• 1382
  • " خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ , فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمِ الرَّاهِبُ , وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ , قَالَ : فَهُمْ يَحِلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ , هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ , هَذَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ , فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ : مَا عَمَلُكَ ؟ قَالَ : إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ , وَإِنِّي لَأَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ , ثُمَّ رَجَعَ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا , فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رَعِيَّةِ الْإِبِلِ قَالَ : أَرْسِلُوا إِلَيْهِ , فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ قَالَ : انْظُرُوا إِلَيْهِ عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ , فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ , فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ , فَقَالَ : انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ , قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ , فَإِنَّ الرُّومَ لَوْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ , فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِتِسْعَةِ نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ , فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكُمْ ؟ قَالُوا : جِئْنَا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ , فَلَمْ يَبْقَ فِي طَرِيقٍ إِلَّا قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ , وَإِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا , فَقَالَ لَهُمْ : مَا خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ , قَالُوا : لَا , إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا لِطَرِيقِكَ هَذَا , قَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ ؟ قَالُوا : لَا , قَالَ : فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ , فَأَتَاهُمْ فَقَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : أَنَا , فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ "

    حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ ، قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ , فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمِ الرَّاهِبُ , وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ , قَالَ : فَهُمْ يَحِلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ , هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ , هَذَا يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ , فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ : مَا عَمَلُكَ ؟ قَالَ : إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ , وَإِنِّي لَأَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ , ثُمَّ رَجَعَ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا , فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رَعِيَّةِ الْإِبِلِ قَالَ : أَرْسِلُوا إِلَيْهِ , فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ قَالَ : انْظُرُوا إِلَيْهِ عَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ , فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ , فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ , فَقَالَ : انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ , قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ , فَإِنَّ الرُّومَ لَوْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ , فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِتِسْعَةِ نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ , فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكُمْ ؟ قَالُوا : جِئْنَا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ , فَلَمْ يَبْقَ فِي طَرِيقٍ إِلَّا قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ , وَإِنَّا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا , فَقَالَ لَهُمْ : مَا خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ , قَالُوا : لَا , إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا لِطَرِيقِكَ هَذَا , قَالَ : أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ وَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ ؟ قَالُوا : لَا , قَالَ : فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ , فَأَتَاهُمْ فَقَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : أَنَا , فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ

    رحالهم: الرحال : جمع رحل وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب عليه
    يتخللهم: التخلل : التحرك والتنقل بين شيئين
    خر: خر : سقط وهوى بسرعة
    غضروف: الغضروف : العظم اللين
    الإبل: الإبل : الجمال والنوق ، ليس له مفرد من لفظه
    غمامة: الغمام : السحاب
    دنا: الدنو : الاقتراب
    فيء: الفيء : الظل بعد الزوال
    خلفتم: خلف : ترك
    وليه: الولي : مَنْ يقوم بتحمل المسئولية والوِلايَة وهي القُدْرة على الفِعْل والقيام بالأمور والتصرف فيها والتدبير لها
    " خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
    حديث رقم: 3711 في جامع الترمذي أبواب المناقب باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم
    حديث رقم: 4195 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ تَوَارِيخِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَمِنْ كِتَابِ آيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي هِيَ
    حديث رقم: 31096 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْفَضَائِلِ بَابُ مَا أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 104 في دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ فِي ذِكْرِ نُشُوِّهِ ، وَتَصَرُّفِ الْأَحْوَالِ بِ ذِكْرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الشَّامِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِنِبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ . أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يُجَهِّزُوا عِيرًا إِلَى الشَّامِ بِتِجَارَاتٍ وَأَمْوَالٍ عِظَامٍ وَأَجْمَعَ أَبُو طَالِبٍ الْمَسِيرَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ فَلَمَّا تَهَيَّأَ لَهُ الْمَسِيرَ انْتَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يَشْخَصُ مَعَهُ فَرَّقَ عَلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ قَالَ : أَتَخْرُجُ ؟ فَكَلَّمَهُ عُمُومَتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَقَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ : مِثْلُ هَذَا الْغُلَامِ لَا يُخْرَجُ بِهِ ؛ تُعَرِّضُهُ لِلْأَرْيَافِ وَالْأَوْبَاءِ فَهَمَّ أَبُو طَالِبٍ بِتَخْلِيفِهِ فَرَآهُ يَبْكِي قَالَ : مَا لَكَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ لَعَلَّ بُكَاءَكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُفَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : فَإِنِّي لَا أُفَارِقُكَ أَبَدًا فَاخْرُجْ مَعِي فَخَرَجَ فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ بَحِيرا الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَةٍ وَكَانَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ فَلَمَّا نَزَلُوا بِبَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَقَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا مَرُّوا عَلَيْهِ صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَدَعَاهُمْ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةٌ تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ نَظَرَ تِلْكَ الْغَمَامَةَ قَدْ أَظَلَّتِ الشَّجَرَةَ فَتَهَصَّرَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَظَلَّ فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَتَى بِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تَحْضُرُوا وَلَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونَنِي بِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ قَبْلَ هَذَا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ : أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ سِنًّا ؛ يَنْظُرُ رِحَالَهُمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ وَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدَهَا عِنْدَهُ وَجَعَلَ يَنْظُرُ فَلَا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ وَيَرَاهَا مُحَلِّقَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَحِيرَا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ طَعَامِي هَذَا قَالُوا : مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِنَا قَالَ : ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ مِنْ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفُ وَاحِدٌ ، إِنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، قَالُوا : هُوَ وَاللَّهِ مِنْ أَوْسَطِنَا نَسَبًا وَابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَامَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ : وَاللَّهِ كَادَ الْيَوْمُ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ وَانْقَلَعَتِ الشَّجَرَةُ مِنْ أَصْلِهَا حِينَ فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ بَحِيرَا فَقَالَ : يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيُّ حَقٍّ لَهُمَا عِنْدِي ؟ لَا تَسْأَلْنِي بِحَقِّ الَّاتِ وَالْعُزَّى ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا ، وَمَا تَأَمَّلْتُهُمَا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِمَا كَرَاهَةً لَهُمَا ، وَلَكِنِ اسْأَلْنِي بِاللَّهِ أُخْبِرْكَ عَمَّا تَسْأَلُنِي عَنْهُ إِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ قَالَ بَحِيرَا : فَبِاللَّهِ أَسْأَلُكَ ، وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِهِ فَيُخْبِرُهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَنْ نَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي عَيْنَيْهِ إِلَى الْحُمْرَةِ ثُمَّ قَالَ لِقَوْمِهِ : أَخْبِرُونِي عَنْ هَذِهِ الْحُمْرَةِ تَأْتِي وَتَذْهَبُ أَوْ لَا تُفَارِقُهُ ؟ قَالُوا : مَا رَأَيْنَاهَا فَارَقَتْهُ قَطُّ وَكَلَّمَهُ أَنْ يَنْزَعَ جُبَّةً عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ وَإِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ مُتَوَاسِطًا فَاقْشَعَرَّتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَقَبَّلَ مَوْضِعَ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ : إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ - لَمَّا رَأَى مِنَ الرَّاهِبِ - يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ لِأَبِي طَالِبٍ : مَا يَكُونُ هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ ؟ قَالَ : ابْنِي قَالَ : مَا هُوَ بِابْنِكَ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا قَالَ : فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي قَالَ : فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : تُوُفِّيَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ ؟ قَالَ : تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا قَالَ : صَدَقْتَ ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِكَ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ فَوَاللَّهِ إِنْ رَأَوْهُ أَوْ عَرَفُوا مِنْهُ الَّذِي أَعْرِفُ لِيَبْغُنَّهُ عَنَتًا فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا وَمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا ، وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْنَا مَوَاثِيقُ ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ : مَنْ أَخَذَهَا عَلَيْكُمْ ؟ فَتَبَسَّمَ الرَّاهِبُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَخَذَهَا عَلَيْنَا ، نَزَلَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَأَقْلِلِ اللَّبْثَ وَارْجِعْ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ مَوْلِدِهِ ، فَإِنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ ، فَإِنَّ الْيَهُودَ تَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَمَتَى يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهَا يَحْسِدُوهُ ، قَالَ : وَرَآهُ رِجَالٌ مِنَ الْيَهُودِ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ وَعَرَفُوا صِفَتَهُ وَهُمْ : زَرِيدٌ وَتَمَّامٌ وَدُبَيْسٌ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا قَدْ هَمُّوا وَأَجْمَعُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ فَذَهَبُوا إِلَى بَحِيرَا فَذَاكَرُوهُ ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ بَحِيرَا سَيُتَابِعُهُمْ عَلَى رَأْيِهِمْ فَنَهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ وَقَالَ لَهُمْ : أَتَجِدُونَ صِفَتَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : فَمَا لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ فَتَرَكُوهُ وَخَرَجَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ رَاجِعًا سَرِيعًا خَائِفًا مِنَ الْيَهُودِ أَنْ يَغْتَالُوهُ قَالَ : وَشَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ يَكْلَؤُهُ اللَّهُ وَيَحْفَظُهُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَعَايِبِهَا ؛ لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَعَلَى دَيْنِ قَوْمِهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْ كَانَ رَجُلًا أَفْضَلَ قَوْمِهِ مُرُوءَةً وَأَحْسَنَهُمْ جِوَارًا وَأَكْرَمَهُمْ مُخَالَطَةً وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَأَعْظَمَهُمْ حِلْمًا وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَبْعَدَهُمْ مِنَ الْفُحْشِ وَالْأَذَى مَا رُؤِيَ مُلَاحِيًا أَحَدًا وَلَا مُمَارِيًا أَحَدًا حَتَّى سَمَّاهُ قَوْمُهُ الْأَمِينَ ؛ لِمَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ فَلَقَدْ كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ الْأَمِينُ
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات