• 1569
  • حَاصَرْنَا تَوَّجَ وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ : مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ , قَالَ : فَلَمَّا أَنِ افْتَتَحْنَاهَا ، قَالَ : وَعَلَيَّ قَمِيصٌ خَلِقٌ انْطَلَقْتُ إِلَى قَتِيلٍ مِنَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قَتَلْنَا مِنَ الْعَجَمِ , قَالَ : فَأَخَذْتُ مِنْ قَمِيصِ بَعْضِ أُولَئِكَ الْقَتْلَى , قَالَ : وَعَلَيْهِ الدِّمَاءُ , فَغَسَلْتُهُ بَيْنَ أَحْجَارٍ , وَدَلَّكْتُهُ حَتَّى أَنْقَيْتَهُ وَلَبِسْتَهُ وَأَدْخَلْتَهُ الْقَرْيَةَ , فَأَخَذْتُ إِبْرَةً وَخُيُوطًا , فَخِطْتُ قَمِيصِي , فَقَامَ مُجَاشِعٌ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , لَا تَغُلُّوا شَيْئًا , مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ كَانَ مِخْيَطًا , فَانْطَلَقْتُ إِلَى ذَلِكَ الْقَمِيصِ فَنَزَعْتُهُ وَانْطَلَقْتُ إِلَى قَمِيصِي فَجَعَلْتُ أَفْتُقُهُ حَتَّى وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ جَعَلْتُ أَخْرِقُ قَمِيصِي تَوَقِّيًا عَلَى الْخَيْطِ أَنْ يَنْقَطِعَ ; فَانْطَلَقْتُ وَالْإِبْرَةُ وَالْقَمِيصُ الَّذِي كُنْتُ أَخَذْتُهُ مِنَ الْمَقَاسِمِ فَأَلْقَيْتُهُ فِيهَا ثُمَّ مَا ذَهَبْتُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى رَأَيْتُهُمْ يَغُلُّونَ الْأَوْسَاقَ , فَإِذَا قُلْتَ : أَيُّ شَيْءٍ هَذَا ؟ قَالُوا نَصِيبُنَا مِنَ الْفَيْءِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا قَالَ عَاصِمٌ : وَرَأَى أَبِي رُؤْيَا وَهُمْ مُحَاصِرُو تَوَّجَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ , وَكَانَ أَبِي إِذَا رَأَى رُؤْيَا كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا زَهَارًا , وَكَانَ أَبِي قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَرَأَى كَأَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا وَكَأَنَّ قَوْمًا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ , اخْتَلَفَتْ أَيْدِيهِمْ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثِيَابٌ خُضْرٌ جَالِسَةً كَأَنَّهَا لَوْ تَشَاءُ أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمْ , إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَلَبَ بِطَانَةَ جُبَّةٍ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ , أَيَخْلَقُ الْإِسْلَامُ فِيكُمْ وَهَذَا سِرْبَالُ نَبِيِّ اللَّهِ فِيكُمْ لَمْ يَخْلَقْ , إِذْ قَامَ آخَرُ مِنَ الْقَوْمِ فَأَخَذَ بِأَحَدِ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَنَفَضَهُ حَتَّى اضْطَرَبَ وَرَقُهُ , قَالَ : فَأَصْبَحَ أَبِي يَعْرِضُهَا وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعَبِّرُهَا , قَالَ : كَأَنَّهُمْ هَابُوا تَعْبِيرَهَا , قَالَ : قَالَ أَبِي : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَإِذَا النَّاسُ قَدْ عَسْكَرُوا , قَالَ : قُلْتُ : مَا شَأْنُهُمْ ؟ قَالَ : فَقَالُوا : بَلَغَهُمْ أَنَّ قَوْمًا قَدْ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ فَعَسْكَرُوا لِيُدْرِكُوهُ فَيَنْصُرُوهُ , فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَالِحٌ , وَقَدِ انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ , فَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا قَتْلُهُ , قَالَ : فَقَالَ أَبِي : فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ شَيْخًا بَاكِيًا تُخَلِّلُ الدُّمُوعُ لِحْيَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ; فَمَا لَبِثَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى إِذَا الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ قَدْ قَدِمَا الْبَصْرَةَ , قَالَ : فَمَا لَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى إِذَا عَلِيٌّ أَيْضًا قَدْ قَدِمَ , فَنَزَلَ بِذِي قَارٍ , قَالَ : فَقَالَ لِي شَيْخَانِ مِنَ الْحَيِّ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ , فَلْنَنْظُرْ إِلَى مَا يَدْعُو , وَأَيُّ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ , فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ وَتَبَيَّنَّا فَسَاطِيطَهُمْ إِذَا شَابٌّ جَلْدٌ غَلِيظٌ خَارِجٌ مِنَ الْعَسْكَرِ , قَالَ الْعَلَاءُ , رُئِيتُ أَنَّهُ قَالَ : عَلَى بَغْلٍ , فَلَمَّا أَنْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ شَبَّهْتُهُ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَيْتُهَا عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ فِي النَّوْمِ , فَقُلْتُ لِصَاحِبِيَّ : لَئِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ أَخٌ إِنَّ ذَا لَأَخُوهَا , قَالَ : فَقَالَ لِي أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي : مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا ؟ قَالَ : وَغَمَزَنِي بِمِرْفَقِهِ , قَالَ الشَّابُّ : أَيُّ شَيْءٍ قُلْتُ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ : لَمْ يَقُلْ شَيْئًا , فَانْصَرِفْ , قَالَ : لِتُخْبِرَنِي مَا قُلْتَ , قَالَ : فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا , قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتَ ؟ قَالَ : وَارْتَاعَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لَقَدْ رَأَيْتَ لَقَدْ رَأَيْتَ , حَتَّى انْقَطَعَ عَنَّا صَوْتُهُ , قَالَ : فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ لَقِيتُ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي رَأَيْنَا آنِفًا , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ : فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ عَائِشَةُ , قَالَ : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْتُ الْعَسْكَرَ قَدِمْتُ عَلَى أَدْهَى الْعَرَبِ يَعْنِي عَلِيًّا قَالَ : وَاللَّهِ لَدَخَلَ عَلِيٌّ فِي نَسَبِ قَوْمِي حَتَّى جَعَلْتُ أَقُولُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنِّي , حَتَّى قَالَ : أَمَا إِنَّ بَنِي رَاسِبٍ بِالْبَصْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي قُدَامَةَ , قَالَ : قُلْتُ أَجَلْ , قَالَ : فَقَالَ : أَسَيِّدُ قَوْمِكَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : لَا , وَإِنِّي فِيهِمْ لَمُطَاعٌ , وَلِغَيْرِي أَسُودُ , وَأَطْوَعُ فِيهِمْ مِنِّي , قَالَ : فَقَالَ : مَنْ سَيِّدُ بَنِي رَاسِبٍ ؟ قُلْتُ : فُلَانٌ , قَالَ : فَسَيِّدُ بَنِي قُدَامَةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : فُلَانٌ لِآخَرَ ; قَالَ : هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغُهُمَا كِتَابَيْنِ مِنِّي ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : أَلَا تُبَايِعُونَ ؟ قَالَ : فَبَايَعَ الشَّيْخَانِ اللَّذَانِ مَعِي , قَالَ : وَأَضَبَّ قَوْمٌ كَانُوا عِنْدَهُ , قَالَ : وَقَالَ أَبِي بِيَدِهِ : كَأَنَّ فِيهِمْ خِفَّةً , قَالَ : فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : بَايِعْ بَايِعْ , قَالَ : وَقَدْ أَكَلَ السُّجُودُ وُجُوهَهُمْ , قَالَ : فَقَالَ إِلَى الْقَوْمِ : دَعُوا الرَّجُلَ , قَالَ : فَقَالَ أَبِي : إِنَّمَا بَعَثَنِي قَوْمِي رَائِدًا وَسَأُنْهِي إِلَيْهِمْ مَا رَأَيْتُ , فَإِنْ بَايَعُوكَ بَايَعْتُكَ , وَإِنِ اعْتَزَلُوكَ اعْتَزَلْتُكَ ; قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَكَ بَعَثُوكَ رَائِدًا فَرَأَيْتُ رَوْضَةً وَغَدِيرًا فَقُلْتُ : يَا قَوْمُ , النُّجْعَةَ النُّجْعَةَ , فَأَبَوْا , مَا أَنْتَ مُنْتَجِعٌ بِنَفْسِكَ ؟ قَالَ : فَأَخَذْتُ بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ , ثُمَّ قُلْتُ : نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ نُطِيعَكَ مَا أَطَعْتَ اللَّهَ , فَإِذَا عَصَيْتَهُ فَلَا طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا , فَقَالَ : نَعَمْ , وَطَوَّلَ بِهَا صَوْتَهُ , قَالَ : فَضَرَبْتُ عَلَى يَدِهِ , قَالَ : ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ , قَالَ : فَقَالَ : أَمَا انْطَلَقْتَ إِلَى قَوْمِكَ بِالْبَصْرَةِ فَأَبْلِغْهُمْ كُتُبِي وَقَوْلِي , قَالَ : فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ يَقُولُونَ : مَا قَوْلُ صَاحِبِكَ فِي عُثْمَانَ ؟ قَالَ : فَسَبَّهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ , قَالَ : فَرَأَيْتُ جَبِينَ عَلِيٍّ يَرْشَحُ كَرَاهِيَةً لِمَا يَجِيئُونَ بِهِ , قَالَ : فَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَيُّهَا النَّاسُ , كُفُّوا فَوَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَسْأَلُ , وَلَا عَنْكُمْ أَسْأَلُ , قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَخْبِرْهُمْ أَنَّ قَوْلِي فِي عُثْمَانَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ , إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قَالَ : قَالَ أَبِي : فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ , جَعَلُوا يَلْقُونِي فَيَقُولُونَ : أَتَرَى إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَاتِلُونَنَا , قَالَ : وَيَضْحَكُونَ وَيَعْجَبُونَ , ثُمَّ قَالُوا : وَاللَّهِ لَوْ قَدِ الْتَقَيْنَا تَعَاطَيْنَا الْحَقَّ , قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يَقْتَتِلُونَ , قَالَ : وَخَرَجْتُ بِكِتَابِ عَلِيٍّ , فَأَمَّا أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَتَبَ إِلَيْهِمَا فَقَبِلَ الْكِتَابَ وَأَجَابَهُ , وَدَلَلْتُ عَلَى الْآخَرِ فَتَوَارَى , فَلَوْلَا أَنَّهُمْ قَالُوا كُلَيْبٌ , فَأَذِنَ لِي فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ , فَقُلْتُ : هَذَا كِتَابُ عَلِيٍّ , وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ , قَالَ : فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ , وَقَالَ : لَا حَاجَةَ لِي إِلَى السُّؤْدُدِ الْيَوْمَ , إِنَّمَا سَادَاتُكُمُ الْيَوْمَ شَبِيهٌ بِالْأَوْسَاخِ أَوِ السَّفَلَةِ أَوِ الْأَدْعِيَاءِ , وَقَالَ : كَلِّمْهُ , لَا حَاجَةَ لِي الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ , فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ , قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَجَعْتُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى إِذَا الْعَسْكَرَانِ قَدْ تَدَانَيَا فَاسْتَتَبَّ عُبْدَانُهُمْ , فَرَكِبَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ أَطْعَنَ الْقَوْمُ , وَمَا وَصَلْتُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ قِتَالِهِمْ , دَخَلْتُ عَلَى الْأَشْتَرِ فَأَصَابَهُ جِرَاحٌ قَالَ عَاصِمٌ : وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى أَبِي قَالَ وَالْبَيْتُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَصْحَابِهِ , قَالَ : يَا كُلَيْبُ , إِنَّكَ أَعْلَمُ بِالْبَصْرَةِ مِنَّا , فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي إِفْرَةَ جَمَلِ نَجْدَةَ فِيهَا فَاشْتَرَيْتُ مِنْ عَرِيفٍ لِمُهْرَةَ جَمَلَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ , قَالَ : اذْهَبْ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ وَقُلْ : يُقْرِئُكَ ابْنُكَ مَالِكٌ السَّلَامَ , وَيَقُولُ : خُذِي هَذَا الْجَمَلَ فَتَبَلَّغِي عَلَيْهِ مَكَانَ جَمَلِكِ , فَقَالَتْ : لَا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ , إِنَّهُ لَيْسَ بِابْنِي , قَالَ : وَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ , قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهَا , قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ حَسَرَ عَنْ سَاعِدِهِ , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَائِشَةَ لَتَلُومُنِي عَلَى الْمَوْتِ الْمُمِيتِ , إِنِّي أَقْبَلْتُ فِي رَجْرَجَةٍ مِنْ مَذْحِجٍ , فَإِذَا ابْنُ عَتَّابٍ قَدْ نَزَلَ فَعَانَقَنِي , قَالَ , فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا , قَالَ : فَضَرَبْتُهُ فَسَقَطَ سُقُوطًا , قَالَ ثُمَّ وَثَبْتُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا , وَمَا أُحِبُّ أَنَّهُ قَالَ : اقْتُلُونِي وَالْأَشْتَرَ , وَلَا أَنَّ كُلَّ مِذْحَجِيَّةٍ وَلَدَتْ غُلَامًا , فَقَالَ أَبِي : إِنِّي اعْتَمَرْتُهَا فِي غَفْلَةٍ , قُلْتُ : مَا يَنْفَعُكَ أَنْتَ إِذَا قُلْتَ أَنْ تَلِدَ كُلُّ مِذْحَجِيَّةٍ غُلَامًا , قَالَ : ثُمَّ دَنَا مِنْهُ أَبِي فَقَالَ : أَوْصِ بِي صَاحِبَ الْبَصْرَةِ ; فَإِنَّ لِي مَقَامًا بَعْدَكُمْ , قَالَ : فَقَالَ : لَوْ قَدْ رَآكَ صَاحِبُ الْبَصْرَةِ لَقَدْ أَكْرَمَكَ , قَالَ : كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ الْأَمِيرُ , قَالَ : فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ , قَالَ : فَقَالَ : قَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلُ خَطِيبًا , فَاسْتَعْمَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ , وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَرَجَعَ أَبِي فَأَخْبَرَ الْأَشْتَرَ , قَالَ : فَقَالَ لِأَبِي , أَنْتَ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَبِي : لَا , قَالَ : فَنَهَرَهُ , وَقَالَ : اجْلِسْ , إِنَّ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ ; قَالَ : فَلَمْ أَبْرَحْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ خَبَرِي ; قَالَ : فَقَالَ : أَنْتَ سَمِعْتَ ذَاكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا , فَنَهَرَهُ نَهْرَةً دُونَ الَّتِي نَهَرَنِي ; قَالَ : لَحَظَ إِلَيَّ وَأَنَا فِي جَانِبِ الْقَوْمِ , أَيْ إِنَّ هَذَا قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ خَبَرِكَ , قَالَ : فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عَتَّابٌ التَّغْلِبِيُّ وَالسَّيْفُ يَخْطِرُ أَوْ يَضْطَرِبُ فِي عُنُقِهِ فَقَالَ : هَذَا أَمِيرُ مُؤْمِنِيكُمْ قَدِ اسْتَوْلَى ابْنُ عَمِّهِ عَلَى الْبَصْرَةِ , وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا , قَالَ : قَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ : أَنْتَ سَمِعْتُهُ يَا أَعْوَرُ ؟ قَالَ : إِي وَاللَّهِ يَا أَشْتَرُ لَأَنَا سَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ , فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمًا فِيهِ كُشُورٌ , قَالَ : فَقَالَ : فَلَا نَدْرِي إِذًا عَلَامَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : ثُمَّ قَالَ : الْمِذْحَجِيَّةُ تَوَقَّوْا فَارْكَبُوا , فَرَكِبَ , قَالَ : وَمَا أَرَاهُ يُرِيدُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا مُعَاوِيَةَ , قَالَ : فَهَمَّ عَلِيٌّ أَنْ يَبْعَثَ خَيْلًا تُقَاتِلُهُ , قَالَ : ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ تَأْمِيرِكَ أَنْ لَا تَكُونَ لِذَلِكَ أَهْلًا , وَلَكِنِّي أَرَدْتُ لِقَاءَ أَهْلِ الشَّامِ وَهُمْ قَوْمُكَ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَظْهِرَ بِكَ عَلَيْهِمْ , قَالَ : وَنَادَى فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ , قَالَ : فَأَقَامَ الْأَشْتَرُ حَتَّى أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ النَّاسِ ; قَالَ : وَكَانَ قَدْ وَقَّتَ لَهُمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ , فَمَارَيْتُ , فَلَمَّا صَنَعَ الْأَشْتَرُ مَا صَنَعَ نَادَى فِي النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ "

    حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَاصَرْنَا تَوَّجَ وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ : مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ , قَالَ : فَلَمَّا أَنِ افْتَتَحْنَاهَا ، قَالَ : وَعَلَيَّ قَمِيصٌ خَلِقٌ انْطَلَقْتُ إِلَى قَتِيلٍ مِنَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قَتَلْنَا مِنَ الْعَجَمِ , قَالَ : فَأَخَذْتُ مِنْ قَمِيصِ بَعْضِ أُولَئِكَ الْقَتْلَى , قَالَ : وَعَلَيْهِ الدِّمَاءُ , فَغَسَلْتُهُ بَيْنَ أَحْجَارٍ , وَدَلَّكْتُهُ حَتَّى أَنْقَيْتَهُ وَلَبِسْتَهُ وَأَدْخَلْتَهُ الْقَرْيَةَ , فَأَخَذْتُ إِبْرَةً وَخُيُوطًا , فَخِطْتُ قَمِيصِي , فَقَامَ مُجَاشِعٌ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ , لَا تَغُلُّوا شَيْئًا , مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ كَانَ مِخْيَطًا , فَانْطَلَقْتُ إِلَى ذَلِكَ الْقَمِيصِ فَنَزَعْتُهُ وَانْطَلَقْتُ إِلَى قَمِيصِي فَجَعَلْتُ أَفْتُقُهُ حَتَّى وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ جَعَلْتُ أَخْرِقُ قَمِيصِي تَوَقِّيًا عَلَى الْخَيْطِ أَنْ يَنْقَطِعَ ; فَانْطَلَقْتُ وَالْإِبْرَةُ وَالْقَمِيصُ الَّذِي كُنْتُ أَخَذْتُهُ مِنَ الْمَقَاسِمِ فَأَلْقَيْتُهُ فِيهَا ثُمَّ مَا ذَهَبْتُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى رَأَيْتُهُمْ يَغُلُّونَ الْأَوْسَاقَ , فَإِذَا قُلْتَ : أَيُّ شَيْءٍ هَذَا ؟ قَالُوا نَصِيبُنَا مِنَ الْفَيْءِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا قَالَ عَاصِمٌ : وَرَأَى أَبِي رُؤْيَا وَهُمْ مُحَاصِرُو تَوَّجَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ , وَكَانَ أَبِي إِذَا رَأَى رُؤْيَا كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا زَهَارًا , وَكَانَ أَبِي قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : فَرَأَى كَأَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا وَكَأَنَّ قَوْمًا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ , اخْتَلَفَتْ أَيْدِيهِمْ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ عَلَيْهَا ثِيَابٌ خُضْرٌ جَالِسَةً كَأَنَّهَا لَوْ تَشَاءُ أَصْلَحَتْ بَيْنَهُمْ , إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَلَبَ بِطَانَةَ جُبَّةٍ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ , أَيَخْلَقُ الْإِسْلَامُ فِيكُمْ وَهَذَا سِرْبَالُ نَبِيِّ اللَّهِ فِيكُمْ لَمْ يَخْلَقْ , إِذْ قَامَ آخَرُ مِنَ الْقَوْمِ فَأَخَذَ بِأَحَدِ لَوْحَيِ الْمُصْحَفِ فَنَفَضَهُ حَتَّى اضْطَرَبَ وَرَقُهُ , قَالَ : فَأَصْبَحَ أَبِي يَعْرِضُهَا وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعَبِّرُهَا , قَالَ : كَأَنَّهُمْ هَابُوا تَعْبِيرَهَا , قَالَ : قَالَ أَبِي : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَإِذَا النَّاسُ قَدْ عَسْكَرُوا , قَالَ : قُلْتُ : مَا شَأْنُهُمْ ؟ قَالَ : فَقَالُوا : بَلَغَهُمْ أَنَّ قَوْمًا قَدْ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ فَعَسْكَرُوا لِيُدْرِكُوهُ فَيَنْصُرُوهُ , فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَالِحٌ , وَقَدِ انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ , فَرَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَلَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا قَتْلُهُ , قَالَ : فَقَالَ أَبِي : فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ شَيْخًا بَاكِيًا تُخَلِّلُ الدُّمُوعُ لِحْيَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ; فَمَا لَبِثَ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى إِذَا الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ قَدْ قَدِمَا الْبَصْرَةَ , قَالَ : فَمَا لَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى إِذَا عَلِيٌّ أَيْضًا قَدْ قَدِمَ , فَنَزَلَ بِذِي قَارٍ , قَالَ : فَقَالَ لِي شَيْخَانِ مِنَ الْحَيِّ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ , فَلْنَنْظُرْ إِلَى مَا يَدْعُو , وَأَيُّ شَيْءٍ جَاءَ بِهِ , فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنَ الْقَوْمِ وَتَبَيَّنَّا فَسَاطِيطَهُمْ إِذَا شَابٌّ جَلْدٌ غَلِيظٌ خَارِجٌ مِنَ الْعَسْكَرِ , قَالَ الْعَلَاءُ , رُئِيتُ أَنَّهُ قَالَ : عَلَى بَغْلٍ , فَلَمَّا أَنْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ شَبَّهْتُهُ الْمَرْأَةَ الَّتِي رَأَيْتُهَا عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ فِي النَّوْمِ , فَقُلْتُ لِصَاحِبِيَّ : لَئِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَرِيضِ أَخٌ إِنَّ ذَا لَأَخُوهَا , قَالَ : فَقَالَ لِي أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي : مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا ؟ قَالَ : وَغَمَزَنِي بِمِرْفَقِهِ , قَالَ الشَّابُّ : أَيُّ شَيْءٍ قُلْتُ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ : لَمْ يَقُلْ شَيْئًا , فَانْصَرِفْ , قَالَ : لِتُخْبِرَنِي مَا قُلْتَ , قَالَ : فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا , قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتَ ؟ قَالَ : وَارْتَاعَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ : لَقَدْ رَأَيْتَ لَقَدْ رَأَيْتَ , حَتَّى انْقَطَعَ عَنَّا صَوْتُهُ , قَالَ : فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ لَقِيتُ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي رَأَيْنَا آنِفًا , قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , قَالَ : فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ عَائِشَةُ , قَالَ : فَلَمَّا أَنْ قَدِمْتُ الْعَسْكَرَ قَدِمْتُ عَلَى أَدْهَى الْعَرَبِ يَعْنِي عَلِيًّا قَالَ : وَاللَّهِ لَدَخَلَ عَلِيٌّ فِي نَسَبِ قَوْمِي حَتَّى جَعَلْتُ أَقُولُ : وَاللَّهِ لَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنِّي , حَتَّى قَالَ : أَمَا إِنَّ بَنِي رَاسِبٍ بِالْبَصْرَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي قُدَامَةَ , قَالَ : قُلْتُ أَجَلْ , قَالَ : فَقَالَ : أَسَيِّدُ قَوْمِكَ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : لَا , وَإِنِّي فِيهِمْ لَمُطَاعٌ , وَلِغَيْرِي أَسُودُ , وَأَطْوَعُ فِيهِمْ مِنِّي , قَالَ : فَقَالَ : مَنْ سَيِّدُ بَنِي رَاسِبٍ ؟ قُلْتُ : فُلَانٌ , قَالَ : فَسَيِّدُ بَنِي قُدَامَةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : فُلَانٌ لِآخَرَ ; قَالَ : هَلْ أَنْتَ مُبَلِّغُهُمَا كِتَابَيْنِ مِنِّي ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : أَلَا تُبَايِعُونَ ؟ قَالَ : فَبَايَعَ الشَّيْخَانِ اللَّذَانِ مَعِي , قَالَ : وَأَضَبَّ قَوْمٌ كَانُوا عِنْدَهُ , قَالَ : وَقَالَ أَبِي بِيَدِهِ : كَأَنَّ فِيهِمْ خِفَّةً , قَالَ : فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : بَايِعْ بَايِعْ , قَالَ : وَقَدْ أَكَلَ السُّجُودُ وُجُوهَهُمْ , قَالَ : فَقَالَ إِلَى الْقَوْمِ : دَعُوا الرَّجُلَ , قَالَ : فَقَالَ أَبِي : إِنَّمَا بَعَثَنِي قَوْمِي رَائِدًا وَسَأُنْهِي إِلَيْهِمْ مَا رَأَيْتُ , فَإِنْ بَايَعُوكَ بَايَعْتُكَ , وَإِنِ اعْتَزَلُوكَ اعْتَزَلْتُكَ ; قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَكَ بَعَثُوكَ رَائِدًا فَرَأَيْتُ رَوْضَةً وَغَدِيرًا فَقُلْتُ : يَا قَوْمُ , النُّجْعَةَ النُّجْعَةَ , فَأَبَوْا , مَا أَنْتَ مُنْتَجِعٌ بِنَفْسِكَ ؟ قَالَ : فَأَخَذْتُ بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ , ثُمَّ قُلْتُ : نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ نُطِيعَكَ مَا أَطَعْتَ اللَّهَ , فَإِذَا عَصَيْتَهُ فَلَا طَاعَةَ لَكَ عَلَيْنَا , فَقَالَ : نَعَمْ , وَطَوَّلَ بِهَا صَوْتَهُ , قَالَ : فَضَرَبْتُ عَلَى يَدِهِ , قَالَ : ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ , قَالَ : فَقَالَ : أَمَا انْطَلَقْتَ إِلَى قَوْمِكَ بِالْبَصْرَةِ فَأَبْلِغْهُمْ كُتُبِي وَقَوْلِي , قَالَ : فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا أَتَيْتُهُمْ يَقُولُونَ : مَا قَوْلُ صَاحِبِكَ فِي عُثْمَانَ ؟ قَالَ : فَسَبَّهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ , قَالَ : فَرَأَيْتُ جَبِينَ عَلِيٍّ يَرْشَحُ كَرَاهِيَةً لِمَا يَجِيئُونَ بِهِ , قَالَ : فَقَالَ مُحَمَّدٌ : أَيُّهَا النَّاسُ , كُفُّوا فَوَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَسْأَلُ , وَلَا عَنْكُمْ أَسْأَلُ , قَالَ : فَقَالَ عَلِيٌّ : أَخْبِرْهُمْ أَنَّ قَوْلِي فِي عُثْمَانَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ , إِنَّ عُثْمَانَ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ قَالَ : قَالَ أَبِي : فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ , جَعَلُوا يَلْقُونِي فَيَقُولُونَ : أَتَرَى إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَاتِلُونَنَا , قَالَ : وَيَضْحَكُونَ وَيَعْجَبُونَ , ثُمَّ قَالُوا : وَاللَّهِ لَوْ قَدِ الْتَقَيْنَا تَعَاطَيْنَا الْحَقَّ , قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يَقْتَتِلُونَ , قَالَ : وَخَرَجْتُ بِكِتَابِ عَلِيٍّ , فَأَمَّا أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَتَبَ إِلَيْهِمَا فَقَبِلَ الْكِتَابَ وَأَجَابَهُ , وَدَلَلْتُ عَلَى الْآخَرِ فَتَوَارَى , فَلَوْلَا أَنَّهُمْ قَالُوا كُلَيْبٌ , فَأَذِنَ لِي فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ , فَقُلْتُ : هَذَا كِتَابُ عَلِيٍّ , وَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ , قَالَ : فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ , وَقَالَ : لَا حَاجَةَ لِي إِلَى السُّؤْدُدِ الْيَوْمَ , إِنَّمَا سَادَاتُكُمُ الْيَوْمَ شَبِيهٌ بِالْأَوْسَاخِ أَوِ السَّفَلَةِ أَوِ الْأَدْعِيَاءِ , وَقَالَ : كَلِّمْهُ , لَا حَاجَةَ لِي الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ , فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ , قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَجَعْتُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى إِذَا الْعَسْكَرَانِ قَدْ تَدَانَيَا فَاسْتَتَبَّ عُبْدَانُهُمْ , فَرَكِبَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ أَطْعَنَ الْقَوْمُ , وَمَا وَصَلْتُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ قِتَالِهِمْ , دَخَلْتُ عَلَى الْأَشْتَرِ فَأَصَابَهُ جِرَاحٌ قَالَ عَاصِمٌ : وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ إِلَى أَبِي قَالَ وَالْبَيْتُ مَمْلُوءٌ مِنْ أَصْحَابِهِ , قَالَ : يَا كُلَيْبُ , إِنَّكَ أَعْلَمُ بِالْبَصْرَةِ مِنَّا , فَاذْهَبْ فَاشْتَرِ لِي إِفْرَةَ جَمَلِ نَجْدَةَ فِيهَا فَاشْتَرَيْتُ مِنْ عَرِيفٍ لِمُهْرَةَ جَمَلَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ , قَالَ : اذْهَبْ بِهِ إِلَى عَائِشَةَ وَقُلْ : يُقْرِئُكَ ابْنُكَ مَالِكٌ السَّلَامَ , وَيَقُولُ : خُذِي هَذَا الْجَمَلَ فَتَبَلَّغِي عَلَيْهِ مَكَانَ جَمَلِكِ , فَقَالَتْ : لَا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ , إِنَّهُ لَيْسَ بِابْنِي , قَالَ : وَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ , قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِهَا , قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ حَسَرَ عَنْ سَاعِدِهِ , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِنَّ عَائِشَةَ لَتَلُومُنِي عَلَى الْمَوْتِ الْمُمِيتِ , إِنِّي أَقْبَلْتُ فِي رَجْرَجَةٍ مِنْ مَذْحِجٍ , فَإِذَا ابْنُ عَتَّابٍ قَدْ نَزَلَ فَعَانَقَنِي , قَالَ , فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا , قَالَ : فَضَرَبْتُهُ فَسَقَطَ سُقُوطًا , قَالَ ثُمَّ وَثَبْتُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : اقْتُلُونِي وَمَالِكًا , وَمَا أُحِبُّ أَنَّهُ قَالَ : اقْتُلُونِي وَالْأَشْتَرَ , وَلَا أَنَّ كُلَّ مِذْحَجِيَّةٍ وَلَدَتْ غُلَامًا , فَقَالَ أَبِي : إِنِّي اعْتَمَرْتُهَا فِي غَفْلَةٍ , قُلْتُ : مَا يَنْفَعُكَ أَنْتَ إِذَا قُلْتَ أَنْ تَلِدَ كُلُّ مِذْحَجِيَّةٍ غُلَامًا , قَالَ : ثُمَّ دَنَا مِنْهُ أَبِي فَقَالَ : أَوْصِ بِي صَاحِبَ الْبَصْرَةِ ; فَإِنَّ لِي مَقَامًا بَعْدَكُمْ , قَالَ : فَقَالَ : لَوْ قَدْ رَآكَ صَاحِبُ الْبَصْرَةِ لَقَدْ أَكْرَمَكَ , قَالَ : كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ الْأَمِيرُ , قَالَ : فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ , قَالَ : فَقَالَ : قَدْ قَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلُ خَطِيبًا , فَاسْتَعْمَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ , وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا , قَالَ : فَرَجَعَ أَبِي فَأَخْبَرَ الْأَشْتَرَ , قَالَ : فَقَالَ لِأَبِي , أَنْتَ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : فَقَالَ أَبِي : لَا , قَالَ : فَنَهَرَهُ , وَقَالَ : اجْلِسْ , إِنَّ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ ; قَالَ : فَلَمْ أَبْرَحْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ مِثْلَ خَبَرِي ; قَالَ : فَقَالَ : أَنْتَ سَمِعْتَ ذَاكَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا , فَنَهَرَهُ نَهْرَةً دُونَ الَّتِي نَهَرَنِي ; قَالَ : لَحَظَ إِلَيَّ وَأَنَا فِي جَانِبِ الْقَوْمِ , أَيْ إِنَّ هَذَا قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ خَبَرِكَ , قَالَ : فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عَتَّابٌ التَّغْلِبِيُّ وَالسَّيْفُ يَخْطِرُ أَوْ يَضْطَرِبُ فِي عُنُقِهِ فَقَالَ : هَذَا أَمِيرُ مُؤْمِنِيكُمْ قَدِ اسْتَوْلَى ابْنُ عَمِّهِ عَلَى الْبَصْرَةِ , وَزَعَمَ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الشَّامِ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا , قَالَ : قَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ : أَنْتَ سَمِعْتُهُ يَا أَعْوَرُ ؟ قَالَ : إِي وَاللَّهِ يَا أَشْتَرُ لَأَنَا سَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ , فَتَبَسَّمَ تَبَسُّمًا فِيهِ كُشُورٌ , قَالَ : فَقَالَ : فَلَا نَدْرِي إِذًا عَلَامَ قَتَلْنَا الشَّيْخَ بِالْمَدِينَةِ ؟ قَالَ : ثُمَّ قَالَ : الْمِذْحَجِيَّةُ تَوَقَّوْا فَارْكَبُوا , فَرَكِبَ , قَالَ : وَمَا أَرَاهُ يُرِيدُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا مُعَاوِيَةَ , قَالَ : فَهَمَّ عَلِيٌّ أَنْ يَبْعَثَ خَيْلًا تُقَاتِلُهُ , قَالَ : ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ تَأْمِيرِكَ أَنْ لَا تَكُونَ لِذَلِكَ أَهْلًا , وَلَكِنِّي أَرَدْتُ لِقَاءَ أَهْلِ الشَّامِ وَهُمْ قَوْمُكَ , فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَظْهِرَ بِكَ عَلَيْهِمْ , قَالَ : وَنَادَى فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ , قَالَ : فَأَقَامَ الْأَشْتَرُ حَتَّى أَدْرَكَهُ أَوَائِلُ النَّاسِ ; قَالَ : وَكَانَ قَدْ وَقَّتَ لَهُمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ , فَمَارَيْتُ , فَلَمَّا صَنَعَ الْأَشْتَرُ مَا صَنَعَ نَادَى فِي النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرَّحِيلِ

    خلق: الخلق : القديم البالي
    ودلكته: دلك : حكَّ
    تغلوا: الغلول : الخيانة والسرقة
    الفيء: الفيء : ما يؤخذ من العدو من مال ومتاع بغير حرب
    جبة: الجبة : ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب
    عريف: العريف : القيم بأمور الجماعة من الناس
    لَا تَغُلُّوا شَيْئًا , مَنْ غَلَّ شَيْئًا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات