لوجدانهم حلاوة الطاعة، شرع يذكر حديث ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان فقال: 14 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ (باب) ذكر كراهة (من كره أن يعود) أي العود (في الكفر كما يكره أن يلقى) أي ككراهة الإلقاء (في النار من الإيمان) أي من شعبه، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي، ويجوز تنوين باب وإضافته إلى تاليه، وعلى كل تقدير فمن مبتدأ ومن الإيمان خبره وأن في الموضعين مصدرية وكذا ما ومن موصولة، وكره أن يعود صلتها، وسقط لأبي الوقت من الإيمان.

    [20] حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ قَالَ أخْبَرَنَا عَبْدَةُ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قالتْ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أَمَرَهُمْ أمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِما يُطِيقُونَ قَالُوا إنَّا لسْنَا كَهْيَئتِكَ يَا رسولَ اللَّهِ إنّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ فَيَغْضَبُ حَتى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وجْهِهِ ثمَّ يَقُولُ إنَّ أَتْقاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أَنَا. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِنَّهَا جُزْء مِنْهُ. (بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلام بن الْفرج السّلمِيّ، مَوْلَاهُم، البُخَارِيّ البيكندي، سمع ابْن عُيَيْنَة وَابْن الْمُبَارك وَغَيرهمَا من الْأَعْلَام، وَعنهُ الْأَعْلَام الْحفاظ: كالبخاري وَنَحْوه، انفق فِي الْعلم أَرْبَعِينَ ألفا، وَمثلهَا فِي نشره، وَيُقَال: إِن الْجِنّ كَانَت تحضر مَجْلِسه، وَقَالَ: أدْركْت مَالِكًا وَلم أسمع مِنْهُ، وَكَانَ أَحْمد يعظمه، وَعنهُ أحفظ أَكثر من خَمْسَة آلَاف حَدِيث كذب، وَله رحْلَة ومصنفات فِي أَبْوَاب من الْعلم، وانكسر قلمه فِي مجْلِس شيخ فَأمر أَن يُنَادى: قلم بِدِينَار، فطارت إِلَيْهِ الأقلام، توفّي سنة خمس وَعشْرين ومائيتن، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِهِ عَن الْكتب السِّتَّة. ثمَّ اعْلَم أَن: سَلاما، وَالِد مُحَمَّد الْمَذْكُور بِالتَّخْفِيفِ على الصَّوَاب، وَبِه قطع الْمُحَقِّقُونَ، مِنْهُم: الْخَطِيب وَابْن مَاكُولَا، وَهُوَ مَا ذكره غبخار فِي (تَارِيخ بخاري) ، وَهُوَ أعلم ببلاده، وَحَكَاهُ أَيْضا عَنهُ فَقَالَ: قَالَ سهل بن المتَوَكل: سَمِعت مُحَمَّد بن سَلام يَقُول: أَنا مُحَمَّد بن سَلام، بِالتَّخْفِيفِ، وَلست بِمُحَمد بن سَلام، وَذكر بعض الْحفاظ أَن تشديده لحن، وَأما صَاحب (الْمطَالع) فَادّعى أَن التَّشْدِيد رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَعَلَّه أَرَادَ أَكثر شُيُوخ بَلَده. وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَا يُوَافق على هَذِه الدَّعْوَى، فَإِنَّهَا مُخَالفَة للمشهور. الثَّانِي: أَبُو مُحَمَّد عَبدة، بِسُكُون الْبَاء، ابْن سُلَيْمَان بن حَاجِب بن زُرَارَة بن عبد الرَّحْمَن بن صرد بن سمير بن مليك بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب الْكلابِي الْكُوفِي، هَكَذَا نسبه مُحَمَّد بن سعد فِي (الطَّبَقَات) ، وَقيل: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَعَبدَة لقبه، سمع جمَاعَة من التَّابِعين، مِنْهُم: هِشَام وَالْأَعْمَش، وَعنهُ الْأَعْلَام: أَحْمد وَغَيره. قَالَ أَحْمد: ثِقَة ثِقَة وَزِيَادَة مَعَ صَلَاح، وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة رجل صَالح صَاحب قُرْآن، توفّي بِالْكُوفَةِ فِي جُمَادَى، وَقيل: فِي رَجَب سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة؛ قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقَالَ البُخَارِيّ: سنة سبع، روى لَهُ الْجَمَاعَة. الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع: أَبُو عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الْخَامِس: عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَقد ذكرُوا فِي بَاب الْوَحْي. (بَيَان الْأَنْسَاب) السّلمِيّ، بِضَم السِّين وَفتح اللَّام، فِي قيس غيلَان، وَفِي الأزد، فَالَّذِي فِي قيس غيلَان: سليم بن مَنْصُور بن عِكْرِمَة بن حَفْصَة بن قيس بن غيلَان، وَالَّذِي فِي الأزد: سليم بن بهم بن غنم بن دوس، وَهُوَ من شَاذ النّسَب، وَقِيَاسه: سليمي. البُخَارِيّ: نِسْبَة إِلَى بُخَارى، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، مَدِينَة مَشْهُورَة بِمَا وَرَاء النَّهر، خرجت مِنْهَا(إِنَّا لسنا كهيأتك) أَرَادوا بِهَذَا الْكَلَام طلب الْإِذْن فِي الزِّيَادَة من الْعِبَادَة، وَالرَّغْبَة فِي الْخَيْر يَقُولُونَ: أَنْت مغْفُور لَك لَا تحْتَاج إِلَى عمل، وَمَعَ هَذَا أَنْت مواظب على الْأَعْمَال، فَكيف بِنَا وذنوبنا كَثِيرَة، فَرد عَلَيْهِم، وَقَالَ: أَنا أولى بِالْعَمَلِ لِأَنِّي أعلمكُم وأخشاكم. قَوْله: (إِن الله قد غفر لَك) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: {{ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر}} (الْفَتْح: 2) وَقد عرفت مَا فِي هَذَا التَّرْكِيب من المؤكدات. فَإِن قلت: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْصُوم عَن الْكَبَائِر والصغائر فَمَا ذَنبه الَّذِي غفر لَهُ؟ قلت: المُرَاد مِنْهُ ترك الأولى وَالْأَفْضَل بالعدول إِلَى الْفَاضِل، وَترك الْأَفْضَل كَأَنَّهُ ذَنْب لجلالة قدر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَيُقَال: المُرَاد مِنْهُ ذَنْب أمته. قَوْله: (اتقاكم) إِشَارَة إِلَى كَمَال الْقُوَّة العملية، وَأعْلمكُمْ إِلَى كَمَال الْقُوَّة العلمية وَلما كَانَ، عَلَيْهِ السَّلَام، جَامعا لأقسام التَّقْوَى حاوياً لأقسام الْعُلُوم، مَا خصص التَّقْوَى وَلَا الْعلم، وَأطلق، وَهَذَا قريب مِمَّا قَالَ عُلَمَاء الْمعَانِي، قد يقْصد بالحذف إِفَادَة الْعُمُوم والاستغراق، وَيعلم مِنْهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا أَنه أفضل من كل وَاحِد وَأكْرم عِنْد الله وأكمل، لِأَن كَمَال الْإِنْسَان منحصر فِي الحكمتين العلمية والعملية، وَهُوَ الَّذِي بلغ الدرجَة الْعليا والمرتبة القصوى مِنْهُمَا، يجوز أَن يكون أفضل وَأكْرم وأكمل من الْجَمِيع حَيْثُ قَالَ: (اتقاكم وَأعْلمكُمْ) خطابا للْجَمِيع. (بَيَان استنباط الْفَوَائِد) وَهُوَ على وُجُوه. الأول: أَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة ترقي صَاحبهَا إِلَى الْمَرَاتِب السّنيَّة من: رفع الدَّرَجَات ومحو الخطيئات، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام، لم يُنكر عَلَيْهِم استدلالهم من هَذِه الْجِهَة، بل من جِهَة أُخْرَى. الثَّانِي: أَن الْعِبَادَة الأولى فِيهَا الْقَصْد وملازمة مَا يُمكن الدَّوَام عَلَيْهِ. الثَّالِث: أَن الرجل الصَّالح يَنْبَغِي أَن لَا يتْرك الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل إعتماداً على صَلَاحه. الرَّابِع: أَن الرجل يجوز لَهُ الْإِخْبَار بفضيلته إِذا دعت إِلَى ذَلِك حَاجَة. الْخَامِس: أَنه يَنْبَغِي أَن يحرص على كتمانها فَإِنَّهُ يخَاف من إشاعتها زَوَالهَا. السَّادِس: فِيهِ جَوَاز الْغَضَب عِنْد رد أَمر الشَّرْع ونفوذ الحكم فِي حَال الْغَضَب والتغير، السَّابِع: فِيهِ دَلِيل على رفق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأمته، وَأَن الدّين يسر، وَأَن الشَّرِيعَة حنيفية سَمْحَة. الثَّامِن: فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى شدَّة رَغْبَة الصَّحَابَة فِي الْعِبَادَة، وطلبهم الازدياد من الْخَيْر. 14 - (بَاب مَنْ كَرِهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَن يُلْقَى فِي النارِ مِن الإِيمانِ) أَي: هَذَا بَاب من كره، وَيجوز فِي بَاب التَّنْوِين وَالْوَقْف وَالْإِضَافَة إِلَى الْجُمْلَة، وعَلى كل التَّقْدِير قَوْله: من، مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: من الْإِيمَان، و: أَن فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّة، وَكَذَلِكَ كلمة: مَا وَمن، مَوْصُولَة، وَكره أَن يعود: صلتها، وَفِيه حذف، تَقْدِير الْكَلَام: بَاب كَرَاهَة من كره الْعود فِي الْكفْر ككراهة الْإِلْقَاء فِي النَّار من شعب الْإِيمَان. وَالْكَرَاهَة ضد الْإِرَادَة والرضى، وَالْعود بِمَعْنى الصيرورة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ضمن فِيهِ معنى الِاسْتِقْرَار حَتَّى عدى بفي، وَنَحْوه قَوْله تَعَالَى: {{أَو لتعودن فِي ملتنا}} (الْأَعْرَاف: 88) قلت: فِي، تَجِيء بِمَعْنى: إِلَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {{فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}} (إِبْرَاهِيم: 9) . وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ: أَن فِي الْبَاب الأول أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَمر أَصْحَابه بِعَمَل كَانُوا يسألونه أَن يعملوا بِأَكْثَرَ من ذَلِك، وَذَلِكَ لوجدانهم حلاوة الْإِيمَان من شدَّة محبتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الْبَاب أَيْضا يتَضَمَّن هَذَا الْمَعْنى لِأَن فِيهِ؛ من أحب الله وَرَسُوله أَكثر مِمَّا يحب غير الله وَرَسُوله فَإِنَّهُ يفوز بحلاوة الْإِيمَان.

    [20] هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول: " إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا ". كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أصحابه بما يطيقون من الأعمال، وكانوا لشدة حرصهم على الطاعات يريدون الاجتهاد في العمل، فربما اعتذروا عن أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرفق واستعماله له في نفسه أنه غير محتاج إلى العمل بضمان المغفرة له وهم غير مضمون لهم المغفرة، فهم يحتاجون إلى الاجتهاد ما لا يحتاج هو إلى ذلك، فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغضب من ذلك ويخبرهم أنه أتقاهم وأعلمهم به. فكونه أتقاهم لله يتضمن شدة اجتهاده في خصال التقوى وهو العمل، وكونه أعلمهم به يتضمن أن علمه بالله أفضل من علمهم بالله وإنما زاد علمه بالله لمعنيين: أحدهما: زيادة معرفته بتفاصيل أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وعظمته وكبريائه وما يستحقه من الجلال والإكرام والإعظام. والثاني: أن علمه بالله مستند إلى عين اليقين، فإنه رآه إما بعين بصره أو بعين بصيرته، كما قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: رآه بفؤاده مرتين، وعلمهم به مستند إلى علم يقين، وبين المرتين [تباين] (¬1) ، ولهذا سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يرقيه من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين بالنسبة إلى رؤية إحياء الموتى – وقد سبق التنبيه على ¬ذلك والكلام في تفاصيل المعرفة التامة بالقلب (¬1) - فلما زادت معرفة الرسول (191 - أ / ف) بربه زادت خشيته له وتقواه، فإن العلم التام يستلزم الخشية كما قال تعالى {{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}} [فاطر: 28] فمن كان بالله وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلم كان له أخشى وأتقى،، إنما تنقص الخشية والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله. وقد خرج البخاري في آخر " صحيحه " عن مسروق قال: قالت عائشة: صنع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا ترخص فيه وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله ثم قال: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ ! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم خشية " (¬2) . وفي " صحيح مسلم " عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله! إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم " فقال الرجل: يا رسول الله! إنك لست مثلنا، قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " (¬3) . وفي حديث أنس أن ثلاث رهط جاءوا إلى بيوت أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألون عن عبادة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أصوم الدهر ولا ¬أفطر، وقال الآخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ ! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكن أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ". وقد خرجاه في " الصحيحين " بمعناه (¬1) . ففي هذه الأحاديث كلها الإنكار على من نسب إليه التقصير في العمل للاتكال على المغفرة؛ فإنه كان يجتهد في الشكر أعظم الاجتهاد فإذا عوتب على ذلك وذكرت له المغفرة أخبر أنه يفعل ذلك شكرا؛ كما في " الصحيحين " عن المغيرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقوم حتى تتفطر قدماه فيقال له: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: " أفلا أكون عبدا شكورا " (¬2) . وقد يواصل في الصيام وينهاهم ويقول: " إني لست كهيئتكم؛ إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني " (¬3) ، فنسبة التقصير إليه في العمل لاتكاله على المغفرة خطأ فاحش؛ لأنه يقتضي أن هديه ليس هو أكمل الهدى وأفضله، وهذا خطأ عظيم؛ ولهذا كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في خطبته: " خير الهدى هدى محمد " (¬4) . ويقتضي – أيضا – هذا الخطأ: أن الاقتداء به في العمل ليس هو أفضل؛ بل الأفضل الزيادة على هديه في ذلك، وهذا خطأ عظيم جدا؛ فإن الله تعالى قد أمر بمتابعته وحث عليها، قال تعالى {{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ ¬لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}} [آل عمران: 31] . فلهذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغضب من ذلك غضبا شديدا لما في هذا الظن من القدح في هديه ومتابعته والاقتداء به. وفي رواية للإمام أحمد: " والله إني لأعلمكم بالله وأتقاكم له قلبا " (¬1) . وقوله في الرواية التي خرجها البخاري في هذا الباب " إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا " فيه الإتيان بالضمير المنفصل مع تأتي الإتيان بالضمير المتصل، وهو ممنوع عند أكثر النحاة (191 – ب / ف) إلا للضرورة كقول الشاعر: " ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير ". وإنما يجوز اختيارا إذا لم يتأت (¬2) الإتيان بالمتصل مثل أن يبتدأ بالضمير قبل عامله نحو: إياك نعبد؛ فإنه لا يبتدأ بضمير متصل أو يقع بعد نحو إلا إياه. فأما قول الشاعر: " أن لا يجاوزنا إلاك "، فشاذ. وأما قوله: " وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي "، فهو عندهم متأول على أن فيه معنى الاستثناء، كأنه قال: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا. ولكن هذا الذي وقع في هذا الحديث يشهد لجوازه من غير ضرورة، ويكون حينئذ قوله: " إنما يدافع عن أحسابهم أنا ": شاهدا له غير محتاج إلى تأويل، والله أعلم. ¬14 - فصل (¬1) تقدم عن أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان " وقد تقدم من رواية أبي قلابة، عن أنس، وزاد في رواية قتادة: " ومن كره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ". وقوله " بعد إذ أنقذه الله منه " لا يستلزم أنه كان واقعا فيه فإن كل من أدخل الله الإسلام في قلبه فقد أنقذه الله من الكفر وإن لم يكن قد وقع في الكفر قبل ذلك؛ وهذا كما قال شعيب عليه السلام {{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله}} [الأعراف: 89] وقال تعالى {{وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا}} [آل عمران: 103] وقال تعالى {{اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}} [البقرة: 257] . والمراد: أنه ينجيهم من الشرك ويدخلهم في الإيمان؛ وكثير منهم لم يكن داخلا في الشرك قط. ¬15 - فصل (¬1) خرج البخاري ومسلم (¬2) من حديث: ¬

    شروح صوتية للحديث

    حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏.‏ فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ ‏ "‏ إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا ‏"‏‏.‏

    Narrated 'Aisha: Whenever Allah's Messenger (ﷺ) ordered the Muslims to do something, he used to order them deeds which were easy for them to do, (according to their strength and endurance). They said, "O Allah's Messenger (ﷺ)! We are not like you. Allah has forgiven your past and future sins." So Allah's Apostle became angry and it was apparent on his face. He said, "I am the most Allah fearing, and know Allah better than all of you do

    Telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin Salam] berkata, telah mengabarkan kepada kami ['Abdah] dari [Hisyam] dari [bapaknya] dari [Aisyah] berkata: "Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bila memerintahkan kepada para sahabat, Beliau memerintahkan untuk melakukan amalan yang mampu mereka kerjakan, kemudian para sahabat berkata; "Kami tidaklah seperti engkau, ya Rasulullah, karena engkau sudah diampuni dosa-dosa yang lalu dan yang akan datang". Maka Beliau shallallahu 'alaihi wasallam menjadi marah yang dapat terlihat dari wajahnya, kemudian bersabda: "Sesungguhnya yang paling taqwa dan paling mengerti tentang Allah diantara kalian adalah aku

    Aişe r.anha şöyle demiştir: Resulullah sallallahu aleyhi ve sellem Ashabına emrettiği zaman (daima ellerinden) gelebilecek amelleri emrederdi. (o zaman Ashab-ı Kiram,): '' Ey Allah'ın elçisi! Biz senin durumunda değiliz. Allah senin geçmiş ve gelecek günahlarını bağışlamıştır.'' Bu söz üzerine Nebi (Sallallahu aleyhi ve Sellem) yüzünden öfkesi anlaşılacak şekilde sinirlenir sonra da şöyle derdi: Allah'a karşı gelmekten en çok sakınanınız, O'nu en iyi bileniniz benim

    یہ حدیث ہم سے محمد بن سلام نے بیان کی، وہ کہتے ہیں کہ انہیں اس کی عبدہ نے خبر دی، وہ ہشام سے نقل کرتے ہیں، ہشام عائشہ رضی اللہ عنہا سے وہ فرماتی ہیں کہ رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم لوگوں کو کسی کام کا حکم دیتے تو وہ ایسا ہی کام ہوتا جس کے کرنے کی لوگوں میں طاقت ہوتی ( اس پر ) صحابہ رضی اللہ عنہم نے عرض کیا کہ یا رسول اللہ! ہم لوگ تو آپ جیسے نہیں ہیں ( آپ تو معصوم ہیں ) اور آپ کی اللہ پاک نے اگلی پچھلی سب لغزشیں معاف فرما دی ہیں۔ ( اس لیے ہمیں اپنے سے کچھ زیادہ عبادت کرنے کا حکم فرمائیے ) ( یہ سن کر ) آپ صلی اللہ علیہ وسلم ناراض ہوئے حتیٰ کہ خفگی آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے چہرہ مبارک سے ظاہر ہونے لگی۔ پھر فرمایا کہ بیشک میں تم سب سے زیادہ اللہ سے ڈرتا ہوں اور تم سب سے زیادہ اسے جانتا ہوں۔ ( پس تم مجھ سے بڑھ کر عبادت نہیں کر سکتے ) ۔

    (لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وَ لٰکِنۡ یُّؤَاخِذُکُمۡ بِمَا کَسَبَتۡ قُلُوۡبُکُمۡ ؕ যেমন আল্লাহ্ তা‘আলা বলেনঃ ‘‘কিন্তু তিনি তোমাদের অন্তরের সংকল্পের জন্য পাকড়াও করবেন।’’ (সূরাহ্ বাক্বারাহ ২/২২৫) ২০. ‘আয়িশাহ (রাযি.) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আল্লাহর রাসূল সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম সাহাবীদের যখন কোন কাজের নির্দেশ দিতেন, তাঁদের সামর্থ্য অনুযায়ী নির্দেশ দিতেন। একবার তাঁরা বললেন, ‘হে আল্লাহর রাসূল্! আমরা তো আপনার মত নই। আল্লাহ্ তা‘আলা আপনার পূর্ববর্তী এবং পরবর্তী সকল গুনাহ ক্ষমা করে দিয়েছেন।’ তা শুনে তিনি রাগ করলেন, এমনকি তাঁর চেহারায় রাগের চিহ্ন ফুটে উঠল। অতঃপর তিনি বললেনঃ তোমাদের চেয়ে আমিই আল্লাহকে অধিক ভয় করি ও বেশী জানি। (আধুনিক প্রকাশনীঃ ১৯, ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ)

    ஆயிஷா (ரலி) அவர்கள் கூறியதாவது: அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் நல்லவற்றை(ச் செய்யுமாறு) மக்களுக்குக் கட்டளையிட்டால், அவர்களால் இயன்ற செயல்களையே (செய்யுமாறு) கட்டளை யிடுவார்கள். மக்கள், “அல்லாஹ்வின் தூதரே! அல்லாஹ் உங்களுடைய முன் பின் பாவங்களை மன்னித்துவிட்டான். (ஆனால்,) எங்கள் நிலையோ உங்கள் நிலையைப் போன்றதன்று (நாங்கள் குறைந்த அளவில் நல்லறங்கள் புரிந்தால் போதாது; அதிகமாகச் செய்ய வேண்டிய நிலையில் உள்ளோம்)” என்று கூறி னார்கள். (இதைக் கேட்ட) உடன் நபி (ஸல்) அவர்கள் கோபமடைந்தார்கள். எந்த அளவுக்கென்றால் கோபத்தின் அறிகுறி அவர்களது முகத்தில் காணப்பட்டது. பிறகு “உங்கள் அனைவரைவிடவும் நான் (அல்லாஹ்வை) நன்கு அஞ்சி நடப்பவ னும் அல்லாஹ்வைப் பற்றி அறிந்தவனும் ஆவேன்” என்று கூறினார்கள். அத்தியாயம் :